فشلت مفاوضات جنيف، التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية، في الوصول لأي توافق بشأن خريطة طريق لإنهاء الحرب التي دخلت عامها الثاني في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. دارت مخرجات الاجتماعات التي استمرت على مدار عشرة أيام، في فلك إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المتضررين من الحرب، في ظل إخفاقات متتالية من الانتقال نحو وضع صيغة تضمن إنهاء العدائيات.
ولم يشارك وفد الجيش في المفاوضات التي انطلقت في 14 أغسطس/آب الجاري، وكان من المفترض إجراء اجتماعات بين وفد الحكومة السودانية والمبعوث الأمريكي إلى السودان توم بيريللو، في القاهرة الأسبوع الماضي كمحاولة أخيرة لإنقاذ المفاوضات من الفشل لكنها لم تنعقد أيضًا، ولم تُفلح الضغوط الأمريكية القوية في الدفع نحو وقف القتال.
نجاح تأمين المساعدات
رغم الفشل في التوصل لاتفاق، كان تأمين وصول المساعدات الإنسانية التطور الإيجابي خلال هذه المفاوضات، وأصدرت مجموعة "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح وتحقيق السلام في السودان" التي تضم السعودية وأمريكا وسويسرا والإمارات ومصر والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة بيانًا بشأن نتائج الاجتماعات التي عقدت في جنيف حول الأزمة في السودان.
وأكدت فيه "تأمين إعادة فتح وتوسيع طرق إيصال الغذاء والدواء والخدمات الطارئة لملايين السودانيين بمشاركة الجيش والدعم السريع والحصول على ضمانات من طرفي الصراع لتأمين إيصال المساعدات الإنسانية عبر ممرين هما معبر الحدود الغربي في دارفور قرب أدري، وطريق الدبة الذي يمكن الوصول إليه من بورتسودان".
تهرب الجيش بكافة الطرق من الجلوس على مائدة المفاوضات
"عبر مشهد المفاوضات المتعثرة، التي كان يعول عليها السودانيون، عن إصرار دولي للتوصل إلى نقطة تطور إيجابية مع تنامي المخاوف الإقليمية، من تأثيرات استمرار الحرب التي دخلت عامها الثاني دون أمد واضح لإمكانية إنهائها"، حسب ما يؤكده رئيس الحزب الاشتراكي الوحدوي في السودان، صديق أبو فواز في تصريحاته لـ المنصة.
يشير أبو فواز إلى أن رغبة السودانيين اصطدمت برفض مباشر من الجيش الذي تهرب من الجلوس على طاولة المفاوضات "بكافة الطرق الملتوية"، لاعتبارات مختلفة بعضها يرتبط بموقفه الضعيف عسكريًا على الأرض، ووجود آراء متعارضة داخله بشأن إنهاء الحرب، إلى جانب رفض آخر مبطن من جانب قوات الدعم السريع تُعبر عنه مواقفها العسكرية على الأرض بعد أن حاولت إسقاط آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور بمدينة الفاشر عاصمة الإقليم قبل ساعات من موعد بدء المحادثات.
أما قوات الدعم السريع التي لا تبدي رفضًا لإنهاء الحرب بشكل صريح، وتبدو أكثر حرصًا على الاستجابة لدعاوى التفاوض، يرى أبو فواز أنها قد تكون سببًا في إفشال أي مفاوضات حال أصرت على موقفها الرافض للانسحاب من المناطق المدنية ورفضها وجود قوات مراقبة دولية تضمن تنفيذ اتفاق جدة، كما أن تجاوبها خلال الأيام المقبلة مع إدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق الجيش سيكون معبرًا عن مدى صدق رغبتها التخفيف عن المدنيين.
كانت قوات الدعم السريع استجابت للدعوة الأمريكية وأرسلت وفدها المفاوض لجنيف، وقال محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد الدعم السريع إن غياب وفد الجيش عن مفاوضات جنيف أعاق جهود التوصل إلى حل لوقف إطلاق النار، وسيكون سببًا في إطالة أمد الحرب، مشيرًا إلى أن قواته ملتزمة بكافة التعهدات وتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية، ولن يتردد في التعامل مع أي مبادرة جادة لإنهاء الحرب.
وقبل أيام، حذر رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في السودان محمد رفعت من أن الوضع الإنساني في البلاد وصل إلى نقطة الانهيار، مع ازدياد أعداد النازحين واللاجئين بشكل غير مسبوق، مشيرًا إلى أن عدد النازحين داخليًا تجاوز 10.7 مليون شخص، بالإضافة إلى 2.3 مليون لاجئ خارج البلاد.
الجيش والدعم السريع يسعيان لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية
فيما أدانت وزارة الخارجية الأمريكية قبل أربعة أشهر القرار الذي اتخذته القوات المسلحة السودانية بحظر المساعدات الإنسانية عبر الحدود من تشاد في فبراير/شباط الماضي، إذ أفادت حسب التقارير بأن القوات المسلحة السودانية تعرقل وصول المساعدات إلى المجتمعات المحلية في المناطق التي تسيطر عليها قوات "الدعم السريع". وفي الوقت ذاته أدانت نهب قوات "الدعم السريع" المنازل والأسواق ومستودعات المساعدات الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ومضايقة الجانبين للعاملين في المجال الإنساني وعرقلة إيصال المساعدات المنقذة للحياة.
الفشل المتوقع
فشل المفاوضات لم يكن مفاجئًا بل متوقع منذ اللحظة الأولى، يقول عضو تنسيقية "تقدم"، محمد الهادي محمود لـ المنصة "الفشل متوقع بفعل مواقف الطرفين المتباعدة لأنهما في صراع عنيف من أجل السلطة، وكلاهما يريد تحقيق أهدافه قبل الجلوس على أي طاولة سياسية رغم أنهما غير مقبولين من الشعب السوداني".
"كلاهما يرى أنه في منتصف الطريق، ولم تحقق قوات الدعم السريع السيطرة الكاملة على أي من أقاليم السودان، وكذلك فإن الجيش لم يستطع تحرير ما فقده من مواقع وحاميات عسكرية، والآن يجدان نفسيهما أمام ضغوطات دولية هائلة لوقف الحرب ويواجهان صعوبة في التعامل معها" يضيف محمود.
أما مستشارة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية وخبيرة الشؤون الإفريقية، أماني الطويل، فترى أن "الجيش والدعم السريع يسعيان لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية أولًا بغض النظر عن أن ذلك سيقود إلى وقف الحرب من عدمه، وهو ما يجعل مسألة الوصول لاتفاق وقف القتال يبدو صعبًا للغاية".
"الجيش لا يريد تقديم هدايا مجانية لقوات الدعم السريع، ويعتبر وجوده على طاولة تفاوض واحدة معها بمثابة انتصار عسكري لها مع تفوقها على الأرض" تقول الطويل لـ المنصة، مشيرة إلى أن حجم الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها قوات حميدتي تقف حائلًا أمام قبول الجيش "ومن هنا تكمن معضلة القدرة على إقناع الطرفين بوقف القتال".
تشير آخر إحصائية صادرة عن وكالات الأمم المتحدة، في 29 يوليو/تموز الماضي، إلى أن الحرب التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان 2023 أدت إلى مقتل أكثر من 18,800 شخص وإصابة أكثر من 33 ألفًا آخرين، غير أن تصريحات أدلى بها المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيريللو أكد فيها أن التقديرات تشير إلى مقتل 150 ألف شخص خلال الحرب في السودان، وفق رويترز.
تستمر الحرب في السودان، بينما كانت مفاوضات جنيف التي ترعاها الولايات المتحدة محاولة من الإدارة الأمريكية الحالية لتحقيق مكسب سياسي على أنقاض الدولة السودانية، حسب أبو فواز، الذي اعتبرها جزءًا من الدعاية الانتخابية للحزب الديمقراطي الأمريكي.