صنفته مجلة American Cinematographer، وهي أحد أهم وأعرق مجلات التصوير السينما في العالم، واحدًا من أكثر مديري التصوير الواعدين في العالم لعالم 2020، والذين أصبح لديهم بصمة واضحة تميزهم. هو مدير التصوير المصري عبد السلام موسى (المولود في 9 يونيو/ حزيران 1984) وشارك في عدة أفلام ومسلسلات في السنوات العشر الأخيرة، حيث أثبت في مدة قصيرة أنه واحد من أفضل مديري التصوير في مصر والوطن العربي كله.
بمناسبة عمله في فيلم عنها، الذي حصل بسببه على جائزة أفضل تصوير من المهرجان القومي للسينماK حكى لنا مدير التصوير عبد السلام موسى كيف لعبت الصدفة دورًا كبيرًا في عمله في هذا الفيلم، حيث كان من المفترض أن يعمل مدير تصوير آخر ولكنه اعتذر.
"هذا أمر حدث كثيرًا من قبل، فمثلًا مدير التصوير طارق التلمساني كان بدأ بالفعل في تصوير فيلم الكيت كات قبل أن يعتذر ويكمله مدير التصوير محسن أحمد. بينما كان من المفترض أن يصور محسن أحمد فيلم عفاريت الأسفلت ولكنه كان مشغولًا، ولذا عمل فيه طارق التلمساني. وبدأ أسامة فوزي وطارق التلمساني تعاونهما من هذا الفيلم وصنعا فيلمي المفضل في السينما المصرية وهو جنة الشياطين". يشرح موسى.
مدير تصوير بالصدفة
كلما ذكر موسى اسم طارق التلمساني أجده يبتسم، بينما أشعر من نبرة صوته بامتنان شديد نحو معلِّمه وأستاذه. عمل موسى مع التلمساني مدة طويلة وفي مهام مختلفة، تدرجًا من تحت التمرين حتى المصور الأساسي ومساعد مدير التصوير.
يؤكد موسى الذي قابلته في أحد مطاعم حي الزمالك أنه لولا التلمساني لما دخل مجال التصوير السينمائي "لم أكن مهتمًا بالتصوير. كنت أحب الرسم ورغبت في الالتحاق بقسم الرسوم المتحركة بمعهد السينما. والدي كان مصحح ألوان وله أصدقاء كُثر منهم التلمساني، الذي دعاني لحضور تصوير لإعلان كوكاكولا في مدينة السينما، وهناك أعجبتني أجواء التصوير فبقيت اليوم كله، بعد أن كنت أنتوي البقاء لساعة واحدة. هناك شعرت أن هذا رسم من نوع آخر".
تتابعت زيارات موسى للتلمساني حتى نصحه الأخير بالالتحاق بقسم التصوير في معهد السينما، "كنت قدمت قبلها للانضمام إلى قسم رسوم متحركة ولكن لم يقبل طلبي. كنت دخلت سنة استماع ثم حينما قابلت التلمساني قدمت تصوير فقبلوني".
لكل مدير تصوير ما يتميز به عن أقرانه، ربما إضاءة معبرة أكثر أو احترافيته في تحريك الكاميرا أو سرعته في العمل أو قدرته على التعامل مع أي مخرج وأي فنان أو فني. سألته عن ذلك، ما الأسلوب المميز له؟ ساعدته الأجواء النهارية في هذا المطعم على التأمل وأخذ وقته أكثر في التفكير قبل الإجابة. كان المطعم شبه خال حيث يشاركنا فيه مائدة أخرى وحيدة وبعيدة على مرمى بصرنا في صالة الطعام الضخمة.
أجاب بعد تفكير "أرى أن الأسلوب الخاص الوحيد هو عيب أكثر منه ميزة، وهو ما أحاول دائمًا التخلص منه. لأن ذلك معناه أنني أكرر نفسي" قلت له "ما الذي تعنيه بذلك؟ وهل يمكن أن تقدم لنا مثالًا؟" أجاب "في أحد المرات أشار شخص إلى أن لقطة من لقطات فيلم مصور قتيل تتطابق في التكوين مع إحدى لقطات مسلسل أفراح القبة. وكلاهما من تصويري. ابتسمت ولكن بعد تفكير وجدت أنني أكرر نفسي وأن عليَّ تغيير نفسي، وهو ما شجعني للعمل مع مخرج فيلم عنها خاصة أنني لا أحب التصوير بالكاميرا المحمولة. ولذا لم أشاركه تفضيلاتي، خاصة أن ذلك سيخرجني من دائرة التكرار، ولهذا أفضل التعاون مع مخرجين جدد، لأن ذلك يحفزني دائمًا على العمل والابتكار".
سألته "وما الذي جذبك في فيلم عنها حينما عُرض عليك؟" صدمتني صراحته حينما قال بلا أي تردد "مهندس الديكور أنسي أبو سيف". واستدرك "بالتأكيد القصة جيدة ودائمًا ما أريد أن أعمل مع أناس آخرين بالإضافة إلى أن المنتجة دينا فاروق صديقة شخصية وهو ما دفعني للعمل بفيلمها. ولكن ما جعلني متحمسًا للعمل هو مهندس الديكور أنسي أبو سيف الذي أحبه وأقدره للغاية".
كان لا بد أن أسأله عن الأزمة التي واجهت الفيلم فقلت له "وماذا عن المشكلة التي كادت أن تعصف بعرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حينما ظهرت شهادة على إحدى المدونات تتهم مخرج الفيلم بالتحرش؟" أجاب موسى "دعني أخبرك أن هذه المشكلة جعلتني أهرب من الجميع. حاول كثيرون الاتصال بي لكنني أغلقت هاتفي ولم أرغب مقابلة أحد. فريق عمل الفيلم بذل الكثير من الجهد ليخرج العمل على هذه الصورة، لتأتي تلك الواقعة لتنغص علينا فرحة عرضه الأول. ولكن الأهم بالنسبة لي هو أن علينا أن نفصل بين الفيلم كعمل فني وهذه الواقعة، لأننا بالفعل وضعنا كل خبراتنا وجهدنا في هذا الفيلم".
تأثير الكوميكس
"أعرف أنك مهتم للغاية بالتصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي. هل كان لذلك تأثير على عملك؟" سألته، فكانت إجابته "طوال الوقت. أحب دائمًا الاقتباس من الكوميكس والفن التشكيلي، مثلًا فيلم مصور قتيل بُني كله على كوميكس Seven الذي بني عليه الفيلم الأمريكي الشهير بنفس الاسم، وكذلك عيار ناري مبني على الكوميكس، ومسلسل موجة حارة بني كله على فيديو بالموبايل، الذي كان موديل قديم وعدسته مكسورة، ما جعل الصورة تخرج بشكل مختلف. عندما أعمل على مشروع أستقي من الفن المفاهيمي أكثر. أحب اللوحات الفنية لأنك لا يمكنك أبدًا أن تقلّد لوحة، لأن السينما مختلفة عن الفن التشكيلي، لكن حينما تشاهد فيلمًا لشخص آخر فحينها يمكنك أن تتأثر وتقلّد وهذا ما لا أريده".
"وماذا عن التصوير الفوتوغرافي. خاصة أنك من ضمن القلائل الذين اهتموا مؤخرا بالعودة بالتصوير الفوتوغرافي بالفيلم والتحميض؟" سألته ليجيب "بالتأكيد لدي اهتمام كبير بالفوتوغرافيا. ولست الوحيد المهتم بالتصوير بالفيلم، بل هناك صحوة في مصر والعالم كله وعودة إلى الأنالوج، فالديجيتال لا يستطيع أن يعوض جمال وأهمية الأنالوج".
في فيلم عيار ناري شاهد المخرج كريم الشناوي مجموعة من الصور لمصورين فوتوغرافيين كانوا نشطين جدًا ومنهم على الزرعي وأحمد جابر، وأعجبه أيضًا صور المحجر في المنيا. قلنا للإنتاج إننا نريد التصوير في هذا المكان ولكن الإنتاج رفض لفترة حتى وافق أخيرًا ليستطيعوا أن يوفروا التصاريح اللازمة فصورنا فيه بآخر يوم تصوير".
من كواليس فيلم مصور قتيل
"أما في فيلم بشتري راجل الذي كان اسمه دكر بط في البداية، كنا نصور في مزرعة حيث المشهد الحميمي بين نيللي كريم ومحمد ممدوح (تايسون) وهناك نافورة. ميزانية الإنتاج لم تكن كبيرة ولذا لم نستطع أن نخرج بالديكور كما في مخيلتنا، فأنرت المكان بإضاءة خلفية قوية، ثم في مرحلة ما بعد التصوير عبر الجرافيكس حولناه إلى شكل خيالي وكأنه من عالم ديزني، واستغرق ذلك أسبوعين تقريبًا مع الجرافيكس لتقديم الصورة المطلوبة، وهو ما أعجب المخرج جدًا حينما شاهد النتيجة النهائية".
"كل حالة مختلفة عن الأخرى. في مشهد المحاجر المكان جميل جدًا ولا أريد سوى أن أصوره بهذا الجمال، بينما مشهد بشتري راجل كان نصف المكان جميلًا، ولذا استخدمت الجرافيكس لأجعله بالصورة التي أريدها. الواقع كان الأساس الذي بنيت عليه عملي في الحالة الأولى والخيال كان الأساس الذي بنيت عليه عملي في الثانية. يجب أن يكون مدير التصوير متعاونًا ولديه حلول دائمًا حتى يستطيع في وقت ما أن يطلب طلبًا معينا فيوافق الجميع، لأنه استطاع أن يقدم لهم الكثير قبل ذلك". هكذا يرى موسى أهمية الصورة ودور مدير التصوير.
حلم خالٍ من الألوان
"أيضا في مسلسل أفراح القبة عدت كثيرًا إلى الصور الفوتوغرافية". أكمل موسى "غرفة عباس مثلًا لم تكن موجودة في السيناريو ولذا لجأت إلى الرواية، فهو مثل الفأر في غرفته المظلمة، محبوس وتوجد الكثير من الظلال في الغرفة الواقعة في الدور الأرضي".
"مسلسل أفراح القبة مشروع مختلف ولكني أحببته جدًا. الأحلام كانت أبيض وأسود والمرجع الخاص بها كانت الأفلام المصرية الأبيض والأسود لتحية كايروكا وسامية جمال. كنت أريد أن أصور كل المسلسل بالأبيض والأسود، ولكن المخرج محمد ياسين قال لي: أنت بالتأكيد مجنون. ولكن حينما كنا نصور مشهد حلم منى زكي وهي ترقص على المسرح، ضحكت ثم قلت له: صورناه ألوان ولكنني صممت إضاءته وكأنه مثل الأفلام القديمة الأبيض والأسود. ثم وافق أخيرًا أن يجعله أبيض وأسود وأن كل الأحلام أبيض وأسود".
من برنامج معكم منى الشاذلي
أفراح القبة كان مختلفًا ومميزًا في رمضان 2016 وحتى في العشر سنوات الأخيرة. سألته "هل كنت تغيِّر في طريقة التصوير مع تغير وجهات النظر في المسلسل؟" أجاب "كنت أغير العدسات والفلاتر بين الفلاش باك وحاضر الشخصيات. وغيرت الألوان حينما كنا نعود بالزمن فتحولت الألوان أكثر إلى اللون الأصفر. كنت أن يشعر الناس بلون الورق القديم. حتى في المشاهد الحقيقية كانت الإضاءة وكأنها مسرحية حيث تأتي من أعلى. لأن الموضوع كله مسرح لا مُشاهد فقط. المسلسل مصنوع بأسلوب الطبقات بمعنى أنه توجد عدة طبقات للتلقي ومنها بالتأكيد مستوى الترفيه الأول فأي عمل يجب أن يكون مسليًا في الأساس، وبعد ذلك يقدم طبقات ومعانٍ أخرى للمتلقين".
كواليس "عنها"
يعمل مدير التصوير مع المخرج منذ البداية؛ أولًا على قراءة السيناريو بطريقة بصرية حيث يتخيل مدير التصوير المكتوب كصورة، وكيف يمكن أن يقدمها للمشاهد بالتعاون مع المخرج وبقية الأقسام. سألته "كيف بدأ العمل على فيلم عنها، وهو يدور بالكامل في مكان واحد، وبعدد قليل جدًا من الممثلين؟"، فأجاب "في البداية كنت أرى أن أهم شيء في الفيلم هو الديكور والتصوير في الأماكن الطبيعية. طلبت طلبات معينة لتحقيق ما يريده المخرج والمنتجة ومنها أن أبتكر آلات تثبَّت على سطح المبنى حيث كان التصوير في آخر طابق، لتصنع الإضاءة الخارجية المطلوبة. حدَّدت بالتقريب الميزانية للمنتجة دينا فاروق. لم يكن ممكنا أبدًا أن نضع أوناشًا في الشارع لأنه ضيق، ولم تكن الميزانية لتسمح بذلك. وهذه الآلات منحتني السيطرة على الإضاءة في المكان، فلم تعد لدي مشكلة نهار وليل".
بدأ يحكي عبد السلام موسى أكثر عن تفاصيل وكواليس تصوير فيلمه الأخير عنها فقال "كان أنسي أبو سيف يسمي هذه الشقة بالعالم. كل غرف الشقة مفتوحة على بعض، بالإضافة إلى الأسقف العالية التي تتميز بها البنايات القديمة. قررت أن أصمم شبكة آلات حيث تحمل كشافات الإضاءة من فوق السطح. هذه الآلات تبتعد عن سور السطح ثلاثة أمتار وبعمق ثلاثة أمتار لأصل إلى نوافذ الشقة. كنت أخشى كذلك على سلامة العمال لئلا يسقطوا، فطلبت أن تنفَّذ هذه الآلات لتتحرك بشكل آلي".
"إنارة هذه الشقة كان يتطلب كشافات ضخمة جدًا ولذا وصَّلنا كل جهات الشقة بمحرِّك يشبه ذلك الموجود بأطباق الدِش المتحركة، الذي يمكّنني من تحريك الكشافات لليمين واليسار بجهاز تحكم عن بعد. وزن هذه الكشافات ثقيل للغاية ولذا كنا نعادله بجِرار مياه ضخمة، لئلا يكون الحمل ثقيلًا على السقف فينهار. وفي الوقت نفسه كان بوسعنا ملء أو تفريغ المياه بسهولة، وبالتالي التحكم في الوزن بيسر. حينما نجح كل هذا قلت للمنتِجة بقلب جامد: الآن نستطيع أن نصنع الفيلم كما نريد، فالشقة بطل مثل الشخصية الرئيسية درية".
برومو فيلم عنها
يتميز هذا الفيلم بأن الكاميرا تتبع البطلة دائمًا وكأنها تتلصص عليها، أو كأن المشاهد يتلصص عليها وهي وحيدة بمنزلها لا يصاحبها سوى أحزانها لفقد زوجها. سألته "لماذا قررتم اختيار الكاميرا المحمولة التي تتبع البطلة دائمًا؟" أجاب "كان اختيار المخرج، الذي رأى أن هذا أفضل أسلوب لحكي الفيلم، وهو ما لم أكن مقتنعًا به في البداية، لكن فيما بعد رأيت أن ذلك خلق حالة شاعرية مع الشخصية، واستخدام العدسات الواسعة جعلني أشعر أكثر بجسم الشخصية وحركتها، لأن العدسات الضيقة تخنق بينما العدسات الواسعة جعلتنا نشعر بارتباط الشخصية بالمكان أكثر".
موسى معروف عنه رغبته الدائمة في التجريب والارتجال، ولذا يحاول أن يعمل مع مخرجين لهم رؤى مختلفة وبأدوات مختلفة. سألته "هل هذا الاهتمام بالارتجال والتجريب هو ما دفعك للعمل مع المخرجة هالة القوصي؟" أجاب "هي فنانة بصرية ومصورة كانت دائمًا ما تصوِّر أعمالها بنفسها، وكانت تريد أن تعمل للمرة الأولى مع مصور في فيلمها تل النسيان. اختارتني من بين ثلاثة مديري تصوير كانوا مرشحين لها، وأرسلت لي الاسكريبت ولكنني لم أفهم شيئًا. الفيلم عن عالم مختلف تمامًا والفيديو آرت عالم بعيد عني تمامًا. التعاون في أول يومين كان صعب جدًا، لم نكن متفقين خاصة أنها مصورة فكانت تتدخل في تكنيكات خاصة بالكاميرا، فقررنا أن نتوقف لنتناقش وهو ما نتج عنه تعاون في هذا الفيلم وفيلم زهرة الصبار، وفيلم آخر قصير من بطولة أحمد مالك لم يعرض بعد".
يحاول كل من يعمل في الإنتاج السينمائي اليوم أن يدفع أكثر جهة الديجيتال، حتى أصبح من النادر ومن الجنون أن يصور أحدهم بالأفلام بالخام، إلا أن هذا الجدل حول أهمية الخام ينتشر بين المخرجين الكبار في العالم، حيث ما زال مخرجين مثل ستيفن سبيلبرج وبول توماس أندرسون وكريستوفر نولان، وويس أندرسون وكوينتن تارانتينو وريتشارد لينكلاتر، وسام ميندز ودارين أرانوفسكي وودي آلان يستعملون الفيلم الخام في تصوير أفلامهم.
هنا سألت موسى عن سر اهتمامه بالتصوير بالخام، هل النوستالجيا أم التجريب؟ فأجاب "مشكلة الخام أن المنتجين والمخرجين يريدون إلغاؤه. فيلم مصور قتيل ضغطت كثيرًا على الإنتاج وقتها حتى يوافقوا على أن أصوره بخام". سألته "ولماذا تصر على التصوير به رغم أنه مكلف أكثر من الديجيتال؟" فأضاف "ليس مكلفًا. الحقيقة أن التصوير المستمر بالديجيتال بلا حساب وشراء هاردات كثيرة لتخزين هذه اللقطات الكثيرة التي صورت وحضور العاملين في الفيلم دون أن يذاكروا ما الذي سيصنعونه بسبب اعتمادهم على أننا نصور بالديجيتال، كل هذا مكلِّف أكثر من الخام. حينما تجعل الممثل يعيد المشهد 20 مرة، فهذا إهدار للطاقة والوقت والمال. الناس التي لا تحترم فكرة أن الكاميرا تصور الآن وعلى الجميع الالتزام بذلك؛ هذا هو المكلِّف لا الخام".
لا يرى موسى فارقًا في الجودة يصب لصالح الديجيتال رغم تطوره المتسارع، مدللًا على ذلك باتجاه المخرجين الكبار حول العام لتصوير أفلامهم بالخام، "ستجد 18 فيلمًا من أفلام مهرجان كان السينمائي في السنوات الثلاث الأخيرة صورت بالخام، الذي ما زال له سحر، وهو يمثل خصوصية السينما بعيدًا عن المسلسل والإعلان والفيديو كليب، حتى هذه الأخيرة الكثير منها تصور بالخام الآن مثل أغاني المغنية الإنجليزية دوا ليبا، لأنه يبرز الألوان والوجوه على نحو أفضل".
أشعل سيجارة ثم أكمل "أهمية الخام ليست فقط في الصورة التي يُخرجها، بل أيضًا في كيفية إدارة وتنظيم اللوكيشن نفسه، وهذا مهم جدًا، فالكاميرا المحملة بالفيلم الخام حينما تعمل على الجميع أن يصمت، بالإضافة إلى عدم وجود الأعداد الكبيرة التي نجدها الآن في اللوكيشن. أكثر الموجودين في اللوكيشن بلا فائدة، فمثلًا تجد 150 فردًا، لا تحتاج منهم سوى 20 فقط".
يتميز موسى برؤية في التصوير يلمسها المشاهد مع كل فيلم وكل مسلسل جديد يصوره بعدسته ونراه بعينيه. سألته "هل عمل مدير التصوير أن يخرج صورة جميلة أم معبرة؟" بلا تردد أجاب "معبرة بالتأكيد. صورة قادرة أن تحكي، لأنها إذا سُردت بشكل صحيح ستصبح جميلة. ولكن العكس لا يمكن".
ثم أضاف "أشعر مع كل مشروع جديد أنني أصنع أول أعمالي. أحاول دائمًا ألا أنسى نفسي، لكن الحقيقة هي أنني أشعر أنني لم أبدأ بعد. أريد أن أصنع أفلامًا عربية ثم أفريقية ثم أوروبية وأمريكية بعد ذلك. أتمنى أن أصور في هوليود وأوروبا والهند. أتمنى أن أكون ضمن الناس الذين تكتب عنهم مجلة أمريكان سينماتوجرافر مثل لوبيسكي وروجر وديكنز وستورارو وغيرهم. وأتمنى أن أكون مثلهم ليس في شهرتهم ولكن في خبرتهم. أتعلم من كل مخرج حتى لو كان أقل خبرة مني فما بالك بالعمل مع أجانب. حتى الآن أحكي واقعي الذي أعيش فيه، ولكنني أريد أن أحكي حكاية".
البحر بالأصفر
ابتسم ثم نظر إليَّ وأكمل "جاءني مرة تعليق من إحدى المشاهدات تقول "ما أحبه في صورتك أنها وسخة" كانت تقصد أن صورتي واقعية، فمثلًا في مسلسل "موجة حارة" حينما أصور بلاعة يجب أن أشعرك بمدى قذارتها حتى يمكنك أن تشم رائحتها. الصورة مثلًا يجيب أن تظهر الرائحة. الواقعية لا تعني أن أكون حقيقيًا، فأحيانًا أريد أن يظهر البحر بالأصفر".
نظر بعيدًا إلى الموائد الخالية المتراصة حولنا والتي لا تشهد في هذا الوقت المبكر نسبيًا زبائن ليستأنسوا بها، خاصة في ظل وباء كورونا الذي نعيشه حاليًا ثم قال "للأسف 90% من أفلامنا المصرية لا ترقى حتى أن تُعرض على نتفليكس وهي منصة لا تهتم بالأعمال الفنية الراقية. ليس لدينا ثقافة ولا قصص ولا حتى الصدق الكافي. أفلامنا مزيفة جدًا وحتى مشاهد ممارسة الجنس مزيفة للغاية. نحن لا نستطيع حتى أن نكون مبتذلين لأننا نزيف الابتذال نفسه. التمثيل والسيناريو والإخراج والإنتاج. كله مزيف".