لا أعتقد أنه من قبيل المبالغة القول إن إحدى أهم إبداعات الثقافة المصرية في سبعينيات القرن الماضي هي ثورة الماستر، التي اندلعت في مواجهة القمع والاستبداد.
من المؤسف أنني لم أعثر على دراسة أو تأريخ نقدي أو حتى توثيق لثورة الماستر. وأتذكر مثلا أنني قلتُ للراحل الكبير إدوار الخراط تعليقا على نشره أحد أعماله في إحدى سلاسل الماستر إن هذا أضعف الإيمان، وكانت إجابته: لأ.. ده الإيمان كله.
كانت ثورة الماستر استجابة لأشد الظروف إظلاما واستبدادا في الثقافة المصرية. ففي أعقاب انقلاب القصر الذي قاده السادات، جاء الأخير بالمرحوم يوسف السباعي وزيرا للثقافة، وهو الأشد عداء لليسار والتقدم والأفكار والتوجهات المحترمة عموما، وأتى السباعي بطاقم من المتنفذين وعيّنهم مسؤولين عن النشر والإعلام، مثل صالح جودت ورشاد رشدي وعبد العزيز الدسوقي وغيرهم، ممن هم على شاكلة السباعي ليعيثوا فسادا في الثقافة، باعتبارهم منفذين للتوجه الجديد، المتمثل فيما أطلق عليه ثورة 14 و15 مايو.
أصيب القادمون الجدد بما يشبه السُعار، وانقضوا على المؤسسات الثقافية يفترسونها ويأتون معهم بمن يشبهونهم من الكَتَبة والمديوكرز. كانوا يشعرون أنه تم إقصاؤهم في السنوات السابقة، أي إبان العهد الناصري، وروجوا مقولة مفادها إن الشيوعيين استولوا على مؤسسات الثقافة والإعلام، ويجب تخليصها منهم.
على أي حال، كانت تجريدة السباعي وغيره ضد الثقافة بالغة العنف، منها مثلا إلى جانب إقالة هيئة تحرير مجلة الكاتب التقدمية أو إجبارها على الاستقالة، وتنظيف وتجهيز مبنى ماسبيرو (أطلقت غارة مثلا ضد البرنامج الثاني بالإذاعة وهو البرنامج الثقافي المحترم والمؤثر، ونُقل الروائي بهاء طاهر الذي كان نائبا للمدير، وتم إقصاؤه)، كما أغلقت مجلة الطليعة بعد ذلك وأنشئت بدلًا منها مجلة اسمها الشباب وعلوم المستقبل. وجرت أكبر حركة لتعيين المعادين للشيوعية على رأس الصحف والمجلات، وجرى إغلاق عدد من قاعات عرض الفنون التشكلية أو تأجيرها للمطاعم والبنوك، وإنشاء مجلة أدبية أسبوعية فيما أظن ورأس تحريرها رشاد رشدي. أتذكر أن السادات آنذاك كان مولعا في كل خُطبه بترديد جملته الشهيرة: لن يتولى ملحد في عهدي أي منصب إعلامي. وهي عبارة تليق ببلطجي لا يغازل المشاعر الدينية بكل الخبث والتدليس فقط، بل إشارة أيضا لأن يستخدم القادمون الجدد تلك العبارة في حربهم الكاذبة المقدسة (الحقيقة أن السادات لم يألُ جهدًا في استخدام الدين سياسيا، بدءًا بإطلاق اسم الرئيس المؤمن على نفسه والزبيبة في جبهته واستخدام الإخوان المسلمين وإخراجهم من السجون وإطلاق العنان لهم، وليس انتهاءً بقيام مساعديه بالتنسيق مع الجماعات الإسلامية لتصفية النفوذ اليساري عنفا بالمطاوي والشوم، حتى التف الحبل حول عنقه واغتاله أولئك الذين أطلق لهم العنان).
سنوات المقاطعة
وكان الرد الحاسم من جانب الُكتاب هو المقاطعة.. نعم.. المقاطعة ولا أقل. والمهم أن المقاطعة لم تكن شعارًا أو توجهًا من أحد التنظيمات السرية أو العلنية، بل رد فعل تلقائي ودون اتفاق. وأتذكر هنا أن صديقي الراحل ابراهيم أصلان قال لي آنذاك، إنه لا يوجد كاتب يحترم نفسه يقبل أخلاقيا أن يتعامل مع هؤلاء المنقضين والهابطين بالمظلات. وبدأنا نسمع عن منع البعض من الصحفيين من الكتابة، وكان رد السادات مثلا على بيان المثقفين الشهير الذي صدر عام 1973 قبل اندلاع حرب اكتوبر بشهور قليلة، لرفض حالة اللا سلم واللا حرب، هو فصل من وقّعواعلى البيان، ومن بينهم أسماء مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وغالي شكري وأمل دنقل وأحمد عبد المعطي حجازي ولطفي الخولي وغيرهم.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن البيان صدر بعد، وعلى خلفية انتفاضة الطلاب في الجامعات، وبصفة خاصة في جامعتي القاهرة وعين شمس (وسوف أعود فيما بعد لأحداث تلك الانتفاضة التي شاركتُ فيها، وانتهت باعتصام استمر عدة أيام، جرى فضه بالقوة فجر 24 يناير واعتقال قرابة ألف طالبة وطالب، وسُجن القسم الأعظم منهم في معهد أمناء الشرطة بطرة، وتشرفتُ بالوجود معهم آنذاك، بينما سُجن من اعُتبروا قيادات في سجن القلعة).
كان البيان المشار إليه مكتوبًا بلغة هادئة، ولم يطالب بأكثر من إنهاء حالة اللا سلم واللا حرب المستمرة منذ ست سنوات، فشلت خلالها كل محاولات الحل السلمي، وعشرات الآلاف من الشباب المجندين في معسكراتهم بالصحراء يتزايدون دون جدوى. وكما سبق أن ذكرت غضب السادات بشدة وفصل ومنع الموقعين من الكتابة، وقامت لجنة اسمها لجنة النظام بالاتحاد الاشتراكي بفصلهم من ذلك التنظيم الذي لم يكونوا أعضاء فيه أصلًا.
وحسبما كتب غالي شكري في كتاب بالغ الأهمية على الرغم من صغر حجمه، وصدرت له طبعة جديدة لحُسن الحظ في سلسلة مكتبة الأسرة عام 2015 وهو من الأرشيف السري للثقافة المصرية فإن جميع الصحف المصرية نشرت في صدر صفحاتها الأولى صباح 4 فبراير قرار لجنة النظام السابق الإشارة له، وكان لافتا للنظر أن الأسماء المنشورة كانت ثلاثية ورباعية وليست الأسماء الصحفية التي يعرفها القراء، مما يعني أنها مأخوذة من قوائم وزارة الداخلية. ويضيف غالي أنه تردد أن هناك "عقلاء" في النظام أشاروا على السادات في اللحظة الأخيرة برفع اسمي توفيق الحكيم ونجيب محفوظ من القائمة تجنبا للفضيحة، وإن كان قد تم منعهما من الكتابة وفصلهما فعلا، وضمت القائمة 111 اسمًا.
وعرفت مصر ظاهرة الطيور المهاجرة من الُكتاب والمفكرين والصحفيين قبل وبعد إقالة هيئة تحرير مجلة الكاتب (سوف أعود لاحقا لتلك الواقعة تحديدا)، وغادر البلاد على سبيل المثال محمود السعدني وعبد الرحمن الخميسي وحجازي ورجاء النقاش وغالي شكري وأحمد عباس صالح وأمير اسكندر وغيرهم وغيرهم، ليلتحقوا بمؤسسات ثقافية وصحف، ليس في بلدان عربية فقط مثل لبنان والعراق والكويت، بل وفي عواصم أوربية أيضا. أتذكر جيدا أنه لم يكن هناك مكان واحد نقبل التعامل معه إلا جريدة المساء بسب وجود عبد الفتاح الجمل. ولذلك امتدت مقاطعتنا لما يقرب من عشر سنوات، اقتصر فيها النشر فقط على الصحافة اللبنانية وبعض الصحف والمجلات الخليجية.
لا يملّ الواحد من تأكيد أن سنوات العقد الممتد من أوائل السبعينيات وحتى أوائل الثمانينيات من القرن المنصرم، أي فترة حكم السادات تقريبًا، كانت فارقة ليس فيما يتعلق بالثقافة والفنون التي أكتب حولها فقط، بل في مستقبل بلادنا وفي السياسة والاقتصاد. أليس هو العقد الذي شهد بدايات الانفتاح الاقتصادي "السداح مداح" حسب تعبير الكاتب أحمد بهاء الدين والعصف بكل ما كانت الناصرية قد أرسته من إيجابيات؟ وهو العقد الذي شهد خروج الملايين للعمل في الخليج، وليس بخافٍ مدى تأثيرهم الضاري أثناء وجودهم وبعد عودتهم. لنتأمل فقط انتشار الحجاب والجلباب الخليجي وليس المصري، وتجريف الأرض الزراعية والنمو الأكثر ضراوة للعشوائيات بكل مايرتبط بها من ثقافة. بطبيعة الحال ليس المقصود بالحجاب ما ترتديه النساء، فلكل امرأة كامل الحق والحرية أن ترتدي ما تشاء، بل المقصود رمزية الحجاب.
كما أنه العقد الذي شهد أول محاولة ديكورية لتفكيك الاتحاد الاشتراكي، التنظيم السياسي الوحيد الذي حكم البلاد وورث شبيهيه هيئة التحرير والاتحاد القومي السابقين عليه، وكذلك بدء تجربة إنشاء ثلاثة منابر. وشهد أيضا الحملات المتوالية للقبض على اليساريين والإلقاء بهم في السجون، وفي الوقت نفسه الإفراج عن الإخوان المسلمين والسماح لهم بممارسة نشاطهم، مع التضييق والحجب والمصادرة لنشاط الاتجاهات والتيارات التقدمية. شهد أيضا اختطاف محاولة الكُتّاب المستقلين إقامة اتحاد كتاب وطني، وإقامة واحد من أكثر اتحادات الكُتاب في العالم ارتباطا بالأجهزة الرسمية والالتزام بتعليماتها، وهو مازلنا نعاني من آثاره حتى اليوم.
شهد عقد السبعينيات مثلا تقديم بلاغ من ابراهيم الورداني نشره في مقاله الأسبوعي في جريدة الجمهورية، يتهم أكثر من مائة كاتب بتكوين تنظيم سري يسعى لقلب نظام الحكم، لأنهم نشروا نعيا في الأهرام تضمن أسماءهم عندما مات يحيي الطاهر عبد الله في حادث في إبريل 1981. الورداني لم يكتف بمجرد الإشارة، لكنه أعاد نشر الأسماء كاملة، وطالب أجهزة الأمن أن تشوف شغلها وتقبض على أصحاب الأسماء. وحتى نتبين فداحة الأمر، فإن الأسماء التي وقّعت على النعي- تخيل مجرد نعي- من بينها مثلا يوسف إدريس والأبنودي وصلاح عيسى والجمل وبهاء طاهر ومحمد عودة وابراهيم فتحي وعلاء الديب. وغيرهم وغيرهم.
من جانب آخر، يمكن القول إن انقلاب القصر الذي قاده السادات في مايو 1971 بدأ يؤتي ثماره بعد حرب أكتوبر بسنوات قليلة. وكان قد بدأ في الإفراج عن الإخوان المسلمين من السجون والسماح لهم بالنشاط مرة أخرى، وفي الوقت نفسه قام محمد عثمان إسماعيل محافظ أسيوط والمقرّب من السادات بالاتصال بشباب الصحوة الإسلامية من الجماعات المنظمة، وتولى تدريبهم وتسليحهم بالسنج والمطاوي، وأطلقهم على الطلاب اليساريين والناصريين الذين كان نفوذهم وشعاراتهم سائدة، بل الوحيدة التي كانت تتمتع بتأييد الطلاب، أما على المستوى السياسي، فإن شهر العسل بين السادات والولايات المتحدة كان قد بدأ.
أوراق المقاومة
أنتقل الآن للبدايات الأولى ومحاولات الاستقلال عن أجهزة الثقافة والنشر المسيطرة، سواء من خلال المطبوعات غير الدورية، أو تلك النشرات المصوّرة بطريقة الماستر.
باستثناء دراسة إليزابيث كندل جاليري 68 آفاق وأهداف، المنشورة ترجمتها العربية لسمير محمود الأمير في الصفحات الأولى من الجزء الثاني للمجلة، في الطبعة الثانية والأخيرة، والتي تصدّت لإعادة طبعها مجلة الكتابة الأخرى (بدون تاريخ للأسف)، باستثناء تلك الدراسة الوحيدة، لم أعثر على أي دراسة أخرى حول محاولات الاستقلال والتأريخ والتوثيق لها، وعلى الرغم من أهميتها، لأن الكاتبة لحقت بعدد من القائمين على إصدار مجلة 68 قبل رحيلهم وناقشتهم وسألتهم، إلا أنها تظل دراسة وحيدة ومقصورة على مجلة واحدة فقط.
السطور التي أكتبها هنا لاتزعم أنها ترقى لأن تكون دراسة، بل هي فقط مجرد محاولة لإعادة قراءة أوراق مقاومة "كُتاب السبعينيات"، ذلك العقد المضطرم الذي انطلقت خلاله القوى الرجعية في أحط صورها، لتجتاح الأخضر واليابس في الثقافة المصرية. وهي في واقع الأمر محاولة محفوفة بالمخاطر، على الرغم من أنها مجرد محاولة. فعلى سبيل المثال ليس لدي كل أوراق المقاومة، وتحتاج عملية جمعها ودراستها إلى عمل مستقل لا يمكن لباحث واحد أن يقوم به بمفرده، بل إن مجرد جمعها فقط عملية بالغة الصعوبة وإن كانت غير مستحيلة. وأظن أن قسما لا يستهان به منها ربما كان موجودا في دار الكتب، كما أن أعداد مجلة إضاءة التي كانت تصدرها واحدة من أهم الجماعات الشعرية المستقلة، أمكن جمعها وإعادة طبعها مجتمعة.
أبادر إلى القول أولا إن قيمة تلك الأوراق في المقام الأول ليست قيمة جمالية أو ذات مستوى فني عال (آسف لاستخدام تلك التعبيرات غير الدقيقة، لكني أحاول أن أحصر ما أكتبه عن أوراق مقاومة أبناء السبعينيات في حدود آمل أن أوفيها حقها) قيمتها الأولى أنها شهادة على مقاومة أولئك النفر من أبناء السبعينيات لجرائم النظام.
على أي حال، بعض الأوراق التي لديَّ مطبوعة طباعة سيئة وفقيرة جدا، لضيق ذات اليد بالتأكيد، مثل مجلة الثقافة الوطنية التي صدر منها عددان، أشرف على تحريرهما صلاح عيسى وفريد زهران، وشارك في تحرير العدد الأول رمضان الصباغ، وتولى محمود الهندي الإشراف الفني. صدر العدد الأول في يناير 1980 والثاني عام1981، واتخذت المجلة شعارًا لها تلك الجملة التي حرصت على إبرازها على الغلاف "نحو عصر تنوير عربي جديد". كانت مراسلات المجلة على عنوان مسكن فريد زهران الشخصي، وقد شاهدته بنفسي وهو يحمل أعداد المجلة على كتفه، ويجول بها بين المحافظات ليبيعها، ويجمع ثمن طباعة العدد الثاني. ولا أظنني بحاجة إلى القول إن المجلة بكاملها جهد تطوعي، وبدون إعلانات.
أضيف هنا أن كل المطبوعات على اختلاف أنواعها من مطبوعة ومصوّرة، وعلى اختلاف التيارات والاتجاهات التي ينتمي لها القائمون عليها، كانت كلها جهدا تطوعيا، حيث يجمع الكتاب والفنانون من بعضهم البعض ما يكفي ثمن الطباعة، أما المادة المنشورة فهي بلا مقابل مادي بطبيعة الحال، بل تعبير عن موقف.
قبلها مباشرة صدر عدد وحيد من المجلة غير الدورية الفكر المعاصر وتعد أول مطبوعة مستقلة بعد تجربة جاليري 68، وأصدرها الناشر والمترجم عبد السلام رضوان، الذي كان يدير آنذاك دار الفكر المعاصر. تضمن العدد قصصا وقصائد و مقالات ودراسات لأمل دنقل ويحيي الطاهر عبد الله وإدوار الخراط وحسن عقل وأحمد فؤاد نجم وغيرهم.
وسوف يلاحظ القارئ أن أغلب أوراق المقاومة، سواء كانت مطبوعة أو مصوّرة بطريقة الماستر، كان اعتمادها الأساسي في المقاومة على النصوص الأدبية التي شكّلت خط الدفاع الأول والثاني. أي أن مجرد نشر تلك النصوص متجاورة في المطبوعة نفسها، هو شكل من أشكال المقاومة.
لا أريد أن أصدر حكما أو رأيا حول صحة أو خطأ هذ الشكل أوذاك من أشكال المقاومة، لكنني أكتفي برصده فقط. ربما يبدو لي أن عقد السبعينيات افتقر إلى دراسات نظرية ومعالجات محددة، وغابت عنه أية استراتيحية في ذلك الخصوص، باستثناء دراسات متفرقة لعل من أهمها دراسة إدوار الخراط الصادرة عن دار القاهرة عام 1982 مختارات القصة القصيرة في السبعينيات التي اختار نصوصها الخراط.
لا أتحدث هنا عن المعارك الميدانية التي خاضها أبناء السبعينيات مثل معركة تأسيس اتحاد الكتاب، أو موقفهم من العصف بهيئة تحرير مجلة الكاتب، أو إغلاق مجلة الطليعة، وبالطبع رفضهم التلقائي والواسع للنشر في المجلات الرسمية. بل أتحدث فقط عن غياب نظرة نقدية أكثر شمولًا. وأظن أن ما فعله أبناء السبعينيات هو الصواب من كل النواحي، بل إن غياب تلك النظرة الاستراتيجية قد يكون أتاح الفرصة لانطلاق المغامرة وإعمال الخيال.
على أي حال من بين ما لديَّ فعلا من الأوراق المصوّرة بطريقة الماستر، السلسلة التي كانت تصدر عن دار لا وجود حقيقي لها اسمها آتون وأسسها كامل الكفراوي (سأتحدث عنه لاحقا) ويشرف عليها الشاعر أمجد ريان، وثمن النسخة منها عشرة قروش. من بينها مثلا قصائد لحمدي منصور وأحمد ريان ومحمد مصطفى خلاف، إلى جانب إصدار عدد أو اثنين من مجلة مطبوعة غير دورية فقدتها للأسف.
وتتوالى الأوراق مثل الكلمة التي كان يصدرها الفنان عز الدين نجيب عام 1978 أثناء المعارك التي كان يخوضها الفنانون التشكيليون دفاعا عن استقلال نقابتهم. وسلسلة آفاق التي كان يصدرها الفنان محمود بقشيش، واقتصرت على نشر نص واحد فقط مثل دراسة الفنان عادل السيوي تماثيل الملوك وتماثيل الخدم، أو قصة لوحة زيتية لجميل عطية ابراهيم وغير ذلك من النصوص التي كانت تصدر منفردة في بضع أوراق. ونشرة كتابات التي كان يصدرها رفعت سلام ومحمود نسيم وشعبان يوسف خلال عامي 1979 و1980 وتضم نصوصا ودراسات ومتابعات متنوعة. و دراسات ولديَّ منها عدد واحد، يتضمن دراسة لجورج نوفاك عن التطور اللا متكافئ والمركب في أمريكا اللاتينية ترجمها بشير السباعي. ونشرة القاهرة ولديَّ منها عدد واحد يضم قصة لأسامة خليل. وأبجديات ولديَّ منها عدد واحد يضم دراسة لمحمد الفيل حول أزمة الثقافة والإبداع في مصر.
لديَّ أيضا عناوين أخرى مثل الكراسات الصغيرة جدا كاف نون، وكان يصدرها حلمي سالم وتتضمن مثلا احتفاءً بذكرى الشاعر علي قنديل، أو متابعات ثقافية لشؤون عدة وثمن كل عدد ثلاثة قروش. وكراسات الثقافة الشعبية: الحساب وكان يصدرها عبد الخالق فاروق عن قضايا الانفتاح الاقتصادي عام 1981. ونشرة النديم التي كان يصدرها من الإسكندرية محمد إبراهيم مبروك، وتضم نصوصا ومقالات وتغطيات عدة. ونشرة نهار التي كانت تصدر من الدقهلية ويحررها عدد من الكتاب عام 1982. ونشرة رباب من قنا عام 1981 وتضم نصوصا ومتابعات. ونشرة موقف التي كان يصدرها عماد أبو غازي وزين العابدين فؤاد ويوسف أبو رية ومصطفى الخولي عام 1980. وأدب الغد التي كان يصدرها عزت عامر وخالد جويلي عام 1983.
من بين كل تلك المحاولات هناك اثنتين ينبغي التوقف عندهما، وهما خطوة التي كانت أكثر انتظاما وصدر منها ثمانية أعداد، بعضها مطبوع، والبعض الآخر مصوّر بطريقة الماستر. كان كل عدد مُعتنى به من حيث المادة المختارة والتنوع والرصانة. شارك في تحرير خطوة يحيي الطاهر عبد الله ونصر حامد أبو زيد وأمينة رشيد وبدر الرفاعي وإسماعيل العادلي ويوسف أبو رية. أما الثانية فهي مصرية التي حمل عبئها عبد العزيز جمال الدين وصدر منها ما يزيد عن ثمانية أعداد تميزت بتوافر البُعد التشكيلي سواء في الغلاف أو التوضيب الداخلي، كما حرصت في كل عدد على إضافة ملزمة بلون مخالف عن لون العدد تتضمن نصا مكتملا يمكن الاحتفاظ به وحده، مثل الروايتين القصيرتين الوتد لخيري شلبي والمهدي لعبد الحكيم قاسم في عددين متتاليين، وأغاني العديد في صعيد مصر وغيرها.
هذه السطور هي مقتطفات من كتاب الإمساك بالقمر الذي يصدر قريبا عن دار الشروق للكاتب والروائي محمود الورداني، ويتضمن جانبا من سيرته الذاتية، وسيرة جيله، والمعارك التي خاضوها خلال سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي لانتزاع استقلالهم وحرياتهم.