القدم الذهبية، أو قدم اللوتس.

القدم الذهبية وما تلاها

منشور الأربعاء 16 ديسمبر 2015

إذا حالفك الحظ و قمت بزيارة الصين فلا تكتف بزيارة سور الصين العظيم الذى بُنى لصد أعداء الإمبراطورية القديمة ويعد من عجائب الدنيا السبع، عليك أيضا أن تزور متحف أوتزين فى شنجهاي. قد تعتقد للوهلة الأولى أنه متحف للعرائس أو مستلزماتهن، ولكن لو أمعنت النظر ستعرف أنه يحتوى على أحذية حقيقية لنساء حقيقيات. أحذية أصغرها طوله تسعة سنتيمترات وأكبرها تسعة عشر سنتيميترا. 

"القدم الذهبية" أو قدم اللوتس من العادات الصينية القديمة، بدأت هذه العادة فى القرن العاشر الميلادي ولم تنته سوى في القرن العشرين، يُرجع البعض أصلها إلى القصر الإمبراطوري حيث كانت راقصات البلاط يقمن بطي أقدامهن على شكل الهلال ليرقصن بطريقة مميزة ويُعجب بهن الإمبراطور،  وعلى مر السنوات انتقلت القدم الذهبية من القصر، إلى الأسر الراقية بالأمبراطورية، ثم إلى القرى والطبقة العاملة في محاولة منهم للصعود الاجتماعي. كانت القدم الذهبية علامة من علامات الجمال وشرطاً من شروط الزواج، أكثر الفتيات المرغوبات للزواج هن أصغرهن قدماً و أقلهن صاحبات الأقدام الأكبر.

ولكي تحصل المرأة على قدم ذهبية تكسبها رضاء المجتمع وتحسن فرصها في الحياة والزواج كان الأهل يضعون الفتيات على أول الطريق منذ الطفولة، ويتم ذلك عن طريق تضميد قدم الفتاة بشريط من القماش مشدود بقوة بعد طي أصابع القدم الأربع من دون الأكبر باتجاه الكاحل، يستمر ذلك منذ الطفولة ولسنوات عديدة يتم فيها تشويه العظام وإجبارها على التقوس والانحناء وإلصاق الأصابع ببعض، بحيث تدخل القدم فى حذاء شديد الصغر يمنع القدم من النمو. تؤدي هذه العادة إلى تشوه فى الحركة وعدم الاتزان في المشي والضغط على عظام الحوض مما كان يسبب ألماً كبيرا يجب التعايش معه.

 

وعلى الرغم من الألم النفسي والجسدي المصاحب لتلك العملية قامت النساء بإجبار بناتهن على نفس العادة التي تجرعن من آلامها، وتم توارثها جيلا بعد جيل. حتى تم منع عادة القدم الذهبية في أوائل القرن العشرين، وإن ظل البعض يقوم بها خلسة من وراء الحكومات.

اليوم، النساء القليلات الباقيات على قيد الحياة من ذوات الأقدام الذهبية جميعهن عجائز يعشن في الأرياف والمناطق الفقيرة. فكما بدأت تلك العادة عند الأثرياء أولا، انقرضت أيضا عند الأثرياء أولا.  

أغبياء هم الصينيون، أليس كذلك؟

قبل الإجابة عليك أن تفكر قليلاً وأن تسأل نفسك بضعة أسئلة. من قال بأنه من العيب أن تتعدى الفتاة الثلاثين بدون زواج؟ ما رأيك في من لم يُكمل تعليمه؟ ما هو رد فعلك إذا لم يدخل ابنك إحدى الكليات المسماه بالقمة؟ إذا أخبرتك ابنتك أنها لا تريد أن تتزوج مطلقا، أو أنها تحب شخصا ما وستنتظره، ماذا ستفعل؟

بالنظر مليا إلى أنفسنا فقد تملكتنا قدم ذهبية و لكنها من نوع آخر، لم يتركنا المجتمع نفكر بأدمغتنا وإن ظننا ذلك، بل أننا ما زلنا نفعل "ما وجدنا عليه آباءنا".

يقال لك هذا خطأ وهذا صواب وذاك عيب، فتصدق ذلك و توقع عليه دون أن تعرف لماذا ودون النظر إلى الألم الذى سيلحق بقدمك، تشوه نفسك لكى تسير مع الركب وتشبه الآخرين فلا تشعر أنك منبوذ أو أقبح منهم لكبر قدمك عن أقدامهم. يخبرونك أنه يجب عليك أن تكمل دورة حياة كالتي عاشها من قبلك، تعمل فيما لا تحب، تتزوج لتنجب فيتعلم أطفالك ما وجدوا عليه آبائهم.

قالوا لنا إننا شعب لا يسير إلا بالكرباج، لماذا؟ لا نعلم. ولا نعلم من قائل هذه العبارة. ولا نعلم أول من ضرب بالكرباج، ولكنهم رسخوا هذا فى أذهاننا حتى صرنا نمشي "جنب الحيط".

منع الصينيون القدم الذهبية وجرموها وعلموا أنها ليست من الجمال في شيء، فلندع الله أن نتخلى عن أقدامنا الذهبية التي تخنق عقولنا.

----------------------------------

المصادر:

http://www.chinahighlights.com/shanghai/article-discover-foot-binding.htm

http://www.smithsonianmag.com/history/why-footbinding-persisted-china-millennium-180953971/?no-ist

http://www.china.org.cn/pictures/2008-09/27/content_16544531.htm

http://www.npr.org/templates/story/story.php?storyId=8966942

https://www.youtube.com/watch?v=DTKyAJMIIKE

http://www.cairolive.com/zahma/?p=10366

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.