أنا مصطفى إبراهيم 24 سنة مهندس طيران، وحاليًا يعني عاطل عن العمل للأسف، وشاعر كدا بعد الظهر يعني.
بهذه البساطة عرّف نفسه منذ تسع سنوات الشاعر المصري الشاب، بملابسه العادية (تيشيرت نصف كم وبنطلون جينز وكوتشي)، وبملامح هادئة وصوت يبدو خجولًا، في أول ظهور له على قناة التحرير مع الإعلامي إبراهيم عيسى عام 2011 عقب ثورة 25 يناير، حيث صدر ديوان الأول، ويسترن يونيون فرع الهرم، يوم 24 يناير/ كانون الثاني.
صدر مؤخرًا عن دار الكرمة في معرض الكتاب 2020، ديوان إبراهيم الثالث بعنوان الزمن، وفاز ديوانه الثاني المانيفستو بجائزة أحمد فؤاد نجم لشعر العامية عام 2014، حيث اقترن اسمه كشاعر بشكل كبير بثورة يناير وأفكارها العامة، أو الأفكار الثورية الذاتية لشاعر يمثلها، ولاقى تقديرًا نقديًا ونجاحًا شعبيًا، وغنى من كلماته عدد من المغنين الشباب مثل محمد محسن ودينا الوديدي ومريم صالح وغالية بن علي وفريق إسكندريلا.
معين الشاعر
بعد غيابه عن إصدار ديوان جديد لسبع سنوات، تخللها بعض لقاءات التليفزيون والراديو، ونشره بعض القصائد الجديدة التي ضمَّها الديوان الجديد، سألته في البداية عن سبب الغياب الطويل، خاصة أن ديوانه الثاني صدر بعد الأول بسنتين فقط، فأردت معرفة إذا كان ذلك له علاقة بغزارة الإنتاج في سنوات الكتابة المبكرة، فحدثني أن كتابته في أول ديوانين نتجت عن انفعاله بحدثين كبيرين، الأول؛ هو السفر لأمريكا والعودة، والثاني هو ثورة يناير.
واستكمل "بعد ذلك لا أستطيع القول إن هناك أحداث جسام حدثت في حياتي بنفس عنفوان التجربة، فلم أعرف عما أكتب؟ أو هل سأكتبه فعلًا أم لا". وعما إذا كان التوقف مرتبطًا بحالة الإحباط العامة واليأس المسيطر، قال "بشكل عام فإن حالة الإحباط هذه، لا تتحمل أكثر من ربع المسؤولية، لكن التشتت والتوهان لهم الدور الأكبر".
عن تأثير طول فترة الغياب، وهل ساعده على نضج التجربة قال "أتمنى ذلك بالتأكيد، كيلا تكون تلك السنوات مرت هباء، ولكن هذا شيء مَن يستطيع قوله هو قارئي وليس أنا".
أحالني هذا لسؤاله عن كيف يتعامل مع الشعر بالتزام الصنعة أم يؤمن بالموهبة المتدفقة، فأجاب "أنا مؤمن بالموهبة عن الصنعة، يمكن أن تستخدم الصنعة بشكل أكبر في الأغاني مع وجود الموهبة، لكن في الشعر لم أستطع أبدًا الالتزام الإجباري في الكتابة إلا لفترات قصيرة مما يسبب عائقًا، ما أقوله لنفسي.. إذا كان هناك فكرة ملحّة كانت ستدفعني لكتابتها، وإذا لا فهي ليست مهمة بالشكل الذي يجعلني أكتبها".
ما فعله الزمن
جاء مضمون هذا الديوان ولغته من حيث الأفكار المطروحة وطريقة معالجتها، مختلفًا عن ديوانه السابق، بداية من عنوانه "الزمن" حتى إن الغلاف الذي بدا بسيط التكوين، يحتوي مجسمًا لمنبه قديم من الداخل به عديد من التروس المتداخلة والمعقدّة، ليعبر عن هذا المعنى المركب، الذي يقول إبراهيم عن فكرته "الأمر أخذ وقتًا كبيرًا مع المصمم في عدة أفكار، حتى خطر لي فكرة التروس، وأن تفاعلها معًا يعبر عن كيف يعمل الزمن، الشيء غير المرئي لكنه حاضرًا في تفاصيل كل شيء، وأخبرت بها المصمم كريم آدم، وعمل على صياغتها بهذا الشكل".
الديوان أيضًا يرصد ما فعله به الزمن في سنوات ما بعد الثورة وركود الحراك السياسي، حيث كسر حاجز الثلاثين وانتقل لمرحلة عمرية جديدة، ربما تتغير بها الشخصية لأقصى درجة، وربما بدأت معه مؤشرات أزمة منتصف العمر شيخوخة الشباب مبكرًا، يقول المحلل النفسي إليوت جاك، إن الإنجاز الرئيسي لهذه المرحلة يتمثّل في تجاوز مثاليات مرحلة الشباب للوصول إلى التشاؤم التأمّلي والاستسلام البنّاء.
طرحت عليه هذه الرؤية لأرى ماذا فعل به الزمن، فقال "أستطيع أن أقول إن الزمن جعلني أهدأ من الماضي كثيرًا، تأثري أقل سلبًا أو إيجابًا، صدري أوسع في استيعاب الناس باختلافاتهم وضعفهم، وأن الإنسان في كل مكان في العالم مشاكله ومخاوفه متشابهة جدًا، وضعفي أمام هذا الكائن الهلامي (الزمن)، كما أن أحكامي المطلقة صارت قليلة جدًا".
نعم، فذات الشاعر هنا شديدة الهدوء بسبب حالة الانعزال والتأمل في أفكار وأشياء تبدو عادية يعيد تعريفها، مثلًا في قصيدته الأقرب لفكرة الديوان "أنا بكبر" يقول "العالم بيقول لي أكبر وأنا ساكت.. بيقول لي كل ده عادي.. […] تايه ووحيد.. مش لاحق أراجع مع نفسي أنا مين.." هنا يدرك الشاعر أنه ليس مركز العالم لكي ينفعل بهذا الحدث المتكرر، لكنه برغم ذلك يخاف ويشعر بأهمية الحدث بالنسبة له لأنه لا يرى العالم إلا من خلال نفسه التي لابد وأن يعرفها.
ويقول في المقطع التالي للقصيدة السابقة "بصراحة يا جماعة.. ولا اللي واقف قصاد المدفع الرشّاش.. ولا اللي واقف قصاد الغولة فـ الأحراش.. هما اللي يستاهلوا نوط الشجاعة.. اللي يستاهله.. واقف قصاد المراية.. وعقارب الساعة".
مصطفى هنا يحاسب نفسه التي تغيرت بمرور الزمن، مع إقراره بأن العالم لا ينتصر لهؤلاء الأبطال الذين يعيشون في الظل، ربما يكفيه الرضا الشخصي، كما يقول في أحد المقاطع "يا هل ترى صوت الهزيمة ولا صوت العقل.. اللي بيوشوش فـ ودني بالراحة بدون أنفاس مش شرط يعني نغير الدنيا.. كفاية حتة صُغيرة فينا..أو حتة صغيرة فـ الناس".
شعرت أن هناك قدرًا كبيرًا من التغير والتطور النفسي والفكري، على مستوى الانشغال بقضايا وأفكار أكثر ذاتية ترتكز على التفلسف والأسئلة الوجودية، هذا أحالني لتجربة شاعر من جيل الرواد وهو صلاح جاهين، حين كتب الرباعيات في فترة ما قبل النكسة، حين كانت مصر تمر بأزمة سياسية ومعظم المثقفين في المعتقلات، فوجد جاهين نفسه وحيدًا، ولم يجد ما يفعله غير التفلسف.
أخبرني مصطفى أن الكتابة في الأفكار الفلسفية هو خط يحبه من قبل الثورة مثل معظم قصائد ديوانه الأول، ووجد نفسه يحن لذلك. لكن أظن هناك اختلافًا جوهريًا بين الأفكار الفلسفية في الأول والأخير، في الأول يعرض فلسفته عن طريق إجابات بشكل أكبر، بينما في الأخير يستطرد في طرح التساؤلات، على الرغم من قوله إنه يحاول الإجابة عن أسئلته، واستطرد "كل إنسان مشروع فيلسوف، والشاعر فرصته أكبر في ذلك إذا كان مشغولًا بتلك الأسئلة".
كما كتب في مقدمة الديوان:
"في هذا الديوان.. أسألُ وأُجيب، أُخطئ وأُصيب، وأعني ما أقول، وأقول ما أعني، فدعني".
عندما يخرج الشاعر من تمركزه حول ذاته لا يشتبك في كثير القصائد مع أحداث الحياة العامة، لكن يسأل ويعيد اكتشاف العالم ويبحث حول أصل الأشياء ليكون فلسفته الخاصة، في أول قصيدة في الديوان "اللغة" يحاول اكتشاف الآداة الأشمل للشاعر، يقول في نهاية القصيدة "اللغة هي اتفاقنا من قبل السنين؟ ولا صوتنا سوا.. اللي مابنعرفش ده صوت مين؟" هذا السؤال حول ماهية وأصل اللغة وهل هي شيء مجرد أم مرتبط بوجودنا الإنساني، هو في الأصل سؤال يحيل إلى أسئلة حول أصل الإنسان والوجود.
ويستكمل أسئلته الوجودية في الست قصائد الأخيرة في الديوان، وفي قصيدته الشك يقول "الشك شاب زهقان م الطريق السهل.. مستني يطلع برا بيت الأهل.. والحق أب عجوز بيمشي خطوته على مهل" كأنه يصف هنا الشك الديكارتي الذي كان منهجه يقوم على الشك بكل شيء حتى العالم المحسوس، لأن ذلك الطريق الوحيد لليقين كما يقول الفيلسوف "كلما شككت ازددت تفكيرًا فازددت يقينًا بوجودي"، مثلما فعل الشاعر في قصيدة "ماذا يدور" وشك في كل شيء من أول الوجود الحسي "يا هل ترى الدنيا دي بجد.. ولا أنا بحلم؟" وشك في مشاكل الإدراك وحرية الإرادة والخير والشر والإيمان الغيبي والموروث الديني والحياة والموت.
نجده من زاوية أخرى يتنازل عن تصديق الأفكار الكبرى ويتجه لرصد حياة الشخص العادي والتفاصيل الصغيرة التي تستحق الالتفات لها والاستمتاع بها، في قصيدة "لسه كتير" يقول "أنا مش هبيع الأمل للناس.. ولا هقدر أبيع اليأس.. ولا هقدر أبيع فكرة.. ممكن تتقلب بكره و تبقى العكس"، لكنه يعود برصد تفاصيل صغيرة ويحاول وصفها كمن يحاول أن يصف الألوان لأعمى، لأنها أشياء لا تسعفنا اللغة لشرحها ورغم أنها تبدو صغيرة لكنها لها تأثير كبير يدعونا نستمر بالحياة لاكتشافها.
هذه الأشياء الموجودة في حياة الناس الذين تحدث عنهم في قصيدة فيلم طويل، فيقول عنهم " الناس دي هما احنا في فيلم طويل.. أبطاله كلهم كومبارس"، والموجودة في حياة الشخص العادي الذي يلتقط له بورتريه في قصيدة "ماعملش حاجة تستحق الذكر" فيقول أنه "يشبه بطل أسطوري وخيالي.. ماعملش حاجة تستحق الذكر.. غير إنه واقف لسه على رجليه".
لكن هذا الاختلاف والتغيير في اللغة التي تحمل روح قصيدة نثر العامية، رغم حفاظه على الوزن الشعري البطيء، لكن من حيث التركيز على وصف الحالة بتتابع درامي يخلق صورة شعرية كلية وليس جزئية، أو مفارقة لغوية، وقد يخلو ذلك من دهشة المجاز وإطراب الغنائية السريعة، والذي سببه بالأساس طبيعة الأفكار المطروحة، لم يعجب البعض من قُرّاء الشاعر.
ربما كان رأيهم أنه أقل من المتوقع أو أضعف من "المانيفستو". قال لي الشاعر إنه يتابع الآراء بالطبع، وهناك من أعجبهم الديوان ومن لم يعجبهم تمامًا، لكنه كان يتوقع ذلك، ووضعه في حسبانه كي لا يصيبه الإحباط، لأنه مختلف عن ما سبقه، وهذا اختيار يصيب أو يخيب.
وأضاف "كنت أقول لنفسي هذا ما أشعر به وأريد قوله ورزقي على الله، أتمنى أن يعجب كل الناس، لكن هذا مستحيل".
الديوان لم يخل من القصائد السياسية تمامًا، وربما وجد محبو المانيفستو ضالتهم ببعض القصائد (من ريحة الحبايب) بداية من "البنكنوت" والتي أعتبرها أقوى قصائد الديوان، وهي أول قصيدة تكتب فيه، حيث نشرها عام 2014، لدرجة أن اختلط عليَّ الأمر وحسبتها مكتوبة بالمانيفستو لوجود نفس الروح بالأفكار واللغة، وأيضًا قصائد مثل "الشعرة اللي بين الحق والباطل" و"طواحين الهوا" وربما يجمعها الشعور بالعدمية بعد مواجهة الواقع. يقول مصطفى في قصيدة "الطريق" التي كُتبت عقب أحداث الاتحادية والمقطم.
بكيت.. كأن بقالي عمر ما بكيتشي.. ما بكيتشي م المنظر.. الدم أوقات كتيرة.. كان بيبقى أكتر.. لكن بكيت النهاردة.. لأني لما شفت الدم..ما بكيتشي.
مانيفستو الثورة
أما بالنسبة لديوانه الأشهر "المانيفستو" الذي كان همه وأفكاره الرئيسية حول الثورة، خصوصًا الذي يخبرنا عنوانه وقصيدته الرئيسية؛ عن بيان سياسي لانفعال وتأثر الشاعر بثورة يناير، وتوثيقه لأهم مبادئها وأحداثها وأهدافها بشاعرية متمكنة جدًا وليدة موهبة كبيرة وتجربة حقيقية ورائدة، مما جعل شعره هو الأكثر تأثيرًا في الذاكرة الشعرية للثورة، لأن شعره خرج منها، خرج بثورة وليس فقط تحدث عنها، لذلك فهو لم يكتب عن الثورة في حينها بل كان مشغولًا بالمشاركة فيها.
يرى إبراهيم أن تصنيفه كشاعر للثورة هو شرف كبير، ولكنه لا يصح أن يقوله أو يقبله لأن هناك العديد من الناس الذين كتبوا للثورة؛ "لا أظن أنه يمكنني أن أوافق على هذا اللقب إذا قاله أحد الناس برغم إمتناني الشديد له، والشعر الفن بشكل عام أكبر وأعم من تقييده داخل أحداث معينة فقط، هناك من يلهث وراء ربط نفسه عند الناس بحدث كبير، لكن لا يوجد حدث يعيش لآخر العمر، وحده الفن المجرد يعيش ويترك أثره".
دفعني ذلك لسؤاله عن رأيه في المشاركة السياسية في هذه المرحلة، فوجدته لم يتغير عما قاله منذ 2015 في حضوري آخر أمسية شعرية أقيمت له بالإسكندرية، وهو ما تلخصه جملته في المانيفستو "فرق مابين الجرأة والقلب الحديد.. والرمي جوا التهلكة" وقال إنه لا يوجد تغيير منذ حينها، غير أن الأعداد الأكبر أدركت هذا الرأي رغم مهاجمته وقتها.
"المانيفستو" فاز بالمركز الأول في الدورة الأولى لجائزة نجم، أول جائزة كبيرة مخصصة لشعر العامية في مصر، سألته عن ماذا كانت تمثل له هل العائد المادي أم المعنوي؟ فأجاب "كلاهما مهم، وفي جائزة نجم كانت سعادتي أنني جزء من حدث كبير باسم عم نجم رحمه الله، وأنه صار هناك جائزة محترمة لشعر العامية أخيرًا". وأضاف أنه لم يأخذ قرار بشأن تقدمه للجائزة هذا العام بعد.
الشاعر الرائد في جيله
أعتقد أن ما ميّز الشاعر مصطفى إبراهيم وجعله رائدًا مؤثرًا في جيله وجمهوره من الشباب، هو أن قصيدته كانت تحقق المعادلة الصعبة بين امتلاك أدوات الدهشة الفنية واللغة البسيطة الجماهيرية، فهناك من الشعراء من يمكنه أن يمتلك عمقًا فنيًا لكن بلغة صعبة نخبوية للمثقفين فقط، أو حتى لغة صعبة بدون مضمون عميق، وأظن هذا من أسباب عدم ظهور شاعر نجم بعد جيل السبعينيات.
ربما ظهر من يمتلك قصيدة جماهيرية وكاريزما مسرحية موجهة للناس عمومًا، لكن تظل قصيدته كنص مجرد يقع في فخ الاستهلاك والسطحية، هناك من هو ينطبق عليه المثال الأول من يقدم التنازلات لكي ينتقل للمثال الثاني ومن ثم ينجح أو يخفق في الوصول لجمهور، لكن بشكل عام هذا اختيار له عدة جوانب واعتبارات.
شعر مصطفى هضم تجارب آخر جيل من الشعراء الرواد، ربما وجد في فؤاد حداد دوره في نقل شعر العامية من مرحلة الزجل، وجمعه بين الغنائية واللعب باللغة، واستفاد من صلاح جاهين في الاهتمام بالفلسفة والتأمل الوجودي، واكتسب من أحمد فؤاد نجم الاهتمام بالقضية السياسية والوطن في شعره التحريضي الثائر، وتفاعل مع عبد الرحمن الأبنودي وتجريبه، خاصة في المشهدية والبناء الدرامي للقصيدة.
يعلّق مصطفى "لا أعرف ماذا اكتسبت من كل منهم، لكن كلهم غارقين في رأسي، أحيانًا يطفو أحدهم على السطح، لكن أحاول قدر الإمكان أن يكون لي صوتي الخاص، وإلا فيكفي ما كتبوه هم للناس". وأضاف مستشهدًا ببيت شعري لفؤاد حداد "واللي أتى بالجديد لولا القديم ما أتاه.. يا أمتاه أنا ابنك على الأثر ساير".
والأهم من ذلك أنه منذ أول ديوان يظهر توجهه في الكتابة الذاتية، وحبه للناس أيضًا، حتى على مستوى إلقاءه (المونو تون) الذي يضرب قواعد الإلقاء المسرحي المتعارف عليها لكنه يشبه شخصيته الهادئة ويصل القلوب بصدقه وخفته، وقال مصطفى معلقًا على أزمة الصراع بين الفن والشهرة "أنا ضد أن يتجاهل الشاعر أو الفنان الناس تمامًا، وإلا فليحتفظ بكتابته في الدرج، لكن في الوقت نفسه، الكتابة للناس فقط بدون كتابة ما ترضى عنه، هو طريق نهايته سيئة، لأنك تفقد نفسك وصوتك الحقيقي في المنتصف، في مقابل رضا الناس والانتشار، مثل أنك تصنع لك شخصية مزيفة لكي تنضم لمجموعة ما، فتتوقف عن الكلام عن كرة القدم مثلًا لأنهم لا يهتمون بها".
تابعت في سؤاله؛ هل تعتبر جيلك أضاف لشعر العامية؟ وهل هناك نقد موازٍ لتجاربهم؟ فأجاب "أظن سيظهر في المستقبل، لكن أنا متفائل بأننا كجيل سنضيف له". واستكمل "النقد شبه معدوم بالنسبة لشعر العامية فيما عدا بعض الأسماء القليلة، وهناك بُطء في الحركة النقدية مقارنة بالحركة الشعرية، ولا أعرف السبب.
ما حول الشِعر
سألته هل تتربح من شعرك أو تفكر في ذلك؟ فأجاب "في الوقت الحالي صعب، أولًا بسبب أن الملكية الفكرية في مصر لا يُعتمد عليها، وثانيًا لأنني لست غزير الإنتاج إلى الدرجة التي تجعلني أستطيع العيش من الشعر". وحول رأيه في الشعراء الذين يفعلون ذلك من الحفلات وخلافه فقال أنه لا يستطيع اللوم عليهم لأنه لا يوجد مصدر آخر للدخل يمكن أن يستفيدوا منه غير الحفلات، وتابع أنه سيقيم حفلًا للديوان، لكنه لا يزال مترددًا في خوض هذه التجربة بشكل منتظم وبتذاكر.
عن الكسب باحتراف كتابة الأغنية يقول إبراهيم "يمكنني أن أتكسب من كتابة الأغاني، لكني لا أجيد بالقدر الكافي في الكتابة بالطلب، ولا تُطلب أغانٍ كثيرة مني، لأن هذا مجال مختلف هناك أناسه المختصون، إنما أتمنى أن أكتب أغانٍ كثيرة لكل المغنين الذين أحبهم هذا يوم المنى".
وأشار إلى علاقة الصداقة التي تجمعه بالمطرب محمد محسن، الذي يعتبره مصطفى أفضل من غنى كلماته، وجعلته صاحب النصيب الأكبر في أغانيه، بحكم أنه يسمع ما يكتبه قبل البقية، ويحب ما يكتبه مثلما مصطفى يحب صوته ويتشابه عقلهم وذوقهم معًا.
ربما كانت مفاجأة لجمهور إبراهيم أن يسمعوا كلماته في أغنية مهرجانات، بعد غناء السادات وفيفتي لها في مهرجان الإفراج. وعن هذا يقول إبراهيم "كنت راكبًا في ميكروباص أجرة بالصدفة وسمعت مهرجان يستمع له السائق من كلماتي، وعندما اكتشفت ترددت في شعوري هل أفرح أم أحزن، لكن بعد تفكير أدركت أن من المفترض أن أفرح، لأن الكلام أعجبهما لدرجة أن يغنيه، توقعت أن يكون محمد هاشم مالك دار ميريت للنشر هو من أعطاهما الديوان وبدأ الأمر من هناك. صحيح لم يعجبني أن بعض الكلمات منطوقة بشكل خاطئ وتمنيت لو كنا تقابلنا ووضحت لهما نطقها، لكن كمبدأ ليس لدي مانع في غناء كلماتي كمهرجانات، المهم أن تُغنى بشكل جيد".
وأضاف حول رؤيته لمستقبل المهرجانات "أظن أن المهرجانات ستختلط مع موجة التراب الجديدة وسيصلوا لمنتج في الوسط، لكن بخصوص الكتابة فمعظم من يغنون هذه النوعية يكتبون لأنفسهم، فلم يحدث تطور على مستوى الكلمات والموضوعات متكررة وأرى أنهم إذا أدخلوا معهم كتابة مختلفة سيحدث تطور أكبر، مثلما حدث في الموسيقى، لكن كل هذا مازال يحتاج وقت كي يظهر له ملامح".
وعن مشاريعه المقبلة في الكتابة وعمله الحالي، قال إنه يحاول الكتابة للسينما، ويعمل على كتاب خواطر بالعامية عن تأملات فلسفية في الفيزياء والرياضة، كما يعمل على مشروع بحثي لقاموس بالعامية المصرية.
وختم مصطفى حديثه قائلا "أنا منشغل بما أكتبه، وأرغب أن يستطيع شعر العامية أن يتحدث في كل شيء ويطئ أراضٍ جديدة، ويكسر تابوهات فكرية عن مدى عمق القضايا التي من الممكن أن تكتب به، ويكتسب لغة جديدة".