تصميم: يوسف أيمن - المنصة

"جروبات الماميز": مجتمعات بديلة لأمهات يعانين الوحدة

منشور الاثنين 11 مايو 2020

 

بينما كانت هالة* تبحث على فيسبوك مقترحات لوجبات إفطار متنوعة تقدمها لطفلتها التي أكملت عامها الثاني، تجد معلومة حول أهمية أن يتناول الأطفال فصًا من الثوم النيء كل صباح لوقايتهم من الإصابة فيروس كورونا المستجد، فتشاركها مع صديقاتها في "جروب الماميز" الذي تحول إلى مجتمعها الأهم منذ انتقالها إلى القاهرة بعد زواجها قبل عدة سنوات. 

وجروبات الماميز هو اسم أطلق على عدة مجموعات على فيسبوك وأخرى على واتساب، تجتمع فيها الأمهات ويناقشن مسائل تتعلق بتربية الأطفال والمشاكل التي تواجههن ويتشاركن فيها تجاربهن، بعضها يجمع أمهات يسكنّ في مناطق متجاورة، وأخرى أكثر عمومية.

ومن أشهر المجموعات المغلقة على فيسبوك مجموعة راحة بالي، والتي أنشئت عام 2018، وتضم أكثر من 60 ألف أم، من مناطق سكنية مختلفة، تتلقى أسئلة الأمهات على الصفحة الرئيسية للمجموعة المغلقة.

قضت هالة حياتها في مدينة المنصورة حتى تخرجت من الجامعة. بعدها، تزوجت زواجًا تقليديًا أو ما يطلق عليه "زواج الصالونات" من عريس يعمل في القاهرة رشحته لها إحدى صديقاتها. تمت إجراءات الزواج خلال ستة أشهر وانتقل العروسان للإقامة في مدينة السادس من أكتوبر؛ "جيت من المنصورة معرفش أي حد هنا ولا حتي كنت بشتعل، وملحقتش كمان أخطط لموضوع الخلفة مع جوزي"، تقول للمنصة.

ولأن العمل أيضًا لم يكن من أولويات هالة، فقد وجدت نفسها تقضي 12 ساعة يوميًا، هو الوقت الذي يقضيه زوجها في عمله، وحدها في مدينة لا تعرف فيها أحدًا، فأهلها وأصدقاء الطفولة والجامعة جميعهم في المنصورة. لذلك، لم تجد عندما علمت بخبر حملها، سوى مجموعات الأمهات المعروفة باسم جروبات الماميز على فيسبوك، لتصنع لنفسها مجتمعًا بديلًا تجد فيه عونًا على تجربة جديدة في حياتها توشك على البدء.

روتين يومي ومسؤولية مفاجئة

"مكناش حاطين قرار حاسم في موضوع الخلفة. بعد الجواز اتكلمنا أنا وجوزي إن إمكانياتنا المادية تسمح فليه منخلفش؟ وأنا لقيت إن ممكن يكون ده دوري إني أبقى أم لأن الشغل وقتها مكنش في اهتمامتي فعلشان كده مفكرتش في تأجيل الحمل وقررنا نسيبها للظروف، وفعلا حصل الحمل".

طيلة 9 أشهر، عاشت هالة في "روتين يومي ممل" كما تصفه "بصحى من النوم أفطر وأعمل أكل واستنى جوزي يرجع من الشغل ياكل ويقعد شوية وينام، وأكلم ماما في التليفون"، فأصبحت تلك المجموعات صديقها الوحيد.

بعد وضع المولودة، وجدت هالة نفسها بحاجة لدعم حقيقي، خاصة بعد دخولها في فترة اكتئاب ما بعد الحمل التي تصيب العديد من السيدات عقب الولادة "مكنتش عارفة أغير لبنتي إزاي ولا أرضعها ولا امتى تكون جعانة أو شبعانة.. مامتي قعدت معايا أسبوعين وبعدين رجعت علشان أخواتي، وبقيت لوحدي، كنت بدخل الجروب أسأل أعمل إيه لو البنت حست بمغص، وإزاي أغير لها وإيه نوع البامبرز الكويس".

عاد الروتين اليوم للحياة مجددا، بعد أن أضيف إليه صخب طفلة رضيعة لا تعرف شيئًا سوى البكاء للإعلان عن حاجتها للطعام أو تغيير الملابس، فكل شيء كما هو يعود الزوج من عمله يأكل ويجلس مع الطفلة وقتا قليلا، ثم يذهب للنوم في الحجرة الأخرى ليترك حجرة النوم الكبرى للأم والطفلة "مكنش هيعرف يقعد معانا في نفس الأوضة علشان البنت بتصحى تقريبا طول الليل وهو مش هيقدر يصحى معايا علشان هو كمان عنده شغل الصبح".

فوضى طبية

النصيحة الوحيدة التي أخذتها هالة من والدتها هي "خلصي شغل البيت وبنتك نايمة" لكنها تصفها بالنصيحة صعبة التنفيذ فهي أيضا تحتاج للراحة والنوم، فكانت تنام في الفترات التي تنام فيها طفلتها. صمتت فترة خلال المكالمة الهاتفية المطولة التي أجرتها معها المنصة، ثم استدركت حكاية بدا أنها تذكرتها للتو "في مرة كانت الساعة 3 ونص بليل والبنت فضلت تصوت صويت هيستيري ومش راضية ترضع ومش عارف أعمل حاجة، روحت أصحي جوزي قالي حاولي تسكتيها وبكرة نبقى نروح لدكتور، دخلت على الجروب وسألتهم ممكن أعمل إيه اللي كان صاحي من الستات وقتها قالي على اسم أعشاب للأطفال أجيبها من الصيدلية وطلبتها بالتليفون وجبتها وادتها للبنت وفعلا هديت بعد شوية".

هنا ترى هالة أن فائدة تلك المجموعات هي الإنقاذ في المواقف الصعبة، والحلول التي تثق بها لأنها تأتي من أمهات لديهن أبناء وتجارب في التربية، ولكن تختلف مع هذا الرأي سمر علي، وهي موظفة بإحدى شركات المحاسبة عمرها 36 سنة وأم لطفلين، ترى أن تلك المجموعات مكان مناسب لـ"فضفضة الستات"، لكنها ليست مصدرًا لأخذ المعلومات الطبية "مقدرش آخد منها معلومة تخص صحة ولادي، لازم أرجع لدكتور أو أشوف مرجع أو مصدر موثوق. صحة الولاد مفيهاش هزار، ينفع ندخل نهزر ونضحك شوية وده اللي بستفيده من الجروبات دي".

"جروبات الماميز"، دوما تتعرض للهجوم، وتوصف بأنها مصدر للشائعات كما نشر في تقارير صحفية وفي تعليقات ومنشورات عدة أيضا بصفحات مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن يبدو أن هناك جانبًا آخر لتلك المجموعات تراه سيدات وأمهات تمثل لهم هذه المجموعات دعمًا نفسيًا، وفرصة للتعرف على تجارب الأمومة بشكل خاص والتجارب الحياتية بشكل عام.

مي الشامي صحفية وأم لطفل لم يكمل عامه الأول، تتفق مع سمر وترى أنها ليست بحاجة لتلك المجموعات، تحتاجها فقط عند الاستفسار عن أماكن شراء مستلزمات الأطفال. أما عند الحاجة لأي استشارة طبية، فإنها تجدها عند أهل الخبرة وتطلبها من الأطباء فقط، لأنها ترى أن معظم تلك المجموعات "مكان للفتي" فقط حسبما ذكرت للمنصة.

تتفق أيضًا أسماء ناجي طبيبة الأسنان مع هذا الرأي، إذ تقول للمنصة إنها متواجدة على "جروب المدرسة" التي يذهب إليها ابنها الوحيد، ولا تسعى للتعمق في تلك المجموعات لأنها ترى أن الدعم المقدم من خلاها زائف لأنه من أشخاص لا تعرفهم معرفة شخصية.

تضرب سمر مثالًا على معلومات طبية خاطئة قد تجدها الأم في "جروبات الماميز"، حسب تجربتها "في العديد من الجروبات بينصحوا بإعطاء الطعام للطفل من الشهر الرابع، وهي معلومة طبية خاطئة ويجب الرجوع فيها للطبيب، فهناك أطفال يعانون من أنواع مختلفة من الحساسية، لا يجب إعطاءهم الطعام مبكرًا، وأيضا هناك أطعمة لا يجب إعطاءها للطفل قبل عامه الأول ومنها العسل الأبيض، والملح والسكر، لكن الكثير من الأمهات تكتب على تلك المجموعات أنها تضيف السكر أو الملح للطعام حتى يقبله الطفل، وهنا تصبح مصدرا لنقل معلومة خاطئة من الممكن أن تؤذي الأطفال".

البحث في أمور الطفولة في المراجع والكتب والمصادر الطبية الموثوقة أمر تفضله سمر، ولكن لا ترحب به هالة، لأنها ترى أن معظم المصادر باللغة الإنجليزية التي لا تتقنها جيدًا كما أن المواقع المصرية التي تقدم معلومات عن الأطفال قليلة.

مجتمع بديل

بعد مرور شهرين من ولادة هالة، كتبت على إحدى المجموعات الموجودة على فيسبوك، تسأل فيه عن صديقات يسكنَّ على مقربة منها "قربت أتجنن من قعدة البيت ومفيش حد أخرج معاه عاوزة يكون ليا صحاب ومفيش جيران اتعرفت عليهم، دخلت أدور على حد قريب منى نخرج سوا".

تلقت رسالة خاصة من إحدى الأمهات، تخبرها أن هناك مجموعة على واتساب بها ست أمهات يسكنَّ بالقرب منها، هي واحدة منهن، لديهن أطفال من أعمار مختلفة. أصبحت هالة الأم السابعة في المجموعة، تلتقي بصديقاتها كل خميس يقضين يومًا مختلفًا يكسرن فيه روتين ما تصفه هالة بـ "عذاب الأمومة". تتنفس بارتياح وهي تكمل "لقيت نفسي فجأة في حياة جديدة كنت بدور عليها، ود وهزار وحب ونصايح من غير مقابل، رحبوا بيا وطلبوا مني أخرج معاهم".

توطدت علاقة هالة بصديقاتها مع مرور الزمن. أصبح هذا الجروب "طبيبي النفسي" كما تصفه، العلاقة توطدت أكثر وأكثر لتصبح صداقة حقيقة "لما كنت بنزل أروح إنترفيو لشعل كنت بسيب بنتي عند واحدة منهم، وساعات كانوا يقسموا أيام التمارين لولادهم الأكبر شوية من بنتي وواحدة من الأمهات تروح بالولاد والباقي يخلص اللي وراه، أي زنقة كانت بتحصل لواحدة فينا كانت بتجري على الجروب وتبعت فيه والباقي يدور على حل". تبلغ ابنة هالة اليوم سنتين من عمرها. 

 لم تجد وظيفة مناسبة، لكنها استطاعت الدخول في عالم جديد كانت تبحث عنه "علاقتي بقيت أحسن مع جوزي لما بقى ليا حياة وصحاب حتى لو صحاب من عالم افتراضي بس ظروفنا اللي شبه بعض خلتنا صحاب بجد".


* اسم مستعار بناء على طلب المصدر