لم يخطر ببال مروة إبراهيم أن تواجه كل هذه العقبات في رحلتها مع طفلها يحيى، عندما قررت أن تكفله قبل قرابة خمس سنوات. لا يقتصر الأمر على الملامة الصريحة والمبطنة التي تجدها من المحيطين، ولكن أيضًا من اللوائح والقوانين التي تمنعها من أن تكون أمًا كاملةً.
رغبت مروة التي تسكن محافظة الجيزة أن تكون أمًا منذ عام 2017، ولكن لم يسمح لها القانون بذلك سوى مع إصدار لائحة 2020، لتتمكن أخيرًا من تحقيق أمنيتها في العام ذاته.
لم تنتظر مروة التي تبلغ من العمر 46 عامًا أن تصبح أمًا بيولوجيةً، "الفكرة بعيدة عن تفكيري، لكن لما شفت يحيى للمرة الأولى في الدار (الأيتام) عرفت إننا لازم نكون سوا"، تقول مروة لـ المنصة.
"بعد وفاة أمي وأبويا، بدأت الإجراءات اللي ماكانتش سهلة، وشروطها كتير". تتضمن الشروط مفردات المرتب وتحليل إدمان ومعاينة للمسكن.
سماح مشروط
تنص المادة 89 من اللائحة التنفيذية لقانون الطفل 2010 على أنه "يجوز للأرامل والمطلقات ومن لم يسبق لهن الزواج وبلغن من العمر ما لا يقل عن 45 سنة كفالة الأطفال إذا ارتأت اللجنة العليا للأسر البديلة صلاحيتهن لذلك". ثم في عام 2016، خُفض سن المرأة المسموح لها بالكفالة من 45 إلى 30 سنة. ولكن ظل الأمر محصورًا على المتزوجات، حتى جاء استثناء لائحة 2020، الذي سمح لمن لم يسبق لها الزواج بالكفالة مع الإبقاء على شرط السن.
هذا السماح تواجهه عقبات، كانت أولاها ما واجهته مروة في فترة كورونا، لم تستطع الاستفادة من الإجازة الرسمية مدفوعة الأجر المخصصة لأمهات الأطفال دون الـ12 سنة، ما اضطرها إلى الاستقالة من عملها، تقول "اضطريت أدخل في صدامات مع الناس في الشغل، وأقولهم إني أم والدولة معترفة بيا، لكن مكانش فيه استجابة، لدرجة إن واحدة قالتلي ما ترجعيه دار الأيتام".
لا تهتم مروة التي تعمل الآن بإحدى المؤسسات الخاصة بما تتلقاه من تعليقات من المحيطين بها، تعلمت كيف تتجاهل أسئلة من نوعية "حملتي امتى؟ وعليكي بإيه".
ليس للطفل المكفول الحق في ميراث كافله
التحدي الأكثر صعوبة كان اختيار المدرسة، توضح مروة "معظم المدارس ماعندهاش فكرة عن الطفل المكفول والأم الكافلة، فيه مدرسة سألتني فين أبو الطفل؟".
قوبلت أغلب طلبات مروة للالتحاق بالمدارس الخاصة بالرفض، "أغلب المدارس رفضت وكأن أولادنا عندهم مرض معدي"، كما واجهت تعليقات مثل "عملتي في نفسك كده ليه. تدخليه مدرسة بفلوس ليه خسارة! أمال لو كان ابنك!".
تنفي شيماء عباس مدير الدعم الوزاري والأسري بمؤسسة يلا كفالة حدوث ذلك في المدارس الحكومية، تقول لـ المنصة "الشكاوى كلها من المدارس الخاصة، وكل مدرسة لها سياستها. فيه اللي بيقبل وفيه اللي بيرفض"، تؤكد شيماء على وجود ممثل من وزارة التربية والتعليم في كل لجنة محلية بالمؤسسة، وفي اللجنة العليا للأسر البديلة.
بدون وصاية
لا تقتصر العقبات على دخول المدارس، تقول مروة "الكفالة مش بتديني حق الوصاية، ولا ليا حق إني أكتب حاجة باسمه، لأن الوزارة هي الوصي عليه"، حاولت مروة أن تنقل ملكية المكتبة التي ورثتها عن والدها إلى ابنها يحيى، لكن الوزارة رفضت.
وحسب وزارة التضامن لا يجوز للطفل المكفول أن يرث كافله، وفي حال رغبة الأسرة البديلة في تأمينه، يُفتح حساب توفير يحق لها الإيداع فيه، دون حق في السحب الذي يقتصر على إدارة الأسرة والطفولة بالوزارة، أو الطفل بعد بلوغه سن الرشد.
كانت مؤسسة يلا كفالة من خلال حوار مجتمعي مع وزارة التضامن الاجتماعي عام 2022، حصلت على وعود باتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق الوصاية الكاملة للأسر البديلة. تقول شيماء عباس مدير الدعم الوزاري والأسري بمؤسسة يلا كفالة "التخوف الأساسي عند الوزارة من التصرفات المسيئة من بعض الأسر".
ترغب ياسمينة الحبال التي تعمل بأحد مكاتب الأمم المتحدة بالقاهرة في أن تحوز كامل وصايتها على ابنتها التي وافقت الوزارة على أن تكفلها، لكن "المشكلة أن الوعود التي وعدتنا بها الوزارة متنفذتش. الوصاية لم تُفعل بأي شكل. أنا لسه مش مسؤولة عن بنتي بشكل كامل، كل خطوة لازم جواب من الوزارة" حسب ياسمينة.
بعض الأسر تتسرع في إجراءات الكفالة وبعد فترة تتخلى عن الأطفال
يتطلب أي إجراء بخصوص الطفل المكفول خطابًا رسميًا من الوزارة لإجرائه، توضح ياسمينة "عقد الكفالة غير كافٍ وغير معترف به إلا في وزارة التضامن فقط، حاولت أستخرج شهادة ميلاد لبنتي طلبوا مني جواب من التضامن، لو عايزة أسافر أتفسح، لازم أجيب جواب من التضامن وأحدد تاريخ السفر والعودة".
استخراج تصريح سفر يتطلب موافقة كتابية مسبقة من الوزارة، وتسجيل البيانات في أقرب بعثة دبلوماسية في جهة السفر لمتابعة الطفل حيث يقيم، مع التزام الأسرة بإخطارها بأي مستجدات في البيانات.
ظلت ياسمينة تحلم أن تكون أمًا على مدار سنوات، اعتادت خلالها زيارة دور الأيتام، ولم تنجح في تحقيق حلمها إلا من 3 سنوات، بعد قرار السماح لغير المتزوجات بالكفالة، لتبدأ رحلتها مع طفلتها غالية التي تبلغ من العمر اليوم 3 سنوات ونصف السنة.
من ضمن الإجراءات، اجتازت ياسمينة إنترفيو مع لجنة من الوزارة مكونة من 18 شخصًا، سألوها عن حياتها الشخصية ليتأكدوا من جديتها، وأنها مؤهلة لتكون أمًا لغالية.
ورغم موافقة اللجنة رفض والدها، تقول لـ المنصة "قاطعني لفترة طويلة. سبب رفضه كان تخوفه أن وجود الطفلة يقلل فرصي في الجواز. كان عاوزني أتجوز وأخلف في إطار الشكل التقليدي. لكن مع الوقت اتعود على غالية".
أبناء الوزارة
لكن الوزارة لم تعتد وجود الأطفال مع أسرهم البديلة، إذ تعتبرهم مسؤوليتها. يقول أحمد حنفي مدير برنامج حماية الطفولة بالإدارة المركزية للرعاية بوزارة التضامن الاجتماعي لـ المنصة "الأطفال المكفولون أو الأطفال داخل الأسر البديلة مسؤولية وزارة التضامن الاجتماعي ومسؤولية الدولة. وتأسيس الدولة لمنظومة الرعاية البديلة ليست تخلّي منها عن دورها، وإنما هو تجويد للخدمات المقدمة".
يعلل حنفي ذلك بالتخوف من تخلي الأسر عن الأطفال "بعض الأسر تتسرع في كفالة الطفل، وكثير من الحالات تعود إلينا مرة أخرى. التخلي عن الأطفال بعد كفالتهم يعرضهم لمأساة كبيرة".
ينفي حنفي أن يكون الهدف من كثرة الإجراءات والخطابات اللازمة التحكم في الطفل وأسرته البديلة، "هي عملية ضبط للعلاقة"، مشيرًا إلى محاولات بعض الأسر استغلال الطفل أو الإساءة إليه، "دورنا حمايته".
يكشف حنفي عن المبدأ الذي تتبعه الوزارة فيما يخص منح كامل المسؤولية للأسر البديلة بقوله "ليسوا أبناء بيولوجيين، هم أبناء لوزارة التضامن الاجتماعي".
يفصل المسؤول الوزاري بين مشاعر الأسرة وما هو قانوني وإداري، يقول "الابن المكفول لا يتساوى أبدًا مع الابن البيولوجي، فما بني على باطل فهو باطل. الوزارة مسؤولة إداريًا عن الأطفال في كل ما يتعلق بأموالهم، وهناك ضوابط وحدود للتصرف المالي، وهي ليست خافية على أحد".
الأم البيولوجية
واجهت ضحى أحمد حسين، والدة آدم الذي يبلغ من العمر سنة ونصف السنة، عقبة مختلفة، إذ فوجئت باتصال من النيابة تخبرها أن الأم البيولوجية لابنها ظهرت، وأن ذلك مؤكد بالتحاليل، فأصبحت مهددة بسحب ابنها منها في أي وقت.
تعيش ضحى مع ابنها في قنا تعاني الصدمة والخوف "إزاي أم بعد ما ترمي ابنها وأنا أربيه تيجي تقول أنا عايزاه تاني؟ بأي حق تاخده بعد ما بقى كل حياتي؟".
يعتقد مدير برنامج حماية الطفولة بالإدارة المركزية للرعاية بوزارة التضامن الاجتماعي أن هذا أمر نادر الحدوث "الطفل معلوم النسب في أغلب الحالات لا يكون متاحًا للكفالة"، موضحًا أن القضية مطروحة للدراسة لاتخاذ الاحتياطات التي تعطي الأمان للأمهات الكافلات.
ترى ياسمينة أن الحل سهل ومعمول به في دول أخرى، "بعد مرور فترة معينة تكون الكفالة نهائية، لكن دا ما بيحصلش في مصر"، يحق للأسرة البديلة في نيويورك الأمريكية الحصول على حكم نهائي بالتبني بعد مرور 12 شهرًا متواصلًا على انضمام الطفل إليها.
نجحت مروة في إلحاق ابنها يحيى بإحدى المدارس الخاصة، لكن أمامها طريقًا طويلًا من العقبات والكثير من الخطابات، ما لم تمنح الوزارة حق الوصاية الكامل للأسر البديلة.