يترقب المهتمون بحقوق الطفل والوسط الثقافي في مصر يوم 19 ديسمبر/ كانون أول، موعد حجز الدعوى للحكم في القضية المرفوعة من الصحفية سماح عبد السلام ضد الفنان التشكيلي عادل السيوي لإلزامه بتحليل الحمض النووي لإثبات نسب طفلتها "ديالا" إليه.
ومع اقتراب الموعد يعود هاشتاج "حق ديالا" للظهور على فيسبوك ويعود معه الحديث عن القضايا الأسرية والجندرية في مصر والعالم العربي.
ورغم أن قضية الطفلة ديالا لها تفاصيلها الخاصة؛ إلا أنها كغيرها من قضايا النسب الشهيرة، يتراجع النقاش المجتمعي حولها لصالح حوارات حول التفاصيل والظروف الخاصة لكل حالة؛ ينغمس الجميع في لعبة توضيح مواقف شخصية جدًا، أو تكذيب الطرف الأخر؛ بينما يتلاشى الحديث طرح حق الطفل، أي طفل، في الحياة الكريمة كمحور للنقاش. ينسى المتناقشون في الغالب حق الطفل في الحصول على اسم، وما يترتب على ذلك من إتاحة حقه في الرعاية الصحية (التطعيمات) وفي الالتحاق بمدرسة.
الاختلاف ليس حول خطوط عامة وأساسية تتعلق بتحمل الأم وحدها كل تبعات الحمل الناتج عن علاقة خارج إطار الزواج الرسمي؛ بل الاختلاف على حق الأب/ الرجل في الإفلات من تبعات هذا الحمل من خلال الغرق في مناقشة إن كان الحمل قد تم بموافقته أم لا وما يرتبه هذا من حقوق للطفل عليه.
وبدلًا من مناقشة مسائل مجتمعية متجذرة ومهمة كالجنس خارج مؤسسة الزواج، والحق في إكمال حمل غير مرغوب فيه من قِبل أحد الأطراف، أو حق الطفل الوليد في الحصول على اسم ونسب ورعاية؛ تتركز المواجهات الإعلامية الصاخبة على تناول التفاصيل والظروف الخاصة بكل حالة، وكيل لاتهامات اللوم واللوم لمضاد، فينغمس الجميع في لعبة شخصية جدًا لتوضيح المواقف، أو تكذيب الطرف الأخر؛ ليغرق المتابع في دوامة نميمة لا تضعه في مواجهة حقيقة مع الأزمة المجتمعية.
الأم التي أنجبت طفلا بعلاقة خارج إطار الزواج الرسمي (علاقة جنسية رضائية دون زواج أو مع الزواج العرفي غير المسجل لدى الدولة أو حتى نتاج اعتداء جنسي غير رضائي) تجد نفسها في مواجهة فردية لتحمل مشقة تسجيل الطفل الوليد وتحصيل حقوقه من المجتمع ومن أبيه؛ إذ تجد الأم هنا نفسها ووليدها في مواجهة صعبة مع ثالوث (الأب- المجتمع- الشرع) لتسجيل الوليد، والحصول على حقوقه في النسب التي تؤَّسس عليها حقوقه الشرعية وحقوقه الأساسية في الحياة من تعليم ورعاية صحية.
الجنس خارج الزواج.. ما وراء القصص المشهورة
رغم أن قضايا النسب المشهورة إعلاميًا تعود لمشاهير في عالم الفن أو الميديا قد تعطي انطباعًا مغلوطًا عن ندرتها؛ إلا أن الدوريات والنشرات النسوية مملوءة بدراسات عن واقع أحوال المرأة والطفل في هذه الحالات. لكن تأثير وصدى العمل التوعوي النسوي يبقى خافتًا وسط تعتيم مجتمعي مقصود.
فالأرقام تتحدث عن واقع مغاير، مخفي ومسكوت عنه في المجتمعات المتدينة بطبعها أو المحافظة التي لا تعترف بالحرية الجنسية، ففي تقرير للأمم المتحدة صادر عام 2017 يذكر أن 43% من حالات الحمل في البلدان النامية هي حالات حمل غير مرغوب به، وأن حالة من كل 10 حالات ولادة، تنتج عن علاقة خارج إطار الزواج.
وفي حين تقوم بعض البلدان بالتعتيم على أية إحصائيات وأرقام عن قضايا إثبات النسب أو حالات الأطفال غير المعترف بهم، أو حالات الجنس خارج الزواج أو الدعارة؛ نجد أن حالات جرائم الشرف التي تحظى بقبول مجتمعي في ارتفاع متواصل، كالأردن الذي سجل 42 ضحية أنثى في عام 2016 فقط. كما تشجع بلدان عربية إجراءات كالضبطية القضائية التي بموجبها يمكن لأي أحد كان، كالجيران مثلاً، إلقاء القبض على من يشكون في "ارتكابهم لفعل جنسي" كما يحدث في سوريا والمغرب.
الحق جريمة
وعليه ففي مجتمعات تجرِّم التواصل الجنسي إلا وفق إطار محدد وصارم؛ فمن الطبيعي أن يلعب أطراف التواصل مكرهين لعبة التخفي، كما يتعرضون لتجاهل الخطاب المجتمعي لهم أو الوصم. فلا توجد توعية بالجنس الآمن، ولا إجراءات لمواجهة المشاكل المترتبة عن الجنس غير الآمن التي قد يكون أهمها العدوى المرضية أو الحمل غير المرغوب فيه، ناهيك عن الاستغلال وغيره.
وهو الأمر الذي يجعلنا نتغاضى عن الخطاب المزدوج الذي تتصدره السيدات اللواتي ظهرن في الإعلام للمطالبة بإثبات نسب أطفالهن؛ إذ أنه وبرغم الجسارة التي يتحلَّين بها في مواجه مجتمع يقدس الأب فيسميه "رب" الأسرة؛ فهن يستعملن خطابً لا يخرج عن الإطار "الذكوري" الراسخ في المجتمع في سبيل دفاعهن عن حقوق أطفالهن، ربما لتحييد الآخرين وتفادي أكبر قدر من الوصم والتجريم.
فلا تتخذ أيهن موقفًا واضحًا من حق المرأة في جسدها، أو حقها بممارسة الجنس خارج إطار الزواج المتعارف عليه، أو خطاب مناهض للإجهاض غير الآمن أو حتى المطالبة بتوفير الوعي وطرق الحماية للطرفين مثلًا، بالإضافة لعزوفهن عن تبني أي خطاب جندري أو دفاع عن حقوق نسوية. فتتركز شهاداتهن حول تعليل سبب الحمل بأن الزواج كان شفهي أو عرفي وتم سرقة الورق، أو اضطرار السيدة لمواصلة الحمل بسبب مخاطر الإجهاض وليس لإيمانها مثلا بحق الطفل، طفلها، بالحياة.
في ورشة موانع نسوية تم تسجيل فيديوهات لقصص حقيقية لفتيات يروين تجاربهن مع رحلة البحث عن مانع حمل. فرغم أن الدول تتبنى خطابًا يشجع على تحديد النسل واستعمال الموانع الآمنة؛ فالحقيقة أن المجتمع يتعامل مع الحمل خارج الزواج على أنه عقوبة للفتاة التي لا تنصاع للمُثُل التي يروج لها، وعليه؛ تجد الكثير من الفتيات صعوبة في العثور على موانع الحمل، ناهيك عن غياب الدعم والتوعية. فالمجتمع نفسه الذي يخجل من خطيئة ولادة طفل خارج مؤسسة الزواج؛ هو الذي لا زال يمنع ويشدد على وسائل الحماية من الحمل، أو حتى اللجوء للإجهاض.
في شهادة لها ضمن تقرير استقصائي على step feed تقول ليا عفيفي أن الصيدلي أخبرها بعدم وجود موانع حمل عندما علم أنها ليست متزوجة.
إضافة لمشكلة التوفر؛ فهناك مسائل أخرى لا تعيها النساء لغياب التوعية الجنسية، كمدى فاعلية المانع والأعراض الجانبية إذ تتراوح الأعراض من إطالة فترات الحيض واشتدادها، إلى حدوث نزيف وتقلبات هرمونية. فيما يقف الذكر ومعه المجتمع موقف حيادي من المسألة كلها، حيث غالبًا ما يعترض على تناول أدوية أو استعمال أي موانع قد تشكل شبح خطر على صحته الجنسية أو الإنجابية.
ضد الحياة وضد الإجهاض
رغم تغيير قوانين معظم دول العالم للسماح بالإجهاض، وخاصة في الأسابيع العشرة الأولى من الحمل؛ لا تزال قوانين الدولة العربية تمنعه وفي بعض الأحيان تُجرِّم من يساعد عليه.
أما لو حصل الحمل ولو بطريق الخطأ، فالأنثى هي الوحيدة التي تواجه صعوبات واحتمالات الإجهاض غير المقنن وغير الآمن، إذ أن معظم البلدان العربية تجرم الإجهاض. وتحت ستار الحفاظ على الفضيلة في مجتمع؛ لا توجد قوانين ناجعة لحماية حق الأم أو حتى الطفل في النسب أو الرعاية.
وحدة عربية ضد حق الطفل
وفيما تبدو هذه الأسئلة مهمة ومنطقية جدًا، هناك أسئلة أخرى ملحة ومهمة، قلما تطرح للنقاش الجاد، رغم أنها تدور بخلد الجميع على شكل اتهامات مبطنة للأم: هل يحق لرجل، أي رجل، ألا يكون له طفل من علاقة ما أو حتى زواج؟ هل يحق له أن يطلب من شريكته عدم الانجاب وأن تتعهد له بذلك؟ هل قامت شريكته بتوريطه للحصول على إقرار منه بعلاقتهما أو حقوقها ووليدها؟ ألا يحق لشريك أن يحاسب شريكته التي لم تلتزم باتفاقهما وقامت بإنجاب طفل. وعليه؛ يرفض الإقرار بنسب الطفل؟ لماذا نُحمِّل أحد أطراف علاقة ما، تبعة اختيار الطرف الآخر للإنجاب، إذا كان هذا الطرف قد تعهد بعدم الإنجاب؟ ألا يحق لإنسان، أي إنسان، أن يرفض الإنجاب؟
قبل محاولة الخوض في الاجابة عن هذه الأسئلة، علينا أن نتذكر ما يمليه الواقع في مجتمعات البلدان العربية. فلو أزحنا مشكلة الوصم المجتمعي للنساء اللائي يخضن علاقات لا يباركها المجتمع جانبًا، تتعامل القوانين في المنطقة العربية مع مسألة إنجاب طفل خارج إطار الزواج الرسمي بانتهاك واضح لحقوق الإنسان، وبتعنت مقيت.
فلو أرادت الأم أو اضطرت للاحتفاظ بالوليد كما يحدث في مصر؛ فيتعين عليها الحصول على اعتراف الأب وموافقته لتسجيل الطفل في السجلات الرسمية، حتى في حال وجود عقد عرفي أو رسمي. فما زالت مكاتب الأحوال الشخصية في مصر ترفض تسجيل الأم طفلها حتى إذا كان معها عقد الزواج الرسمي وصورة من بطاقة الأب.
فللأب وحده أو من ينوب عنه من إخوته أو أبيه أن يقوم بتسجيل الطفل ونسبه إليه. بل ويصل الحال برفض المستشفيات مساعدة النساء على الولادة إن لم يكن في صحبة مرافق ذكر من أهل الأب.
فللأب فقط، أو أحد أقاربه في حال سفره، الحق والقدرة على تسجيل الطفل، كما هي حالة قضية هدير مكاوي التي تقول بوجود عقد عرفي إلا أن شريكها لم يقر بالأبوة، وهو ما دفعها لرفع قضية نسب. أما في حالة عدم وجود عقد أو عدم اعتراف الأب فلا يبقى للأم سوى تسجيله باسم عشوائي بحسب قانون الأحوال المدنية. لكن المحامية انتصار السعيد المتخصصة في قضايا حقوق النساء تؤكد أن هذا لا يطبق.
أما في سوريا فالقضاء الذي لا يعترف بالبصمة الوراثية؛ يرفض حق الطفل في النسب حتى إذا اعترف الأب بأبوته وقبل بتسجيل الطفل باسمه كما في حالة الزوجين مختلفي الديانة، إذ ترفض السلطات التسجيل باعتبار عقد الزواج بين مختلفي الديانة "غير صحيح".
ويعلل القاضي الشرعي الأول في دمشق ذلك بأن " قضايا النسب هي خط أحمر.. وحقوق الأولاد محفوظة ضمن إطار قانون الأحوال الشخصية وفقًا للقاعدة الشرعية الإسلامية حيث أن الولد للفراش، (أي فراش الزوجية الناتج عن عقد صحيح)".
كما أنه حاليًا، وبسبب حالات الاختفاء والتهجير، بالإضافة للقوانين الوضعية التي لا تعترف بالصكوك الصادرة عن مناطق المعارضة؛ زادت حالات الأطفال غير المسجلين لدى الدولة. وأصبحت الأمهات في هذه المناطق -وفي ظل التغيرات السياسية العسكرية التي استعاد النظام السوري في ظلها السيطرة على معظم مناحي سوريا- غير قادرات حتى على تسجيل أبنائهن في المدارس أو الحصول على الإعانات.
أما في لبنان، فيمكن تسجيل الطفل باسم والده لو اعترف بالأبوة حتى من دون وجود عقد زواج، و ذلك بحسب القرار رقم 15 عام 1925. أما في حال عدم اعتراف الأب فيتبع الطفل نسب والدته.
إذن فالقوانين في معظم البلدان العربية تعطي للأب حق رفض ابنه، حتى إن قبلت بحق الطفل في التنشئة في كنف ورعاية والدته. أما لو قبل الأب بنسب الطفل إليه، فكل ما يحتاجه هو عقد زواج صحيح، حتى لو كان الطفل نتيجة جريمة كالاغتصاب.
ولكن هل يحفظ كل هذا حقوق الأب؟
يبدو من كل هذا أن حق الأب محفوظ بشكل ما، ولو كان ذلك على حساب حق الطفل. لكن يشوب هذا الاستنتاج العديد من الشوائب: لو أن رجل تعاهد مع شريكته على عدم الانجاب لكنها مثلا تنصلت من تعهدها أو وقعت في الحمل عن طريق الخطأ، هل نلومه لرفضه أبوة الطفل؟ هل يحق له إجبار شريكته على الاجهاض؟
ماذا لو حاولنا فهم حق الرجل في النسل عن طريق سؤال معكوس. هل يحق للرجل إجبار المرأة على مواصلة حمل جنينه، سواء في علاقة زواج رسمي معترف به من الدولة أم لا؟ ماذا لو أنه بعد اكتشاف الحمل، قرر الرجل الاحتفاظ به بينما رفضت المرأة؟
هناك قصة مثيرة عن رفض الأمومة حدثت في كيبك كندا عام 1989، عندما اكتشفت فتاة في العشرين من عمرها تُدعَى شانتال أنها حامل من علاقة سابقة لها مع شاب يدعى "جان كيه ترامبليه"، و قررت إنهاء الحمل بينما أصرّ صديقها السابق على الاحتفاظ بالجنين، فاستصدر إنذارًا قضائيًا ضدها يمنعها من الإقدام على الإجهاض معتمداً على حقه في النسل.
في العام نفسه كانت كندا، بعد عقود من النضال النسوي ودعم مجموعات من الطاقم الطبي، قد أقرت أخيرًا التوقف عن تجريم الإجهاض. فبدا الإنذار القضائي نوعًا من التراجع في حقوق المرأة وحقها على جسدها وأصبحت القضية قضية رأي عام و أصبحت شانتال عرضة للسجن.
الجدل هنا لم يكن عن حق الاب في أبوته فقط بل عن حق الرجل او شخص أخر بالتحكم بجسد إمرأة عن طريق إجبارها في المضي في حمل لاترغب به. حمل يكلفها هي وحدها مشقة جسدية ونفسية هائلة بغض النظر عن تكلفة التربية والعناية بعد الولادة.
فرغم كل شئ فالمرأة وحدها تتحمل عبء الحمل و تحمل أثاره للأبد كما قد يهدد حياتها بشكل مباشر في حالات الامراض و الولادة المتعسرة. فهل يحق للرجل الذي لا يتكلف ذات العناء الجسدي أن يخضع المرأة ويجبرها على تحمل هذه الكلفة؟
هذا السؤال أجابت عنه أخيراً المحكمة العليا حين أصدرت قراراً عام 1989 فيما يعتبر سابقة مهمة في حق المرأة على جسدها ينص على أن "الجنين لا يملك هوية قانونية قبل ولادته، وبالتالي يعود للأم وحدها حق تقرير مصيره، فلا يستطيع أحدهم ادعاء حماية الجنين و منع الأم من اجهاضه".
فبحسب المحكمة يعود للأم وحدها الحق في قرار إكمال الحمل من عدمه بغض النظر عن موقف الأب من ذلك. أما في بلداننا فبمؤازة القوانين الوضعية والإجماع الشرعي الذي يجرِّم الإجهاض؛ يبدو حق الرجل هنا محفوظًا، فللأب أن يسجن الأم ببلاغ يتهمها فيه بإجهاض الجنين.
لكن ماذا لو رفض الأب الحمل وطالب بالإجهاض؟ هل يحق له رفض الأبوة؟
الإجابة على هذه الإشكالية ليست سهلة، رغم أن النقاش المجتمعي يطرح لها حلا سهلا، مفاده أنه ما دام الحمل جرى على غير رغبة الرجل وموافقته، فله أن يرفض الأبوة ولتتحمل الأنثى تبعات الاحتفاظ بالحمل كاملة. هذه الإجابة التبسيطية تتجاهل ليس فقط غياب خيار الإجهاض الآمن في االعالم العربي كما أسلفنا؛ لكنها تتجاهل تكلفة الإجهاض على الطفل والأم.
فالأنثى تواجه وحدها صعوبات واحتمالات الاجهاض غير المقنن وغير الآمن، ففي تقرير لمنظمة الصحة العالمية صدر هذا العام؛ تلقى 30 من كل 100 ألف امرأة في العالم المتقدم حتفها أثناء الخضوع لعملية الإجهاض، ويرتفع الرقم إلى 220 امرأة في البلدان النامية، و 520 في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
أما قرار المرأة بمواصلة الحمل فله تبعات كثيرة على حياتها وصحتها ومستقبلها، إذ أنها تتابع مع الطفل نشأته وتربيته بالرغم من تكبيلها هنا أيضًا بقوانين لا تعاملها معاملة البالغ المسؤول.
إذ أنه في معظم البلدان العربية يستحيل تسجيل الطفل في أوراق رسمية دون صك نكاح صحيح كحالة سوريا، حتى لو اعترف الأب بالأبوة. بينما يصل الأمر في مصر لحد الوصاية حيث لا تستطيع الأم أن تسجل الطفل في مدرسة أو تفتح حسابا بنكيًا له، وعلى الأب، والأب وحده القيام بهذه الأمور.
كما أن احتمالات فشل الإجهاض، خاصة في غياب الإجهاض الآمن، تعني المخاطرة بإصابة الجنين بتشوهات تؤثر على حياته فيما بعد، كما أن للإجهاض تكلفة جسدية ونفسية كبيرة على الأم. وقد يؤدي لعقمها أو حتى وفاتها.
لذا يبدو بديهيًا أن يعود للأنثى القرار كاملاً في إكمال الحمل أو الإجهاض، فطالما أن الرجل تنازل عن حقه في استخدام الواقي أو مانع الحمل، وترك المسؤولية كلها على عاتق المرأة، ولم يعتن بالوقاية والحماية من تسبيب الحمل؛ فللأنثى الحق في اتخاذ القرار الأسلم لها.
لقد ناضلت النساء طويلًا للحصول على حقوقهن بالتحكم بأجسادهن، وفرض إرادتهن على مصائرهن ولا تزال مسيرة المرأة نحو الحصول على حقوقها يكتنفها الكثير من الصعاب. وقضايا النسب تشكل هاجسًا أساسيًا للفتيات، و مصدرًا لإدانتهن بغض النظر عن الثمن الغالي الذي يدفعه أطفال هذه القضايا، بينما يبقى الذكر دومًا على الحياد، يقرر لنفسه حقه، ويمارسه بمساندة المجتمع والشرائع المستقرة دون تحمل كلفة الإنجاب الناتج عن ممارسته للجنس غير الآمن.
ولا تزال معظم دول المنطقة لا تقبل العمل بتحليل الحمض النووي، كما لا تلزم الرجل بنسب ابنه لو حدث ذلك خارج إطار زواج رسمي. وتضيع حقوق الطفل بالحماية الأبوية والرعاية. لكن كل هذه الكلفة لا تبدو مهمة في عيون مجتمع يهتم بصورته الطوباوية المتطهرة؛ حتى على حساب صحة أبنائه وحقوقهم.