تصميم أحمد بلال، المنصة، 2024
الولاية التعليمية من حق الأب، تحصل عليها الأم بحكم من قاضي الأمور الوقتية

الولاية التعليمية صداع في رأس الأمهات

تعنت من الإدارات التعليمية وروتين معطِّل

منشور الاثنين 24 يونيو 2024

ناضلتْ شيماء الخطيب من أجل الحصول على الطلاق، لكنها وهي في طريقها للتتحرر من زواجها التعيس، صُدمت بأن الملف الدراسي لابنها نُقل من مدرسته الخاصة بحي الدقي، حيث يقيمان، إلى أخرى لا تعرف شيئًا عنها. "كنت دافعة مصاريف المدرسة، وكلموني قالولي ملف ابنك مش موجود"، تقول شيماء لـ المنصة.

فصل دراسي كامل عاشته شيماء في حيرة وحزن تبحث عن ملف ابنها لا تملك من أمرها شيئًا، فالقانون لا يعطيها الحق في الحصول على معلومات تخص ملف الطفل، أو أن تتحكم في سحبه ونقله، دون أن تكون لديها الولاية التعليمية، تقول "كل ما أسأل في الوزارة يتقال لي انتي مش من حقك تعرفي، مش معاكي ولاية تعليمية ما ينفعش تتصرفي في أي حاجة".

رفعت شيماء دعوى ولاية تعليمية ثلاث مرات، لكن القاضي كان يرفضها في كل مرة، في المرة الرابعة حصلت عليها في نفس يوم صدور حكم الخلع.

ولاية وقتية  

وتعني الولاية التعليمية حق تمثيل الطفل وإدارة شؤونه التعليمية مثل تقديم أو سحب ملفه من مدرسته قبل بلوغه سن 15 سنة، ووفقًا للمادة 54 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 المعدلة بالقانون 126 لسنة 2008، فإن الولاية تثبت للولي الطبيعي وهو الأب، وتؤول إلى الحاضنة عند عدم وجود خلافات زوجية، حيث تنص على أن "الولاية التعليمية على الطفل للحاضن، وعند الخلاف على ما يحقق مصلحة الطفل الفضلى يرفع أي من ذوي الشأن الأمر إلى رئيس محكمة الأسرة بصفته قاضيًا للأمور الوقتية".

وبعد أن مكنت الولاية التعليمية شيماء من معرفة مصير ملف ابنها، اكتشفت أن طليقها نقله إلى مدرسة حكومية في حلوان، لمكايدتها والانتقام منها، على حساب المستقبل الدراسي للطفل وحالته النفسية. 

"المحكمة مش بتطلع الولاية غير بعد الطلاق، طول فترة النزاع بتكون الولاية من حق الأب"، تطالب شيماء برفع يد الأب عن تعليم الطفل خلال فترة النزاع كي لا تصبح سلاحًا في يده، و"عشان الطفل ما يتبهدلش"، وهو ما يعتبر عقبةً أمام الأم المهجورة أو المعلقة، حسب جواهر الطاهر، مديرة برنامج الوصول للعدالة بمؤسسة قضايا المرأة، لـ المنصة "بتضطر ترفع دعوى طلاق للهجر، وتجيب شهود على غياب الزوج، عشان الولاية التعليمية". 

يمنح القانون الولاية التعليمية للحاضن لكنه يترك الأمر للسلطة التقديرية للقاضي، وفقًا لما يراه في مصلحة الأبناء، وقد يحدث أحيانًا أن يرفض قاضي الأمور الوقتية منحها للأم فتضطر إلى رفعها عدة مرات، كحالة شيماء.

تتعامل بعض المدارس والإدارات مع الحكم على أنه أمر وقتي يستمر لعام دراسي واحد فقط

 المادة 197 من قانون المرافعات على الطرق القانونية للتظلم، أشارت إلى إمكانية التظلم من أمر منح أو رفض منح الولاية التعليمية الصادر من قاضي الأمور الوقتية بمحكمة الأسرة، لكن التظلم من الأمور الوقتية قد يمتد لعام قضائي، وهو ما يعني ضياع سنة دراسية على الطفل.

ويُبيّن حمدي أحمد رزق، المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، أن الأم المطلقة أو التي يوجد بينها وبين زوجها خلافات لم تصل للطلاق، تحتاج لاستصدار قرار لصالحها بالولاية من قاضي الأمور الوقتية بمحكمة الأسرة أو الإدارة التعليمية التابعة لها المدرسة الملتحق بها الصغير، بناءً على الكتاب الدوري الصادر من وزير التربية والتعليم رقم 29 لسنة 2017 الخاص بالولاية التعليمية وتنظيمها.  

إجراء روتيني

بعد عام من طلاقها، حصلت ندى حسن على الولاية التعليمية على ابنها عمرو الذي كان قد وصل إلى عمر الخامسة وبضعة أشهر، وقدمتها مع أوراق التقديم في ملفه الدراسي، ليلتحق بإحدى المدارس التجريبية بإدارة وسط القاهرة عام 2014، وظلت الأمور مستقرة على مدار عشرة أعوام، إلا أنه بداية العام الدراسي الحالي، جاءها اتصال من إدارة شؤون الطلبة في المدرسة، يطالبها ببيان قيد لتقديمه إلى الإدارة التعليمية لعمل ولاية تعليمية من الشؤون القانونية في الإدارة، باسم المدرسة، الأمر الذي اعتبرته ندى مفاجئًا وغير معتاد. 

تقول ندى لـ المنصة "سلمت المدرسة حكم محكمة بالولاية التعليمية من أول سنة دخلها، ليه أعمل ولاية تعليمية جديدة من الإدارة التعليمية؟"، السؤال ذاته وجهته للمدرسة خلال الاتصال وكانت الإجابة "نظام جديد تتبعه المدارس منذ ثلاث سنوات، وأنهم بصدد تطبيقه في المدرسة منعًا للمشاكل، وتوثق الإدارة التعليمية حكم المحكمة لتكون جميع الأوراق سليمة".

في الإدارة التعليمية كانت الأوراق المطلوبة؛ أصل وصورة شهادة ميلاد الأولاد، أصل وصورة قسيمة الطلاق، صورة الرقم القومي الخاص بالأم، وحكم المحكمة الصادر بالولاية التعليمية.

الإجراء الذي وصفته موظفة الإدارة لندى بـ"الروتيني"، عدم إجرائه يكلف الأم ولايتها التعليمية "من غيره مش هعرف أحول لابني أو أسحب ملفه من مدرسة لمدرسة ويكون من حق الأب بس التصرف".

خلال سؤالنا لندى وغيرها من الأمهات، لاحظت المنصة تخبطًا في المدارس والإدارات التعليمية فيما يخص الولاية التعليمية، حيث ترفض بعضها الاكتفاء بالحكم القضائي وتلزم الأمهات بالحصول على ولاية تعليمية من الإدارة التابعة لها مدرسة الطفل، في حين يكتفي بعضها الآخر بالحكم.

كما تتعامل بعض المدارس والإدارات مع الحكم على أنه أمر وقتي يستمر لعام دراسي واحد فقط، ويحتاج لتجديد، في حين تعتبر أخرى أن الولاية سارية لحين وصول الطفل إلى سن الـ15.

لكن الدكتورة أسماء الديب، مستشارة وزير التربية والتعليم السابقة لشؤون المديريات والمدارس، تقول لـ المنصة "أمر الولاية التعليمية بالكامل في يد القضاء، وأن الحكم الصادر من المحكمة هو ما يحدد إجراءات التعامل مع الولاية التعليمية، فإذا كان الحكم مؤقتًا ومحددًا بعام دراسي واحد، فإنه يتوجب على الأم الحاصلة على الولاية تجديدها والحصول على حكم قضائي جديد، أما إذا كان الحكم دائمًا فلا يجب عليها تجديده".

وتنفي المستشارة السابقة أن يكون للإدارة التعليمية الحق في منح الولاية التعليمية "الأم بتروح لقسم الشؤون القانونية لمراجعة أوراق الطفل وحكم المحكمة".

ارتباك الإدارات والمدارس

"تجبر بعض الأمهات على رفع دعوى قضائية جديدة للحصول على الولاية التعليمية لأطفالهن، لقبول ملف الطفل بالمدرسة أو نقله من مدرسة لأخرى، رغم سريان القرار التنفيذي للولاية"، تقول جواهر الطاهر، مديرة برنامج الوصول للعدالة بمؤسسة قضايا المرأة لـ المنصة. 

تستنكر جواهر هذا التعنت نظرًا لأن "الولاية التعليمية من حق الطرف الحاضن بموجب قانون الطفل"، وتوضح "بتضطر الأم لرفع دعوى قضائية للحصول على الولاية التعليمية، وبعض القضاة بيدوها حكم محدد بمدة زمنية، سنة دراسية مثلًا، فتبقى مضطرة تطلع واحدة جديدة السنة اللي بعدها".

فيما يفسر عبد الفتاح يحيى، مدير الوحدة القانونية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية والمحامي بالنقض، ذلك بأن انتقال الحضانة لا يرتبط بالولاية التعليمية، يقول لـ المنصة "يجب أن يتقدم الطرف الحاضن بطلب للحصول عليها، وتخضع لقاضي الأمور الوقتية، فيكون القرار الصادر بها وقتيًا يرتبط بالقيد للعام الدراسي، لكن هناك مدارس وإدارات تعليمية تعتبرها مستمرة حتى وصول التلميذ لسن 15 سنة، وتمتد لما بعدها إذا امتدت الحضانة". 

الولاية التعليمية تمثل مسألة شائكة وحساسة تتعامل معها المديريات التعليمية والمدارس بحذر شديد

"لكن ذلك لا يعطي الإدارات التعليمية الحق في عدم الاعتراف بحكم الولاية، وإلزامهم للأمهات باستخراج ولاية تعليمية من الشؤون القانونية في الإدارة"، حسب مدير الوحدة، مبينًا أن للأرامل والأمهات المهجورات أو المفقود أزواجهن أو المطلقات اللواتي لا يعرفن مكان إقامة الأب، ويعجزن بسبب ذلك عن الحصول على حكم قضائي بالولاية التعليمية أو الحصول على الحق في الولاية بموجب قرار من وزير التربية والتعليم، "المطلوب إنهم يروحوا الإدارة التعليمية التابع لها الابن/الابنة، ويستخرجوا واحدة تمكنهم من التصرف في ملفاتهم". 

"الولاية التعليمية تمثل مسألة شائكة وحساسة تتعامل معها المديريات التعليمية والمدارس بحذر شديد"، هكذا تبرر الدكتورة أسماء الديب، مستشارة وزير التربية والتعليم السابقة لشؤون المديريات والمدارس هذا التخبط، تقول لـ المنصة "الخوف من حدوث تلاعب أو اختطاف أحد الوالدين للطفل الذي يعيش في حضانة الآخر وربما يهرب به خارج البلاد، وهو ما يترتب عليه مسؤولية جنائية على مدير المدرسة".

الحاجة لقانون جديد  

وتعزو الدكتورة عزة هيكل، الناشطة في حقوق المرأة، والعضوة السابقة بالمجلس القومي للمرأة، مشكلات الولاية التعليمية التي تواجهها الأمهات لتأخر البرلمان في إصدار قانون ينظمها، وعدم اهتمامه بإصدار قوانين جديدة لصالح المرأة، رغم مطالبات عدد كبير من النائبات البرلمانيات.

تقول عزة لـ المنصة "في الفترة اللي كنت فيها عضو بمجلس المرأة كنا اقترحنا إن الولاية التعليمية والوصاية يكونوا مع الأم الحاضنة بدون دعاوى قضائية، وتسقط عنها في حال زواجها، بس القانون ما شافش النور"، قبل أن تستدرك بقولها "لكن ما فيش قانون منصف للمرأة بيصدر إلا بقرار من رئيس الجمهورية". 

تمكنت شيماء من إعادة ملف ابنها إلى مدرسته مع بداية الفصل الدراسي الثاني، بينما استسلمت ندى لإجراءات بيروقراطية لتأكيد ولايتها على ابنها، مُتمنيتين، مثل كثيرات، صدور قانون جديد يعطي الحاضنة تلقائيًا الحق بالولاية التعليمية دون حاجة للتقاضي، وينص صراحةً على صلاحيات من بيده الولاية، ويحمي الأطفال من النقل التعسفي لملفاتهم الدراسية في حالات الخلافات الزوجية، ليجنبهن وأطفالهن الكثير من المعاناة.