تصميم: أحمد بلال- المنصة 2025
التحرش بتلميذات المدارس

"جسمي خط أحمر".. كيف تحمي طفلك من التحرش؟

منشور الأربعاء 11 يونيو 2025

يخصص أحمد حسن، والد التلميذة بالصف الرابع الابتدائي بإحدى مدارس أسيوط، بعض الوقت يوميًا لابنته؛ يستمع لها ويوعيها بخصوصية جسدها، وحدود ملامسته من المحيطين بهذا، بالأخص في المدرسة، وكيفية التعامل مع حالات الاعتداء الجنسي والتحرش، والتصدي للمعتدين والمتحرشين.

حوادث العنف الجنسي والتحرش الأخيرة مع ما أثارته من خوف، دفعت أولياء أمور إلى مزيد من الحرص على توعية أبنائهم تجاه التحرش والإبلاغ عنه دون خوف والدفاع عن النفس في حالة الاعتداء.

تواصَل حسن، كما يقول لـ المنصة، "مع أخصائي نفسي عشان أتبع طرق صحية ونفسية سليمة في توعية بنتي إزاي تتصرف لو اتعرضت لحاجة زي كده، وعشان أعرف أعمل إيه لو اتعرضت لأي موقف"، مستدركًا "وصلنا لمرحلة إن أي بنت بقت معرضة للتحرش". 

في مايو/أيار الماضي، أصدرت النيابة العامة بمدينة فاقوس بمحافظة الشرقية قرارًا بحبس مدرس لـ4 أيام على ذمة التحقيق؛ لاتهامه بالتحرش جنسيًا بطالبة في الصف الثالث الابتدائي أثناء تدريس اللغة العربية لها بمنزلها. تقترب الواقعة زمنيًا من حادثة دمنهور، التي انكشفت وقائعها بعد أسابيع من عرض مسلسل لام شمسية الذي أثار نقاشات واسعة أثناء عرضه في رمضان الماضي.

وحسب يونسيف فإن 1 من كل 8 أطفال في العالم تعرَّض لإساءة جنسية قبل سن الثامنة عشرة. كما رصدت دراسة صادرة عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة عن التحرش الجنسي بالنساء، التي ركزت على الشريحة العمرية من 10-35 سنة، أن نسبة 99.3% ممن أُجريت عليهن الدراسة من الفتيات والنساء تعرضن للتحرش مرة على الأقل، وهذه النسبة تزيد في المحافظات الحضرية وعلى وجه الخصوص القاهرة والإسكندرية.

كسر حاجز الصمت

مِثْل أحمد حسن، تحركت آمال محمد، والدة تلميذ بالصف الثالث الابتدائي بمدرسة صان الحجر الابتدائية الجديدة بمحافظة الشرقية لاتخاذ خطوات وقائية "عيني وتركيزي بقى منصب حاليًا على تصرفات ابني، وطول الوقت بدور عشان أعرف أعراض تعرض الأطفال للتحرش".

تتولى آمال مهمة توصيل ابنها إلى المدرسة وتعود في نهاية اليوم الدراسي لاصطحابه، وتترك رقم تليفونها في ورقة بشنطة ابنها، وتحرص على أن تؤكد له "لو حاجة حصلت لك خلال اليوم رن عليا من أي موبايل"، تقول لـ المنصة.

إلى جانب دور الأهالي في توعية أبنائهم، بدأت مدارس حملات للتوعية، عقب الحوادث الأخيرة، فعُقدت ندوات ومحاضرات توعوية لتعريف الطلاب بالتحرش وسبل الوقاية منه وكيفية التصدي للمتحرشين.

ألقت ناهد لطفي، أخصائية نفسية بمدرسة بني شبل الإعدادية بمحافظة الشرقية، محاضرة توعوية لطالبات المدرسة بعد تكرار وقائع التحرش بالأطفال تحت عنوان "أنا ضد التحرش".

يتم التعريف بمفهوم التحرش وأشكاله سواء اللفظي أو الجسدي أو الإلكتروني  

شرحت ناهد لطالباتها "الخطوات اللي لازم يعملوها لو اتعرضوا لأي موقف فيه تحرش، وهي إبلاغ للأهل أو الأخصائيين الاجتماعيين أو النفسيين بالمدرسة"، وتشدد لـ المنصة على أن كسر حاجز الصمت هو كلمة السر في مكافحة التحرش "البنات بتسكت، وده غلط، لازم تطلب مساعدة من الأشخاص اللي بتثق فيهم اللي هما trusted adults".

وتحت عنوان "لا للتحرش بالأطفال"، قدمت الأخصائية الاجتماعية بمدرسة سما العلم للتعليم الأساسي بنات بمحافظة مرسى مطروح، صابرين محمد، محاضرة توعوية للطالبات بالمدرسة بأهمية الحفاظ على أنفسهن،  وأجسادهن، والدفاع عن أنفسهن ضد أي تحرش سواء جسدي أو لفظي.

لافتة لندوة "لا للتحرش"

"حاولنا نوصل الموضوع بأبسط الطرق للطالبات عشان تناسب المرحلة العمرية ليهم، خاصة إنهم في ابتدائي، فتم التعريف بمفهوم التحرش وأشكاله، سواء اللفظي أو الجسدي أو الإلكتروني"، تقول صابرين لـ المنصة.

وتضيف "علمناهم كيفية الدفاع عن أنفسهم عن طريق الركل بالقدم أو الضرب بالأيدي أو الصراخ والاستنجاد بالمارة، أو الجري بعيدًا عن المتحرش، والأهم إنهم يكونوا حافظين نمرة تليفون لأهاليهم". 

وتؤكد على ضرورة أن يبلغ الطفل والديه بأي موقف يتعرض له، "وزعنا مجموعة كبيرة من الصور للتوضيح، زي لا تلمسني، جسمي خط أحمر".

لا تغفل صابرين الجانب الوقائي، وتلفتت إلى أهمية التواصل مع العديد من أولياء الأمور لتوعيتهم وتعريفهم بكيفية التصرف حال تعرض أحد أبنائهم لمثل هذه المواقف، كالتقرب منهم، ومصاحبتهم، وسؤالهم عن اليوم الدراسي وأحداثه، والمواقف الغريبة التي تعرضوا لها.

تشرح "أكدنا على أولياء الأمور إنه لو حد من أطفالهم اتعرض لموقف تحرش لازم نتحرك وناخد حقه مينفعش نسكت أو نخاف، حتى لا تتأثر نفسية الأبناء وتضيع حقوقهم".

العلامات التحذيرية للتحرش

بوستر توعية للأطفال

تتحدث إيمان الريس، المستشارة التربوية والنفسية، عن العلامات التحذيرية التي تشير إلى تعرض الطفل للتحرش؛ مثل إصابة الطفل باضطرابات في الأكل، واضطرابات في النوم، وعدم التركيز، والتبول اللإرادي، ورؤية كوابيس، وتشتت الانتباه، وعدم ممارسة الأنشطة الرياضية أو الأنشطة المعتادة للطفل وتفضيله للوحدة.

لا يقتصر الأمر على مراقبة الطفل، فملاحظة علاقة الكبار بالأطفال مهمة أيضًا، فكما تؤكد إيمان لـ المنصة فإن المتحرش يعتمد على أسلوب الاستمالة العاطفية أو النفسية، وقضاء وقت طويل مع ضحاياه؛ ويُظهر اهتمام ويستخدم أي وسيلة تواصل ممكنة تُشعر الطفل بأنه على نفس مستوى الجاني وأنه يفهمه".

حسب دراسة منشورة في مجلة Deviant Behavior عام 2015، يستخدم نصف المتحرشين بالأطفال أسلوب الاستمالة العاطفية لإحكام السيطرة على ضحاياهم. 

وتنوه المستشارة التربوية والنفسية إلى أن المتحرش يحاول أن يُصبح صديقًا لضحاياه؛ صديقًا ذا سلطة عليهم، بالتالي يستغلها وسيلةً للضغط عليهم، فضلًا عن الهدايا الخاصة والمكافآت وكسر القواعد، كالأطعمة التي قد لا يُسمح لهم بتناولها في المنزل، والرحلات والاهتمام، فهذه وسائل تُتيح تكوين رابط عميق بين المتحرش والطفل.

وتشدد على ضرورة استعانة المدارس بنظام مراقبة لجميع الأماكن الموجودة بها، مع أهمية عدم غض البصر عن أي شكوى ترد إلى إداراتها أو الأخصائيين الاجتماعيين.

نصائح لأولياء الأمور

"لازم نفتش في أجسام أطفالنا ونهتم بأي تغير نلاحظه عليهم، ونوفر لهم المساحة الآمنة الكافية إنهم يحكوا كل اللى بيحصل ليهم"، بهذا تنصح الخبيرة التربوية وأخصائية التخاطب منة الله دويدار.

وتؤكد لـ المنصة أهمية التحدث مع الأطفال فيما قبل سن الخامسة، قبل النوم، وسماع تفاصيل يومهم، وتعريف الطفل بحدود جسده حتى مع الأطفال الآخرين.

و"على أولياء الأمور تشجيع أطفالهم على رفض أي سلوكيات مسيئة وقول "لا" بصوت عالٍ، إذا شعر بعدم الراحة، حتى لو كان الشخص معروفًا أو مقربًا، وتشجيعهم على الإبلاغ عن أي موقف يتعرضون له"، تشدد الخبيرة التربوية على أهمية مراقبة أولياء الأمور للبيئة التي تحيط بأطفالهم، ودائرة معارفهم، سواء من أصدقاء أو معلمين أو زملاء في المدرسة.

تنبه إلى ضرورة تواصل أولياء الأمور مع الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين بالمدارس للسؤال عن أحوال أطفالهم الصحية والنفسية، وأهمية متابعة مستواهم الدراسي باعتباره مؤشرًا جيدًا للتعرف على الحالة التي يمر بها الطفل.

وفي ظل توالي الأخبار عن وقائع الاعتداء الجنسي والتحرش بالأطفال، تبقى المدارس في حالة من الاستنفار في مواجهة الخطر المتربص بهم في الفصول، فيما يتعلم الآباء مهارات جديدة من أجل حماية أبنائهم. وفي سبيل ذلك لا يتخلف أحمد حسن عن موعد الاستماع لابنته، وتوعيتها، ويرى أن الساعة "إللي بيقعد فيها معاها ويسمع مشاكلها وأحلها، فرقت كتير".