تصميم: أحمد بلال- المنصة 2025
التحرش بتلميذات المدارس

عنف صامت.. شبح الانتهاكات الجنسية يطارد التلميذات في المدارس

منشور الأربعاء 26 فبراير 2025

سار اليوم الدراسي لكوثر(*) التلميذة في المرحلة الابتدائية كالمعتاد إلى أن انتهى مدرس اللغة العربية من حصته، وتقدم نحوها ولمس نهديها ثم صفعها على مؤخرتها.

تسمرت كوثر في مكانها على وقع الصدمة التي لم تستطع تجاوزها، حتى عرفت أسرتها بالواقعة وتقدمت بشكوى إلى مديرة المدرسة، التي فتحت تحقيقًا داخليًا لم يفضِ إلى شيء، حتى تكرر ما حدث معها مع زميلاتها؛ فتعددت الشكاوى بحق المدرس الذي اعتاد أن يمد يده أسفل قمصان تلميذاته ويمسك بنهودهن.

ومع الشكاوى المتواترة حُرِّرت دعوى أمام النيابة العامة رقم 21644 لسنة 2020 جنايات عين شمس، تتهم  المدرس بإحدى مدارس القاهرة بالتعدي جنسيًا على عشر تلميذات "وهتك عرضهن بالقوة وملامسة مواطن العفة من أجسادهن، مستغلًا خوفهن من بطشه وإلحاق الضرر بهن بترسيبهن في مادته التعليمية".

في شهادتها أمام النيابة العامة قالت مديرة المدرسة في محضر رسمي حصلت المنصة على نسخة منه "شُكلت لجنة للتحقيق فيما ورد من أولياء الأمور، لكن لم أرَ أيًا من تلك الوقائع التي سردتها التلميذات". ومع ثبوت اتفاق الشهادات، وثبوت الأدلة، حُكم على المدرس بالسجن المشدد لمدة سبع سنوات.

ليست حالات فردية

مستند من حيثيات الحكم على المتهم بالتحرش وهتك العرض في واقعة عين شمس

حالة كوثر وزميلاتها التسع ليست مجرد حوادث فردية غير معتادة. فأرشيف المحاكم المصرية بين عامي 2020 و2024 ممتلئ بقضايا أدين فيها مدرسون وعمال داخل المدارس بالاعتداء الجنسي والتحرش بالتلميذات، في ظل تقاعس إدارات المدارس عن حمايتهن وقصور الإجراءات لضمان عدم تعرضهن للاعتداءات الجنسية، وملاحقة المعتدين.

من بين الإجراءات التي من الممكن أن تحمي الضحايا تركيب كاميرات مراقبة، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وافقت اللجنة التشريعية بمجلس النواب على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتنظيم تركيب واستخدام كاميرات المراقبة، وأجهزة التسجيل داخل عدد من المرافق؛ من بينها المرافق التعليمية، لحماية هذه المنشآت، لكن رغم ذلك لم يصدر القانون حتى الآن. 

ثم في سبتمبر/أيلول 2023، وجَّهت وزارة التربية والتعليم خطابًا للمدارس بضرورة تركيب منظومة كاميرات مراقبة، ولكن ذلك بغرض تأمينها ضد أخطار السرقة وأعمال التخريب، ولم يتضمن حماية الطلاب داخل المدارس.

وفي أغسطس/آب الماضي، قرر وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف تركيب كاميرات مراقبة في الفصول الدراسية، لتعزيز الأمن والسلامة داخل المدارس والحد من السلوكيات غير المرغوب فيها، وضمان تركيز الطلاب على العملية التعليمية.

غير أن تنفيذ قرار الوزير بمراقبة أكثر من 560 ألف فصل دراسي، يحتاج لأكثر من مليون كاميرا، وفق ما أكده الدكتور كمال مغيث الخبير التربوي المتخصص في مجال التعليم، في حديث صحفي سابق. 

فصل الجاني بدلًا من عقابه

خطاب وزارة التربية والتعليم للمدارس تُحدد فيه مهام موظفي الأمن بالمدارس

"عمو شطّفني ووجعني" اشتكت الطفلة سعاد(*) ذات الخمس سنوات لأمها التي أسرعت بها إلى أقرب مستشفى لفحصها، لتظهر آثار اعتداء جنسي سبَّب التهابات واحمرارًا في جهاز الطفلة التناسلي.

توجهت الأم إلى قسم الشرطة، فوجهوها بالذهاب إلى المدرسة "يمكن تتعاون معاكم بدل ما نعمل محضر ونمشي في الإجراءات، اتكلموا مع المدرسة الأول"،  وفق مداخلتها في برنامج حديث العاصمة على قناة القاهرة والناس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بعد انكشاف واقعة هتك عرض 4 طفلات في إحدى المدارس على يد أحد العمال الذي صدر حكم ضده بالسجن المشدد 15 عامًا.

تابعت الأم "رحنا المدرسة، قابلنا مديرة المرحلة، وطبعًا كان ردهم علينا منتهى الاستهتار والاستهزاء بكلامنا، وإن مفيش راجل في المنطقة اسمه عم محمد". وعندما طالبت بتفريغ كاميرات المراقبة أنكرت مديرة المرحلة وجودها ثم أضافت "اشمعنى بنتكم هي اللي حصل معاها كده ومحصلش مع باقي البنات؟". وكان جواب المدرسة النهائي هو أن الإدارة "هتشوف الموضوع ده ولو اتكرر هنحقق فيه".

تشككت الأم في رواية إدارة المدرسة، فسألت على جروب المدرسة على واتساب عن وجود رجال في محيط نشاط التلميذات، وبالفعل تعاونت معها الأمهات، وصورنَّ لها رجلين، وعند عرض الصورتين على ابنتها، أخبرتها بأن أحدهما الجاني، وتبين فيما بعد أنه عامل مصاعد يدعى ع. محمد، يجلس بجوار دورات المياه، حيث يصطاد فرائسه.

تساؤلات والدة سعاد حركت الشكوك عند الأمهات الأخريات؛ فسألن بناتهن ليكتشفن تعرَّض أربع منهنَّ للاعتداء الجنسي، وعندما واجه أهالي الضحايا إدارة المدرسة، قررت فصل العامل باعتبار أن هذا "أقصى عقاب" يمكن توقيعه، وفقًا لشهادة الأم التي أذاعتها قناة القاهرة والناس.

لم يكن بوسع الأمهات إلا تحرير دعوى قضائية برقم 18581 لسنة 2021 جنايات المعادي، يتهمن فيها عامل المصعد بالاعتداء الجنسي على أربع طفلات في سن الحضانة، تتراوح أعمارهن بين ثلاث وخمس سنوات. 

تتطابق شهادات الأمهات بشأن ما حدث لبناتهنَّ من المتهم الذي كان يخفي أغراضهنَّ لدفعهنَّ إلى الخروج من الفصول وممرات المدرسة للبحث عنها، ثم يقنعهنَّ بالذهاب معه لجلبها بالقرب من دورات المياه. وبعد الاعتداء عليهنَّ، يهددهنَّ بالقتل أو إلحاق الأذى إذا أبلغنَ أهلهنَّ، حسب تصريحات محامي الطالبات الخمس لصحيفة أهل مصر. 

تقارير الطب الشرعي أثبتت وقوع الاعتداءات الجنسية على الطفلات الأربع. كما أفاد تقرير المجلس القومي للأمومة والطفولة بأن هذه الاعتداءات سببَّت اضطرابات نفسية احتجنَ بعدها جلسات دعم نفسي وتعديل سلوك.

المحامية دعاء عثمان، إحدى ممثلي هيئة الدفاع عن الضحايا في هذه القضية، قالت في تصريحات صحفية إن "المتهم يعمل في وظيفته طوال 11 عامًا من دون سابقة جنائية، وفى شهر واحد اكتُشفت خمس ضحايا له في سن الحضانة، والسؤال ما هو عدد البنات اللائي تحرش بهن طوال 11 عامًا دون كشف جريمته؟".

لم تتخطَ الضحايا الأثر النفسي الذي سببه الاعتداء عليهن، تقول والدة إحداهن إن ابنتها "تتعرض ليلًا لنوبات فزع، ودائمًا ما تتساءل: بابا انت جنبي؟ ماما انتي جنبي؟، وينتابها الخوف الدائم. لا أستطيع وصف كم القهر والألم الذي تعانيه، وبدلًا من ذهاب الطفلة للمدرسة، وحل واجبتها المدرسية، تخضع للعلاج جسديًا ونفسيًا من آثار الاعتداء عليها".

الإقرار بالظاهرة

في عام 2020، أيدت المحكمة الإدارية العليا حكمًا قضائيًا بفصل مدرس تحرش بـ120 تلميذة في الإسكندرية. وفي الحيثيات، التي تُعدُّ جزءًا لا يتجزأ من الحكم القضائي، أقرَّت المحكمة التي تقع على قمة محاكم مجلس الدولة بأن التحرش الجنسي في المدارس "ظاهرة"، واتهمت بعض أجهزة الدولة بالتقصير في التعامل مع "تحرش المعلمين بطفلات يخطين خطوتهن الأولى في التعليم".

الأجهزة التي أشارت إليها حيثيات الحكم هي اللجنة العامة لحماية الطفولة بمحافظة الإسكندرية برئاسة المحافظ، واللجنة الفرعية لحماية الطفولة بالمجلس القومى للطفولة والأمومة.

وكما أظهرت نتائج استطلاع رأي أجراه مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي في مصر عام 2021، بعنوان "العنف الجنسي في مصر"، فإن 23% من النساء المشاركات في الاستطلاع تعرضن للتحرش في أماكن تعليمية.

وفي أغسطس/آب 2021، صدر تعديل قانوني يتعلق بالتحرش الجنسي في المدارس؛ يتضمن مادة تتعلق بالمتحرشين من ذوي السلطة الدراسية على التلميذات. وتنص المادة 306 مكرر من القانون رقم 141 لسنة 2021 على أن التحرش الجنسي يُعتبر جريمة إذا كان الجاني يهدف إلى الحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية من المجني عليها، ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات. وإذا كان للجاني سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليها، أو مارس عليها ضغطًا يسمح له به وضعه، أو ارتكب الجريمة شخصان فأكثر وكان أحدهم على الأقل يحمل سلاحًا، فإن العقوبة تُشدد لتصل إلى السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات.

مدرس "غير سوي" نفسيًا 

ما إن تدخل التلميذات معمل الحاسب الآلي في إحدى مدارس منشأة البكاري الابتدائية، حتى يبدأ المدرس بتحسس أجسادهن "موهمًا إياهن بأبويته، ولكنه كان في الحقيقة مستثارًا جنسيًا"، هذا ما خلصت إليه تحقيقات النيابة العامة في القضية رقم 10403 لسنة 2022 جنايات الهرم بعد التحقيق مع مدرس حاسب آلي متهم بالتحرش بست بفتيات لا تتجاوز أعمارهن 12 عامًا.

جزء من حيثيات محكمة القضاء الإدارية في واقعة منشية البكاري

كُشف أمر المدرس حين رأته إحدى زميلاته يتحسس جسد تلميذة في المعمل "رأيته يقف خلف إحدى التلميذات، ملتصقًا بها وشعرت أنه يتحرش بها، وحين فوجئ بدخولي انتابته صدمة، وعلمت من بعض التلميذات أنه يتحرش بهن؛ فأبلغت مديرة المدرسة".

وقالت تلميذات إنه دأب أيضًا على عرض أفلام جنسية لهن، مُحاولًا إثارتهن جنسيًا، وهدد من تفصح عن أفعاله بمعاقبتها مستغلًا في ذلك سلطته الدراسية، علاوة على أن المعمل يخضع تمامًا لسلطته من دون وجود أي أدوات رقابة.

وعندما أبلغت مديرة المدرسة الإدارة التعليمية بشأن ما ورد إليها من شكاوى من أولياء الأمور، أمرت الإدارة بنقله إلى مدرسة بنين لحين انتهاء التحقيقات.

دافع المتهم عن نفسه مدعيًا إصابته بمرض نفسي يجعله يستثار جنسيًا إذا رأى طفلة؛ قائلًا إنه حاول أن يعرض نفسه على طبيب نفسي لكنه فضّل ترك نفسه للشهوات تقوده. لاحقًا نفت تحقيقات النيابة العامة معاناة المتهم من أي اضطرابات نفسية. 

توافق الشهادات، وما توفر من الأدلة في هذه القضية، كان كافيًا لتحكم المحكمة على المتهم بالسجن المشدد 15 عامًا.

وتقدمت النائبة ريهام عفيفي، عضو مجلس الشيوخ، بطلب في يناير/ كانون الثاني 2024، بأن يخضع المدرسون، خاصة الذين يُدرِّسون في المدارس الابتدائية، للكشف النفسي الدوري، للوقوف على حالتهم النفسية والصحية، وكذا تعيين أخصائيات نفسيات مدربات بالمدارس للتعامل مع وقائع التحرش.

حدث في مكتب المدير

مستند من واقعة الاعتداء على الطفلة بمكتب مدير المدرسة بالفيوم

تعددت الأماكن التي وقعت فيها حوادث الاعتداء الجنسي على الطالبات في المدارس المصرية؛ داخل الفصول الدراسية والمعامل ودورات المياه، وحتى داخل مكاتب المديرين كما يرد في مستندات القضية رقم 13696 لسنة 2022 من تعرض تلميذة للاعتداء  الجنسي داخل مكتب مدير إحدى مدارس مركز سنهور في محافظة الفيوم.

"بعد الحصة الثالثة، طلب الأستاذ ع.ر.ح مني النزول إلى مكتب المدير لإحضار مستلزمات دراسية، واصطحبني إلى هناك، وبمجرد دخولنا المكتب، فوجئت به يمسك يدي، وعندما سحبتها وحاولت الركض، جذبني بالقوة، واحتضني محاولًا تقبيلي، وعندما حاولت الصراخ، وضع يديه على فمي، ولكني استطعت التخلص منه وركضت إلى خارج المكتب"، استرجعت يسرا(*)، الفتاة ذات الـ 12 عامًا، وقائع تعرضها للاعتداء الجنسي داخل مدرستها الابتدائية، وفق تحريات الشرطة وتحقيقات النيابة.

وأشارت الفتاة في التحريات إلى إبلاغها مُدرِّسة الرياضيات في المدرسة؛ فما كان منها إلا إبلاغ المدير الذي طلب أن يجلس مع الفتاة بحضور أخصائية اجتماعية لتحكي لهما ما حدث، ومن ثم شرع في إجراء تحقيق إداري رفعه للإدارة، طالبًا نقل المدرس إلى مدرسة أخرى، إلا أن والد التلميذة كان قد رفع الدعوى القضائية بالفعل.

وأظهرت التحقيقات أن مكتب المدير كان بلا رقيب، وخاليًا من كاميرات المراقبة. وعند سؤال المدير عن سبب غيابه وقت وقوع الحادث، قال إنه كان في مهمة عمل بالإدارة التعليمية، وفي غيابه يترك مكتبه مفتوحًا أمام زوار المدرسة، موكلًا مدرسًا آخر بمهامه.

وأثبتت التحريات تعدي المدرس ذاته على تلميذات أخريات؛ لكنهن رفضن الإفصاح "خوفًا على سمعتهن"، ولم يسلك أولياء أمورهن السبل القانونية، واستبدلوا بها السبل العرفية؛ حفاظاً على سمعة بناتهم.

وينظم محكمون من كبار العائلات هذه الجلسات العرفية لحل الصراعات والمشكلات بين الأطراف المتنازعة في القري والنجوع داخل مصر، ولا يوجد سند قانوني لها في القانون المصري. 

فيما بعد، حُكم على المتهم في هذه القضية بالسجن المشدد لسبع سنوات، وبالعزل من وظيفته.

ورغم القرارات والأحكام المتعددة لإدانة المتورطين في الاعتداءات داخل المدارس، لم تتخذ أي إجراءات احترازية مثل تركيب الكاميرات، أو توفير بيئة مواتية داخل المدارس لتشجيع الضحايا على الإفصاح عما تعرضن له من وقائع تحرش.

ولا تزال وقائع الاعتداء الجنسي على التلميذات تتوالى؛ ففي يناير 2024، أعلنت النيابة الإدارية إحالة مدرس في إحدى مدارس أسيوط الابتدائية للمحاكمة العاجلة بتهمة التحرش بعشر تلميذات تتراوح أعمارهن بين 9 و11 عامًا. وفي شهر مارس/آذار من العام نفسه، قدم النائب علاء سليمان طلب إحاطة لمجلس النواب بضرورة التحقيق مع مدرس في واقعة تحرش بأربع تلميذات في مدرسة "ص.أ.ا للتعليم الأساسي" بالمحافظة نفسها.


(*) أسماء مستعارة لحماية خصوصية الضحايا


تنشر المنصة هذا التقرير بالتعاون مع زمالة محمد أبو الغيط