مع تصاعد الخوف بين النساء من استخدام تطبيقات النقل الذكية على خلفية الحادث الذي أودى بحياة حبيبة الشماع، والاتهام بمحاولة اغتصاب بثينة هشام، بالتوازي مع حملات مقاطعة أوبر، ظهرت دعوات للاعتماد على بدائل بينها تطبيقات توظف سائقات وتقصر خدماتها على النساء فقط، في يوتوبيا نقل بلا رجال.
سهل.. غير متاح
بعد الانتشار الواسع لـ بوست عن جروب "وصليني" Wasaleeny على فيسبوك، الذي يتيح طلب سيارة في موعد محدد، قررت المنصة خوض عدة تجارب للتعرف على تطبيقات النقل النسائية، ومدى قدرتها على توفير البديل الآمن والعملي للنساء.
عبر جروب واتساب خاص بكل منطقة، يمكنك طلب خدمة "وصليني"، لكن لا بد أن يضيفك إليه أحد الأعضاء. التجربة الأولى كانت في وسط البلد، طلبنا سيارة قبل الموعد بـ38 دقيقة، لتوصيلنا من شارع قصر النيل إلى دار القضاء العالي، ولم نتلق ردًا من أي من مالكات السيارات في الجروب.
في الرابعة مساء من اليوم نفسه، جربنا جروب منطقة المعادي، سألنا عن توصيلة متاحة في السابعة مساء في شارع 9، وكررنا السؤال أكثر من مرة ولم نتلق إجابة كذلك.
في اليوم التالي كررنا المحاولة للمرة الثالثة، حجزنا في حلوان بتمام الساعة الواحدة ظهرًا توصيلة في الساعة السادسة مساءً من نفس اليوم إلى مدينة 15 مايو، وكانت النتيجة كما هي "عندما يتناسب المعاد والزمان مع أي كابتن/مالكة السيارة سترد"، إلا أن ذلك لم يحدث.
باعتباره وسيلة نقل أكثر أمنًا، تحاول الكثيرات اللجوء للمترو في التنقل، إلا أنهن يواجهن مشكلة أنه لا يغطي جميع المناطق، وهذا هو التبرير نفسه الذي قدمه فرج السيد صاحب فكرة جروب "وصليني"، لتفسير عدم تلقي ردود على الرحلات التي طلبناها.
يقول لـ المنصة "الإقبال كبير جدًا في الفترة الأخيرة، ونسعى إلى توفير كباتن أكثر في مناطق زي حلوان ومدينة 15 مايو والمعادي وغيرها، لكن في مناطق تانية هتلاقي عدد كثيف"، مستدركًا "احنا لسه في مرحلة التوسع".
فرج السيد، الخبير الهندسي وأستاذ الهندسة المعمارية في إحدى الجامعات الأمريكية بشيكاغو، عاد إلى مصر منذ عامين لتضطره الظروف لبدء مشروع للنقل الآمن للنساء "كنت عايش بره، ولما جيت مع ولادي، كنا نتحرك في أماكن زحمة مش ضامنين نلاقي ركنة فبنعتمد على التاكسي، وكنت دايمًا مش حاسس بالأمان الكافي إني أسيب مراتي وولادي يتحركوا لوحدهم، ومن هنا جات الفكرة".
"بدأت التنفيذ منذ عامين تقريبًا، بإنشاء جروبات على الواتساب؛ لتجميع الستات اللي عايزة تشتغل باعتباره مصدرًا للدخل"، يوضح فرج، مشيرًا إلى أنه في أكتوبر/تشرين الأول 2023 كان إطلاق أول جروب من منطقة التجمع.
لاقت الفكرة قبولًا واسعًا "الناس كانت كتير سواء اللي بيشغلوا عربياتهم أو اللي بيطلبوا عربيات، وده خلانا عملنا جروب التجمع أ و ب"، ثم توسعت الفكرة لتشمل مناطق أخرى كمدينة نصر ومدينتي ومصر الجديدة والشروق و6 أكتوبر والشيخ زايد.
يغطي "وصليني" 60 منطقة بمحافظة القاهرة، وتستخدمه الآن أكثر من 120 ألف امرأة، حسب فرج الذي يشير إلى وجود جروبات خاصة بالسفر بين المحافظات، وللوصول إلى الأماكن السياحية، وأخرى خاصة بالموظفين، والمدارس.
يقر فرج بأن جميع الخدمات ليست على القدر نفسه من الفاعلية، كما أثبتت تجربتنا، لكنه يوضح أنه في مطلع شهر يونيو/حزيران، سيطلق تطبيقًا بديلًا لجروبات الواتساب، ربما قد يتحسن الوضع حينها، إذ يوسع التطبيق مدى الحركة بالنسبة للسيارات بعكس الجروبات المحدودة بالمناطق.
إقبال كبير.. ولا استجابة
في 16 مايو/أيار، جربت المنصة تطبيق Female، للانتقال من شارع رمسيس إلى الأزبكية، حجزنا الساعة السادسة والربع مساءً في المرة الأولى، ثم مرة أخرى في 7.39 مساءً. يعتمد التطبيق على حجز الرحلة قبلها بنصف ساعة، وفي المرتين لم نتلق ردًا بعد حجز الرحلة.
تتشابه مبررات تجربة "وصليني" مع تجربة "Female". تكرر حنان كامل، صاحبة التطبيق، نفس التفسيرات "الإقبال كبير، والعدد بتاعنا قليل". عدد زوار الموقع يوميًا كسر حاجز الـ 500 "الكباتن مش ملاحقة على الطلبات مؤخرًا، فنزلت إعلانات لزيادة عددهن ونسعى جاهدين لذلك".
ويبدو أن دوافع تكوين هذه البدائل والمبادرات أيضًا متشابهة، تقول حنان لـ المنصة "ولاي لما كانوا صغيرين كنت بركّبهم أوبر وكريم لوحدهم بس برضه كنت ببقى خايفة وقلقانة"، لذا ولدت الفكرة في 2020، لتطلق التطبيق بعدها بعام تقريبًا، تحديدًا في شهر يونيو 2021 "بدأت بثلاث أو أربع عربيات بس".
تكمل حنان كامل، التي تعمل مدرسة بالتجمع الخامس ومؤسسة التطبيق"بعت شقتي وعربيتي واتراكمت علىَّ الديون عشان أوقف الشركة على رجليها".
لكن على عكس "وصليني"، اتخذت حنان الطريق الرسمي، فأسست شركة واستخرجت جميع الأوراق الرسمية ورخصة مزاولة النشاط، تقول "أول منطقة بدأت بها هي مصر الجديدة، عشان فيها أصحابي، وبعدين عملت إعلانات على فيسبوك، وماكنش عندنا مقر وقتها".
خدمة Pink غير موجودة
المحاولة الأخيرة لـ المنصة كانت مع تطبيق Pink Taxi، في المرة الأولى حجزنا رحلة في الخامسة مساء من محطة المعادي إلى جراند مول قبلها بأكثر من ساعة، ثم حجزنا في نفس اليوم الساعة 7 و5 دقائق مساء.
في اليوم التالي طلبنا رحلة من حلوان إلى مركز طبي بعين حلوان في الرابعة عصرًا، ثم كررنا المحاولة في رحلة العودة السابعة مساء، ولليوم الثالث على التوالي حاولنا حجز رحلة من حلوان إلى وسط البلد في الرابعة عصرًا، في كل مرة كانت تظهر رسالة تشير إلى البحث عن كابتن، ولم نوفق في أي مرة في إتمام الرحلة.
التبرير هو ذاته، رغم فارق الخبرة، تقول الدكتورة ريم فوزي مؤسسة شركة Pink Taxi Egypt لـ المنصة "ده مش أول مشروع لنا، قبله كان تاكسي العاصمة وبعد ما نجح، قررت تطوير الفكرة لخدمة النساء، التوصيل بخصوصية وسهولة وأمان، ومصدر دخل للي بتشتغل".
في أغسطس/آب عام 2015، بدأ العمل بمشاركة 5 فتيات للعمل على سيارات تمتلكها الشركة "بعد تدريبات على أعلى مستوى من الكفاءة والمعاصرة في القيادة الآمنة" تقول ريم.
"بدأت الشركة بمناطق مصر الجديدة ومدينة نصر والتجمع، وبعدين توسعنا في الفكرة إن الستات يشتغلوا على عربياتهم الخاصة عشان نغطي مناطق أكبر"، تشير ريم إلى إطلاق التطبيق بدايةً من 2017.
يبدو أن نجاح التطبيق لم يتجاوز الدائرة التي بدأ فيها، لم تنجح محاولاتنا لاستخدامه، فيما أكدت ريم كالمعتاد أن السبب ارتفاع الطلب على التطبيق في ظل مقاطعة التطبيقات الشهيرة.
يعي فرج السيد أن واحدًا من أسباب عدم نجاح التجارب الشبيهة "عدم قدرتها على توفير عدد السيارات اللازم"، لكنه في الوقت نفسه، يرى أن الوقت كفيل بتوسيع دائرة المشاركات في مشروعه، مع محاولته تجاوز الأخطاء الأخرى، يقول "المهم أن تكون الأسعار منشورة باستمرار أمام العميلات والكباتن؛ فنحن حريصون على الوضوح، وفي حالة رفع السعر، يمكن للعميلة أن تشتكي على أحد أرقام الـ admins يتم التعامل بشكل سريع من خلال المسؤول القانوني ليحقق مع الكابتن".
أين الأمان؟
يبقى سؤال الأمان، الذي لا يرتبط بجنس السائق أو الراكب قائمًا، إذ تعرض طالب 15 عامًا، للتحرش من سائق تطبيق DiDi، يبلغ من العمر 49 سنة، خلال توصيل الصبي إلى منزله داخل كمبوند بمدينة 6 أكتوبر.
تتعامل التطبيقات المجربة باعتبار أن الخطر الوحيد يتمثل في التحرش الجنسي من جانب الرجال، وكأن اقتصار التعامل على النساء سيوفر الأمان المفقود.
"مش كفاية طبعًا إنهم ستات"، تؤكد حنان أن نوع السائق ليس معيارًا كافيًا لضمان الأمان، مشيرة إلى الإجراءات التي تعتمدها شركتها في تشغيل الموظفات لديها "بنطلب الورق الرسمي، فيش وبطاقة وبنكشف عليه في الجهات المختصة".
وعلى الرغم من أن الحوادث المتكررة مؤخرًا وقعت في مناطق التجمع ومدينة نصر ومصر الجديدة، توصي حنان سائقات سياراتها "ما يقبلوش وجهات لمناطق معروفة بالمشاكل أو بيع المخدرات حتى لو اضطرت إنها ما تقبلش ولا رحلة في اليوم، أو لو قالوا إنهم هيدفعوا أكتر"، كما أنها حريصة على عدم دخول رجال إلى سيارتها، "لو لقيت الراجل عامل الرحلة ترفضها وتبلغنا فورًا".
فيما تخضع السائقات في تطبيق pink taxi لشهر تحت الاختبار قبل اعتمادهن، لإثبات كفاءتهن وقدرتهن على التعامل مع العملاء "فيه متابعة للرحلة من بدايتها لنهايتها من خلال التطبيق، وفيه كول سنتر سهل الوصول إليه في حالة وجود شكوى"، تقول ريم صاحبة التطبيق.
بينما يرى فرج السيد أن واحدًا من عوامل الحماية في جروبات التوصيل، أن السائقات "حاملات لمؤهلات عليا"، بالرغم من أنه حسب الإعلان المنشور على صفحة فيسبوك كل ما يلزم هو رخصة وبطاقة ووقت لانضمام لفريق العمل.
يتحدث السيد عن تطبيق قيد التنفيذ يتضمن زر "إلحقوني" يمكنك من الاتصال بشخص تثق به، مضيفًا "التنبيه يفتح الكاميرا والميكروفون لرؤية ما يحدث، ويحدد الموقع".
لكن ما يطرحه فرج لا يقدم إضافة جديدة أبعد مما يقدمه الموبايل، فالخواص ذاتها يمكن تفعيلها عن طريق مشاركة خط السير، أو اتصال فيديو، دون الحاجة للتطبيق.
لم تتمكن المنصة من استخدام أي من التطبيقات خلال التجربة، رغم اختلاف الأماكن والمناطق التي حاولنا فيها، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرتها على الوصول إلى أكبر عدد من العميلات الباحثات عن الأمان.