صورة موّلدة بواسطة نموذج الذكاء الإصطناعي DALL-E
تسببت النيران في تعطيل خدمات الإنترنت والهاتف المحمول على مستوى البلاد

يوميات صحفية برلمانية| حريق السنترال.. مساءلة على طريقة "عفا الله عما سلف"

منشور الأربعاء 9 يوليو 2025

انعزلتُ عن العالم أمس ثلاث ساعات متواصلة خلال الاجتماع الطارئ للجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب. فقدتُ الاتصال بالإنترنت. لم أتمكن من  إرسال الأخبار أولًا بأول كما اعتدت، بينما استمر زملاء آخرون بجانبي في إرسال تغطيتهم من خلال شبكات موبايل أخرى. 

تصادف انقطاع الإنترنت عني، وفشلي حتى في إجراء مكالمات تليفونية لصالة التحرير، مع دفاع الحكومة عن قدراتها الخرافية في استعادة خدمات الاتصالات والإنترنت. كان الأمر مضحكًا.

انتفض مجلس النواب خلال الجلسة العامة صباح أمس الثلاثاء عقب حريق سنترال رمسيس الذي أدى إلى شلل عام في خدمات الاتصالات بما فيها النجدة والإسعاف، فضلًا عن الخدمات البنكية والمدفوعات الإلكترونية، فقرر استدعاء وزير الاتصالات في اليوم نفسه للرد على البيانات العاجلة والأسئلة التي تقدم بها النواب. 

المفارقة أن المجلس ذاته تعطل تطبيقه الإلكتروني الذي يرسل عبره النواب أدواتهم الرقابية وتعديلاتهم على مشروعات القوانين التي تناقشها الجلسة العامة، وهو النظام الذي يتبعه المجلس منذ 2016. 

المواسير السبب

بدأ اجتماع اللجنة عصرًا عقب انتهاء الجلسة العامة واختتام دور الانعقاد الخامس، عكس ما دعا إليه النائب المعارض ضياء الدين داود، الذي طالب خلال الجلسة العامة بعدم فض دور الانعقاد واستمرار عمل المجلس لحين محاسبة المسؤولين عن كارثة حريق السنترال.

استهل النواب الاجتماع بالوقوف دقيقة حدادًا على أرواح ضحايا الحريق، ثم منح رئيس اللجنة النائب أحمد بدوي الكلمة الأولى لزعيم الأغلبية عبد الهادي القصبي الذي طلب معرفة ملابسات الحادث وأسبابه وكيفية ضمان عدم تكراره، ورد الوزير بعدها مباشرة دون الاستماع لباقي النواب. 

الحريق بدأ من الدور السابع من أحد الأجهزة في غرفة من غرف الخوادم

حاول وزير الاتصالات عمرو طلعت شرح ملابسات الحريق وأسبابه، مع إصراره على نفي الاعتماد الكامل في منظومة الاتصالات على سنترال رمسيس "هو عنصر مهم في منظومة تتشكل من العديد من السنترالات مربوطة بشبكة بالغة التعقيد".

أشار إلى أن الحريق بدأ من الدور السابع من أحد الأجهزة في غرفة من غرف الخوادم/السيرفرات، موضحًا أن هذه الغرفة "بها مستشعرات دخان، فأطلقت إنذارًا، وتوجه لها زملاؤنا في المبنى لمحاولة الإطفاء".

يشير طلعت إلى وجود أنظمة إطفاء في الغرفة، لكنه يبرر انتشار الحريق بأنه "من سوء الطالع، الخادم متصل بمجموعة من الأسلاك التي تمد بالتيار الكهربائي والبيانات داخل مواسير، فأدى لسرعة انتشار النيران في المواسير".

مع انتشار الحريق "شعر زملاؤنا برهبة وعجزوا عن الاستمرار في مكافحة النيران بأنفسهم، فاستغاثوا بالدفاع المدني"؛ يستكمل الوزير الذي كان خارج البلاد وقطع رحلته ووصل لموقع الحدث في الثالثة فجرًا "وصل الدفاع المدني في الخامسة والنصف عصرًا، حاولوا الإطفاء لكن انتشار المواسير التي تحمل هذه الأسلاك أدى لسرعة سريان النيران بالفعل بواسطة المواسير المنتشرة في كل أنحاء الدور".

يعترف الوزير بأنَّ "منظومة الإطفاء اشتغلت بالفعل لكن قدرتها على الإطفاء أقل بكثير من شدة النيران".

أنا لا أستوعب الأمور الفنية ولا أفهم في المواسير والأسلاك ومواد إطفاء الحرائق، لكن هالني أن الوزير استطرد في حديثه دون إقرار بوجود أي خطأ في إعداد منظومة مضادة للحرائق مناسبة لهذه المواسير، ولم يتوقف لحظةً أمام اعترافه بضعف قدرة أنظمة الإطفاء على التعامل مع حريق سريع الانتشار.

خدمات متعطلة وإنترنت أكثر كفاءة!

في الأوقات الصعبة والمهام الثقيلة دأب وزراء الحكومة على إبهارنا بكلمات وعبارات تسجل في التاريخ من المضحكات المبكيات، حدث هذا في كارثة الطريق الإقليمي مع وزير النقل الذي تساءل "إيه الجريمة اللي عملناها"، وتكرر بالأمس مع وزير الاتصالات. 

يقر طلعت بتأثر خدمات الاتصالات والإنترنت، ومع ذلك يعتبر أن المساجلات التي شهدتها السوشيال ميديا بشأن الحريق وتوابعه دليل على كفاءة الإنترنت "الخدمة استمرت، تأثرت. لكن بقيت وتابعتم المناقشات والمساجلات والانتقادات التي تداولها الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف من المواطنين كلها على الإنترنت"، مضيفًا "إذا كان السنترال عمود الإنترنت لم يكن ستجري، لكنها جرت على الإنترنت، كان يعمل بكفاءة بل إن كفاءته زادت".

الخطة (ج)

لم يتوقف الجميع أمام غياب خطط الحكومة في إدارة الأزمات، لكن المبهر كان أنه على الرغم من وقوع الكارثة وانقطاع الخدمات، قالت الحكومة إنها أعدت خطة، ونفذتها!

يقول وزير الاتصالات إن الوزارة تعتمد ثلاث خطط؛ "الخطة (أ) لمعاودة الخدمة من السنترال، ثم تبين أن السنترال لا يمكن إصلاحه. والخطة (ب) إذا أصيب عنصر بأضرار تؤثر على كفاءته. لكننا لجأنا للخطة (ج) مع استبعاد السنترال من العمل، لنقل الخدمة بكافة عناصرها وأطيافها".

يبرر الوزير بطء عودة الخدمات "تقنيًا لا توجد طريقة لتحويل المرور وحركة البيانات التي يتداولها المواطنون بشدة زر أو شدة سكينة، الأمر يتطلب إجراءات تقنية معقدة بدأنا فيها فور علمنا أن السنترال لن يعود للخدمة".

ماذا عن المسؤولية السياسية

استغرق العضو المنتدب للشركة المصرية للاتصالات محمد نصر الدين في إعادة كلام الوزير والحديث عن مواد الإطفاء الذاتي بمسمياتها الإنجليزية المختلفة، والخطة (ج)، فاستوقفه النائب ضياء الدين داود "سيادتك حاسس بأي إحساس بالمسؤولية؟ أنت جزء من هذه الكارثة، لك أسباب فيها أجبر بخاطرنا كده".

الشركة لم تتبع أكواد منضبطة لمكافحة الحرائق وأنظمة الإطفاء الذاتي

طلب داود من الموظف القيادي الاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية وسط ترفع المسؤولين عن الاعتذار والاكتفاء بالتبرير، ليرد المستشار محمود فوزي وزير الشؤون النيابية "احنا نتحملها".

بينما اعتبر النائب أحمد السجيني أن الشركة لم تتبع أكوادًا منضبطة لمكافحة الحرائق وأنظمة الإطفاء الذاتي "الحرب الإسرائيلية الإيرانية أثبتت أننا في عالم لا يمكن أن نحيا فيه دون أن نكون على دراية كاملة بهذه الصناعة ومكنون هذا العلم، وإحنا بلد مستهدف"، وذكّر المسؤولين بضرورة اتباع الوسائل العلمية. 

الأمر نفسه استنكر ه النائب عمرو درويش، منتقدًا عدم اتباع أكواد فعالة للحماية المدنية، وتساءل "إيه رأيك في الجهات الحكومية إللي عطلانة أكثر من 24 ساعة؟ هل من المعقول إن سنترال في قلب القاهرة يوقع اتصالات في الصعيد؟ ما وزّعتش أحمالك ليه؟ بقى لك 24 ساعة بتعمل انتقال؟" 

أما النائب محمد عبد العزيز فرفض إغراق النواب بالتفاصيل الفنية، متوقفًا أمام قصور اشتراطات السلامة "المبنى غير مؤهل لمحاصرة حريق"، مضيفًا "الحكومة مسؤولة مسؤولية سياسية، فشلت الحكومة في إدارة الأزمة".

عكست كلمات المعارضة يأسًا من محاسبة المسؤولين المقصرين، فكارثة تلو الأخرى تمر كالعادة. 

يسخر النائب الوفدي محمد عبد العليم داود من طمأنينة الحكومة "مفيش حد هيتحاسب في الحكومة، بقى لنا قد إيه ما شفناش محاسبة؟ يتحاسب موظف صغير أو سواق زي بتاع الطريق الإقليمي، الحكومة في مأمن من الحساب".

يتوقف عبد العليم داود أمام المفارقة بين مصر والدول المجاورة التي شهدت حروبًا "الدول اللي فيها حروب مش متأثرة زينا".

أين رئيس الوزراء؟

يلح النائب ضياء الدين داود في كل كارثة على ضرورة مثول رئيس الوزراء أمام البرلمان، وهو ما كرره أمس "رئيس الحكومة يستخف بهذا البرلمان وده كلام يزعل، لكن اللي يزعل أكتر إنه يستمر".

وعلق فوزي وزير الشؤون النيابية مشددًا على "احترام مدبولي الشديد والعميق للبرلمان والتزام الحكومة بالحضور للبرلمان ولجانه"، واستطرد "لم يُطلب من رئيس مجلس الوزراء أن يحضر وتخلف عن الحضور أبدًا"، موضحًا أن حضوره يكون بطلب من المجلس، وهو الطلب الذي كرره داود في عدة مناسبات لكن المجلس لم يستجب أبدًا.

لم تُقنع كلمات الوزير داود بل "زدا قلقه". يعترف بأن السياق السياسي سيمرر الحادث بلا محاسبة "هناك مسؤولية سياسية ومسؤولية جنائية، كلنا ثقة في النيابة العامة لكن هنا في البرلمان نحدد عناصر المسؤولية السياسية"، مستدركًا "لا أحد يستقيل ولا أحد يُحاسب".

محامي الحكومة

كان رئيس لجنة الاتصالات أحمد بدوي وجه الشكر لرجال الداخلية وقوات الدفاع المدني في بداية اجتماع اللجنة، لكن النائب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريدي البياضي وجه ملاحظة بشأن ضعف إمكانيات الدفاع المدني. 

لفت البياضي في كلمته إلى استمرار العمل بالطرق التقليدية لإطفاء حريق سريع الانتشار، متسائلًا عن عدم اللجوء للطائرات. 

غير أن رئيس اللجنة قاطعه مدافعًا عن قوات الدفاع المدني، فحاول البياضي توضيح أنه لم ينتقص من جهدهم، وإنما يتحدث عن ضعف الإمكانات، فيما استمر بدوي في دفاعه "إحنا بنتكلم عن حاجة حصلت مش رأي".

وهاجم النائبان المعارضان عبد المنعم إمام وعاطف المغاوري، بدوي، لمقاطعته النائب، وقال إمام "سيب الحكومة هي اللي ترد"، وأضاف المغاوري "مهمتك تدير الاجتماع الحكومة تعرف ترد، ما تردش بدالها".

انستاباي اشتغلت؟ 

خدمات الدفع الإلكتروني معطلة

خلال كلمته، حاول نائب وزير الاتصالات رأفت هندي الدفاع عن جهود الوزارة وقدرتها على استعادة الخدمات "كل الخدمات المصرفية رجعت البنوك وآخرهم البنك الأهلي اشتغلت كل الفروع"، وبشأن المدفوعات الإلكترونية قال "إنستاباي جربنا وعملنا تحويلات رمزية كل البنوك اشتغلت ما عدا الأهلي".

وأمام تشكيك النواب في تشغيل الخدمة، استخدم الوزير محمود فوزي هاتفه لاختبار التحويل عبر إنستاباي فنجح في تحويل مائة جنيه لنجله وعرض رسالة نجاح التحويل للنواب، لكن المفارقة أن زميلي الذي يجلس بجانبي حاول اختبار الخدمة، وفشل.

الحكومة لا تدرك أن الخدمات التي تروج لعودتها وكفاءتها ما زالت متذبذبة ما بين الشبكات المختلفة، والبنوك، وتطبيقات المعاملات الإلكترونية المتعددة.

يتفاخر نائب وزير الاتصالات بعودة الخدمات في "24 ساعة يتحقق نقل لعملاء بهذا الحجم، مع حجم الكارثة هذا معدل سريع، أتكلم عن معايير عالمية"، ثم حاول ضبط موقفه ليتناسب مع الحدث "الموضوع مؤلم ولكم حق، لكن أتكلم بمعيار عالمي، بحجم دولة زي مصر ".

يلوم نائب الوزير الضحية ليسجل تصريحًا جديدًا في خانة المضحكات المبكيات "جزء من العملاء السبب في عدم عودة الخدمة لهم"، قائلًا أن تصميم الخطوط والخدمات لدى بعض الشركات لم يتح عودة التشغيل بشكل طبيعي في وقت مناسب "مقدم الخدمه معملش حل بديل يقدر يشتغل عليه". فقاطعه النائب أحمد السجيني منفعلًا "مسؤولية مين؟ لما شركة مرخصة من عندكم تصميماتها لا تمكنها من القيام بدورها إللي خدت الترخيص عليه؟"، أجاب نائب الوزير "الجهاز القومي للاتصالات هو إللي يحاسبها".

الأسئلة المفقودة

طرح النواب عددًا من الأسئلة لم تجد إجابات لدى المسؤولين، قالت النائبة أميرة العادلي "محتاجين نعرف خسرنا كام؟ مين يعوض المواطنين عن هذه الخسائر؟"، بينما تساءل عدد من النواب عن خطط منع تكرار الحادث، وكيفية حماية البيانات والاتصالات، ومواكبة التقنيات في ظل ترويج الحكومة لمخططات حرب المعلومات وحروب الجيل الرابع والخامس.

وعلى الرغم من غياب الإجابات، لكن هناك أسئلة صعبة لم يطرحها النواب، منها مثلًا جدوى احتكار الشركة المصرية للاتصالات للخدمات، فهي حتى الآن المصدر الأساسي للخدمة بينما تظل شركات القطاع الخاص مجرد موصل. 

كما لم يسأل النواب عن نصيب سنترال رمسيس من البيانات والمعلومات، ولم يُحاسب النواب الوزير عن الاستثمارات التي سبق ووافقوا عليها في الموازنة العامة، وكيفية الإنفاق على تأمين الشبكات وتطوير المنشأت وتنوع مراكز البيانات وتقديم الخدمات بعد ثبات هشاشة المنظومة الحالية.

انتهى الاجتماع كالمعتاد بأسلوب "عفا الله عما سلف"؛ سيمر الأمر بلا محاسبة أحد، وستسجيب الحكومة لتوصية تقديم خطة مفصلة للبرلمان لضمان عدم تكرار الحوادث المماثلة، مع إقرارها بالمسؤولية والجاهزية للكوارث، وإصرارها على تحسن منظومة المدفوعات الإلكترونية المحافظ وإنستاباي وكروت الائتمان على مستوى كل البنوك عدا البنك الأهلي.

صباح اليوم، مررت في طريقي للعمل على محطة موبيل بميدان الرماية، وجربت الدفع بالكارت البنكي، لكن فشلت المعاملة لاستمرار تعطل ماكينات فوري حتى هذه اللحظة.