
يوميات صحفية برلمانية| وزير التعليم "الغائب" يتذكر مجلس النواب فجأة
لن يبقى وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف دون إنجازات، فحتى لو لم يحقق أي شيء في وزارته، سيكفيه مركزه المتقدم في قائمة الوزراء الأكثر غيابًا عن مجلس النواب، إذا لم يكن بين متصدريها.
فمنذ تولي عبد اللطيف منصبه في يوليو/تموز الماضي، لم يمتثل لمجلس النواب سوى مرتين فقط، الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 2024 لعرض بيانه وخطة الوزارة، والثانية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني لمناقشة بيانه في اجتماع مغلق بلجنة التعليم والبحث العلمي في المجلس.
لم يشارك وزير التربية والتعليم في أي جلسات أو اجتماعات تناقش طلبات الإحاطة المعنية بالتربية والتعليم والتعليم الفني، كما تغيَّب عن جميع الاجتماعات المعنية بمناقشات الموازنات المرتبطة بالتعليم وخطط العام المالي الجديد 2025/2026، وهو ما أثار استياء نواب لجنة الخطة والموازنة خلال المناقشات التي جرت نهاية الشهر الماضي.
منذ يناير/كانون الثاني الماضي حتى اليوم، عقدت لجنة التعليم والبحث العلمي 28 اجتماعًا، لم يشارك عبد اللطيف في أي منها، رغم أنها ناقشت تحديات مثل كثافة الفصول وضعف البنية التحتية في المدارس، وأوضاع طلاب الدمج ومناهجهم، ومستقبل مدارس Steam، فيما لم تدرج اللجنة طلب الإحاطة الخاص بشهادات الوزير العلمية على جدول أعمالها.
ظاهرة الغياب الدائم عن مجلس النواب، التي يبدو أن عبد اللطيف يؤسسها، لم تكن معتادة مع سابقيه رضا حجازي وطارق شوقي، اللذين اكتفى رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي في المجلس سامي هاشم بحمايتهما من الصحفيين عبر منع حضورهم، لتجنب التصريحات التي تشعل السوشيال ميديا فيما بعد.
صدامات متكررة
الوزير الذي ثارت شكوك بشأن شهاداته العلمية، استهل ولايته بقرار فجّر موجة غضب بين أولياء الأمور، الذين اختاروا التعليم الدولي مهربًا من أزمات التعليم المصري ومناهجه المتخبطة. فقرر ضم مادتي اللغة العربية والتاريخ إلى المجموع الكلي للطلاب في التعليم الدولي، بحيث تُحتسب كل مادة بنسبة 10% من إجمالي الدرجات.
بعد غياب مستمر عن مجلس النواب يتذكر الوزير البرلمان ودوره من أجل تمرير نظام البكالوريا
روّج الوزير قراره باعتباره دفاعًا عن الهوية الوطنية، وكأن مادتي اللغة العربية والتاريخ لم تكونا مقررتين من قبل، والحقيقة أن اللغة العربية مادة إلزامية، واجتيازها شرط للحصول على شهادة تعترف بها الجامعات المصرية، أما التاريخ فكان اختياريًا حسب اهتمامات الطالب، في حين كانت مادة التربية الوطنية هي الوحيدة المفروضة على الجميع.
جاء القرار صدمة للأسر التي لجأت إلى التعليم الدولي بحثًا عن بيئة تعليمية مستقرة ومضمونة، لتُفاجأ بعبء دراسي ومادي جديد، في وقت ترتفع فيه تكلفة الدروس الخصوصية وتزداد الضغوط النفسية على الطلاب وأسرهم دون أي استعداد مسبق.
وهم تقليل الكثافة
يعتبر عبد اللطيف الحد من كثافة الفصول في المدارس الحكومية والتجريبية أحد إنجازاته، بينما كشفت الأزمة التي شهدتها مدارس الجيزة مؤخرًا طبيعة الإنجاز الوهمي الذي يروج له الوزير، عبر المساس بحقوق آلاف الأطفال من الأسر المتوسطة الذين يخطون خطواتهم الأولى في التعليم.
تفضل آلاف الأسر المتوسطة إلحاق أبنائها بالمدارس التجريبية أو ما يعرف بالرسمية للغات، لضمان حدٍّ أدنى من إتقان الإنجليزية، دون تحمّل التكلفة الباهظة للتعليم الدولي أو الخاص. وتُعد هذه المدارس خيارًا وسطًا بين التعليم الحكومي التقليدي والتعليم الخاص، لكنها تواجه تحديات مزمنة تتعلق بتكدس الفصول ونقص المعلمين المدربين وغياب التطوير الحقيقي الذي يبني شخصية الطلاب.
في طريقه للحد من الكثافة، حرم عبد اللطيف أكثر من 8000 طفل في محافظة الجيزة من قضاء عامهم الدراسي الأول في مرحلة رياض الأطفال، بتأجيل متواصل لتنسيق السن الذي تعتمده الوزارة عبر أدوات التقديم الإلكتروني وتسجيل الطلاب في المدارس حسب تنسيق عمري.
سجلت الأسر لأطفالها على موقع الوزارة في يونيو/حزيران 2024 لإلحاق الطلاب بالمدارس في العام الدراسي 2024/2025، لكن بقي أكثر من 8000 طفل معلق بلا تسجيل، في أي مدرسة حتى مايو/أيار الماضي، ثم فوجئ أولياء الأمور بتسجيل أبنائهم في مدارس الصف والعياط وأطفيح.
اجتمع عدد من أعضاء مجلس النواب عن دوائر الجيزة مع المحافظ عادل النجار في نهاية مايو، لحل الأزمة التي لم تنتهِ لمعالجة حقيقية حتى الآن، معتبرًا أن المحافظة اتخذت كافة التدابير الممكنة لاستيعاب الكثافات من الطلبة المتقدمين للالتحاق بالمدارس التجريبية. المحافظ تعهد أيضًا بافتتاح عدد من المدارس الجديدة، من شأنها إتاحة المزيد من الأماكن للقضاء على الكثافات الطلابية تدريجيًا.
بحسب اتصالات عدة مع نواب الجيزة، يتمسك المحافظ بقراراته في توزيع الطلاب، التزامًا بقرار وزير التربية والتعليم بحد أقصى 50 طالبًا في الفصل الواحد، لكنه في المقابل لم ينشئ فصولًا تستوعب الطلاب الجدد، فانتهى الأمر بحرمانهم من عام دراسي كامل، وربما العام المقبل أيضًا مع استحالة انتقال الطلاب من مساكنهم في الدقي والعجوزة وبولاق الدكرور إلى الصف والعياط والبدرشين.
أما طلبات الإحاطة التي تقدم بها النواب لمناقشة الوزير في قراراته وفي مصير الطلاب، فحتى الآن هي في الدرج، بجانب طلبات الإحاطة التي تناقش حقيقة مؤهلاته، وواقعة وفاة مدير إدارة الباجور بعد زيارة ميدانية للوزير، ولم يتحدد بعد موعد لمناقشتها في لجنة التعليم والبحث العلمي في المجلس.
من أجل البكالوريا
بعد غياب مستمر عن مجلس النواب، تذكَّر الوزير البرلمان ودوره من أجل تمرير نظام البكالوريا الذي اقترحه بديلًا للثانوية العامة، ففي المؤتمر الصحفي الذي عقده قبيل عيد الأضحى قال إنه سيطرح مشروعه على البرلمان قريبًا وإن البكالوريا ستنهي بعبع الثانوية العامة.
يطرح الوزير نظامًا جديدًا يعمل على تطبيقه من العام الدراسي المقبل، على أن يكون اختياريًا ويتاح للطلاب الاختيار بين البكالوريا المصرية والثانوية العامة، فينتهي بنا الحال بدفعة واحدة أنهت التعليم الأساسي ولكن بنظامين مختلفين في سابقة لم تحدث من قبل.
يقوم النظام على اعتبار الصف الأول الثانوي سنة تمهيدية، على أن يكون الصف الثاني والثالث شهادة، ويطرح نظام تعدد الفرص في الامتحانات، وهو ما يعيدنا مرة أخرى لمنظومة التحسين التي جربتها وزارة التربية والتعليم في التسعينيات ثم قررت إلغاءها، كما سبق ورفض مجلس الشيوخ مقترحًا مشابهًا وأجهض مشروع قانون قدمته الحكومة، لشبهة عدم الدستورية، نتيجة لعدم تكافؤ الفرص في هذه المنظومة التي تعتمد على دفع رسوم مقابل تكرار الامتحان.
يخترع عبد اللطيف مصطلحات جديدة خلال الترويج لمشروع البكالوريا باعتباره اختراعًا مستحدثًا، فيستبدل باسم "الأقسام" المعروف طوال السنوات الماضية، كلمة "المسارات"، فينشأ المسار الطبي بدلًا من علمي علوم، والمسار الهندسي بديلًا عن علمي رياضة، ومسار الآداب والفنون بديلًا عن القسم الأدبي، واستحدث مسارًا جديدًا لدراسة إدارة الأعمال حيث يدرس الطالب الاقتصاد، والمحاسبة والرياضيات وإدارة الأعمال.
يبقى طرح تغيير قانون التعليم هو الأخطر، فرغم تخبط منظومة التعليم في مراحلها المختلفة في السنوات الأخيرة، ما بين تغيير المناهج الابتدائية واستيراد مناهج جديدة، وامتحانات التابليت، أو "البابل شيت"، يبقى قانون التعليم صامدًا في مواجهة شطحات الوزراء.
أما طرح تغيير القانون، بما يُمكِّن الوزراء من تغيير خريطة الثانوية العامة، وتعديل ضوابطها وقواعد امتحاناتها دون الرجوع لمجلس النواب، فيمنح السلطة التنفيذية يدًا مطلقة تمسك بمصير ملايين الطلاب والأسر، حسب رؤية الوزير القائم، مهما كانت مؤقتة أو مرتبطة بأجندات مرحلية.
المدخل هنا ليس تطويرًا ممنهجًا بآليات دستورية واضحة، بل تمكين شخصي يهدد استقرار العملية التعليمية ويحوّل القانون من مظلة ضامنة للحقوق وتكافؤ الفرص إلى أداة طيّعة بيد السلطة، فما بالنا لو كانت هذه السلطة في يد وزير متعدد الأزمات غائب عن البرلمان، لا يرد على الأدوات الرقابية الموجهة له بشأن مؤهلاته أو قراراته.