تبددت طموحات أحمد* وأحلامه، في الالتحاق بكلية الهندسة، خلال مرحلة تنسيق القبول بالجامعات 2019، بعد أن حصل على مجموع 70% شعبة علمي رياضة، وكانت درجة القبول بكليات الهندسة في المرحلتين الأولى والثانية 91% فأكثر، في وقت لم يضمن له دخل والده الالتحاق بجامعة خاصة، ما دفعه للتفتيش عن منفذ آخر لتحقيق طموحه.
بعد عمليات بحث كثيرة على جوجل، عثر الشاب على منشأة تحمل اسم أكاديمية شيفلد، بشرط مغر؛ حيث الحد الأدنى للقبول في شعبها المختلفة هو 50%، ليقرر ساعتها التقديم معتقدًا أن حلمه تحقق، قبل أن تداهم ضبطية قضائية، من وزاتي التعليم العالي والبحث العلمي والعدل، المنشأة الوهمية، وتقرر تشميعها لمزاولة المهنة دون ترخيص أو اعتماد من قبل الوزارة أو المجلس الأعلى للجامعات والاعتراف بشهادتها، حينها أيقن أنه وقع ضحية نصب، وضاع مستقبله التعليمي.
يؤكد رئيس قطاع التعليم بوزراة التعليم العالي والبحث العلمي السيد عطا، للمنصة، أن جهود الضبطية القضائية نجحت حتى الآن في ضبط 310 كيانات وهمية تتلاعب بمستقبل الطلاب التعليمي، لافتًا إلى تحويل الكيانات المزيفة للنيابة العامة بعد غلقها، لعملها دون ترخيص من الوزارة والمجلس الأعلى للجامعات، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
ويكشف عطا عن الطرق التي تنتهجا الوزارة للتعامل مع الكيانات الوهمية، قائلًا "أولًا مكتبي مفتوح لاستقبال مثل هذه الشكاوي، وكمان إحنا خصصنا إيميل لاستقبال البلاغاتها، برضه عملنا صفحات على فيسبوك وتوتير وانستجرام وقائمة بأسماء الجامعات والمعاهد المعتمدة، كمان الوزير شكل لجنة لرصد هذه الكليانات".
ألقى وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق الدكتور أشرف الشيحي، باللوم على الطلاب وأولياء اﻷمور في الوقوع في فخ النصب من الكيانات المزيفة دون الرجوع إلى القنوات الرسمية
دون شهادة جامعية
يرى أحمد في حديثه للمنصة، أن شروط الأكاديمة كانت دافعًا له في السعي للقبول بها، ولم يخطر بباله أنها غير مرخصة أو معترف بها من الوزارة أو المجلس الأعلى للجامعات رغم اسمها شيفلد، والدراسة بها 4 أعوام مثل بقية الجامعات داخل مصر.
يشكو أحمد بمرارة "مستقبلي التعليمي توقَّف عند الثانوية العامة، بعد دراسة سنتين في أكاديمية غير معترف بها، ده غير المصروفات اللي اتخطت حاجز التلاتين ألف جنيه سنويًا".
يشار إلى أن مصروفات الجامعات اﻷهلية بين 90 ألف جنيه للطب البشري و60 ألف للهندسة و45 ألف لكليات الاقتصاد والعلوم السياسية، فيما وصلت مصروفات الجامعات الخاصة نحو 135 ألف جنيه لطب اﻷسنان و120 ألف جنيه للطب البشري، و40 ألف لكليات الاقتصاد والإدارة.
بالمقابل، ألقى وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق الدكتور أشرف الشيحي، باللوم على الطلاب وأولياء اﻷمور في الوقوع في فخ تلك الكيانات المزيفة دون الرجوع إلى القنوات الرسمية للوزارة أو المجلس الأعلى للجامعات للاطلاع عليها والاستقصاء عنها قبل تقديم الأوراق.
وأوضح الشيحي أن "أولياء اﻷمور يسارعون للذهاب لمثل تلك المنشآت الباطلة اعتقادًا منهم أنهم وجدوا ضالتهم في تحقيق أحلام أبنائهم، بعد أن فشل أولادهم في تحقيقها بالحصول على المجموع للقبول بالجامعات الحكومية أو الخاصة أو المعاهد المعترف بها".
ويشير الوزير الأسبق، إلى أنه من حسن حظ هؤلاء الطلاب، أن مكتب تنسيق القبول بالجامعات، يقبل الطلاب من جديد خريجي مرحلة الثانوية العامة آخر عامين بتنسيق عامهم الذي تخرج فيه من مرحلة الثانوية، للالتحاق بكليات أو معاهد وفقًا للحد الأدنى الذي حصل عليه، قبل أن يستدرك أن الخطر الأكبر الذي يواجه تلك الفئة من الطلاب هم المسجلون في الفرقة الثالثة أو الرابعة، وقال "يعني مثلًا لو الطالب اكتشف أنه في مكان وهمي، وهو في تالتة معهد أو كلية، كده ملوش أي كلية تانية لو اتقفل الكيان، وكده اتخرج بشهادة الثانوية العامة لأن صلاحية الثانوية العامة سنتين".
وتنص قواعد تنسيق القبول بالجامعات، التي لم يطرأ عليها تغيرات منذ عام 2015 - 2016 ويقرها مجلس الوزراء، على أن القبول بالجامعات في العام الدراسي الجديد يشترط حداثة المؤهل، ومرور عامين على سنة الحصول على الشهادة الثانوية في عام القبول، وفقًا للحد الأدنى المعلن للكليات والمعاهد التي أعلنها مكتب تنسيق القبول بالجامعات وليس تنسيق العام الجديد.
توفير البديل
تشديدات أعلنتها الوزارة عبر بيانات رسمية، مؤكدة تكثيف لجان الضبطية القضائية لمُلاحقتها للكيانات الوهمية بالمحافظات، ومحاربة المؤسسات التي تدعي "كذبًا" منح درجات أكاديمية، دون الحصول على التراخيص اللازمة لمزاولة أنشطة تعليمية، مع صدور قرار وزير التعليم العالي بتشكيل لجنة مُتخصصة لرصد الأنشطة التسويقية لتلك الكيانات، الوهمية على السوشيال ميديا، إضافة إلى التنسيق مع وزارة العدل.
وشدد الشيحي، على أهمية تغليظ العقوبات على مثل تلك الكيانات الوهمية خلاف التي تصدر الآن، فما يحدث هو إغلاقها لعام أو عامين ثم تعود من جديد تحت مسمى آخر لتمارس النصب على الطلاب.
خطر الإغلاق أيضًا لا يبدو "مهددًا" لمن يريد ممارسة ذلك النوع من النصب، حسب ما جرى ضبطه خلال السنوات الماضية من أرقام مرتفعة لما جرى اكتشافه من كيانات وهمية، هنا يرى عضو هيئة التدريس بجامعة حلوان وائل كامل، أن سبب انتشار تلك المراكز هو تقصير وزارة التعليم العالي، وأنها لم تول اهتمامًا بتوفير بديل حكومي لمن يرغب في شهادة جامعية، فضلًا عن عدم توفير أي بدائل لكبار السن الذين يبحثون عن برامج مكثفة أو دراسة مسائية أو عن بعد بأسعار معقولة، بهدف تغيير مسار التخصص.
ويرى كامل أن محاربة المراكز الوهمية يجب ألا تسند لوزارة التعليم العالي فقط، إذ يمكن أن تشترك في المسؤولية مصلحة الضرائب لها سلطة غلق النشاط لو خالف وإدارات مجالس الأحياء، التي لها سلطة إصدار التراخيص، كذلك تتبع الإعلانات إذ تستغل بعض هذه الكيانات جملة "شهادة موثقة من وزارة الخارجية" كنوع من الترويج لشهاداتها غير المعتمدة.
وكشف عضو هيئة التدريس أن بعض الإعلانات تروج لدبلومات تُمنح من مراكز خاصة وهمية بإدعاء التعاون مع كليات جامعات حكومية. مشيرًا إلى ما يتردد عن بعض الكليات ونظرًا لضعف موازناتها ومطالبتها بزيادة مواردها تلجأ لعقد تعاون مع مراكز وهمية، وفي مواضع أخرى تستغل المراكز أسماء كيانات حكومية للترويج لشهاداتها.
وعن إمكانية عقد مؤسسات حكومية بروتوكول تعاون مع كيانات وهمية، اكتفى السيد عطا بالإشارة إلى أن تلك الكيانات المزيفة لا تقدم شهادات أكاديمية معتمدة من الوزارة أو المجلس الأعلى للجامعات، لعدم اعتمادها رسميًا. وقال "قطاع التعليم في الوزارة مسؤول عن هذه الأمور، وفي إجراءات وشروط لا بد من تنفيذها أولًا للحصول على الموافقة واعتماد الشهادة الأكاديمية وسهل جدًا على أي مكيان يقول إنه معتمد، وتضليل عقول الطلاب".
يؤكد الطالب أحمد "بعد ما عرفت أن الكيان طلع وهمي ومزيف وغير معتمد من الوزارة، قررت أروح وزارة التعليم العالي علشان استفسر عن مستقبلي دلوقتي، وتحول حلمي إلى سراب، علشان كمان أدور على طوق نجاة لي وأقدر أشوف طريق تاني أكمل بي تعليمي"، ولا يزال ينتظر الرد.
* اكتفينا بذكر الاسم اﻷول، بناءً على طلب المصدر.