
يوميات صحفية برلمانية| قانون البكالوريا.. نظام قديم بواجهة جديدة
جلسات ثلاث انعقدت في ثلاثة أيام بمجموع 22 ساعة، أنهت خلالها لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب مناقشة وتغيير مواد وإضافة أخرى على مشروع تعديل قانون التعليم المقدم من الحكومة.
كالعادة أدت اللجنة مهامها خلف أبواب أُغلقت في وجه الصحفيين، فرئيسها النائب سامي هاشم يعدُّ قضايا التعليم من الأمور الحساسة التي تثير البلبلة على السوشيال ميديا، ويفضل مناقشتها في الغرف المغلقة. ورغم أن رئيس مجلس النواب المستشار حنفي جبالي وجَّه اللجنة بعقد حوار مجتمعي لمناقشة المشروع، لم تدع اللجنة أي خبراء أو متخصصين واكتفت بمناقشات النواب وملحوظاتهم في غيبة الإعلام.
مخالفات دستورية وإحراج للحكومة
وصل مشرع القانون المقدم من الحكومة قبل أيام قليلة من انتهاء دور الانعقاد الخامس. أحال جبالي المشروع في 29 يونيو/حزيران الماضي إلى لجنة مشتركة من لجنة التعليم والبحث العلمي ومكتبي لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، والخطة والموازنة، موجهًا بدراسته "بسرعة وتأنٍ"، وإجراء حوار مجتمعي بشأنه.
انعقد الاجتماع الأول للجنة يوم الثلاثاء 1 يوليو/تموز الحالي في حضور عدد كبير من النواب لمناقشة المشروع الحكومي الذي تثور حوله شبهة عدم دستورية عدد من مواد، من بينها مادة "إنشاء برامج عبارة عن نظم دراسية متكاملة تناظر أيًا من نظامي التعليم العام أو الفني، وتمنح شهادات تعادل الثانوية العامة أو الثانوية الفنية التكنولوجية، بقرار من رئيس مجلس الوزراء، بناءً على عرض وزير التربية والتعليم، بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للجامعات".
خلت التعديلات الحكومية من النص على البكالوريا
أرادت الحكومة انتزاع اختصاص أصيل لمجلس النواب في إقرار القوانين المنظمة للتعليم، وسعت للانفراد بالقرار بعيدًا عن البرلمان، عكس المنصوص عليه في القانون القائم، وخلت التعديلات الحكومية من النص على البكالوريا، النظام الموازي للثانوية العامة، الذي يستهدف وزير التعليم تطبيقه بداية من العام الدراسي المقبل.
غير أن رئيس مجلس النواب توقف أمام هذه النصوص وما قد تحتويه من شبهة عدم دستورية خلال الجلسة العامة المنعقدة في 2 يوليو/تموز، وسأل وزير الشؤون النيابية عن رأيه في المشروع من الناحية الدستورية، كما عاتب الحكومة على تقديم مشروع قانون بهذه الأهمية قبيل أيام قليلة من انتهاء دور الانعقاد الثاني، وبرر فوزي العجلة لتقديم مشروع القانون في هذا التوقيت بأن "الحكومة ترى ضرورة عاجلة لإصلاحات في منظومة التعليم".
أصر جبالي على الحصول على تصريح واضح من فوزي "هل لاحظت أي شبهات مخالفة للدستور، خصوصًا فيما يتعلق بمبدأ مجانية التعليم؟"، فرد الوزير "لا نمانع إعادة مناقشة أو صياغة أي مادة"، مؤكدًا عدم السماح بتمرير أي نصوص غير دستورية.
خلف الغرف المغلقة
رغم منع الصحفيين من حضور المناقشات، خرجت انطباعات النواب من الغرف المغلقة، للفضفضة في لقاءات أو مكالمات خاصة مرات، والإفصاح والمكاشفة مرات أخرى.
أعلن النائب محمد عبد العزيز رفضه التعديلات المقدمة من الحكومة، التي تمت دون دراسة أو رؤية، وتميّز بين المواطنين وتمس مجانية التعليم، فمن يمتلك القدرة المالية فقط سيتمكن من الاستفادة بميزات القانون، كما أنها تتيح للحكومة مستقبلًا تعديل أي نظام تعليمي دون الرجوع لمجلس النواب.
مشروع القانون واجه معارضة شديدة
وكشف عدد من النواب المشاركين في اجتماع اللجنة يومي الثلاثاء والأربعاء 1 و2 يوليو أن مشروع القانون واجه معارضة شديدة من مختلف التيارات، في مقدمتهم عدد من أعضاء تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، الرافضين لتحديد نسبة 70% حدًا أدنى للنجاح في مادة التربية الدينية، أو منح صلاحيات للحكومة تمكنها من تغيير الأنظمة وإضافة أخرى دون الرجوع لمجلس النواب، أو تحديد الرسوم المقررة مقابل إعادة الامتحان والرسوب، فضلًا عن خلو مشروع القانون من برنامج البكالوريا الذي يستهدف الوزير تطبيقه من العام الدراسي المقبل.
لجنة مصغرة وتعديلات
أمام الانتقادات الشديدة التي تعرَّض لها مشروع القانون، كشفت مصادر عن إصرار الحكومة على مقترحها، وتمسك الوزير محمود فوزي بعدم سحب المشروع، وإجراء كافة التعديلات التي تتجاوب مع ملحوظات النواب في اللجنة.
وفي نهاية اجتماع الأربعاء 2 يوليو تقرر تشكيل لجنة مصغرة تضم وزير الشؤون النيابية ورئيس لجنة التعليم والبحث العلمي، ووكيل لجنة الشؤون التشريعية، إيهاب الطماوي، فضلًا عن بعض المستشارين القانونيين الحكوميين.
ومع عودة انعقاد لجنة التعليم الأحد 6 يوليو/تموز، تبدّل حال هاشم من الرفض إلى الدفاع عن المشروع بعد إجراء عدة تعديلات عليه، ليخرج مشروع القانون بنصوص تبين نظام البكالوريا، وتحذف سلطة الحكومة في تغيير الأنظمة أو إضافة برامج جديدة دون الرجوع للنواب، كما خفضت أسعار إعادة الامتحان سواء لتحسين المجموع أو للراسبين.
تسويق البضاعة
نصت التعديلات على نظام البكالوريا الذي يروج له وزير التعليم باعتباره المنقذ من بعبع الثانوية العامة، بينما كان مشروعه خاليًا من تفاصيله.
لم يخترع عبد اللطيف نظامًا بديلًا للثانوية العامة، ولم يُعِد نظام البكالوريا الذي كان مطبقًا في عشرينيات القرن الماضي، لكنه أحيا تجربة وزير التربية والتعليم الأسبق حسين كامل بهاء الدين، الذي أسس نظام الثانوية العامة على عامين، ومنح الطالب الحق في تكرار الامتحان لتحسين درجاته، وهي التجربة التي أثبتت فشلها وتقرر إلغاؤها بعد نحو ثلاث سنوات فقط، ثم حاول وزير التعليم الأسبق طارق شوقي إحياءها مرة أخرى لكن البرلمان رفضها لشبهة عدم الدستورية.
رجل بيزنس التعليم الخاص أعاد تسويق البضاعة
ظل مشروع شوقي في الأدراج بعد رفضه في مجلس الشيوخ عام 2021، واليوم يحييه الوزير الجديد عبد اللطيف، رجل بيزنس التعليم الخاص، الذي أعاد تسويق البضاعة القديمة في صورة جديدة وضع عليها بعض الرتوش لمحاكاة السلع الأجنبية الأخرى مثل الشهادات البريطانية والأمريكية والكندية، لترويج بضاعته للرأي العام والنواب على أنها تجربة جديدة ومختلفة.
لكنه يكاد يكون النظام نفسه مع بعض التغييرات البسيطة، مثل استحداث مسار إدارة الأعمال الذي يدرس فيه الطلاب المحاسبة والإدراة بشكل متخصص، كما أجرى تغييرات شكلية على أسماء الأقسام، فعدّل اسم القسم الأدبي إلى مسار الآداب والفنون، وغيرّ اسم مسار علمي علوم للعلوم الطبية، بينما غيّر مسمى قسم علمي رياضة إلى مسار الحاسبات والهندسة وأضاف لمواد الدراسة فيه البرمجة.
مجانية التعليم
تدافع الحكومة عن مشروع القانون، وتؤكد أنه يحفظ مجانية التعليم، في الوقت الذي تعارضه ثلاث هيئات برلمانية، فقد رفضه نواب الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والعدل، والوفد.
ينص المشروع على أن البكالوريا نظام مجاني، والتعليم الفني التكنولوجي مجاني، لكن في الوقت نفسه يحدد رسومًا لإعادة الامتحان لتحسين الدرجات، أو الإعادة في حال الرسوب التي قد تنال من المجانية التي يكفلها الدستور، واكتفت الحكومة بتخفيض الرسوم في المناقشات التي جرت في اللجنة.
كانت النسخة الأولى تنص على ألا تقل رسوم امتحانات الرسوب عن 200 جنيه ولا تزيد على 2000 جنيه، لكن التعديل ألغى الحد الأدنى وخفض الحد الأقصى إلى 1000 جنيه، ورفض المجلس اقتراحات بمزيد من التخفيض.
كما أقرت التعديلات رسومًا لإعادة المواد لتحسين الدرجة سواء في التعليم الفني التكنولوجي أو البكالوريا بحيث يكون الرسم في المادة الواحدة للامتحان 200 جنيه، ويجوز رفعها لحد أقصى بقرار رئيس مجلس وزراء حتى 400 جنيه.
ووافق مجلس النواب بأغلبيته المُشَكَّلَة من مستقبل وطن على التحسين ورسومه، رغم أنه سبق ورفض في 2021 مشروعًا مشابهًا بالرسوم ذاتها حفاظًا على مجانية التعليم.
الدين أهم مادة!
نصت المادة 60 على أن تضاف مادتا التربية الدينية والتاريخ الوطني إلى المواد الأساسية فى جميع المراحل التعليمية، كما اشترطت للنجاح فيهما الحصول على نسبة 70% على الأقل من الدرجات المخصصة لهما؛ على ألا تحسب درجاتهما ضمن المجموع الكلي.
رفضت الحكومة خلال مناقشات اللجنة الاستجابة لأي تعديل على المادة يعيد الأمور لنصابها، لتكون نسب النجاح في التربية الدينية مثل المواد الأخرى، الأمر نفسه تكرر في الجلسة العامة خلال مناقشة اقتراحات التعديلات المقدمة من النواب إيهاب منصور وأميرة العادلي ومحمد عبد العزيز، الذين طالبوا بإلغاء نسبة الـ70%.
تحدث عبد العزيز عن الفروق الفردية بين الطلاب وقدراتهم، مشيرًا إلى أن عددًا منهم لا يستطع تجاوز نسب النجاح ما بين 50 أو 60%، محذرًا من تحول المادة لعبء على الطلاب وأسرهم وفرض مزيد من الضغوط عليهم.
رفضت الأغلبية اقتراحات التعديل مؤيدة اتجاه الوزير
غير أن وزير التربية والتعليم كان له رأي آخر، إذ رد عبد اللطيف "التربية الدينية مادة خارج المجموع لا نهتم بها والطلاب تنظر لها نظرة أقل من بقية المواد، هل عايزين نعلمهم إن الدين أقل من بقية المواد؟ إيه الرسالة اللي بديها له إن الدين أقل من بقية المواد؟ أكيد لا، هي أهم من أي مادة وديننا أهم حاجة في حياتنا، هي رسالة إنها مادة مهمة جدًا والنجاح بأعلى درجة 70%".
رفضت الأغلبية اقتراحات التعديل مؤيدة اتجاه الوزير في رفع درجات نجاح الطلاب في التربية الدينية، وكأن الحكومة ترانا غير قادرين على تربية وتقويم أبنائنا فتلجأ للمنهج الدراسي لتربيتهم، وكأن نسب النجاح المرتفعة وسيلة لسد الثغرات التربوية ومواجهة الظواهر الاجتماعية غير المرغوبة في النشء.
في 2021 خرج وزير التعليم الأسبق طارق شوقي مهزومًا من مجلس الشيوخ الذي رفض مشروعه، بينما غادر الوزير محمد عبد اللطيف مجلس النواب منتصرًا للفكرة ذاتها بعدما نجح رجل الأعمال في ترويجها وتسويقها وبيعها تحت اسم جديد بشعارات تخفيف الأعباء.