للمرة الأولى يغادر وزير التربية والتعليم طارق شوقي، أبواب البرلمان مهزومًا غاضبًا، بعد رفض مجلس الشيوخ، مساء أمس، مشروع قانون الحكومة لتعديل بعض مواد قانون التعليم، وتغيير نظام الثانوية العامة وتجعله تراكميًا لمدة ثلاث سنوات، مع فتح الباب أمام الطلاب لدخول الامتحان عدة مرات لتحسين درجاتهم، بمقابل رسوم.
مشروع القانون الأول الذي يرفضه مجلس الشيوخ منذ بدء عمله، قدمته الحكومة لمجلس النواب، الذي أحاله للشيوخ باعتباره من بين القوانين المكملة للدستور والتي تدخل في نطاق اختصاص المجلس المستحدث. لكن الوزير فشل في إقناع مجلس الشيوخ بالموافقة على مشروعه.
الوزير استخدم عدة أوراق أثناء كلمته؛ الأولى كانت استعراض استراتيجية التطوير وأهدافها، والثانية استخدام اسم الرئيس عبد الفتاح السيسي باعتباره يرغب ويوجه بنفسه لتطبيق هذه التعديلات، والورقة الثالثة كانت بالضغط على المجلس واتهامه بإعاقة التطوير.
ما هي تعديلات القانون؟
تقدمت الحكومة بتعديل في قانون التعليم، يغيّر نظام الثانوية العامة لتصبح ثلاث سنوات بنظام تراكمي، على أن تحتسب درجات الطالب خلال السنوات الثلاث ولا تتوقف على سنة واحدة كالنظام المعمول به حاليًا.
كما يعيد مشروع القانون الذي وافق عليه مجلس الوزراء في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نظام التحسين الذي سبق وألغته الوزراة بعد سنوات قصيرة من تجربته في تسعينيات القرن الماضي، في عهد وزير التعليم الأسبق، حسين كامل بهاء الدين.
ويتيح المشروع الجديد للطالب أداء أكثر من محاولة لإعادة الامتحان في كل سنة دراسية من السنوات الثلاث، على أن يكون الامتحان الأول مجانًا، بينما يدفع رسومًا مقابل كل مادة يرغب في إعادة الامتحان بها، ولم يحدد المشروع قيمة الرسم بشكل واضح، بينما اكتفى بتوضيح الحد الأقصى وهو خمسة آلاف جنيه عن كل مادة، كما يحدد المشروع إجراء امتحانات المرحلة الثانوية إلكترونيًا من خلال التابلت.
دعوة سريعة
وسط رتابة العمل في البرلمان وندرة المعلومات، فوجئ الصحفيون بإرسال الأمانة العامة للمجلس تقرير لجنة التعليم والبحث العلمي، قبل يومين من مناقشة مشروع القانون بالجلسة العامة لمجلس الشيوخ. وتضمن التقرير رفض اللجنة للمشروع، استنادًا لتناقضه مع المبادئ الدستورية الخاصة بمجانية التعليم وتكافؤ الفرص.
ولأن مجلس الشيوخ يمنع الصحفيين من حضور أعمال اللجان النوعية لمجلس الشيوخ، لم نتمكن من رصد كواليس المناقشات الداخلية التي سبقت حضور الوزير للجلسة العامة التي يحضرها الصحفيون.
حضر الوزير إلى الجلسة العامة صباح أمس محاولًا إنقاذ المشروع الذي يعتبره حلقة متصلة بحلقات أخرى لتطوير منظومة التعليم المصري بشكل كامل.
وعاتب شوقي أعضاء لجنة التعليم بسبب رفضهم مشروع القانون "أقدم عتابًا رقيقًا للجنة التعليم التي كتبت هذا الرأي بلا مناقشة معنا وخاصة أنه أُرسل للإعلام في وقت حرج جدًا"، مؤكدًا أن التعديلات المطروجة ليست وليدة اللحظة، وإنما "هي جزء من استراتيجية تطوير التعليم، بتكليف رئاسي صريح جدًا ونتحدث فيه منذ أكثر من 3 سنوات".
وأعاد شوقي التذكير بأن منظومة التعليم المصرية القديمة وصلت للمركز قبل الأخير عام 2017، منتقدًا أولياء الأمور "الذين أفسدوا الأبناء وأصبح الهدف من التعليم فقط هو الحصول على الشهادة"، مضيفًا "أولياء الأمور معترضين لأن مدرس الفصل كان معه 100% من الدرجات وأستاذ الفصل يأخذ فلوس من الأسر وينجّح الولاد علشان كده الدنيا بتقوم لما نعمل امتحان على مستوى مركزي".
وردًا على ما ورد في تقرير اللجنة بشأن تعارض التعديلات المقترحة مع مجانية التعليم المنصوص عليها في الدستور، قال شوقي "مجانية التعليم ضاعت من زمان مافيش طفل ينجح في سنة نقل من غير فلوس، ومافيش طفل بينجح في ثانوية عامة من غير فلوس"، مضيفًا "عايزين نرجع مجانية التعليم المنصوص عليها في الدستور".
أسلوب شوقي في حديثه للأعضاء لم يخل من الحدة، الأمر الذي قد يكون سببًا في فقدانه تأييد عدد من الأعضاء المترددين في الموافقة أو الرفض، فبدأ يهاجم أعضاء لجنة التعليم "ما ينفعش اللجنة تكلمني عن الرسوم. استمارة الثانوية العامة بـ200 جنيه، ولما نعمل تحسين، فهو اختيار".
الاختيار الذي يتحدث عنه شوقي سيحرم آخرين من غير القادرين على دفع رسوم امتحانات إضافية لتحسين درجاتهم أسوة بزملائهم القادرين ماديًا، وهو ما قالت اللجنة إنه يهدر مبدأ تكافؤ الفرص.
هذا الاعتراض رد عليه شوقي بالقول "المجانية تقتضي منح الطالب الفرصة الأولى، لكن الفرصة الاختيارية نضع لها رسوم، حاجة بسيطة وفق اختيار الطالب للتحسين وهذا مفيد".
نواب الرفض
إصرار الوزير على تكرار استخدام اسم الرئيس عبد الفتاح السيسي ودعمه تعديلات القانون لم يغير رفض الأعضاء لمشروع القانون.
انتقد رئيس لجنة التعليم، نبيل دعبس، تأدية الامتحان إلكترونيًا وسط عدم جاهزية المدارس بالتقنيات المطلوبة، وأشار إلى الخلل الذي حدث في امتحانات سابقة أثناء تأدية الطلاب للامتحان ووقوع "السيستيم" وخروجهم من اللجان دون تأدية الامتحان وتحرير محاضر بذلك.
وكيلة مجلس الشيوخ فيبي فوزي، بررت رفضها للمشروع بالقول إنه ينص على طرق جديدة لتقييم الطلاب بخلاف الامتحان، وقالت إن ذلك "يفتح الباب للتمييز بين الطلاب، وأن عدم تحديد الطرق الجديدة للتقييم في مشروع القانون يتنافى مع مبدأ العدالة".
وكيل المجلس، بهاء أبو شقة، أوضح أسباب رفضه للمشروع بالقول "الرفض معناه أننا نحتاج إلى مشروع متكامل لمنظومة التعليم وفق الدستور والقانون. منظومة كاملة تغطي المدرسة والمدرس والمنهج".
النائب عبد الحي عبيد برر رفضه للمشروع بـ "صعوبة تطبيقه حاليًا"، مطالبًا أن يبدأ تطوير المناهج مع طلبة رياض الأطفال، مضيفًا "نحن نعبر عن رأي أولياء الأمور الذين انتخبونا وأتوا بنا لهذا المكان، نحن مع تخوفاتهم خاصة مع وقوع مشاكل في امتحانات أولى وثانية ثانوي وفشل بعض الطلاب في أداء الامتحان". بينما قال النائب سامح عاشور إن "التعديل محاولة مجتزأة لحل مشكلة كبيرة، والدرجات التراكمية معناها أن تعيش الأسر هاجس الثانوية العامة لثلاث سنوات بدل سنة واحدة".
أوضح ممثل حزب مستقبل، حسام الخولي، أسباب رفض الفكرة بالقول "تخيل أب عنده ولد في أولى ثانوي وآخر في أولى إعدادي، بهذه الطريقة سيستغرق 6 سنوات من الثانوية العامة والدروس الخصوصية التي نرفضها كلنا، لكننا لا ننكر وجودها".
نواب الموافقة
في مقابل النواب المعترضين على مشروع القانون، دافع عدد آخر من النواب عن مشروع الحكومة، منهم عبد المنعم سعيد، الذي انتقد الآراء المعترضة بالقول "لو كان هذا المجلس هو الذي سيوافق أو يرفض تعويم العملة، أو إقامة قناة سويس جديدة أو عاصمة إدارية جديدة لكان هناك دائما معترضون".
كلمات سعيد قابلها أعضاء المجلس باعتراضات شديدة، ورد عليه رئيس المجلس عبد الوهاب عبد الرازق "هذا الحديث خارج عن حدود النقاش المتعلق بمشروع القانون"، مما دفع سعيد للاعتذار للأعضاء، واستجاب رئيس المجلس لطب ممثل حزب مستقبل وطن، حسام الخولي، بحذف العبارة من المضبطة.
وقلل سعيد من حجم المشكلات التي تواجه الامتحانات الإلكترونية قائلًا "اللجنة اعتمدت على بعض المشكلات الخاصة بالإنترنت لإبقاء الأمر على ما هو عليه دون تحديد نسبتها من الحجم الكلي للعملية التعليمية".
محاولة شوقي الأخيرة
أمام عشرات الكلمات الرافضة لتعديل القانون، وتكرار الحديث عن المشكلات التي تواجه العمل بنظام الامتحان الإلكتروني، وعقب إغلاق باب المناقشة؛ قال شوقي "ما حدش يتكلم عن التعليم قبل ما تشوفوا المنصات والقنوات والكتب. شوفوا المناهج، شفتوها؟ لما تشوفوها اتكلموا"، مضيفًا "أدعو حضراتكم للاطلاع على المشروع القومي الذي اتفقت عليه من أول الرئاسة لوزارة التخطيط لمجلس الوزراء للدولة كلها، مناهج رابعة ابتدائي اللي نازلة تستحق الرؤية".
وبشأن ما أثاره الأعضاء عن عدم دستورية القانون والمساس بتكافؤ الفرص قال شوقي "عايزين تلغوا التحسين الغوه، لكن كدا يبقى مجلس الشيوخ أفقد الأولاد فرصة التحسين، لما نتكلم عن خطة وتغيير نجد عقيدة راسخة تحاربه، إذا كان مجلس الشيوخ يريد مساعدة الدولة على التقدم أهلًا وسهلًا".
وأمام اعتراض الأعضاء على اتهام شوقي، قال رئيس المجلس "ليس هكذا تدار الأمور. مجلس الشيوخ لن يكون عائقًا في يوم من الأيام لسياسة الدولة، ما حدث هو وجود آراء رافضة للتعديلات، لكن ذلك لا يعني رفض التطوير، المسألة لابد وأن تكون في حدود الأمر المعروض، دون الحديث عن وضع عوائق".
انتهى دور مجلس الشيوخ بعد رفضه القانون، والكرة الآن في ملعب مجلس النواب الذي سيحسم مسار القانون الذي دافع عنه طارق شوقي بحرارة، مع توقعات بأن يجدد المحاولة مرة أخرى.