صفحة وزارة الصحة والسكان على فيسبوك
نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار خلال زيارته لمستشفى العدوة في محافظة المنيا، 29 مارس 2025

محمد فؤاد القطاوي.. صوت الناس الذي يزعج الوزير

منشور الاثنين 31 مارس 2025

مرتان أو ثلاثة في كل أسبوع، يستقل محمد فؤاد القطاوي، الرجل الستيني الذي يعيش في عزبة رشدي التابعة لقرية برطباط بمركز مغاغة في محافظة المنيا، سيارته إلى مركز العدوة، حيث يخضع في مستشفاه المركزي لجلسة غسيل كُلوي لا غنى عنها للحفاظ على حياته، تسبقها ساعات انتظار طويلة وسوء معاملة رجال الأمن. لكنه ذات يوم، وجد نفسه وجهًا لوجه أمام "سيادة الوزير"، فقرر الإسهاب في شكواه. 

يومها، كان وزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار في جولة تفقدية على مستشفيات محافظة المنيا ووحداتها الصحية لـ"متابعة الحالة الصحية" حسب بيان أصدرته وزارة الصحة أول أمس.

وبينما كان الوزير "يتابع الحالة الصحية" في مستشفى العدوة المركزي، وجد نفسه أمام "عم محمد"، الذي تجاسر على مواجهته بالصعوبات التي يواجهها بسبب سوء التنظيم والمعاملة في المستشفى. لكنَّ أكثر ما أثار انزعاج الوزير في هذه الشكوى، أن الشاكي لم يُبادر إلى شكر الدولة أولًا.

ففي رده على محمد القطاوي، قال خالد عبد الغفار "أنا مستغرب منكم يعني الدولة عملت لكم المكان الجميل ده، على حساب الدولة، واللي مفيش زيه في أي محافظة تانية، ومسمعتش حد قال شكرًا للدولة على مجهودها ده".

وأضاف "يعني لو حد في أهل بيتك كل مايشوفك يقولك مشكلة ففي الأول يا أخي قول متشكرين على المبنى الجميل والأجهزة الجديدة اللي جبتوها لنا بس عندنا بعض الطلبات". وتابع "الصعايدة مش بيفوتهم الأصول دي، إحنا هنا جايين نعمل حاجة مش موجودة في أي محافظة في مصر".

البحث عن الحياة بين مغاغة والعدوة

بدأت رحلة محمد مع الفشل الكلوي في عام 2017. حينها تحددت له ثلاث جلسات غسيل كلوي أسبوعيًا أيام السبت والثلاثاء والخميس، غير أن معاناة السفر من منزله إلى المستشفى وعناء الانتظار السابق على جلسة الغسيل دفعاه مؤخرًا ليكتفي في بعض الأسابيع بجلستين فقط أسبوعيًا، يومي الأحد والخميس، حسبما قال لـ المنصة.

رحلة محمد التي تستغرق ساعتين ذهابًا وإيابًا هي اختبار يومي للصبر، وبينما يحلم هو بجلسة غسيل سلسة تخفف عنه آلام المرض، يصدمه الواقع بسوء معاملة أمن المستشفى، وطول الانتظار قبل تركيب جهاز الغسيل، مما يزيد من معاناته بدلًا من تخفيفها.

"فضَّلت أروح أغسل في مستشفى العدوة علشان أنضف من مغاغة، حتى قبل افتتاح المستشفى المركزي الجديد كان الوضع أحسن، والتمريض فيها أفضل" يقول محمد الذي رضي بتحمل عناء الرحلة مقابل الحصول على خدمة صحية أفضل.

المواجهة الصعبة

كانت الشكوى الأساسية التي نقلها محمد للوزير على لسان المرضى، هي طول فترات الانتظار السابقة على الغسيل، ويجزم بأن هذه الظاهرة لم تكن موجودة في عهد ثلاثة مديرين سابقين للمستشفى "المعاملة كانت أفضل كثيرًا في عهد رئيس المستشفى السابق الدكتور ورداني الله يرحمه، وبرضو في عهد الدكتور محمد يحيى والدكتور طارق الزيات".

ومضى يشرح "التلاتة دول كانوا عشرة على عشرة. كانوا بيدخُلوا عند المرضى يقفوا جنبهم على جهاز الغسيل ويسألوهم لو محتاجين أي حاجة، وكانت مكاتبهم مفتوحة وأي مشكلة كانت بتتحل فورًا".

لهذا يتعجب محمد من موقف الوزير وانزعاجه من شكواهم، مؤكدًا أن رئيس المستشفى الحالي لو كان متاحًا وموجودًا بين المرضى ويسمع الشكاوى "ما كانش حصل موقف الوزير ، لكن المدير الجديد للمستشفى مانعرفش عنه حاجة ولا بنشوفه عندنا في قسم الكلى"، ويستنكر "لأ والوزير يقولي أشكر الدولة!".

الصحة ليست مبنى جميلًا بل منظومة متكاملة يُقاس نجاحها بجودة الرعاية المقدمة

مسؤول الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق والحريات، والعضو السابق بلجنة قانون التأمين الصحي الشامل، الدكتور علاء غنّام، قال في حديثه إلى المنصة إنَّ الوزير  "لم يوفَّق في التعبير"، لأن "على الوزير أن يعي أن الصحة حق وليست منحة من الحكومة".

لفت غنَّام إلى استخدام الوزير مصطلح "الدولة" وهو يطلب من محمد القطاوي توجيه الشكر، مؤكدًا أن على الوزير "التفريق بين مفهوميِّ الدولة والحكومة، فالأولى أشمل وأعم، أما الحكومة فهي خدامة الشعب ومواردها تأتي من الناتج الإجمالي المحلي يعني من جيوب الناس".

يمضي غنّام في الاشتباك مع أن المستشفى الجديد ليس معيارًا لجودة الخدمة الصحية، "الصحة ليست مبنى جميلًا، بل منظومة متكاملة يُقاس نجاحها بجودة الرعاية المقدمة، خاصةً في الحالات الحرجة مثل مرضى الفشل الكلوي، حيث لا مجال للأخطاء أو الإهمال".

يخوض محمد رحلته الطويلة بسيارته الخاصة أما الفقراء فيضطرون لقطع المسافة فجرًا في عربات الخضار

يشير محمد إلى جانب آخر من حديثه مع الوزير، لم ترصده كاميرات الصحفيين، "كلمته عن مسؤولية الدولة عن ضمان حياة كريمة لهم وواجبها في تحقيق متطلباتهم من خدمات صحة وتعليم وغيرها".

لم يخشَ القطاوي الحديث مع الوزير بأريحية ونقل الشكاوى إليه "الموضوع مش فارق معايا لأن أنا بالنسبة لي العمر رايح رايح". 

وعلى أثر الواقعة، تلقى اتصالًا في اليوم التالي من شخص أخبره أنه من مكتب محافظ المنيا، ويبلغه بضرورة الحضور للقاء المحافظ بعد إجازة عيد الفطر في موعد ستحدده المحافظة وتبلغه به هاتفيًا، معربًا عن أمله في أن يسهم ذلك اللقاء في إيجاد حلول جذرية لأزمتهم.

الفقراء يدفعون الثمن

تعكس حالة محمد مأساة آلاف من مرضى الفشل الكلوي الذين يجوبون المستشفيات بحثًا عن علاج لا يفترض أن يحصلوا عليه بهذه الصعوبة. 

"عندنا حصر عددي لـ 34 مريض فشل كلوي عايشين مأساة حقيقية بالنظر لبعد المسافة بينهم وبين وحدات الغسيل الكلوي التي تقع بالمراكز الرئيسية سواء مغاغة أو العدوة"، يقول حسام مصطفى(*)، وهو أحد القائمين على تقديم خدمات عينية ومساعدات شهرية لمرضى الفشل الكلوي في قرية برطباط وتوابعها من القرى والعزب والنجوع وبالأخص في قرى كفر الصالحين والزورة والتحرير، موضحًا أن العدد "انخفض مؤخرًا بسبب وفاة عدد كبير منهم".

وفي الوقت الذي يستعين محمد بسيارته الخاصة في خوض رحلته المرهقة للحصول على جلسة الغسيل الكلوي، ينقسم باقي المرضى إلى فئتين "الفقر وحده هو القاسم المشترك بينهما"، يواصل مصطفى حديثه إلى المنصة

"تضطر الفئة الأولى للاستيقاظ قبل صلاة الفجر للحاق بسيارات النقل الخاصة ببائعي الخضار ممن يترددون على مركز مغاغة يوميًا في الصباح"، يوضح "مافيش عربيات أجرة في التوقيت ده فبيضطروا يركبوا عربيات الخضار لساعة وربع تقريبًا، لضمان الوصول للمستشفى مبكرًا وحجز دور متقدم في طابور".

أما الفئة الثانية "فبيشتركوا في وسائل نقل مخصوص، تمر على منزل كل منهم قبل الفجر يوم الجلسة" يقول مصطفى موضحًا أنهم يخوضون ذات المسافة في طرق غير ممهدة تمامًا بسبب مشاريع الصرف الصحي التي تتم ضمن المشروعات القومية.

قبل نحو سنتين، أرست المحكمة الإدارية العليا مبدأً قضائيًا بإلزام التأمين الصحي صرف بدلات مالية لانتقال مرضى الغسيل الكلوي من منازلهم إلى وحدات الغسيل الكلوي والعكس. وصلت إلى 250 جنيهًا عن الجلسة الواحدة، لكن الإدارية العليا خفضت هذا المبلغ في نوفمبر/تشرين الثاني  2023 إلى 40 جنيهًا للجلسة.

مبادرة أهلية.. هل تنقذ مرضى الفشل الكلوي؟

"الحل الحقيقي لمرضانا في وحدة غسيل كُلوي قريبة منهم" بهذه الكلمات يلخص محمد منصور(*)أحد القائمين على مساعدة مرضى الفشل الكلوي في قرية برطباط، معاناة المرضى الذين يقضون ساعات في التنقل بحثًا عن جلسة غسيل قد تكون الفارق بين الحياة والموت.

يرى منصور أن أي حل لا يشمل إنشاء وحدة غسيل كُلوي داخل القرية لن يكون كافيًا لتخفيف الألم الممتد لسنوات.

ورغم غياب الدعم الحكومي، لم يقف أهالي القرية مكتوفي الأيدي، حيث أطلق عدد من أبناء برطباط مبادرة مجتمعية لإنشاء وحدة غسيل، في محاولة لإنهاء معاناة المرضى الذين يرهقهم السفر والانتظار الطويل.

يقول منصور بحماس ممزوج بالقلق "نجحنا في تخصيص مقر تابع لإحدى الجمعيات، وحصلنا على وعود من متبرعين لتوفير خمسة أجهزة غسيل كُلوي، لكن لا تزال أمامنا عقبات، من استخراج التراخيص إلى توفير الطاقم الطبي اللازم لتشغيل الوحدة".

في انتظار تحول المبادرات المجتمعية إلى واقع ملموس، يظل محمد فؤاد القطاوي وآلاف المرضى الآخرين عالقين في دوامة المعاناة، متنقلين بين القرى والمراكز بحثًا عن علاج ضروري للبقاء على قيد الحياة.


(*)اسم مستعار بناء على طلب المصدر