في مشهد مثير للرعب، سقطت على الأرض وتشنجت أطرافها وخرج ريم أبيض من فمها، كانت هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها إسراء حسين، ذات الـ25 ربيعًا، لنوبة صرع. بعدها توالت الأعراض في الظهور؛ الدوار والقيء، والإغماء المؤقت. في البداية شخصها الأطباء بانخفاض ضغط الدم، إلى أن أجرت فحوصات طبية مكثفة لدى 3 من كبار أطباء المخ والأعصاب، لتكتشف إصابتها بالصرع، وتبدأ رحلة طويلة من المعاناة والألم.
يُعرّف الصرع، الذي يعاني منه نحو 50 مليون شخص حول العالم، بأنه مرض مزمن يصيب الدماغ ويؤثر على الأشخاص من كافة الأعمار، وهو واحد من أكثر الأمراض العصبية شيوعًا على الصعيد العالمي.
عاشت إسراء طفولة قاسية بسبب معاملة والدها. تقول نادية عبد العال، والدتها، "عشت مع جوزي السابق حياة قاسية، كنا في مشاكل يومية، بنتي الكبيرة (إسراء) كانت شاهدة على اللي بيحصل، كنت بخرج اشتغل عشان أصرف عليهم وهو كان بيضربهم"، خلّفت هذه الطفولة آثارها على نفسية الشابة.
ومع المرض، اضطرت إسراء إلى ترك دراستها في معهد التجارة، ارتبكت حياتها تمامًا لمدة 3 سنوات، "كانت النوبات الكلية بتيجي كل يوم أو يومين وأدخل في مرحلة إغماء، ده غير النوبات الجزئية اللي كانت بتجيلي بمعدل 3 أو 4 مرات يوميًا".
يعاني المصابون بالصرع من أعراض مؤقتة كـفقدان الإدراك أو الوعي، واضطرابات الحركة والإحساس (بما في ذلك الرؤية والسمع والتذوق)، واضطرابات الحالة المزاجية، والوظائف الإدراكية.
تعليقات مسمومة
لا تتوقف معاناة مرضى الصرع على التعامل مع حالات التشنج، التي يفقد فيها المصاب السيطرة على جسده، بل تمتد إلى التعامل مع مجتمع يميل إلى وصم المختلفين، حتى ولو كانوا مرضى. ارتباط الصرع بالمخ، يجعله يندرج في الوعي الجمعي تحت تصنيف الأمراض العقلية، فيصبح المصابون به "مجانين" في الأوساط قليلة الوعي، والوصمة أعمق حال إضافة تاء تأنيث.
مهدت تلك الوصمة الطريق لإنهاء علاقة إسراء بخطيبها، "أعراض المرض ظهرت عليا من سنتين ومعاها اتغيرت معاملة خطيبي". كانت أخبرته عن مرضها فور معرفتها به "قررت مصارحته بظروف مرضي أول ما عرفت، خصوصًا إن الفرح كان قرّب".
رد فعله لم يكن مفاجئًا لها، توقعت منذ البداية أن يؤثر المرض على علاقتهما، لكن ما أثار استغرابها أن الشخص الذي ارتبطت به طيلة 6 سنوات، وضع استفتاءً على صفحته الشخصية على فيسبوك، هل يكمل مع خطيبته المصابة بالصرع أم لا؟ بعد الصدمة تقول إسراء "تدخلت عائلتي وأجبرناه على حذف البوست".
يمنح القانون الحق للزوج في تطليق زوجته لإصابتها بعلة لا شفاء منها
لم تكن تلك الإساءة الأولى التي تتعرض لها إسراء من خطيبها، إذ تلقت منه تعليقات مهينة مثل "مش هتلاقي حد يرضى بيكي"، و "إحمدي ربنا إني ارتبطت بواحدة زيك"، وبمد خط الإساءة حتى منتهاه "راح عرف عليا واحدة واحنا مخطوبين" تقول إسراء.
لم يكن هناك مفر من إنهاء العلاقة بعد كل ما تعرضت له من إهانة.
نسبة الشفاء
لا تعرف إسراء سببًا لظهور أعراض المرض عليها، وهو ما لم يتمكن الطب من الوصول إليه، ترجع عزة عبد الناصر، استشارية المخ والأعصاب بكلية الطب جامعة عين شمس الإصابة بالصرع في سن متقدمة إلى إصابة قديمة أو التعرض لجلطة في المخ أو حادث سير أو سقوط شيء ما على الرأس محدثًا ارتجاج أو نزيف في المخ يخلق بؤرة صرعية، غير أن "نسبة كبيرة من الإصابة بالصرع لا يُعرف لها سبب" تقول عزة.
تستبعد دكتورة عزة أن يكون الضغط النفسي سببًا للمرض، "لا تسبب الضغوط النفسية أو مشكلات الطفولة الإصابة بالصرع، فلا بد أن يكون هناك سبب عضوي". وتضيف "التشنجات الناتجة عن النشاط الكهربي للبؤرة الصرعية لها شكل معروف إكلينيكيًا، نستطيع تفريقها بسهولة عن التشنجات النفسية".
وتشير استشارية المخ والأعصاب إلى أن أغلب إصابات سن المراهقة حميدة، إذ تُشفى معظم الحالات بمجرد انتظام المريض على العلاج.
وتصل نسبة التحسن لدى المصابين بالصرع إلى 70%، بحسب الإحصاءات المصرية والعالمية. وهو ما اختبرته إسراء "النوبة كانت بتجيلي مرتين في اليوم، وانتظمت ع الدوا مدة سنة كاملة واتحسنت مع العلاج"، ولكن هذا لم يحسن فرصتها في استكمال زواجها.
إسراء ليست وحدها، فعلى الرغم من معرفة رمضان محمد، الذي يعيش في المنيا ويبلغ من العمر 35 سنة بطبيعة مرض زوجته قبل زواجه منها، إلا أنه قرر الانفصال بعد 5 سنوات لذات السبب. يحكي رمضان "زوجتي اتولدت مصابة بالصرع وأنا عارف من قبل الجواز، لكن ماعدتش قادر استحمل الاكتئاب والعزلة، وخدت قرار الطلاق".
يكمل محمد أسبابه "كمان أعتقد إن المرض أثّر على الخلفة، ما عاشش لينا غير طفل واحد، فقدنا توأم بعد الولادة بـ 6 شهور، وتوأم تاني بعد الولادة بأسبوع بسبب الأدوية، ده غير إنها ما تقدرش تراعي طفل بنفسها ولوحدها".
الحماية القانونية
رغم الأثر السلبي لما فعله محمد على زوجته إلا أنه حق يمنحه له القانون الذي ينص على حق الزوج في تطليق زوجته لإصابتها بعلة لا شفاء منها.
تقول هبة عادل رئيسة مجلس أمناء منظمة محاميات مصريات لحقوق المرأة للمنصة "يستطيع الزوج تطليق زوجته غيابيًا بإرادته المنفردة في حالة إصابتها بمرض يعوق أداء واجباتها الزوجية، ويستطيع الاحتكام لعلة المرض أمام القضاء، خاصة لو امتدت الإصابة لفترات طويلة سابقة. كما يستطيع أن يحتكم إلى عدم حصوله على حقه في الاستمتاع بزوجته طوال فترة الزواج لوجود عرض طبي يعوق ذلك. هنا قد يحكم القاضي للزوجة بنفقة متعة ضئيلة لا تذكر".
وتنصح المحامية المصرية، النساء المقبلات على الزواج بضرورة إثبات إبلاغ الزوج بالحالة المرضية قبل الزواج، حتى لا يدعي عدم معرفته بمرضها أمام القضاء، على أن يتم ذلك بالطرق الرسمية حفاظًا على حقها، كالإبلاغ أمام شهود تأخذ المحاكم بشهادتهم، أو إضافته في عقد الزواج ضمن الشروط الخاصة، أو إبلاغها له بموجب إنذار قضائي.
وتوضح هبة أنه لا يحق للقاضي حرمان الزوجة من مستحقاتها طالما دخل بها، وتتمثل عادة في مؤخر الصداق، ونفقة العدة، ونفقة المتعة التي تعد نقطة خلاف، وإن كان جميعهم قيمتهم المادية ضعيفة في الأساس.
الطريقة التي يبلغ بها الشريك شريكه حقيقة مرضه هي التي تحدد شكل العلاقة فيما بعد
وتضيف "في حال كانت فترة الزواج تقل عن عام قد يلجأ الزوج لرفع دعوى إبطال زواج بحجة أن زوجته كانت مريضة و لم تبلغه، وفي تلك الحالة يقول الزوج "زوجتي لم تبلغني بمرضها و هذا المرض يعوق أداءها لواجباتها الزوجية"، هنا قد يحكم القاضي ببطلان عقد الزواج حتى لو دخل بها الزوج، طالما استطاع الزوج إثبات ما يدعيه، لتعود الزوجة عزباء ويصبح الطرفان بلا أي حقوق زوجية على الإطلاق".
وفي حال أبلغت الزوجة الزوج بحقيقة مرضها وأنكر ذلك، تلجأ لطلب اليمين الحاسمة من القاضي. وتشرح المحامية الحقوقية أنه "إذا وجهت المحكمة للزوج اليمين، وأصر على الإنكار، فهنا لا يحق للزوجة تقديم ما يفيد واقعة الإبلاغ المرضي للمحكمة".
الدعم النفسي
تخلق المعاناة التي تعيشها المصابات بالصرع احتياجًا للدعم النفسي، فما تعرضت له إسراء من أذى كاد أن يودي بحياتها، "خطيبي فضل يعايرني لحد ما حاولت أنتحر".
تقول الدكتورة هند البنا استشارية الصحة النفسية والعلاقات الزوجية "على المريض فهم أن الصرع مرض مزمن، دون أن يؤثر على حالته النفسية، مع الالتزام بتعاطي الأدوية اللازمة لمنع النوبات أو التقليل منها".
وتنصح هند المقبلين على الزواج والمصابين بأمراض مزمنة بألا يُشعروا أنفسهم أن لديهم أزمة، كيلا يُعد ذلك نقطة ضعف تؤخذ عليهم، وتضيف "بعض المرضى يعانون من فقدان ثقتهم بأنفسهم في وقت لا بد من التصالح مع المرض وإخبار الشريك به قبل الارتباط، سواء تقبل هذا أو لم يتقبله فهو لن يُنقص منا شيئًا".
وتؤكد استشارية الصحة النفسية ضرورة اللجوء إلى مختص لتدريب المريض على كيفية التعامل مع المرض والشريك، تجنبًا للوقوع في مشكلات نفسية كبيرة. غير أن ظروف إسراء المادية لم تسمح لها بالمتابعة مع طبيب نفسي "كشف دكتور علاج الصرع بيتكلف 600 جنيه غير الدوا".
وحاليًا تحاول إسراء بدعم أسرتها وانشغالها بالدراسة تجاوز المحنة "دلوقتي أحسن، بالبعد عن مصدر الضغط اللي كنت بتعرض له بقت بتجيني نوبة جزئية بسيطة كل شهر أو شهرين، ورجعت تاني للدراسة، رحت معهد تمريض الدراسة فيه أسهل، ومناسب لحالتي المرضية أكتر".
ربما لم يترك الرفض الذي تعرضت له إسراء علامة دائمة على نفسيتها، مع تأكيدها أنها تعافت، لكنه على الأغلب سيتضح أثره في تعاملاتها واختياراتها وربما شعورها بالأمان في مجتمع يمارس الوصم الممنهج على المختلفين، ويوجد المبررات لفعل ذلك فيصبح اعتياديًا وما سواه تزيد.