تعدُّ قضايا المرأة من بين الموضوعات إثارةً للجدل على السوشيال ميديا، إذ دائمًا ما يخلق الحديث حول إحداها موجات من ردود الفعل القوية والعنيفة.
وهو ما تدركه الصحفيات والناشطات النسويات، فالتعبير عما يشغلهن أصبح بمثابة دخولٍ إلى عش دبابير، وما حدث مع آية منير، الناشطة النسوية، ليس بعيدًا، فقد تعرضت لحملات عنف إلكتروني إثر مناقشتها لعدة قضايا، منها المساواة في المواريث والطلاق الغيابي وحق الولاية من خلال صفحتها superwoman على فيسبوك.
ومع ما تواجهه الصحفيات والناشطات من أشكال متعددة من العنف الرقمي جراء حديثهن عما يخص المرأة من قضايا وقوانين خاصة تلك المتعلقة بالأحوال الشخصية، فإنهن يفتقرن لآليات قانونية فعالة لمحاسبة المعتدين، بالإضافة إلى التحديات الاجتماعية التي تزيد من تعقيد الوضع.
أحوالهن في خطر
يأتي تعريف محكمة النقض المصرية للأحوال الشخصية كإطار قانوني يشمل مجموعةً من الخصائص التي تميز الإنسان عن غيره في جوانب حياته الطبيعية والعائلية، التي تترتب عليها آثار قانونية في سياق حياته الاجتماعية. هذه الخصائص تشمل كونه ذكرًا أو أنثى، أو زوجًا أو أرملًا أو مطلقًا أو أبًا شرعيًا، بالإضافة إلى حالة الأهلية القانونية التي قد تكون كاملة أو ناقصة نتيجة عوامل مثل العمر أو العته أو الجنون.
في هذا السياق، تذكر سيدة محمود، الباحثة القانونية، أن قانون الأحوال الشخصية الذي صدر في مصر عام 1883 كان بمثابة "نسخة" مدنية مشابهة للقانون الفرنسي الصادر عام 1804، ليحل محل الشريعة الإسلامية التي كانت تحكم الحياة الاجتماعية بكافة جوانبها.
ورغم العديد من التعديلات التي طرأت على هذا القانون منذ ذلك الحين، فإنه لا يزال عاجزًا عن معالجة العديد من القضايا الشائكة، خاصة تلك التي تمس حقوق المرأة بشكل مباشر، كتلك التي تناولها الدكتور فتوح الشاذلي، أستاذ القانون بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، في مقال نشره على موقع المجلس القومي للمرأة؛ طاعة الزوج وسن الزواج لمنع زواج القاصرات وتأديب الزوجة وتعدد الزوجات، وجميعها قضايا خلافية تثير الجدل بين مؤيد ومعارض.
لم يقتصر الأمر على الجدل، بل امتد لأن تكون الناشطات الحقوقيات والصحفيات هدفًا للعنف الرقمي، الذي بدأ منذ دخول مصر عصر الإنترنت في عام 1992. ويعرَّف العنف الرقمي، وفقًا لـ IGI Global، وهي إحدى دور النشر العالمية المتخصصة في الكتب والدوريات عن العنف الرقمي، بأنه "استخدام الأجهزة الرقمية والخدمات الإلكترونية للمشاركة في أنشطة تضر جسديًا أو نفسيًا أو عاطفيًا بالشخص المستهدف".
طالبت آية منير، مؤسِّسة مجموعة "سوبر وومن"، بقانون أحوال شخصية مدني، يستند إلى مبدأ المساواة ويُراعي الدستور. لكن طريقها لم يكن سهلًا؛ إذ تعرَّضت للعديد من أشكال العنف الرقمي، مثل الشتائم القاسية على فيسبوك، ونشر صور شخصية وعائلية لها في محاولة لتشويه سمعتها.
ولا تقتصر هذه الهجمات على الناشطات فحسب، بل تشمل أيضًا الصحفيات اللواتي يتناولن قضايا المرأة فيما ينشرنه من مواد صحفية، من بينهن أسماء حامد، صحفية متخصصة في ملف المرأة بإحدى الصحف المستقلة، التي تروي تعرضها لهجمات وصفتها بـ"العنيفة" من رجال عبر السوشيال ميديا في كل مرة حاولت أن تناقش فيها أحد بنود قانون الأحوال الشخصية.
تقول أسماء "لما انتقدت فكرة الزواج الثاني دون علم الزوجة، وصلتني تهديدات بالتليفون من مجهولين، ده غير تنمر زملاء صحفيين".
يعكس هذا الواقع كيف أن الحديث عن قضايا المرأة وقانون الأحوال الشخصية قد يكون طريقًا محفوفًا بالمخاطر في مجتمع لا يزال يواجه تحديات كبيرة في مجال حقوق الإنسان والمساواة.
تهديدات دينية
على أثر مطالبة آية منير بالمساواة في الميراث، تعرضت لهجمة إلكترونية وصلت إلى مطالبة أحد المعلقين بإقامة الحد عليها، بعد أن وصمها مجتمعيًا بالإلحاد؛ تقول آية "قال إن المفروض يقام عليّ الحدّ، وإني ملحدة".
ورغم اختلاف الدين، تتشابه التهديدات، فالصحفية مريانا سامي تكتب عن ملف الأحوال الشخصية المسيحية منذ سنوات، مُطالِبة بالزواج والطلاق المدني؛ إذ تعتقد أن عدم حسم الكنيسة لقضايا متعلقة بملف الأحوال الشخصية يؤدي لمشكلات مجتمعية، مثل زيادة ظاهرة الانفصال دون حقوق، أو اعتداء أحد الطرفين على الثاني بغرض القتل، لأن الطلاق في الكنيسة الأرثوذكيسية، وهي الطائفة المسيحية الأكبر في مصر، غير مسموح به إلا لعلة الزنا، وهي علة يصعب إثباتها.
وتعرضت مريانا للعديد من الإساءات الرقمية، فتارة اتُهمت بالخيانة، أو أنها ليست مسيحية، وتارة أخرى تطولها الشتائم، وتعرض أهلها لضغوط من الكهنة "لدرجة أهلي قالولي بطلي كتابة" تقول مريانا.
الاستسلام للضغوط أو المقاومة
استمرار التعرض لهذه الضغوط له آثار سلبية قد تدفع ببعضهن أحيانًا إلى التوقف عن الكتابة. تختلف الاستجابة لهذه الضغوط وآثارها النفسية من امرأة إلى أخرى، فتقول آية منير "في البداية كنت بتأثر جدًا جدًا، وبدخل في اكتئاب وعياط لأيام طويلة من التوتر وغيره، وأبقى خايفة لأهلي يطلبوا مني أبطل كتابة"، مثل ما حدث مع مريانا سامي.
فيما استجابت أسماء حامد للضغوط وقررت الابتعاد عن الكتابة في هذا الموضوع بسبب تأثيراته السلبية، تقول "قررت أوقف شوية، لكن ما أقدرش أتوقف تمامًا، هفضل أكتب عن قانون الأحوال الشخصية رغم كل المعاناة".
لا يمكن التقليل من أثر الإساءات التي تطول الصحفيات والناشطات أو التغاضي عنها، فقد نشر الاتحاد الدولي للصحفيين استطلاعًا عن "التأثير الهائل للإساءة عبر الإنترنت على الصحفيات"، ورد فيه أن 64% من الصحفيات تعرضن للإساءة عبر الإنترنت، وغالبيتهن قلن إن هذه الإساءات كانت لها آثار نفسية مثل القلق أو التوتر بنسبة 63%، بل وفقدت 8% منهن وظائفهن بسبب هذه الإساءات.
تحدثت عن العنف الرقمي فتعرضت له!
أخذت الصحفية آية ياسر على عاتقها مهمة فضح مجموعات التليجرام التي تتعمد التشهير بالنساء ونشر صور مفبركة ومعلومات شخصية عنهن، سواء مُستخدِمات السوشيال ميديا عامة أو الناشطات النسويات أو الصحفيات، فكتبت مقالين عن هذه المجموعات وتأثيراتها عن هذه المجموعات وتأثيراتها النفسية والعملية، "بعد التعرض للتشهير على المجموعات دي الستات بتضطر تقفل حساباتها وبيخسروا باب بيروجوا منه لكتابتهم الصحفية" تقول آية.
كتبت آية معتقدة أنها تؤدي واجبها الصحفي فقط، لكنّها لم تعرف أنها ستكون هي شخصيًا ضحية هذه المجموعات؛ انتقامًا من جرأتها على فضح حقيقتها.
تلقت آية تهديدات عبر حساباتها وحسابات عائلتها على السوشيال ميديا، كما استقبلت مكالمات هاتفية مجهولة المصدر، بهدف إسكاتها، تقول آية "الموضوع ده بالذات كان له رد فعل قوي لأنه كان بيفضح الشبكة دي، فمعداش بسهولة".
بعد نشر المقالين، وبمساعدة بعض أصدقاء آية؛ أُغلقت إحدى هذه المجموعات، لكنّها لم تقدم بلاغًا ولم تتخذ أيّ إجراء قانوني ضد حملات استهدافها، بسبب غياب النتائج الفعلية للبلاغات الرسمية.
تؤكد الصحفية إيمان عوف، عضوة مؤسِّسة لـصحفيات مصريات؛ وهي مجموعة من الصحفيات المهتمات بحقوق المرأة والصحفيات بشكل خاص، تكرار حوادث العنف الرقمي ضد الصحفيات والناشطات، بسبب تغطيتهن لقضايا تخص حقوق المرأة "مكنش آية بس كان في أكثر من حد تاني".
تقدم "صحفيات مصريات" الدعم للصحفيات اللواتي يتعرضن للعنف الرقمي؛ يشمل ذلك الدعم التقني من خلال مؤسسات متخصصة، أو الدعم النفسي من أطباء نفسيين متطوعين، بالإضافة إلى بيانات الدعم والمؤازرة، حسب الصحفية إيمان عوف.
أين الحل؟
يبقى السؤال الأهم، ماذا تفعل الصحفيات والناشطات عند تعرضهن للعنف الرقمي، أو لمن يتوجهن لطلب المساعدة؟
توصّلنا إلى عدة جهات تقدم الدعم للصحفيات اللاتي يتعرضن للعنف الإلكتروني؛ من بينها المرصد المصري للصحافة والإعلام، وهو مؤسسة مدنية مصرية، تهدف للدفاع عن الحريات الصحفية والإعلامية.
يضم المرصد وحدة قانونية تتولى تقديم الدعم القانوني للصحفيات، سواء أمام النيابة أو في المحكمة، بالإضافة إلى إمكانية تقديم أنواع أخرى من الدعم، حسب كل حالة، وفق أحمد عبد اللطيف المحامي بالاستئناف، الذي يعمل بوحدة الدعم القانوني بالمرصد.
فيما تظل نقابة الصحفيين في مصر، الجهة الرسمية التي يلجأ إليها الصحفيون والصحفيات عند تعرضهم لمثل هذه الحملات. الصحفية دعاء النجار، عضوة مجلس نقابة الصحفيين، ومقررة لجنة المرأة، تؤكد دور النقابة في تقديم مختلف أشكال الدعم للصحفيين والصحفيات، وتضيف "تتعامل اللجنة مع ملف العنف بكل أشكاله وأنواعه، كباقي المشكلات التى تتعرض لها الزميلات الصحفيات، سواء كن نقابيات أو غير نقابيات".
وأكدت دعاء أن النقابة ملتزمة بحماية الشاكيات وإخفاء هوياتهن عند تعرضهن لأيّ مشكلة، إذا رغبن في ذلك، مشيرة إلى أن لجنة المرأة تقدم دائمًا المساندة القانونية لجميع الزميلات، حال تعرضهن لمشكلة أو أزمة، بما يضمن حصولهن على حقوقهن كافة.
أين القانون؟
يمكن لضحايا العنف الرقمي اتخاذ المسارات القانونية عبر مباحث الإنترنت، غير أن هالة دومة المحامية لا تفضل طريق البلاغات خشية اختراق الخصوصية؛ "الشاكية بتفتح حساباتها على السوشيال ميديا على جهاز الضابط، عند تحرير بلاغ رسمي، وبتستخدم بريدها الإلكتروني وكلمة السر، عشان يقدر يفحص بنفسه الادعاءات الواردة، وياخد سكرين شوت" تقول هالة.
"في النهاية، تقوم النيابات بحفظ نحو 80% من البلاغات أو تتركها معلّقة بالشهور والسنوات، ثم تحفظها ونادرًا ما تصل هذه البلاغات إلى المحكمة"؛ حسب المحامية هالة دومة.
يمتد أثر العنف الرقمي على حياة النساء الشخصية والاجتماعية والمهنية، لأبعد من التهديدات والاعتداءات الإلكترونية، إذ يصل إلى تقييد حرية التعبير، وإسكات الأصوات النسائية التي تطالب بحقوقهن.