تصميم هشام عبد الحميد، المنصة
الابتزاز الإلكتروني

جرائم الابتزاز الرقمي.. في الإبلاغ نجاة

منشور الخميس 18 يوليو 2024

لم تكن ندى إبراهيم تعلم أن الأيام السعيدة التي عاشتها في علاقتها العاطفية ستصبح ذكرى أليمة، فمن عرفته وأحبته وانتظرت منه خطوة لارتباط رسمي، تحول إلى مصدر أذى مع استغلاله الصور التي أرسلتها إليه، في محاولة لابتزازها. 

ندى التي تبلغ من العمر 24 عامًا، كانت قد تعرفت على حبيبها السابق من خلال فيسبوك، كلاهما يدرس بجامعة الأزهر وتخصصهما مشترك، تطورت علاقتهما حتى تحولت قصة حب. 

لكن مع الوقت بدأت العلاقة في التوتر، تقول ندى لـ المنصة "كل شوية يتلكك على حاجة تافهة ويسيبني وبعد شوية يرجعلي بمزاجه، فقررت أنهي العلاقة". 

لم يقبل الشاب إنهاء العلاقة، وبدأ في ابتزازها بصور وفيديوهات شخصية سبق وأرسلتها إليه "يا إما ترجعيلي أو أبعت الصور لأهلك". الفيديوهات والصور لم تكن تحوي ما تخجل ندى منه، غير أنها، كما الكثير من الفتيات في مصر، يرضخن للابتزاز. 

الخوف يعطل البلاغات

رغم عدم وجود إحصاءات رسمية عن معدل جرائم الابتزاز الإلكتروني، فإن دراسة أعدتها لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، بالتزامن مع مناقشة قانون مكافحة جرائم المعلومات، كشفت عن أن شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول عام 2018 شهدا تقديم 1038 بلاغًا بجريمة إلكترونية منها جرائم ابتزاز، فضلًا عن حالات لا تصل إلى البلاغات بسبب طبيعتها التي تتصل بالشرف والسمعة وخوف الضحية من طلب المساعدة.

ويعد الابتزاز الإلكتروني نوعًا من أنواع العنف الرقمي، الذي تعتبره دراسة ميدانية أخطر أنواع العنف ضد النساء، وتُعرّفه الأمم المتحدة بأنّه أي عمل من أعمال العنف التي يتم ارتكابها أو المساعدة عليها أو تفاقمها باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ الهواتف المحمولة والإنترنت والسوشيال ميديا وألعاب الحاسوب والرسائل النصية والبريد الإلكتروني. 

تشير نتائج الاستبيان الذي أجرته مبادرة اتكلمي/speak up إلى ارتفاع نسبة ضحايا الابتزاز الإلكتروني من النساء مقارنة بالرجال؛ حيث بلغت نسبة الإناث 90% مقابل 10% من الذكور.

تتنوع ميول ودوافع المبتز، حسب نتائج هذه الاستبيانات، ما بين المقابل الجنسي الذي يمثل نسبة 47%، والدافع المادي بنسبة 19%، فيما تمثل بقية الدوافع الأخرى كالرجوع لعلاقة عاطفيّة بعد إنهائها، وإنهاء علاقات أخرى، والتنازل عن مناصب بنسبة 34%.

تتفق الدراسة مع دراسة مجلس النواب في قلة أعداد المبلغات عن جرائم العنف الإلكتروني، فلا تزيد نسبتهن عن 10% مقابل 90% لم يتقدمن ببلاغات رسمية.

غياب ثقافة الدعم من المجتمع والعائلة يجعل الابتزاز أداة طيعة في أيدي الرجال

كما ندى، تخشى الفتيات والنساء المشاركات في الدراسة من الفضيحة في حالات الإبلاغ، فضلًا عن عدم المعرفة الكافية بالمبتز، ومرور أكثر من ثلاثة أشهر على واقعة الابتزاز وغيرها.

تحت نظر القانون

يمنح القانون المصري حماية للجاني في الحالات التي تُعرف بجرائم الشرف، إذ إن هذه النصوص القانونية تشجع الأهل على ارتكاب فعل إجرامي بضمان أن العقوبة ستكون مخففة. الأمر الذي بدوره يشجع المبتز على تهديده بالابتزاز و/أو تنفيذ ابتزازه لعلمه أن فعله سوف يبقى دون عقاب إن لم يكن سيتُستر عليه من الأهل خوفًا من الفضيحة، حسب الدراسة.

"السّلطة الذّكورية تعطي دائمًا الاستحقاقات و المُبررات لهؤلاء المُبتزّين؛ لممارسة العنف الرقمي ضد النساء والفتيات بمختلف أنواعه دون محاسبة أو عقاب لهم" تقول مي صالح الباحثة في قضايا الجندر والنوع الاجتماعي لـ المنصة.

كما ترى مي أن غياب ثقافة الدعم للضحايا خوفًا من الوصم المجتمعي، في مقابل ما يتمتع به الرجال من حماية زائدة، "يجعل الابتزاز أداة طيعة في أيدي المبتز".

وهو ما شجع خطيب مروة محمد السابق على ابتزازها من خلال محادثات ماسنجر. كانت الفتاة ذات الـ25 سنة قد لجأت في فترة خطوبتها إلى حساب طبيبة على فيسبوك لسؤالها عما يشغلها حول العلاقة الزوجية، ففي مجتمع يحرم الفتيات من زيارة طبيبة النساء، لا يجدن أمامهن سوى السوشيال ميديا للحصول على معلوماتهن الجنسية، لتكتشف مروة بعد مرور الوقت أن خطيبها السابق أنشأ حسابًا مزيفًا باسم طبيبة وبدأ في ابتزازها.

تقول مروة ابنة محافظة الغربية لـ المنصة "اتخدعت في الاسم بتاع الأكاونت كان بتاع دكتورة نسا من بلدنا، ولما لقيته باعتلي طلب صداقة قبلته وبدأت الحوار، بعدها لقيت كل الحوار اللي بينا مبعوت لخطيبي الحالي". لم يتوان خطيبها عن فسخ الخطوبة، فيما رفضت عائلتها التقدم ببلاغ خوفًا من الفضيحة "جابوا اللوم عليَّ إني اتكلمت في المواضيع دي، ماحاولوش يفهموني". 

دورة حياة الابتزاز

تمثل قصة مروة دورة حياة الابتزاز الإلكتروني؛ تحدث واقعة الابتزاز، ومع غياب ثقافة التعامل مع مثل هذه الوقائع، والخوف من الفضيحة، تتكتم الضحية على الأمر، وفي حال محاولة الضحية المواجهة، تُصبح عُرضةً للتكذيب و إلقاء اللوم عليها، وتوبيخها بل والتنمر عليها.

أما إذا نجحت الضحيّة في الوصول بروايتها إلى مباحث الإنترنت؛ فإنها ستتبع سلسلة من الإجراءات والتعامل الأمني محدود الخبرة مع مثل هذه الجرائم الإلكترونيّة. 

القانون قد يؤدي في نهاية المطاف إلى براءة المُبتزّ

تنص المادة 57 من الدستور المصري على أن للحياة الخاصة حُرمة وهي مصونة لا تُمسّ، والمراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها، وسيرتها مكفولة ولا يجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محدودة. 

كما ينص قانون مكافحة جرائم المعلومات في الفصل الثالث المختص بالجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع في المادة 25 على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصري أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته.

غير أن انتصار السّعيد، المحاميّة الحقوقيّة ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، ترى أن هذا القانون ليس منصفًا بصورة كاملة، تقول لـ المنصة "به عُيوب تؤدي في نهاية المطاف إلى براءة المُبتز وتصبح النساء والفتيات الضحايا في وضع إدانة، وربما تقودها إلى التخلص من حياتها كواقعة نيرة". 

تُطالب انتصار بصُدور قانون مُوحّد لتجريم كافّة أشكال العنف الرقمي المُوجّه ضد النساء، وهو ما يضمنه مشروع القانون الموحد لمواجهة العنف ضد المرأة، الذي يتضمن نصًا يُعاقَب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل من تحرش بالغير عن طريق التّتبع، أو الملاحقة، سواء كانت بالإشارة، أو بالقول، أو الكتابة، أو وسائط الاتصال الحديثة، أو بأي وسيلة أخرى؛ بإتيان أفعال غير مرحب بها تحمل إيماءات، أو تلميحات جنسية، أو إباحية في مكان عام أو خاص.

مبادرات مجتمعية

تعمل بعض مؤسسات المجتمع المدني من خلال مُبادراتٍ وبرامج تدريبية على السلامة الرقميّة؛ حتى لا تصبح النساء فريسة لهذه الجرائم، كما تتلقى البلاغات والشكاوى الخاصة بالعنف الإلكتروني، فيما أسس المجلس القومي للمرأة وحدة مختصة لمناهضة العنف ضد النساء.

كما ظهرت العديد من المبادرات الفردية التي تعمل على مواجهة جرائم الابتزاز الإلكتروني مثل قاوم، التي لجأت إليها ندى لتخليصها من "ورطتها". 

الإبلاغ أول وسيلة تضمن للضحية الأمان والحرية

أُنشئت المبادرة في منتصف عام 2020، من أجل محاربة الجرائم الإلكترونية بشتى صورها؛ من تشهير، ابتزاز ، سب، و قذف حسب محمد اليماني، مؤسس المبادرة لـ المنصة.

يقول "تدعم المؤسسة النساء لكسر خوفهنّ، وتشجيعهن على الإبلاغ حتى تنتهي كافة التهديدات التي يتعرضن لها؛ فالإبلاغ هو أول وسيلة تضمن للضحية الأمان والحرية"، كما تعمل المبادرة على توعية النساء بالجرائم الإلكترونية بشكل مستمر. 

تواصلت ندى مع صفحة "قاوم"، التي ساعدتها على حل مشكلتها في سرية تامة، وتابعت معها الخطوات بدأت بتحرير محضر بالواقعة مع التهديدات المُسجّلة للشاب، غير أن خوف ندى كان أقوى منها ما دفعها لطلب حل المسألة بشكل ودي، وهو ما تتيحه المبادرة في حال طلب المتضررة ذلك.

"خفت مع طول الإجراءات أهلي يعرفوا بالواقعة، فطلبت من الأدمن إنها تخلص الموضوع بشكل ودي، اتواصلوا معاه وهددوه باستكمال إجراءات المحضر وخاصة إن معانا أدلة، وقدروا يخلوه يمضي على إقرار بعدم التعرض، والاعتذار في مقابل التنازل عن المحضر".

انتهت أزمة ندى مع الابتزاز والتهديدات بعد حصولها على مساندة المبادرة، بينما تترك هذه الجريمة ندبات دائمة في روح الضحايا، مع إفلات المجرم من العقاب وغياب دوائر الدعم في الأسرة والمجتمع.