"هما كانوا بيتناقشوا راح ضربها ماتت، عادي، وأنا متنازلة عن حق بنتي، لابني عشان ما كانش قصده" قالت الأم أمام قاضي محكمة جنايات الفيوم في يونيو/حزيران الماضي، محاولةَ استعطافه من أجل ابنها المتهم بقتل أخته. في الفيديو المتداول من الجلسة ظهر القاضي منفعلًا في رده على الأم وهو يقول"يعني هي ماشية شمال يروح يموتها؟ هو ربنا عشان يحاسبها؟ ليه يموتها؟".
انتهت الجلسة بصدور حُكم بالسجن المؤبد 25 سنة مع الأشغال الشاقة، ولم يمر شهران إلا وخفف الحكم إلى 15 عامًا في جلسة استئناف عُقدت في السابع من سبتمبر/أيلول الماضي.
هذه الحالة ليست استثناءً، إذ يُعتبر تخفيف أحكام القتل عُرفًا متبعًا في القضايا الشبيهة لجرائم العنف الأسري في مصر، التي يكون ضحاياها من النساء ينصب عليهن غضب أب أو افتراء زوج أو تمادي أخ في تعذيبٍ يفضى لموت.
تستند هذه الأحكام القضائية إلى قوانين تميل لتخفيف عقوبة الجرائم المرتبطة بالشرف، وتراعي الحالة النفسية التي كان يمر بها الجاني وتنظر بعين العطف لأسرته التي يعولها أو ظروفه الشخصية وصغر سنه، أو تأتي استجابة لتنازل ذوي الضحية عن الحق المدني للحفاظ على مستقبل الجاني، كما في الواقعة التي شهدتها محافظة الفيوم.
تميل الأمهات إلى التنازل عن الحق المدني، إذ سبق وتنازلت أمُّ فتاةٍ ماتت حرقًا على يد أخيها في المنصورة بعد خلاف على الميراث، لتقف الأم بين يدي القاضي مطالبة بتخفيف الحكم المؤبد عن الجاني.
زيادة ملحوظة
حسب تقرير مؤسسة إدراك، ترتفع سنويًا جرائم العنف الموجه ضد النساء، وتتنوع ما بين القتل والشروع في القتل، والاغتصاب والتحرش الجنسي، والضرب المبرح، والابتزاز بشقيه المالي والجنسي، والعنف أحيانًا، ما يدفع بعض الفتيات للإقدام على الانتحار، خاصة الصغيرات في السن.
صنّف التقرير الجرائم حسب صلة القرابة بين الجاني والضحية، فقُتلت 5 نساء على يد أحد أفراد العائلة بسبب الخلاف على الميراث، وسُجلت 33 واقعة قتل بسبب الخلافات الزوجية، و8 جرائم قتل ارتكبت ادعى فيها القاتل المرض النفسي بهدف الإفلات من العقوبة، و4 جرائم بسبب خلافات الضحية مع طليقها، و4 قتلن بسبب رفضهن الزواج، و72 فتاة وامرأة قتلن على يد زوج أو أخ أو أب أثناء الضرب المبرح، كما أن 9 من جرائم القتل كانت بسبب الشك في الضحية، ويضيف التقرير ملحوظة "أن هذه الجرائم المعروفة باسم جرائم الشرف غير مصحوبة بدليل مادي وإنما مجرد ادعاءات من الجاني لتخفيف العقوبة".
وأظهرت البيانات المتاحة التي جُمعت في تقرير أعلنت عنه الأمم المتحدة في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أنه على مستوى العالم قُتلت 85 ألف امرأة عمدًا في عام 2023. وارتُكبت 60% من جرائم القتل هذه، أي 51 ألف جريمة، على يد شركاء حميمين أو أفراد آخرين من الأسرة.
لا يسلم الشرف
تأخذ جرائم الشرف حيزًا كبيرًا من دوافع القتل في الجرائم الأسرية، ويتدرج الدافع من مجرد شك فينفعل الجاني غضبًا ويقتل زوجته أو أخته أو ابنته، إلى أن يصل لعثوره على دليل لعلاقتها برجل فيقتلها فورًا دون تفكير.
يقف القانون إلى جانب الرجل في قضايا الشرف؛ يوضح الدكتور مصطفى السعداوي أستاذ القانون الجنائي في جامعة المنيا لـ المنصة أن "القانون ينص على أن كلَّ من فاجأ زوجته بالزنا وقَتَلها يُعاقب بالحبس"، أما لو حدث العكس وفاجأت زوجها بالزنا وقتلته فلن تتمتع بالظروف المخففة للعقوبة التي يتمتع بها الزوج. أما إذا قام رجل برفع دعوى زنا على زوجته وأثبت التهمة ستعاقب بالحبس سنتين، وإذا قامت زوجة برفع دعوى زنا على زوجها فأقصى ما يواجهه هو 6 شهور حبس وربما تخفف لغرامة".
ويضيف السعداوي "يستطيع الزوج إثبات الزنا في أي مكان على الزوجة، بينما هي لا تستطيع إثبات الزنا إلا في فراش الزوجية".
فيما ينفي الدكتور أسامة عبيد أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة وجود ما يُعرف بـ"جرائم شرف في القانون"، ويوضح لـ المنصة "هناك ما يُسمى بالدفاع الشرعي عن العِرض، ويقال عنه سبب الإباحة، فمثلًا لو اعتدى شخص على سيدة أو فتاة ودافع عنها آخر حتى وإن لم تكن تقرب له، فيسمى سبب الإباحة".
غير مُلزم للقاضي لكنه يفضله
سبب الإباحة يفتح الباب لتخفيف الأحكام، الذي يكون "بشكل تقديري من القاضي وغير مُلزم" حسب دكتور عبيد، ويفرق بين نوعين من جرائم القتل؛ عمدية ويتوفر فيها الركن المعنوي والقصد الجنائي، وغير عمدية وهي القتل الخطأ أو بسبب الإهمال، وتتدرج العقوبات بدءًا من 3 لـ15 سنة حبس، ووصولًا للمؤبد والإعدام شنقًا، وقد تنخفض العقوبة لثلاث سنوات وأحيانًا لـ24 ساعة أو حتى غرامة، وهذا يكون في حالات الاستفزاز مثل جرائم القتل في حالة الزنا والتي تنخفض للحبس البسيط.
"وتخفيف الحكم قد يحدث في أي درجة من المحاكمة، وتعود بالكامل للقاضي الذي يستوضح بنفسه مدى توافر ظروف التخفيف، والتخفيف مذكور في المادة الـ17 من قانون العقوبات التي تفصل كيفية تطبيق الرأفة"، يقول عبيد.
ويوضح أن الرأفة أو تخفيف الحكم يأتيان إجابةً لأسئلة من قبيل هل هو شاب صغير في مقتبل العمر أم رجل كبير وناضج؟ هل هي أول مرة يقتل لقلة ثقافته وتعليمه، أم هو شخص متمرس وسبق له القتل؟ هل لديه خطورة إجرامية أم لا؟ كما ينظر القاضي لحجم الضرر المترتب على الجريمة، هل من الممكن إصلاح الضرر وتجاوزه أم هو فادح، كل هذه الأمور والجوانب ينظر لها القاضي بشكل غير ملزم وغير واجب.
قد يتأثر القاضي باستعطاف الأم التي ترجوه ليخفف عن الزوج أو الابن الحكم، ليبرز السؤال كيف تهون البنت على أمها؟ كيف تتسامح مع قتلها؟ يُجيب الدكتور إيهاب الخراط استشاري الطب النفسي بجامعة القاهرة لـ المنصة بأن "الأم التي تدافع عن ابنها أو زوجها تحكُم تفكيرها الذكورية التي لا ترى غضاضة في ضرب الأخ لأخته أو الأب لابنته".
ويوضح الاستشاري أن الأم في هذه الحالة تعيش بداخلها صراعًا، أو ما أسماه بـ"المساومة؛ فهي فقدَت ابنة وتريد الحفاظ على الابن/الزوج، وكثيرًا ما يتعاطف القضاة مع هذا الموقف".