"البنت عيب تعرف حاجة عن الجنس قبل الزواج" هكذا عبرت رحمة بدوي(*)عن مشكلتها ومشكلات كثير من النساء غير المتزوجات في القرى والأقاليم في أنحاء مصر.
"أمي كانت بتتكسف وعمرها ما اتكلمت معايا عن أي حاجة لها علاقة بالجنس. حتى يوم جوازي نصحتني نصايح بسيطة مفهمتش منها أي حاجة"، تضيف رحمة ذات الخمس وثلاثين سنة.
تعيش رحمة في قرية صفط اللبن التابعة لمحافظة الجيزة، اختبرت توترًا في علاقتها الزوجية، نتيجة نقص معلوماتها حول الحياة الجنسية، على الرغم من تخرجها في إحدى الكليات العلمية.
تلخص رحمة سبب مشكلتها، وتشرح ما تشترك فيه مع بنات قريتها، وربما البنات عمومًا، في أنها لم يكن مسموح لها بالتحدث عن الجنس، أو تلقي أي معلومة عن الحياة الجنسية قبل الزواج، ولم يكن لديها مصدر موثوق تستقي معلوماتها منه.
يعد تثقيف النساء جنسيًا من المحرّمات في المجتمع المصري، لا يوليه الآباء أو المدارس الاهتمام اللازم، بل يتعمدون كثيرًا تجاهل التحدث عن المواضيع الجنسية، ورغم الانفتاح المعلوماتي التي يعيشه العالم اليوم، فالمرأة في الأقاليم المصرية وبعض المناطق الشعبية، تُحرم من تلقي معلومات وافية عن الجنس، خاصة لو كانت فتاة لم تتزوج بعد.
ترجع دكتورة منى رضا، أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس، واستشارية الطب الجنسي، ما تطلق عليه الجهل الجنسي إلى امتناع الآباء عن تثقيف البنات جنسيًا، والنابع من خوفهم الدائم بأن المعرفة تقترن بالممارسة.
فيما تؤكد أن المعرفة هي البداية الصحيحة لفهم الجسد ورغباته، وبالتالي تقبله وحمايته، تقول الدكتورة منى لـ المنصة "كثير من النساء تربين على الخوف من أجسادهن، من لمسه، أو حتى النظر إليه في المرآة"، ويظهر تأثير ذلك في التعامل مع الجسد، والذي قد يؤدي في بعض الأحيان إلى اضطرابات نفسية.
توضح الدكتورة منى "قد تسيطر مشاعر كراهية للجسد، وتتولد عنها رغبة مستمرة في تغييره، أو كره العملية الجنسية، وقد يؤدي لاضطرابات نفسية من ضمنها اضطراب تشوه الجسد".
خطر الجهل
تُمثل نسبة الشباب في مصر تحت سن 29 عامًا 62% من السكان، النسبة الأكبر منهم فتيات بحسب تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان لعام 2020. أولئك الفتيات لا يعرفن شيئًا عن أجسادهن، فمعلومات مثل وظائف الأعضاء التناسلية، والبلوغ، والأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، والحماية من فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، والحقوق الجنسانية والجنسية والإنجابية وغيرها لا تصل إلى الشباب على النحو الصحيح وفقًا لدراسة أجرتها وزارة الصحة المصرية في 2015.
مع بلوغ أميرة سن الخامسة عشر، بدأت والدتها تعليمها عن العذرية والحفاظ على غشاء البكارة
كما تكشف دراسة أجراها المجلس القومي للسكان المصري بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة تحت عنوان "كسر حاجز الصمت: التعرف على الصحة الجنسية والإنجابية للشباب في مصر"، عن ضعف المعلومات التي تصل إلى الفتيات والنساء والمتعلقة بحياتهن الجنسية، إذ يتجنب 60% من الآباء المصريين التحدث حول الثقافة الجنسية مع أبنائهم خوفًا من الانحراف أو ممارسة الجنس قبل الزواج، وأن 34% فقط من المراهقين استقوا معلوماتهم عن البلوغ من والديهم. بينما أصيبت أكثر من 60% من الشابات بالصدمة عندما مررن بدورتهن الشهرية الأولى.
وهذا ما مرت به العشرينية أميرة محمد(*) "عشت مرحلة البلوغ وماما ماكلمتنيش عن حاجة خالص، الرغبة في المعرفة خلتني أدور ع المعلومات من النت". أخذها عالم الإنترنت إلى مواقع مختلفة مملوءة بمعلومات مغلوطة، "أدمنت العادة السرية".
مع بلوغ أميرة سن الخامسة عشر، بدأت والدتها تعليمها عن العذرية والحفاظ على غشاء البكارة، تقول أميرة "اترعبت وماكنتش عارفة أقولها إيه اللي حصلي، وبعد شهور عايشة في خوف وتوتر قررت أحكيلها، رد فعلها كان عنيف، وثارت عليا، بس مع الوقت هديت واعترفت بغلطتها إنها ماحكتش معايا من أول الدورة ما جتلي".
ترى منى رضا، استشارية الطب الجنسي، أن التجهيل الجنسي للفتيات ينعكس على حياتهن مع شركائهن بشكل كبير، تقول "الجهل هو السبب الرئيسي في حالات الزواج المبكر والحمل والإجهاض لدى المراهقات وارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا".
وعليه فنشر التثقيف الجنسي في سن مبكر لدى الفتيات يساهم بشكل فعال في حمايتهن، ويزيد من الثقة بالنفس ويصحح المفاهيم الخاطئة لديهن عن الجنس. فعلى سبيل المثال "كثيرات تعتقدن أن ممارسة الجنس مرتبطة بالألم" توضح استشارية الطب الجنسي.
التثقيف الذاتي
كما أن تجاهل الآباء تثقيف بناتهن يخلق لديهن رغبة متزايدة في المعرفة، قد تدفعهن للبحث، عبر وسائل مختلفة فيقعن في الطريق الخطأ، ترى الدكتورة ماجدة سليمان، مديرة برنامج الحقوق والصحة الإنجابية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية "أن الأطفال في وقتنا الحالي في أشد الحاجة للمعرفة، لإشباع فضولهم لاكتشاف جسدهم وتكوينه، وتدريبهم منذ الصغر على حماية خصوصية أجسادهم بما يحميهم من التحرش أو الانتهاك الجنسي، والذي يحدث في كثير من الأحيان بسبب نقص التربية الجنسية".
ذلك النقص في المعلومات الجنسية كان سببًا في أول "علقة" تتلقاها مُهجة إبراهيم(*) في طفولتها "أول علقة خدتها في حياتي كان لأني سألت مدرس العلوم بتاعي الطفل بيتولد إزاي، هو انكسف يقولي وكان باين عليه الإحراج جدًا، ولما أمي عرفت قلبت الدنيا وضربتني علقة سخنة وقالتلي اتعلمي إللي موجود في الكتب وبلاش قلة أدب".
وتتذكر مُهجة التي تعيش في إحدى قرى القليوبية "مبطلتش فضولي وكان حمام البنات بيجمعني أنا وصحباتي، نحكي عن الجنس" غير أنها وصفت ما كن يتداولنه بـ "سذاجة مراهقين".
لم تنته سلسلة المعلومات المغلوطة بزواج الفتيات، فانتقلت الجلسة من حمام المدرسة لسطح البيت، حيث كانت مُهجة تجلس مع صديقاتها المتزوجات تحكي كل منهن تجربتها مع زوجها، والآلام التي يشعرن به أثناء العلاقة الجنسية، وترسخ في ذهن مُهجة ارتباط الجنس بالألم.
تربط مهجة بين ما تلقته من معلومات، وما عانته في بداية زواجها تقول "حصلي تشنج مهبلي، من أول يوم واستمر سنين بعدها، وكشفت وعرفت إنه نفسي مش عضوي"
تُرجع مديرة برنامج الحقوق والصحة الإنجابية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية التضليل المعلوماتي الذي تقع فيه الفتيات في هذه السن، إلى الجوع للمعرفة، الذي يدفع بهن إلى "مواقع يديرها غير المتخصصين، تستغل الجهل الجنسي والفضول وتقدم معلومات مضللة وسطحية وقد تضر أكثر مما تفيد" تقول دكتورة ماجدة.
تؤمن دكتورة ماجدة أن السبيل الوحيد لتجاوز هذه المشكلة، هو إتاحة المعلومة الصحيحة من الأطباء المختصين، مع تدريب الأهالي على كيفية تربية أبنائهم جنسيًا، وكسر حاجز الصمت بين الآباء وأولادهم بشأن الموضوعات الجنسية، خاصة للفتيات المراهقات وغير المتزوجات.
تشير دكتورة رضا إلى أهمية تعليم الأطفال عن الجنس، التي تبدأ بتعريف الطفل بجسده عن طريق استخدام تعبيرات وأوصاف طفولية، وتضيف "فيه ناس بتستخدام كلمات وألفاظ بذيئة توحي بأنه شيء مبتذل وغير أخلاقي، حتى أن الكلمات المتعلقة بأجساد النساء تستخدم كسُبة بذيئة".
مبادرات التوعية
في حين تحاول بعض المؤسسات سد هذه الفجوة بين المراهقات والثقافة الجنسية، عقدت مؤسسة قضايا المرأة بروتوكول تعاون مع وزارة التربية والتعليم، يسمح بالدخول لأكثر من 155 مدرسة في محافظات مختلفة بجميع المراحل التعليمية، كما توضح دكتورة ماجدة.
تعمل المؤسسة على تقديم جلسات توعوية عن الصحة الجنسية والإنجابية، كما تنظم دورات لتأهيل المعلمين والمعلمات والأخصائيين الاجتماعيين لتوصيل المعلومة للطلاب، وورش وجلسات أخرى للأمهات والآباء في كيفية تربية أبنائهم وبناتهم تربية جنسية سليمة حسب الفئة العمرية، وكسر تابو العيب والخجل بكل ما يخص الحديث عن الجنس.
كما تنشر الدكتورة ماجدة فيديوهات عبر قناتها الخاصة على يوتيوب للتوعية بالثقافة الجنسية، تستهدف الأمهات والأطفال. تقدم محتوى متنوع من رسوم متحركة، وقصص للأطفال، ومحادثات طبية للأمهات لتثقيفهن في موضوعات الصحة الجنسية.
كانت وزارة التربية والتعليم المصرية قررت في سبتمبر/أيلول الماضي دمج مفاهيم التربية الجنسية والتحرش الجنسي والعنف الجسدي، ضمن مناهج التعليم الأساسي، بعد حذفها من المقررات الدراسية في المرحلة الإعدادية والثانوية عام 2010.
كما تخطط الوزارة لتوفير كتيبات تهدف "للتوعية بمخاطر السلوكيات غير السوية والتحرش الجنسي"، وغيرها ونشرها في أماكن تجمع الأطفال والمراهقين.
بدورها قررت رحمة التي أصبحت اليوم أمًا لولدين، البحث عن مصادر مختلفة لتثقيف نفسها جنسيًا، عبر متابعة أطباء متخصصين، والالتحاق بدورات تدريبية مختلفة من مصادر موثوق فيها لتكون أكثر وعيًا، وتصبح قادرة على نقل هذه المعرفة لولدَيها فيما بعد، وأثر ذلك أيضًا في علاقتها الجسدية بزوجها، التي أصبحت أكثر استقرارًا.
(*) أسماء مستعارة بناء على رغبة أصحابها