تصميم: سيف الدين أحمد، المنصة 2025
الولادة القيصرية

بالتوعية والميكنة.. خطة الصحة لإجهاض بيزنس "القيصرية" في مصر

منشور الخميس 18 أيلول/سبتمبر 2025 - آخر تحديث الخميس 18 أيلول/سبتمبر 2025

بينما كانت وزارة الصحة تطلق مبادرتها لتعزيز الولادة الطبيعية وتقليل الولادات القيصرية بنهاية أغسطس/آب الماضي، وُلد حفيدان جديدان لحميدة عبر عمليتين قيصريتين داخل منشآت طبية خاصة.

لحميدة عبد الواسع سبعةُ أبناء وضعتهم جميعهًا بولادات طبيعية على عكس زوجات أولادها الذكور، اللاتي وضعن جميع أبنائهن بعمليات قيصرية. 

لا تعرف الجدة ذات الـ68 عامًا متى حدث التحول من الولادة الطبيعية "زي ما ربنا خلقنا"، إلى القيصرية "كنا بنسميها شق البطن" تقول لـ المنصة، وتدلل على عدم تقبل جيلها لعمليات الولادة عبر "شق البطن" بأن "الست اللي كانت تولد قيصري كانت تصعب علينا".

وسجلت مصر نسبة 10% ولادات قيصرية في عام 2000، ثم أخذت النسبة في الزيادة التدريجية مع ميل الأطباء للجوء إليها دون حاجة طبية لتصل عام 2008 إلى 28%، لتستمر في التغول حتى بلغت 72% في 2022، ما دفع وزارة الصحة والسكان لإطلاق مبادرة لتخفيض عدد الولادات القيصرية في مصر.

البعض يفضلها قيصرية

تصميم: يوسف أيمن

ما تراه حميدة من مزايا للولادة الطبيعية، لم تستوعبه أسماء فهمي، زوجة ابنها الأوسط، التي ولدت بثلاث عمليات، وترى أن "القيصرية نجدة للستات من ألم الطبيعي" كما تقول لـ المنصة.

وضعت أسماء ابنة الـ25 عامًا حملها الأول عندما كانت في الـ17 من عمرها في مستشفى الجلاء؛ "أمي قالت للدكاترة عايزين قيصرية البنت صغيرة مش هتستحمل الطلق"، مشيرة إلى أنها لا تعرف ماذا إذ كان توليدها بالقيصرية جرى استجابةً لرغبة والدتها، أم لدواعٍ طبيةٍ بناءً على أشعة القلب الخاصة بها التي عرضتها على الأطباء قبل العملية.

ترى أسماء نفسها محظوظةً لأنها أجرتْ عملياتها الثلاثة قبل الاشتراطات المنظمة للولادة القيصرية التي تضمنتها المبادرة، على عكس نساء أخريات حوامل يصيبهن الفزع حاليًا من تداعيات "القرار الجديد" عليهن، من بينهن ولاء جمال، 30 عامًا، التي تعاني من "فوبيا الولادات الطبيعية ومش متخيلة نفسي همر بتعبها"، تقول لـ المنصة.

ليس التعب وحده ما يؤرق ولاء التي زارت مكتب الصحة للحصول على حقنة التيتانوس في شهرها السادس من الحمل، فـ"الأزمة الأكبر أن الولادات الطبيعية بتبوظ مكان الولادة عند الست، ودلوقتي كمان بقى الدكاترة بتستسهل وتعمل شق عجان".

تتذكر سونيا مصطفى وهي التي سبق وولدت 3 من أبنائها طبيعيًا، كيف تأثرت بالآراء المنتشرة على السوشيال ميديا عن مميزات العمليات القيصرية؛ "ولدت 3 مرات طبيعي وجالي في ولاداتهم البواسير، بعد عشر سنين من آخر ولادة لقيت نفسي حامل، كنت بشوف الستات بتشكر في القيصري وكنت من جوايا بقول لو أجرب".

وعندما أخبر الطبيب سونيا (37 سنة) بتوليدها قيصريًا "عشان سني كان كبير، ما اعترضتش". لكنها اليوم، وبعد عام من الولادة، تقر بأن "القيصرية أسوأ حاجة ممكن تعدي بيها ست في حياتها"، تضيف لـ المنصة "البنات الصغيرين بيفرحوا بالقيصرية وشايفين مشاكلها عادية، لكن أنا بعد ما جربت الاتنين عرفت إنهم فرحانين عشان ما جربوش الولادة الطبيعية، ما جربوش إزاي تولدي وتقومي تمشي عادي".

الأولى في شق البطن

يفيد المسح الصحي لعام 2021 بأن 7 من كل 10 مواليد أحياء خلال الخمس سنوات السابقة على إجرائه ولدوا قيصريًا، وأن اللاتي يلدن في منشأة صحية خاصة يكن أكثر عرضةً للعمليات القيصرية من نظرائهن في المستشفيات الحكومية بنسبة 81%.

يتزامن الارتفاع المسجل في مصر مع زيادة عالمية في العمليات القيصرية، إلا أن وزارة الصحة تقول إن الأرقام تضع مصر في المركز الأول عالميًا في العمليات القيصرية، وتقدر منظمة الصحة العالمية النسب الأعلى التي يمكن أن تصل إليها الولادات القيصرية من 10: 15%، فيما تسجل مصر زيادة 57% عن المعدلات المقبولة.

وتتبني الأوساط الطبية والحقوقية عالميًا ومحليًا خطابًا مناهضًا للقيصريات غير المبررة، التي تحولت من جراحة يلجأ إليها الأطباء لإنقاذ حياة الأم أو الجنين حين يتعسر المسار الطبيعي للولادة، إلى عمليات من المفترض ألا يُلجأ إليها إلا للضرورة لارتباطها بزيادة مخاوف إصابة الأطفال بالتوحد والسمنة.

وعليه فرضت وزارة الصحة ضمن مبادرتها الأحدث إجراءات رقابية على المنشآت الصحية الخاصة التي تجري بها أكثر من 70% من الولادات القيصرية، وإلزامها بتقديم "تقارير إحصائية شهرية مفصلة تشمل إجمالي عدد الولادات في كل منشأة، ونسبة الولادات القيصرية وتصنيفها وفقًا لنظام روبسون

كما تلزم المنشآت الخاصة بتفسير أسباب لجوئها للولادة القيصرية، باستخدام بيانات البارتوجرام، الذي يساعد الطبيب على اتخاذ القرارات السليمة في وقتها، وتقليل العمليات القيصرية العشوائية.

جهود سابقة

إعلان توعوي بخطورة العمليات القيصرية منشور على الصفحة الرسمية لوزارة الصحة والسكان على فيسبوك، سبتمبر 2025

سبقت المبادرة المطروحة حديثًا محاولاتٌ من وزارة الصحة، من ضمنها توجيهات أصدرتها في 2022 للحد من العمليات القيصرية إلا أنها لم تفرض آليات إلزام.

أما ما يميز المبادرة الحالية التي حددت آليات رقابة على المنشآت الخاصة تتضمن تقديم تقارير دورية وتفسيرات علمية لكل عملية قيصرية، ليبقى السؤال هو كيف ستُلزمها الوزارة بتقديم التقارير، وما ضمانة ألا تكون هذه التقارير مفبركة؟

تشدد الدكتورة عبلة الألفي، نائبة وزير الصحة والمشرفة العام على المجلس القومي للسكان على أن الوزارة ستستخدم الميكنة وسيلة لفرض الرقابة، "هيكون في سيستم بين الوزارة والمراكز الخاصة تُسجل عليه تطور الحالات. ويُمكِّن الوزارة من متابعة تخطيط الولادات، ومعرفة مدى التزام المراكز بالأدلة الإرشادية"، تقول لـ المنصة.

وتشير إلى أن ذلك سيكون من خلال "لجان متخصصة من أساتذة واستشاريين تقوم بجولات تفتيش مفاجئة؛ للمقارنة بين عينات عشوائية من الحالات المسجلة على السيستم والتقارير المقدمة، للتأكد من دقة البيانات".

انخفاض تدريجي

تقر الدكتورة عبلة الألفي بصعوبة تحقيق الهدف الذي وضعته الوزارة المحدد بمدى زمني حتى 2027 لإتمام الاستراتيجية الوطنية لدعم الولادات الطبيعية، موضحة أنه خلال هذه الفترة "بنستهدف انخفاض تدريجي؛ بنهاية 2025 هدفنا نوصل لـ50% للولادات القيصرية في المستشفيات الحكومية، مع الوصول في العمليات القيصرية للحالات البكرية إلى 40%". 

تتابع "على آخر 2026 عايزين نوصل لـ60% من الولادات تكون طبيعي، مع تخفيض القيصري في البكرية إلى 35%"، على أن يكون الهدف النهائي في 2027، "40% من الستات مروا بولادات قيصرية متعددة و30% للولادة البكرية".

أما المراكز الخاصة، فأوضحت أن المحدد لها "60% قيصرية مقابل 40% للطبيعي بنهاية 2025، وفي 2026 عايزين نوصل لـ50%، ثم 40% قيصرية بنهاية 2027". وتجزم بأننا "لو وصلنا للنتائج دي سهل نوصل لـ10 و15% اللي محدداهم منظمة الصحة العالمية".

من أجل تحقيق ذلك تعتمد استراتيجية الوزارة، حسب عبلة، على ستة محاور، هي "التدريب، القبالة، توفير الأجهزة والأدوية المطلوبة، رفع الوعي المجتمعي عن طريق المشورة الأسرية بكل المنشآت  الطبية، دور مساعدة الولادة/الدولا، الرقابة والمتابعة العلمية والميكنة".

تظبيط الورق أو رفع الأسعار

الدكتورة عبلة الألفي، نائبة وزير الصحة والسكان خلال زيارتها الميدانية لمحافظة سوهاج، لمتابعة تنفيذ الخطة الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية، أغسطس 2025

في المقابل، يرفض أحمد محروس، طبيب النساء والتوليد بمحافظة سوهاج ومالك أحد مراكز الولادة، "الروايةَ الشريرة عن أطباء النساء"، واصفًا إلزام المراكز الخاصة بالولادات الطبيعية ضمن المبادرة بـ"التضييقات على وضع متحملينه بالعافية"، مقرًا في الوقت نفسه بأن "أضرار الولادة القيصرية على المدى البعيد كتيرة، لكن أنت في وقتها ريحت دماغك ومشيت الحالة". 

يشكك محروس في قدرة إجراءات الوزارة على إثناء المنشآت الطبية الخاصة عن الولادات القيصرية غير المبررة، معقبًا "الورق هيتظبط، الورق تحت إيد الدكتور مافيش ما يمنعه إلا ضميره". 

يعدد طبيب النساء لـ المنصة خيارات المراكز حال لم تلجأ إلى "تظبيط" الورق،  قائلًا "اللي هيلتزموا بالولادات الطبيعية هيرفعوا سعر الخدمة"، مفسرًا "عشان يقدروا يعينوا تمريض مُدرب، ويجيبوا الأجهزة الضرورية في الولادات الطبيعية، ويقدر يأخد مقابل يساوي ربع أو نص مجهوده". 

يشير محروس للمجهود الذي تستلزمه الولادة الطبيعية التي لا تقدر ماليًا بشكل كافٍ، إذ يتقاضى 3000 جنيه في الطبيعي، رغم أن السعر المقبول يتراوح بين 200 و300 دولار (حوالي 10: 15 ألف جنيه) "عشان الدكتور يقعد قدام الحالة بالـ8 و12 ساعة ويجيب طبيب أطفال وتخدير"، معقبًا "دا سعر أقل من العالمي".

يختلف سعر الولادة الطبيعي، حسب المكان، لكن العادة جرت على أن تكون أقل من القيصرية باعتبار أن الثانية عملية جراحية، لذا يتوقع صاحب مركز الولادة أن تظل أغلبية المراكز على نفس معدلات الولادة القيصرية "وهتشوف الوضع هيرسي على إيه حتى لو قفلوه هندور على فرصة سفر أو نعمل كارير شيفت"، معبرًا عن عدم رضاه عن الوضع الحالي "فاتح من 10 سنين مش بدخل 2000 ولا 1500 دولار شهريًا"، وهو ما سيتأثر أكثر مع الولادات الطبيعية لما تحتاجه من جهد وأجهزة وفريق مدرب.

يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه كل مـن ارتكب خطأ طبيًا سبب ضررًا محققًا لمتلقي الخدمة

السعر ليس أزمة محروس الوحيدة مع الولادات الطبيعية، فهو يرى أن أطباء النساء "شغالين تحت تهديد"، وإلزامهم بالولادات الطبيعية سيزيد هذا التهديد لأنها "بتحتاج ليقظة ذهنية ومراقبة حالة الحامل وجنينها لساعات". يشرح "بعمل القيصرية بـ5000 جنيه بصرف منهم من 2000 إلى 2500 على الولادة، وبتحمل مخاطرة فتح بطن سيدة مقابل 2000 جنيه بس، وبضطر أكمل وانا بقول ربنا يسترها لكن الوضع مش مستحمل أي تضيقات أخرى".

وتنص المادة 28 من الفصل الخامس من قانون المسؤولية الطبية الصادر في أبريل/نيسان الماضي بأنه يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه كل مـن ارتكب خطأ طبيًا سبب ضررًا محققًا لمتلقي الخدمة. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات وغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه ولا تجاوز مليوني جنيه، أو بإحدى هاتين العقـوبتين ، إذا وقعت الجريمة نتيجة خطأ طبي جسيم.

إلا أن الدكتورة عبلة الألفي تطمئن الأطباء في حالات الولادة الطبيعية، مؤكدة على أن الالتزام بالأدلة الإرشادية هي النجاة من المساءلة، خصوصًا وأن قانون المسؤولية الطبية ينص على الاستعانة بلجان علمية في قضايا المسؤولية الطبية، وهذه اللجان "هتعتمد في رأيها على مراجعة التزام الطبيب بالأدلة الإرشادية، وما إذ كانت المضاعفات الحادثة منصوص عليها في الأدلة أم لا".

رعاية صحية إنجابية 

لا يرى الدكتور علاء غنام مسؤول وحدة الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حديث الطبيب أحمد محروس صاحب مركز الولادة الخاص، إلا "ترويجًا لتسليع الخدمة"، جازمًا بأن "مافيش أي مبرر يسمح بقبول الولادة القيصرية إلا لأسباب طبية".

يشرط غنام خفض معدلات القيصرية بتحسين جودة الرعاية الصحية التي تتلقاها المرأة من بداية الحمل حتى الولادة، وهو ما يتوافق مع مطالبة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في بيان لها بـ"النظر لزيادة الولادات القيصرية باعتبارها عَرَضًا لمشكلة أكبر تتعلق بجودة الخدمات الصحية المقدمة للحوامل"، وهو نفس ما تدلل عليه شيماء علي، المرأة الحامل التي تتابع حملها الثاني في مكتب صحة، بينما كانت في الحمل الأول تتردد على عيادة خاصة.

"أنا دلوقتي في الشهر الثامن وحتى الآن مش عارفة نوع الجنين ولا وزنه. الدكتورة قالت لي الجهاز ما بيقسش الوزن"، تقارن المرأة الأربعينية لـ المنصة بين الخدمة التي تلقتها في الحمل الأول ومكتب الصحة. فيما توضح ياسمين فرج، الممرضة بمكتب صحة بهتيم لـ المنصة، "بتيجي الحامل شهريًا المكتب، بيتعمل لها التحاليل وبتأخد مشورة، وفي الشهر السادس بتأخد حقنة التيتانوس، وقرب الولادة بنكلمها عن تمارين الولادة الطبيعية وكيفية الرضاعة". لا تنكر شيماء حصولها على هذه الخدمات، لكنها تبقى في نظرها "أقل من خدمة العيادة الخاصة". 

يفصل شيماء عن الولادة شهرٌ واحدٌ، ويفترض أن تختبر هي وزميلاتها الحوامل المرتقب ولادتهن في الربع الأخير من عام 2025 مساعي وزارة الصحة لخفض معدلات القيصرية غير المبررة، لنكون أمام أولى نتائج المبادرة المتوقع أن تثمر بنهاية العام الجاري، لنرى هل تلحق مصر بالدول التي نجحت في تقليص معدلات القيصرية مثل البرازيل أم تستمر في فتح بطون النساء.