برخصة المشاع الإبداعي: ويكيبيديا
لوحة شونجا غير عارية لسوزوكي هارونوبو من كتاب "مانيمون العصري والشهواني" 1770، متحف هونولولو للفنون

جرأة النساء التي لا يحبها "معلم اللذة"

منشور الاثنين 26 مايو 2025

"استقرار العلاقة الجنسية معناه استقرار الزواج والعكس صحيح"، هذه قناعة هند إسماعيل في أهمية تزود المرأة بالثقافة الجنسية الكافية، ومعرفة كل ما يخص العلاقة، وكيف تكون مبادِرَةً ولا تكبح جرأتها خشية الوصم المجتمعي.

ربة المنزل الثلاثينية تمكَّنت خلال فترة الخطوبة من تثقيف نفسها، والحصول على معرفة جنسية من خلال "الجروبات النسائية السرية على فيسبوك إللي ساعدتني في إني أعرف حاجات كتير عن العلاقة، لأن الستات فيها بتشارك خبراتها"، كما تقول لـ المنصة.

لا تعتبر هند أنها تجاوزت الخطوط الحمراء، "صارحت خطيبي بأني بتعلم من الجروبات دي عشان أسعده وأسعد نفسي، وكان رد فعله مُرحب".

أما نهى مخلوف فاعتمدت على طريقة أخرى للتعلم، "كنت خام أوي، وبتكسف من خيالي"، لكن الأمر الآن اختلف والفضل يعود لأفلام البورن، تقول لـ المنصة

مرَّ على زواج نهى التي تعمل أخصائية تخاطب 5 سنوات، بدأتها دون أي معرفة بالعلاقة، "جوزي بعد فترة بدأ يحس بالملل وقالي اتفرجي لوحدك على أفلام وفاجئيني"، ونجحت الخطة. 

ليس كل الرجال مثلَ شريكي نهى وهند، فالمعلومات الجنسية ممنوع الوصول لها حتى للمتزوجات، وفق المفاهيم المجتمعية، مما يضعهن في قلق متواصل ما بين رغباتهن في التعبير عن أنفسهن والخوف من الوصم.

لا وصم للرجال

"شايف إني كل ما كان عندي خبرة أكتر في العلاقات مع الستات، كل ما بقيت جذاب أكتر"، يضع  زياد عبد الله هذا التصور لنفسه، لكنه يريد لشريكته أن تكون على عكسه تمامًا، بل وصل به الحال لإخضاعها لاختبارات ليتبين، وفق فهمه، هل لها خبرات أو معرفة جنسية سابقة. 

المعلومات الجنسية ممنوع الوصول لها حتى للمتزوجات

فضَّلَ زياد، الذي يعمل محاسبًا، أن تختار له أخته عروسًا وضع شرطًا لها "ما يكونش ليها علاقات برجالة قبل كده ولا حتى أصحاب"، ولكي يتأكد من شرطه كان يراقبها في فترة الخطوبة و"أشوف رد فعلها لما أقرب منها كل ما كانت بتبين خوف ورفض كل ما إعجابي بيها بيزيد، عشان ده بيقول إنها خام".

لا يرى الشاب، الذي يبلغ من العمر 34 عامًا، أن من حق المرأة التزود بالمعرفة الجنسية بأي طريق ممكن، ويؤكد أنه يريد زوجته "خامًا"، "وأنا أعلمها كل حاجة تعرفها عن العلاقة الحميمية"، كما يقول لـ المنصة.

هذا الفهم يتوفق مع ثوابت مجتمعية ترفض تكوين المرأة أي معرفة بالجنس، وترى أن هذا يخدش حياءها، وتصم من تملك خبرات أو تبادر في العلاقة الجنسية بسوء الخلق.

في الوقت الذي يُمنع على المرأة حتى الحديث في الجنس ولو بعد الزواج، يحوز الرجال "كارت بلانش" يتيح لهم المعرفة والتجربة دون خشية الأحكام المجتعمية.

يعبِّر المهندس عمرو حلمي، 35 عامًا، عن هذه الفكرة، بإنْ "الست تاخد معلوماتها الجنسية من جوزها بس، ما تعرفش حاجة تانية بأي طريقة تانية"، يقول لـ المنصة مستطردًا "ده تفضيلنا كرجالة".

يرى عمرو أن جهل المرأة بأمور الجنس لا يعيبها، ووفق ما يقول فـ"الأصل في جمال المرأة هو الحياء والست اللي بتستحي قدام جوزها بيتجدد شغفه ناحيتها".

أبواب الشك 

يضع امتلاك الخبرة الجنسية المرأة موضع شك، وهو ما اختبره الأربعيني كريم عمران، فهو كما يقول لـ المنصة تزوج من زميلته في الجامعة بعد قصة حب، "بس اتصدمت من براءتها الزايدة كانت ما تعرفش حاجة خالص وخجولة، ونمطية ومملة".

أنهى كريم زواجه بعد 7 أعوام بسبب العلاقة الحميمية، وعندما كرر تجربة الزواج، فضل أن يختار شريكته "عكس الأولى، جريئة ومنفتحة ومتجددة"، لكن ذلك لم يمنع الشك من التسرب إلى نفسه من مصدر معلوماتها ومباردتها في الممارسة التي تنعش بها حياتهما الزوجية.

"فِضلت أحقق وراها وأراجع طريقتها في الحياة عشان أتأكد إن الخبرة دي ما جابتهاش من ممارسة مع رجالة قبلي، واتأكدت فعلًا إن ده جاي من ذكاء مش خبرة"، يضيف كريم.

الخوف يحكم تعامل النساء مع الجنس

يرجع دكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، رد فعل الرجل على محاولات شريكته المبادرة في العلاقة، أو استعراض شيء ما جديد اكتسبته خلال الممارسة، إلى التربية الذكورية التي "تلعب دورها ويبدأ الرجل في النظر إلى المرأة ذات الخبرة الجنسية بنظرة شك وريبة وقد ينعتها ببعض الأمور غير الأخلاقية وللأسف هذه العقلية ما زالت تحكم الكثير من الذكور في الشرق"، يقول لـ المنصة.

يستنكر استشاري الصحة النفسية ردود الفعل الذكورية على المعرفة في زمن الميتافيرس، متحدثًا عن أن انتشار المعرفة الجنسية وكسر الصور النمطية مثل انتشار الطبيبات اللاتي يتحدثن في وسائل الإعلام والسوشيال ميديا عن الصحة الجنسية سيعمل على خلخلة الثوابت المغلوطة لدى الرجال في الشرق تجاه المرأة التي يكون لديها دراية بالممارسات الجنسية المختلفة.

تفضيل وخشية

يفضِّل عماد زين، طبيب الأسنان، المرأة التي لديها معلومات عن ممارسة الجنس، مغلقًا باب الشك بإعادة التأكيد على الحقائق "الزمن اختلف والتكنولوجيا بتساعد الناس على اكتساب المعرفة، مش لازم الناس تجرب عشان تعرف" يقول لـ المنصة.

ويتفق معه أحمد عبد الكريم في رفض وصم الزوجة أو الشريكة بسبب ما تعرفه عن الممارسة الجنسية، فكما يقول لـ المنصة "من حق كل إنسان يعبّر عن رغباته الجنسية سواء راجل أو ست".

يتعامل أحمد، البالغ من العمر 28 عامًا، بأريحية مع الموضوع "طلبت من خطيبتي أنها تفاجئني خلال العلاقة الحميمية بعد الزواج عشان نكسر الملل".

لكن ليس هكذا تسير الأمور مع كل النساء، فكما يلاحق الوصم الكثيرات، تثير جرأة البعض منهن خوف الرجال، وهو ما اختبرته الأربعينية سارة عبد العزيز خلال زواجها الذي أكمل عامه الخامس.

سارة التي تعمل مدربة سباحة عبَّرت لزوجها عن كل رغباتها وتفضيلاتها في ممارسة العلاقة الحميمية منذ اليوم الأول في زواجها، وكما تقول لـ المنصة "اخترته واتجوزته عشان عنده وعي وثقافة". 

استقبل الزوج طريقتها بسعادة بالغة واصفًا إياها حسب قولها بأنها "امرأة متفردة وغير نمطية"، ولكن هذا انقلب مع الوقت إلى قلق من الهجر، تقول سارة "بقى طول الوقت بيسألني أنا لو حصلي في وقت عجز جنسي هتطلقيني؟ ومهما أحاول أطمنه بيرجع يفكر بنفس المنطق تاني". 

يحلل لنا دكتور محمود علام، استشاري الإرشاد النفسي والأسري، خوف الرجل حتى وإن كان على درجة عالية من الثقافة والوعي من شريكته ذات الخبرة الجنسية قائلًا لـ المنصة إنه "بيتفاجئ أو ينتابه الارتباك، مش بسبب إن عنده موقف عقلاني واضح ولا لشكه فيها، بس الموضوع بيلمس جوانب خفية في تكوينه النفسي".

يوضح علام أن المسألة لا تتعلق بالمجتمع أو الأخلاق أو الصحّة، بل بتصور الرجل عن نفسه، وعن مكانته في العلاقة، وبالذات عن دوره في حياة المرأة.

المبالغة في اتهام الزوجة قد يعكس مشاعر العجز والنقص بداخل الزوج بنسبة 100%

يرى استشاري الإرشاد النفسي أن الرجل، حتى وهو واعٍ ومثقف، قد يحمل في داخله صورة ضمنية عن ضرورة أن يكون هو مصدر التجربة، ومُعلّم اللذة، وصاحب الأثر الأول، هذه الصورة تمنحه شعورًا بالتميّز، بالإتقان، وبأنه يلعب دورًا لا يُعوّض في حياة شريكته، وحين يُصدم بأن هناك من سبقه، حتى لو لم يكن ذلك على مستوى العاطفة، يشعر وكأن مكانته الخاصة قد تزعزعت، وكأن "تفرده" انهار، فالمشكلة هنا ليست في ماضي الشريكة، بل في كيف يرى نفسه داخل العلاقة.

فيما يفسِّر دكتور فتحي الشرقاوي أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس والمعالج الزواجي ردود الفعل هذه لـ المنصة بأن "هؤلاء الرجال يعانون من صراعات نفسية مرتبطة بالضعف الجنسي وعدم الكفاءة الجنسية تحديدًا وماعندهمش قدرة على الاعتراف بده، ولما تكون شريكته أكتر احترافية منه يبدأ يتهمها"، واصفًا إياهم بـأنهم "غير أسوياء نفسيًا وجنسيًا". 

يشير الشرقاوي إلى أن تفسيره يعتمد على ما يراه في العيادة النفسية من نماذج وحالات "الزوج اللي عنده مشكلة في الأداء الجنسي يسقط الأسباب على الزوجة، وهو ما يسمى في علم النفس التكوين العكسي، فالمبالغة في اتهام الزوجة قد يعكس مشاعر العجز والنقص بداخل الزوج بنسبة 100%".

القلق القاتل

ذلك القلق الذي تشعر به المرأة جراء التفكير المبالغ فيما تفعله خلال العلاقة خوفًا من أحكام شريكها عليها أثناء الممارسة ينعكس على صحتها الجنسية، حسب دكتور جو كورت معالج الضعف الجنسي في الرابطة الأمريكية لمعلمي الجنس، فالقلق بشكل عام يصيب المرأة باختلال وظيفي جنسي، كما أن ألم الجماع يتضاعف 10 مرات لدى النساء المصابات بالقلق.

يتفق معه دكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، ويؤكد لـ المنصة أن عدم إشباع الرغبة الجنسية يؤدي إلى إصابة الإنسان بحالة من التوتر الدائم والعصبية المفرطة واضطرابات في النوم"، خصوصًا النساء بقوله "الست بتعاني من الاكتئاب والقلق لو حست إنها لا تشبع شريكها جنسيًا أو لا تشبع ذاتها، ويتطور الأمر لديها لتصاب بحالة من التقدير المنخفض بالذات وعدم الشعور بالكفاءة النفسية". 

يرجِّح الاستشاري أن يتسبب ذلك في الإصابة باضطراب صورة الجسد والهلع والقلق من أن يدخل الزوج في علاقات جنسية أخرى أو يتزوج بامرأة أخرى.

فيما يصر "زياد" على القيام بدور المعلم الأول والأخير لشريكته في الجنس، فإن تجربة هند في امتلاك الجرأة تظل محل اختبار  دائم مع زوجها المبتهج بمبادرتها.