محمد الخولي
جرافيتي رمضان في المطرية، عزبة حمادة بحي المطرية، 19 مارس 2025

بين "حمادة" وعزبة شلبي.. مطرية ما بعد الإفطار الجماعي

منشور السبت 29 مارس 2025

رافقتني العاطفة والحذر إلى حي المطرية، شرق القاهرة، بعد بعد أربعة أيام من الإفطار السنوي الذي ينظمه الأهالي كل عام بعزبة حمادة. ساورني القلق من الوقوع في فخ "تجميل الفقر" في العزبة التي حظيت بحضور رسمي وكانت محلَّ متابعة من السوشيال ميديا والقنوات الإعلامية على السواء.

لتصل إلى عزبة حمادة، يكفي أن تهبط إلى ميدان المطرية القريب من محطة المترو التي تحمل اسم الحي نفسه، وبعد خطوات تجد نفسك في قلب المكان؛ بيوت قديمة أغلبها لا يتعدى أربعة أو خمسة طوابق، واجهاتها غير مطلية، لا تزال على الطوب الأحمر والإسمنت، وشوارعها متداخلة ومرصوفة، مع بقايا أرصفة يبدو أنها طُليت حديثًا.

التقيت خمسةً من السكان، تحدثوا معي عن الإفطار بحماس شديد، لكنَّ ثلاثة منهم تهربوا من الإجابة بشكل مباشر عن أي أسئلة حول اليوم التالي، أو حال المطرية في الأيام العادية.

استعدادات ما قبل الإفطار

صورة العذراء مريم تزين واجهة أحد منازل حي المطرية بالقاهرة، 19 مارس 2025

يبدأ الاستعداد للإفطار قبل بداية رمضان، ويكون التنظيم على أكثر من مستوى، فقبل ثلاثة أشهر يبدأ المنظمون في جمع الأموال وتجهيز المواد الغذائية والاتفاق بشكل مبدئي على العدد المتوقع حضوره.

بدورهم، يستعد مسؤولو الحي للمناسبة التي ستجوب صورها الآفاق، ويبدأون نشاطهم قبل الموعد بنحو شهر، من خلال أعمال النظافة وإعادة رصف الشوارع، وفحص أعمدة الإنارة وإصلاحها. وقبل الإفطار بأيام يزور المسؤولون العزبة، ويلتقون منظمي الإفطار ويتابعون التجهيزات، ويعرضون المساعدة، "المحافظة بعتت لنا دهانات قبل معاد الإفطار عشان واجهات البيوت، وأعادوا رصف شوارع ودهنوا الأرصفة"، يقول سامح كامل أحد السكان لـ المنصة.

رئيسة الحي أقيلت في اليوم التالي للإفطار

نشرت صفحة محافظة القاهرة على فيسبوك صورًا لزيارة المحافظ إبراهيم صابر ووزير الشباب والرياضة أشرف صبحي لعزبة حمادة لمتابعة الاستعدادات، كما نشرت الصفحة الرسمية لحي المطرية صورًا لأعمال النظافة في العزبة، وتصريحًا لرئيسة الحي نجلاء حسين تؤكد فيه "ضرورة مواصلة العمل بجهود مكثفة لخلق مظهر حضاري يليق بحي المطرية". وفي يوم الإفطار 15 مارس/آذار نشرت الصفحة نفسها خبرًا لرئيسة الحي وهي تتابع تعليق أعلام مصر على أعمدة الإنارة في شوارع العزبة.

المفارقة أن رئيسة الحي أُقيلت من منصبها في اليوم التالي للإفطار مباشرة، وكُلِّف اللواء عمرو عيسوي برئاسة الحي، حسب بيان الحي. حاولت المنصة التواصل مع الحي والمحافظة لمعرفة أسباب الإقالة لكن دون ردًا.

حكاية الإفطار

لم يبق في اليوم التالي ما يشهدُ على إفطار عزبة حمادة أكثر من جدران الأبنية وما دوّن عليها من الجُمل الترحيبية بالضيوف، وعبارات أغلبها مأخوذ من إعلانات رمضانية سابقة "جيرة وعشرة"، و"لمتنا الحلوة"، و"ما بينا ألف حاجة"، ورسومات جرافيتي لبوجي وطمطم وعم شكشك وفطوطة، ولافتات تحمل صورًا لمتوفين من أهالي المنطقة وعبارة "لن ننساهم"، وأخرى تحمل أمنيات شفاء المرضى وعبارة "نسألكم الدعاء لهم بالشفاء العاجل"، إلى جانب صور من إفطارات سابقة، وإرشادات مكتوبة من منظمي الإفطار للضيوف.

"بدأ الإفطار بترابيزتين في الشارع عام 2013، وقتها كانوا حوالي 10 أو 20 شاب بيفطروا سوا. زاد عدد الترابيزات في السنة اللي بعدها، وسنة ورا التانية بقى الفطار حدث بيزوره سفراء ووزراء ونواب برلمان وممثلين ونجوم سوشيال ميديا" يقول عباس رضوان، أحد منظمي الإفطار.

يُفرق عباس بين الإفطار الجماعي في العزبة وموائد الرحمن التي يلجأ لها المضطر أو غير القادر "فطار المطرية عادة ورثناها من آبائنا وأجدادنا، بس بدل ما كانت الناس بتتعزم في بيوت بعض بقينا بنفطر سوا في الشارع".

فيما يرصد أحمد عاصم، أحد سكان العزبة، لحظة تحول الإفطار من مناسبة تجمع الأصدقاء والجيران إلى حدثٍ "عدد حضور الإفطار بدأ يزيد، وبعدين جت كورونا فقررنا وقف الإفطار، وبعد رفع الإجراءات الاحترازية رجع الإقبال"، لكن المفاجأة، بحسب أحمد، كانت حضور السفير الكوري إفطار 2023 "انتشار الصور على السوشيال ميديا خلى الكل يتكلم عن العزبة".

شارع داخلي بمنطقة عزبة حمادة في حي المطرية بالقاهرة، 19 مارس 2025

بعد الإفطار

مع انتهاء الإفطار الجماعي تعود عزبة حمادة إلى حياتها العادية "إحنا أصلًا مش عايزين حاجة من الحكومة غير شوية اهتمام"، يقول محمود سامح، لافتًا إلى أنه بعد إفطار هذا العام حدث حريق في العزبة ولم تصل أي سيارة إطفاء إلى الموقع حتى تمكن الأهالي من السيطرة عليه. 

في الطريق سألني عادل سائق التوكتوك "هتجيب قطع غيار يا باشا ولا حاجة تانية؟"

يشير محمود إلى تغيّر كبير حدث في العزبة بعدما ذاع صيت إفطار المطرية، لكن هذا التغير ليس من جانب مسؤولي الحي وإنما من السكان "ما بنرميش زبالة في الشارع"؛ يحاول الأهالي الحفاظ على صورة منطقتهم لكن "فيه حاجات ما نقدرش عليها، يعني عمدان النور مش هنقدر نصلحها ولا هنقدر نرصف شارع بعد ما يحفروا فيه علشان تصليح الصرف".

"إحنا بشر عادي زي كل المصريين عندهم مشاكل في الحياة من فقر وظلم، وتنظيم الفطار الجماعي مش حل لمشاكلنا. إحنا بس بنقول إن برغم كل ده نقدر نعمل حاجة كويسة الكل يتكلم عنها"، يقول محمود الذي لا ينكر أن عزبة حمادة "بقت أفضل من أماكن كتير في المطرية، وطبعًا كلنا فاهمين إن ده بسبب حضور المحافظ والوزراء والمسؤولين للمنطقة".

ولا يجد جمال إبراهيم، أحد سكان العزبة، غضاضة في تولي موظفي الحي تنظيف الشوارع وتزيينها قبل حضور المسؤولين "مش مشكلة المهم أنهم كنسوا الشارع يعني"، فيما يشير عاصم إلى باقي مناطق المطرية "يعني شوف باقي المطرية عاملة إزاي، العزبة بقت من أفضل المناطق".

يتكون حي المطرية من مجموعة من المناطق والعزب منها عزية حمادة وشلبي والريس وشاهين.

ما بين "حمادة" و"شلبي"

طلبت من شاب عشريني أن ينقلني بالتوكتوك من عزبة حمادة إلى شلبي، التي وصفها عاصم بأنها واحدة من "أكثر المناطق إهمالًا في المطرية". في الطريق سألني عادل سائق التوكتوك "هتجيب قطع غيار يا باشا ولا حاجة تانية". تعجبت من سؤاله ولم أجبه، فأكمل "أصل حضرتك مش وش مُكيفات يعني"، وضحك قبل أن يضيف "ربنا يشفي كل مريض".

عزبة شلبي في المطرية 19 مارس 2025

عند مدخل عزبة شلبي اكتشفت أن جمال لا يبالغ، فالبيوت قديمة والشوارع عشوائية، ورغم صغر مساحات الشقق وتهالك مبانيها فإيجار الوحدات السكنية يبدأ من 1500 جنيه شهريًا، وهو رقم كبير نسبيًا بالنسبة لأهالي المنطقة، حسب محمد زهران، أحد سكان العزبة.

"المطرية مش الميدان ولا عزبة حمادة. انزل المطراوي والكابلات وترعة الجبل"، يقول محمد "اللي بتشوفه في ميدان المطرية وعزبة حمادة ده عشان الناس الجامدة والتصوير اللي بيحصل في الفطار الجماعي".

الشوارع الداخلية في عزبة شلبي تكفي بالكاد لمرور مركبتيّ توكتوك بجوار بعضهما البعض، وعندما لاحظ عادل تعجبي من ضيق مساحة الشارع الذي نسير فيه قال "ده فيه هنا شوارع عرضها مترين بس".

تنتشر في عزبة شلبي محلات بيع قطع غيار السيارات القديمة والاستيراد، وتتدلى من واجهات البيوت أبواب سيارات وإكصدامات "تقدر تجمّع عربية من هنا لو عايز" يقول عادل مشيرًا إلى أحد المحلات الكبيرة التي حوَّلت شقة في دور أرضي إلى محل لبيع قطع الغيار.

تطفح مياه صرف صحي في شوارع عزبة شلبي التي تمتلئ بالحفر وآثار الإصلاحات وأكوام القمامة، وأعمدة الإنارة بدون لمبات، "ما شفتش مسؤول في العزبة قبل كده"، يقول محمد زهران الذي يعيش ويعمل في المكان منذ 10 سنوات "ساعات بيعدوا من الشارع الرئيسي بره لكن عمرهم ما دخلوا هنا"، يستكمل ضاحكًا "لو دخلوا العزبة يتوهوا يا أستاذ".

للمطرية وجه آخر لا تنقله السوشيال ميديا ولا كاميرات الإعلام التي تحتفي بالإفطار السنوي الجماعي، ففي يوم واحد يجد بعض سكان الحي أنفسهم في بؤرة اهتمام المسؤولين، فيما يبقى الآخرون منسيين ويتطلعون لبعض الحقوق المفقودة في هذه العزب الغائبة عن العين.