في 14 أبريل/نيسان 2016، وكأي صباح عادي، استيقظ رضا علاء الموظف في شركة عقارات بمدينة نصر شرق القاهرة، واستعد للنزول إلى عمله. اتفق مع زوجته على اصطحابها لطبيبة النساء بعد عودته، استعدادًا لتحديد موعد ولادة ابنه الأول، غير أنه لم ينفّذ اتفاقه. لم يعد رضا، ولم ير أحمد ابنه الذي أصبح الآن عمره ثماني سنوات.
تزايدت الدعوات على السوشيال ميديا لتنظيم احتجاجات ضد قرار تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية قبل اختفاء رضا، الذي كان يبلغ وقتها 35 عامًا. كانت الأجواء متوترةً في الشارع، وأفراد أمن بزي مدني يستوقفون المارة ويفتشون في هواتفهم المحمولة عن أي بوست أو دعم للاحتجاجات.
"كان متغاظ قوي من حكاية تيران وصنافير وكتب على فيسبوك كتير وأنا كنت بنصحه يمسح بس مكانش بيسمع الكلام" يقول إبراهيم شقيقه لـ المنصة.
بعد ثلاثة أيام من الغياب، تلقى إبراهيم اتصالًا من شخص أبلغه أنه كان مقبوضًا عليه من ميدان رمسيس، وأن رضا كان معه و"اتفقنا إللي يطلع الأول يتصل بأهل التاني ويعرفه أنه في قسم الأزبكية".
توجه إبراهيم فورًا إلى القسم للسؤال عن رضا، و"بعد ما أمين الشرطة قاللي آه موجود، رجع تاني بعد شوية وقاللي إنه اتلخبط في الاسم، وأنه محدش عنده بالاسم دا".
تعجب إبراهيم من رد الأمين، وحاول "مراضاته" إلا أنه فشل، "في اللحظة دي حسيت أن موضوع أخويا كبير"، وفي تلك اللحظة أيضًا عرفت أسرة رضا معنى الاختفاء القسري، وبدأت رحلة البحث عنه.
حكايات كثيرة تتشابه مع حكاية رضا، لدرجة توحي بأنهم جميعًا قصة واحدة تختلف فقط في الأسماء والأمكنة، وبعض التفاصيل الصغيرة. لدرجة جعلتني أتشكك في الجديد الذي يمكن أن تأتي به هذه القصة. يقول أحدث تقرير للمفوضية المصرية للحقوق والحريات أن هناك 4677 شخصًا تعرضوا للإخفاء القسري خلال الفترة ما بين 2011 و2024، لا يزال 436 منهم مخفيين حتى الآن. لكن ما دفعني لاستكمال العمل كان الكابوس الذي تعيش فيه أسرة رضا، مع مئات الأسر الأخرى.
يعيش الأهل عالقين في أسئلة كثيرة، أين يتم إخفاء ذويهم؟ وماذا يواجهون الآن؟ ولماذا تصر وزارة الداخلية على إنكار وجود حالات إخفاء قسري؟ وكيف يمر ظهور شخص أمام النيابة بعد شهور وربما سنوات من إخفائه دون محاسبة؟
تُعرّف الأمم المتحدة الإخفاء القسري بأنه القبض على أشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغمًا عنهم، أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر، على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها، أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، ثم رفض الكشف عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم، أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم.
كان عمر سيد حامد(*) 42 عامًا وقت اختفائه، قُبض عليه أثناء عودته من القاهرة إلى أسوان يوم 2 مايو/أيار 2014، بعد توقيف الميكروباص الذي كان يستقله في أحد كمائن الشرطة. اختفى سيد وفشلت أسرته في معرفة مكانه لمدة 40 يومًا، ليفاجأوا بمكالمة من أحد المحامين يبلغهم أن سيد يقف الآن أمام نيابة أمن الدولة العليا في القاهرة.
قبل أيام من القبض عليه انتشرت دعوات للاحتجاج على قانون التظاهر والمطالبة بإلغائه، وألقي القبض على العشرات بشكل عشوائي. يربط محمد لطفي المدير التنفيذي للمفوضية المصرية لـ المنصة بين ازدياد حالات الاختفاء القسري ودعوات التظاهر.
يشير لطفي إلى أن الأعداد المرصودة لا تشمل كل من تعرضوا لهذه الجريمة نظرًا لمتغيرات كثيرة تحكم عملية حصر المختفين، أهمها رغبة الأهالي في عدم الإبلاغ، "بيكون عندهم عشم، وساعات وعود، بظهوره سريعًا، وبيكون عندهم خوف من أن الكتابة عن المختفي هتعرضه للتعذيب، أو تؤدي لأنه ما يظهرش خالص".
ومن بين المتغيرات، حسب لطفي، كذلك قدرة الباحثين والمحامين نفسيًا على جمع وتوثيق الشهادات "الحكايات بتكون صعبة وهم بشر، بيتأثروا بيها وساعات مبيقدروش يتواصلوا مع كل الأهالي".
محاولات المساعدة
مع تصاعد بلاغات الإخفاء القسري في نهاية 2013، 33 حالة، ثم تفاقمت في 2014، 193 حالة؛ بدأت مجموعةٌ من أهالي المختفين بالتعاون مع محامين ونشطاء حقوقيين في تأسيس روابط للبحث الجماعي عن ذويهم.
أُسست رابطة أسر المختفين قسريًا في 2014 لتقديم الدعم القانوني للأهالي، وتطورت أنشطتها مع الوقت لتشمل تقديم الشكاوى الجماعية حتى ضمت الفريق المعني بحالات الاختفاء القسري التابع للأمم المتحدة.
ولكن في تطور درامي يبدو خيالي، لم تسلَم الرابطة ذاتها من الاستهداف، إذ قُبض على 19 شخصًا من أعضائها في 2017 بتهم تأسيس جماعة غير قانونية والتواصل مع جهات أجنبية ونشر أخبار كاذبة وترويج شائعات.
وللإمعان في درامية الواقع، قُبض على المحامي إبراهيم متولي، أحد مؤسسي الرابطة ومنسقها ووالد أحد المختفين قسريًا، من مطار القاهرة أثناء توجهه إلى جنيف للمشاركة في الدورة 113 للأمم المتحدة، لتقديم شهادته.
اختفى إبراهيم لمدة يومين قبل أن يَمثل للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة على ذمة القضية رقم 900 لسنة 2017، وصدر قرار بإخلاء سبيله في 2019، أي بعد عامين من الحبس الاحتياطي، إلا أن القرار لم يُنفذ، واستمر حبسه على ذمة قضية جديدة، الأمر الذي يُعرف بتدوير السجناء، وأحيل مؤخرًا إلى المحاكمة الجنائية في قضيتين منفصلتين، بعد إجمالي 7 سنوات من الحبس الاحتياطي.
كان لتلك الحملة الأمنية أثرها على الرابطة، في البداية توقفت الاجتماعات والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، ثم اقتصر نشاطها على فيسبوك، إلى أن توقف أيضًا في أغسطس 2022.
المدة كأداة للترهيب
في 10 فبراير/شباط الماضي وثقت حملة أوقفوا الاختفاء القسري، التي دشنتها المفوضية المصرية للحقوق المصرية للحقوق والحريات في أغسطس 2015، ظهور شخص يدعى عبد الله هيكل أمام نيابة أمن الدولة العليا بعد 4 سنوات و20 يومًا من إخفائه قسريًا. وكأن شيئًا لم يحدث جرى التحقيق معه وحبسه على ذمة قضية، دون التحقيق في إخفائه قسرًا طوال هذه المدة.
يقول لطفي أن "إخفاء المواطنين بعد القبض عليهم بات عملًا ممنهجًا السنوات الأخيرة"، إلا أنه يستطيع استخلاص نمط من خلال بيانات المفوضية، فالحالات التي اختفت لمدة قصيرة تكون أكثر عددًا من الذين اختفوا لفترات طويلة.
ولا يعني قِصر مدة الاختفاء الأمن من المخاطر، إذ كثيرًا ما يتعرض الضحايا فور إخفاؤهم للعنف والتعذيب، بل ويُستخدم الإخفاء نفسه أداةً للترهيب لانتزاع الاعترافات وتسهيل تلفيق التهم، خاصة في حالة النشطاء السياسيين.
في 4 فبراير 2018 أُلقي القبض على الصحفي حسن البنا والباحث مصطفى الأعصر، وأُخفيا لنحو 16 يومًا، ثم ظهرا في نيابة أمن الدولة العُليا كمتهمين في القضية رقم 441 لسنة 2018 حصر أمن دولة.
يحكي مصطفى لـ المنصة تفاصيل يوم القبض عليه، "ركبت الميكروباص من منطقة سكني وقتها في المريوطية - فيصل، رايح الدقي مكان شغلي، وكان معايا صديقي وزميلي في السكن حسن".
يكمل مصطفى "بعد حوالي خمستاشر دقيقة من ركوبنا الميكروباص اعترضت طريقنا سيارة ملاكي، في شارع فيصل، ونزل منها رجالة بملابس مدنية وطلبوا منا البطايق. لما شافوا اسمي قالولي انزل، وبعدين شافوا اسم حسن البنا سألوه إن كان معايا؟ ولما قالهم أيوه، أمروه ينزل هو كمان".
لم يكن يعرف مصطفى هوية هؤلاء الأشخاص "توقعت أنهم من أمن الدولة، وحاولنا الاعتراض وسألناهم: أنتم مين؟ فردوا بلهجة حادة: هنكون مين؟ هنخطفكم في عز الضهر في وسط الشارع؟"ـ لكن هذا ما حدث بالفعل؛ اُختطف مصطفى وحسن من الشارع في عز الظهر.
في 9 مارس/آذار 2019، اقتحم مجموعة من ضباط وأفراد الأمن الوطني شقة الأستاذة الجامعية منار أبو النجا بالإسكندرية، وبعد التفتيش أُلقي القبض عليها وعلى زوجها عمر عبد الحميد، ومعهما طفلهما البراء الذي كان يبلغ وقتها عامًا واحدًا.
اتبعت أسرتهم الخطوات نفسها التي اتبعتها سائر أسر المختفين قسريًا، سألوا عنهم في أقسام الشرطة القريبة من مقر سكنهم فأنكروا وجودهم، وعندما لجأت الأسرة إلى محكمة القضاء الإداري لإلزام وزارة الداخلية بالكشف عن مكان احتجازهم، صدر حكم بذلك في يوليو/تموز 2019.
ولكن إلزام وزارة الداخلية لا يعني كشف الحقيقة، فرغم إنكارها احتجازهم أو حيازتهم ظهرت منار بعد عامين، تحديدًا في 20 فبراير 2021، أمام نيابة أمن الدولة العليا، ووُجهت لها اتهامات الانضمام إلى جماعة إرهابية وتمويلها. أما زوجها فلم يظهر حتى الآن.
حسب تقرير لمنظمة العفو الدولية تعرضت منار للضغط لتقول إنها اعتُقلت قبل يومين فقط من مثولها أمام النيابة، فقررت النيابة حبسها احتياطيًا لمدة 15 يومًا، ونُقلت إلى سجن القناطر وتم تسليم ابنها الذي صار عمره وقتها ثلاث سنوات، إلى أقاربها.
وثقت المفوضية في تقريرها الأخير إخفاء 10 أطفال، جرى الإفراج عن واحد منهم، بينما حُبس التسعة الآخرون احتياطيًا.
حسب التقرير ذاته نشر عم البراء بوست على فيسبوك وصف فيه حالة الطفل، "مش عارف أهله وخايف منهم. الناس اللي اتعود يشوفهم ناس ميري لابسين بشكل معين وليهم تصرفات معينة".
ونقل تقرير للعفو الدولية عن أشخاص التقوا الطفل أنه "يعاني من قلق نفسي شديد وقلق انفصالي، وهو في حاجة ماسة إلى إعادة التأهيل النفسي والبدني. يبدو أن الطفل لم يستحم لفترة طويلة وقال مرارًا وتكرارًا، عاوز أرجع الأوضه تاني، في إشارة إلى الغرفة التي كان محتجزًا فيها".
لا قانون ولا اتفاقات
تسعى عدد من المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، من بينها المجلس القومي لحقوق الإنسان، للانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2006.
كما تعمل حملة أوقفوا الاختفاء القسري على معالجة القصور التشريعي في القوانين بالمطالبة بإصدار قانون لتجريم الاختفاء القسري، خاصة أن مصر موقّعة على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يحظر الاحتجاز غير القانوني والتعسفي.
ويتضمن قانون الإجراءات الجنائية الصادر في عام 1951، وتعديلاته في 2020، بعض النصوص التي تتعلق بقواعد الاحتجاز، وجاء في المادتين 40 و41 النص على عدم جواز احتجاز متهم إلا في الأماكن المخصصة لذلك، فيما منحت المادتان 42 و43 في القانون ذاته أعضاء النيابة العامة ورؤساء ووكلاء المحاكم حق زيارة السجون العامة والمركزية للتأكد من عدم وجود محتجزين بشكل غير قانوني.
تخلو التشريعات المصرية من مصطلح "الاختفاء القسري"، إلا أن دستور 2014 نص في المادة 54 أنه فيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مُسبّب يستلزمه التحقيق. وتمنح المادة نفسها الحق للمقبوض عليه في تمكينه من التواصل مع ذويه ومحاميه بشكل فوري، وتقديمه إلى سلطة التحقيق خلال 24 ساعة من تقييد حريته.
وعلى أرض الواقع، رصدت منظمات حقوقية في بيان مشترك أنه في الفترة بين نهاية 2022 وفبراير 2023، مَثُلَ ما لا يقل عن 40 شخصًا أمام نيابة أمن الدولة، بعد أكثر من 3 سنوات من القبض عليهم وإخفائهم قسرًا، بينهم طفل كان عمره 13 عامًا وقت القبض عليه وإخفائه.
ماذا يحدث في الاختفاء
لا يحكي كثيرون علنًا عن الفترة التي قضوها مختفين قسريًا خوفًا من تعرضهم أو أسرهم للتنكيل مرة أخرى، إلا أن الكثير ممن ظهروا يعتبرون أن مثولهم أمام النيابة "نجاة من الموت"، وبالتالي يعتبرون السجن حتى وإن كان ظلمًا أفضل من الاختفاء، "على الأقل سيتمكن أهله من زيارته ومعرفة مكانه.. كل شيء بعد ذلك يُمكن تقبله"، يقول لطفي.
مصطفى الأعصر الذي خرج من مصر إلى لبنان، ومنها إلى كندا، يحكي عن فترة إخفائه من يوم 4 إلى 21 فبراير 2018، ويقول لـ المنصة عبر رسائل على تطبيق سيجنال للرسائل المشفرة "وصلت النيابة يوم 15، بس رجعوني مقر الأمن الوطني مرة تانية".
"كانت عينيا مغمية ومتكلبش طول الوقت. في البداية، كنت مع حسن (البنا) في أوضة واحدة، ولكن بعد ما سمعونا بنتكلم، فصلونا وحطوني في غرفة شبه انفرادية"، يقول مصطفى.
تعرض الأعصر لإهانات لفظية وضرب على ظهره بالأيدي والأرجل أثناء جلسات التحقيق معه، التي كانت تستمر في بعض الأحيان إلى أكثر من 7 ساعات متواصلة "رغم إنها حاجات ما تتقارنش باللي الناس التانية اتعرضتله، بس دا تعذيب"، يؤكد مصطفى.
لا يزال سيد حامد يتذكر فترة إخفائه ويعتبرها "الأصعب" طوال مدة احتجازه، مضيفًا "الحبس في الآخر معاك حد، بتشوف ناس، وبيجيلك زيارات. لكن تكون مرمي في مكان مش عارف إذا كان فوق الأرض ولا تحتها، ومتكلبش ومتغمي وبتتضرب، وفي دوامة مش عارف هتطلع منها إمتى إحساس صعب".
يتذكر سيد وقت اختطافه "اتكلبشت وغموني وفضلت قاعد أكتر من ساعة ونص وبعدين العربية اتحركت. حسيت إن فيه بوابة بتتفتح ودخلنا منها والعربية وقفت، واتضربت وأنا بنزل وكل دا وأنا مش فاهم فيه إيه".
يصف سيد أول تحقيق معه بأنه أكثر اللحظات رعبًا في حياته "دخل شخص عليا وأنا متغمي ضربني بالرجل في وشي وطلب مني الوقوف. فكوا الكلابشات وأمرني أخلع هدومي، وقفت بالبوكسر وسمعت صوت صاعق كهربائي، اترعبت".
"قاللي مش هتخرج من هنا إلا لما تقول كل إللي احنا عايزينه وكل اللي تعرفه، قولتله أنا ماليش في السياسة. وفي اللحظة دي قرب الجهاز من عضوي وضغط عليه فحسيت إن روحي طلعت من دماغي"، حسب سيد.
ويضيف سيد أن التحقيق في هذا اليوم استمر أكثر من 5 ساعات، "كلها أسئلة عن علاقتي بالإخوان، ولمن أعطيت صوتي في انتخابات الرئاسة، وأنا أرد عليه وأقوله مفيش أي علاقة بيني وبينهم، ورغم كده فضلت مختفي حوالي شهر ونص".
قل ما نريد وإلا
في النهاية اضطر سيد إلى التوقيع على المحضر الذي أحضره له الضابط، وأحيل إلى النيابة ليجد نفسه متهمًا بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
مصطفى الأعصر هو الآخر اضطر إلى الاعتراف أمام كاميرا بجرائم، يقول لـ المنصة "فوجئت بحد بيضربني في ضهري، وأخدني على مكان زي ستوديو مجهز بإضاءة وكاميرات. إدوني نص مكتوب أقرا،ه وفعلًا وقفت وقلت أنا فلان الفلاني وشغال مع جهات معينة للهجوم على مصر، واضطريت أعيد بعض الأجزاء تنفيذًا لتعليماتهم وخوفًا من العقاب".
أخلي سبيل مصطفى الأعصر وسيد حامد، لكنهما لم يتمكنا من تجاوز معاناتهما، وهو ما يراه محمد لطفي فلسفة هذه السياسة أن تبث الخوف بين الناس "إللي هيتكلم أو هيكتب أو هيعترض مش بس هنحبسه لأ دا ممكن محدش يعرف له طريق".
إنكار رسمي ثم تقرير رسمي
ينشر الموقع الرسمي للمجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي يشكل بقرار من رئيس الجمهورية، تقارير عن الاختفاء القسري، بلغ عددها خمسة صدر آخرهم في 2016. وكان آخر رقم أعلنه المجلس على لسان رئيسته مشيرة خطاب أن هناك 19 شكوى وصلتهم، وأن المجلس يتواصل مع النيابة العامة ووزارة الداخلية بشأن كافة دعاوى الاختفاء القسري، فيما تشير تقاريره إلى استقباله شكاوى بشأن 266 حالة، راسل بدوره وزارة الداخلية للاستفسار عنهم.
ردت وزارة الداخلية بإعلان مصير 238 حالة، حسب التقرير، فحددت أماكن احتجاز 143 محبوسًا احتياطيًا على ذمة قضايا، وكشفت عن إخلاء سبيل 27 عقب التأكد من سلامة موقفهم، مع نفي صلتها بـ 44 حالة قالت أنه لم يتم ضبطهم أو اتخاذ إجراءات قانونية حيالهم، و"من المرجح أن غيابهم يعود إلى تركهم محل إقامتهم خوفًا من الملاحقة الأمنية أو الانضمام للجماعات التكفيرية".
وفي تناقض واضح، ينفي كلٌّ من الرئيس والحكومة وجود حالات إخفاء قسري من الأساس، الأمر ذاته كرره اللواء صلاح فؤاد مساعد وزير الداخلية لقطاع حقوق الإنسان في حوار مع وكالة أنباء الشرق الأوسط عام 2015، مطالبًا "من يُروجون هذه الادعاءات إثبات صحتها، وتقديم الدليل".
واعتبر مساعد وزير الداخلية حينها الحديث عن الإخفاء القسري حملة دعائية يشنها "تنظيم الإخوان الإرهابي بتمويل من التنظيم الدولي لاستغلال عدد من منظمات المجتمع المدني، والترويج لوجود حالات اختفاء قسرى لتشكيل ضغط على الحكومة المصرية".
وفي 2017 كرر العميد عصام الجمل، ممثل قطاع الأمن الوطنى بوزارة الداخلية في لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، السردية نفسها، وقال إن شكاوى الاختفاء القسري تقصد الإساءة إلى البلد فى بعض الحالات، من بينها من فجر نفسه في حادث الكنيسة المرقسية.
وأضاف أنه بعد فحص بعض الشكاوى تبين أن بينهم أشخاصًا هربوا خارج البلاد للمشاركة في أعمال إرهابية وجهادية مسلحة فى مناطق الصراع في العالم، وبعض الحالات لقيت حتفها أثناء رحلات هجرة غير شرعية.
لا يصدق إبراهيم كل ما يقوله المسؤولون عن الإخفاء القسري، ولا يريد إلا أن يعرف مكان شقيقه رضا، "نفسي أحمد يشوف أبوه اللي اتحرم منه 8 سنين".