تصميم أحمد بلال، المنصة، 2025
لم يكتف الإنفلونسرز بالوصول للنجومية في عالم السوشيال ميديا لكنهم اقتحموا عالم الكتابة والنشر الورقي أيضًا

من إنستجرام وتيكتوك إلى دور النشر والمكتبات.. الإنفلونسرز عندما يكتبون

منشور الأحد 30 مارس 2025

بين الكُتّاب ما يمكن أن نسميه عقدًا أدبيًا على غرار العقد الاجتماعي يقضي بأن من يتصدى للكتابة والإبداع عليه أولًا أن يقرأ ما كتبه سابقوه، كما تستعين دور النشر بلجانٍ للقراءة، تضم في عضويتها مَن تثق به لتقييم ما يصلها من مسودات للكتب، لكن يبدو أن هذا العُرف سقط أو جرى تجاهله أمام الإنفلونسرز، فهل غيَّرت السوشيال ميديا قواعدَ اللعبة في سوق الكتابة والنشر مع تغيّر أدوات النشر وطرق الوصول إلى الجمهور؟

مشاهير السوشيال ميديا والكتابة

اقتحم عدد من مشاهير السوشيال ميديا عالم الكتابة، وبرزت أسماء مثل علي غزلان صاحب كتابي مدمن نجاح وأشطر فاشل، وكنزي مدبولي صاحبة روايتي فرصة من دهب والضحية الثامنة، وبينما اختار الأول الكتابة عمدًا، فإن كنزي تلقت عرضًا من دار نشر لتكتب روايتها الأولى، حسب ما قالته في بودكاست تابع لمنصة أبجد الشهيرة المتخصصة في إتاحة الكتب أونلاين.

تخرجت صانعة المحتوى كنزي في كلية الإعلام بالأكاديمية العربية للنقل والتكنولوجيا. وتقدم محتوى توعويًا عن الاضطرابات النفسية والمشكلات التي تواجه المراهقات، وتشارك عبر حساباتها قصصًا عن حياتها مع خطيبها فراس و"مشاكل المرتبطين"، ولاقت روايتها الأولى فرصة من دهب إقبالًا كبيرًا، ما تسبب في إلغاء حفل التوقيع بسبب الزحام.

مشكلة معظم المشاهير أنهم لا يقرؤون جيدًا ويعتبرون الإبداع حالة من البوح والتعبير فقط

أما جو موسى الذي يلقب على تيك توك بـ"ملك الطاقة الإيجابية"، فيقدم محتوى متنوعًا يشمل الكوميديا والطبخ والتجارب الحياتية، وأصدر كتابين هما رحلتي من النقاش للبلوك، وسيكولوجو، وحققا رواجًا بين جمهوره. جو الذي يتابعه 12 مليونًا على مختلف المنصات، وصاحب كتاب رحلتي من النقاش إلى البلوك، الذي شارك به في معرض الكتاب 2023، يرى أن إقدامه على الكتابة مبادرة هدفها تشجيع الشباب الأصغر سنًا على القراءة، والغاية النبيلة نفسها يتبناها غزلان الذي يؤكد أن هدفه من الكتابة ليس ماديًا، ولكن "عندي رسالة".

غزلان طبيب وصانع محتوى وستاند آب كوميديان، يركز محتواه على الصحة والتنمية الذاتية، ويدير شركة للتسويق الرقمي، وموقع تمكين التعليمي، ويمتلك مركزًا طبيًا في الإسكندرية، وكانت له تجرية لم تستمر مع سلسلة مطاعم في القاهرة والإسكندرية. لم يحقق كتاب غزلان الأول مدمن نجاح النجاح المرجو، فأصدر كتابه الثاني أشطر فاشل ردًا على الانتقادات التي تعرض لها كتابه الأول.

164 تقييمًا بنجمة واحدة بنسبة 64% من إجمالي ريفيوهات كتاب مدمن نجاح، جودريدز، 16 مارس 2025.

ما أسس الكتابة؟

قد يرى البعض في كتابات مشاهير السوشيال محاولة لتسطيح الثقافة، وقد يعتبرها آخرون نافذة جديدة تعيد الشباب إلى عالم الكتب، حتى لو بدأوا من كتابات خفيفة، ويظل التحدي الحقيقي هو تحقيق التوازن بين الشهرة وجدية المحتوى، لكون الأدب لا يُقاس بعدد المتابعين، بل بقدرته على البقاء في الذاكرة وصناعة الأثر.

"مشكلة معظم المشاهير الذين يكتبون روايات أنهم لا يقرؤون جيدًا، ويعتبرون أن الإبداع حالةٌ من البوح والتعبير عن المشاعر والأحاسيس، وهنا يخرج العمل الأدبي فاقدًا لمعايير الكتابة نفسها، في حين أن أساس عملية الكتابة هو امتلاك المبدع للأدوات الفنية اللازمة"، يؤكد الشاعر والناقد وعضو اتحاد كتاب مصر إبراهيم موسى النحاس لـ المنصة.

يحدد النحاس أهم معايير الحكم على جودة وأصالة العمل الأدبي في "سلامة اللغة ومعرفة آليات كتابة العمل نفسه، والتي تختلف من مقال لرواية لقصة قصيرة أو شعر".

أما الاقتصار على البوح، فلا يعتبره النحاس، أدبًا ولا إبداعًا. "هناك بعض الأعمال الأدبية التي يُطلق عليها رواية، لكنها حالة من البوح والأحداث المفككة، بل والكاتب يقحم النصائح داخل النص وكأنه خطيب على المنبر".

كنزي مدبولي مع والد إحدى متابعاتها في معرض القاهرة للكتاب على هامش حفل توقيع رواية الضحية الثامنة، 27 يناير 2025

ويرفض الاستناد لمبدأ "حرية الكتابة"، في تقبل ما يكتبه مشاهير الشوشيال "حرية الكتابة نقولها عندما يكون الكاتب مثقفًا في المقام الأول، وامتلك جميع أدواته الفنية وناصية اللغة، وعنده وعي كافٍ ومطَّلع على المدارس الأدبية المختلفة".

يختلف الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب جامعة القاهرة، الذي يرى أن المعايير التفصيلية لجودة وأصالة العمل الأدبي، وقيمته بوجه عام، يمكن أن تكون متغيرة من فترة لأخرى، ومن ثقافة لأخرى، ومن مجتمع لآخر، تبعًا لتغير الذائقة.

يرفض حمودة المصادرة على حرية الأفراد في كتابة ما يشاؤون، سواء كانوا إنفلونسرز أو غيره "من حق الجميع أن يكتبوا، ومن حق القراء أن يقيموا وأن يصدروا أحكامهم"، يقول لـ المنصة.

فيما يضع الكاتب والروائي سعد القرش معيارًا فاصلًا بين "الكتابة السطحية التي تُقرأ لمرة واحدة والكتابة الصالحة للعيش لأجيال قادمة هو العمق والجمال"، ويشير إلى أن كتابات مشاهير السوشيال ميديا تكون في الغالب خفيفة صالحة للنشر على السوشيال ميديا كتدوينات، أما الكتب فلها قدسيتها.

يبدي صاحب رواية "2067" احترامًا لـكتب الإنفلونسرز، ويعتبرها "كتابة"، لكنه يشك في "أنها ستعيش لبضع سنوات قادمة. الكتابة الأدبية الحقيقية هي التي تتميز بالعمق بمعنى أن تتعدد مستويات الوعي في استقبالها حتى عند نفس الشخص. فتصبح كتابة تجدد نفسها باستمرار".

ماذا تقرأ أجيال z؟

يرى الكاتب والروائي أحمد عامر أن جمهور الشباب الآن لا-انتقائي، أي لا يختار المحتوى الذي يتعرض له، وفكرة القراءة لم تعد مطروحة أمامه كثيرًا، وحل محلها السوشيال ميديا التي تعطي وهمًا للجيل الأصغر أنه يعرف كل شيء بمجرد مشاهدته لمقاطع فيديو قصيرة.

ومع حاجة المجتمع الملحة للثقافة، التي يرى عامر أنها في الأساس موجودة في الكتب، ومع اتساع شعبية الإنفلونسرز، أصبح عددٌ منهم يدعون أنهم مثقفون.

علي غزلان مع كتابه الثاني أشطر فاشل، معرض القاهرة الدولي للكتاب، 27 يناير 2023

ويضيف لـ المنصة أن الجمهور غير المثقف هو الذي ينجذب لهم، فيظن أن الإنفلونسر المشهور صديق له، ويعتبر نفسه صديقًا لكاتب، وذلك بفضل التواصل المباشر بينهم على السوشيال ميديا، إضافة إلى أن هذا الجمهور في الأساس لم يقرأ الأدب الحقيقي حتى يقارن بينه وبين ما يكتبه الآخرون، كما أن المجاملات تلعب دورًا كبيرًا خاصة على السوشيال ميديا، فيتوهم الكاتب أن ما كتبه إبداع، بينما هو مجرد خواطر أو قصة بدون أي دراسة لكيفية كتابتها أو معرفة حتى بأسسها.

في مقابل الحكم القاطع الذي أصدره عامر فإن تعليقات متابعي الإنفلونسرز على بوستات كتبهم تبدو مغايرة، فغالبيتها يشجعهم على الاستمرار ويشيد بأعمالهم.

وتتفاوت آراء عدد من شباب القراء بين قبول ورفض كتابات مشاهير السوشيال، ففي حين تحب رويا عبد الرازق، 22 سنة كتاب المعنى في طريقي لحسام هيكل، لأنها ترى "أنه كان إيجابيًا وروى فيه حكايته بشكل ملهم، تقول لـ المنصة إنها اشتريت كتاب "مدمن نجاح" لعلي غزلان حتى صدى الشهرة الذي حققها، لكنها "لم تستطع قراءة أكثر من خمس صفحات لأنه كان مملًا".

ولم يفكر عبد الرحمن أشرف، 21 سنة،"يومًا في شراء كتاب لشخص مشهور كل إنجازه أنه يمتلك آلاف المتابعين"، مؤكدًا أنه حاول قراءة بعض الاقتباسات من كتابات الإنفلونسرز أمثال علي غزلان وكنزي مدبولي لكنها لم تنل إعجابه "أرى أن الإنفلونسر يستطيع توصيل رسالته بطرق أخرى غير الكتب، التي لا أعتقد أنها مجاله الأصلي".

ويعتبر بيجاد عبد الرحيم، 24 سنة، "الكتابة بعد الشهرة في الغالب نوعًا من البيزنس. المهم الاسم على الغلاف وليس محتوى الكتاب. لكن في المقابل، يوجد من أثبتوا موهبتهم، مثل أحمد يونس الذي نجح في سلسلة نادر فودة".

جودة أقل شهرة أكثر

يستثني زكي محمد، مدير دار إشراقة للنشر والتوزيع، كتب بعض المشاهير من القواعد التي تضعها دار النشر للمحتوى، لكنه يشترط قيام الدار بإعادة صياغة الكتاب مرة أخرى، و"الكثير من المشاهير يوافقون على ذلك في حالة أن المحتوى جيد ولكنه يحتاج لإعادة صياغة".

يؤكد زكي لـ المنصة أنه يلتزم بحد أدنى لجودة المحتوى يجب أن يتوافر في أي كتاب تنشره الدار، وهناك "لجنة القراءة هي مَن تُقيّم جودة العمل حتى لو كان الكاتب مشهورًا وعنده ملايين المتابعين".

في المقابل هناك الكثير من دور النشر، حسب مدير  "إشراقة"، تنشر ما سيحقق مبيعات مرتفعة بغض النظر عن المحتوى. لكن بعد فترة يكتشف القراء أن الكتاب لا قيمة له وتتوقف الدار عن طباعته، كما توجد دور أخرى تتعامل كأنها مطبعة فقط ليس إلا.

ويؤكد يحيى فكري مدير دار المرايا للنشر لـ المنصة أنه لم يتعامل مع إنفلونسرز من قبل، لكن للدار قواعد محددة للنشر ولا تخضع لأي استثناءات، مؤكدًا وجود لجان قراءة، والفروق بين الكتب تكون وفق أهمية الكاتب وتتمحور في حقوق المبيعات.