منشور
الاثنين 4 سبتمبر 2023
- آخر تحديث
الاثنين 4 سبتمبر 2023
يعتقد الشاعر والروائي العُماني زهران القاسمي، الحائز على الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر عربية) هذا العام، أن الأدب العُماني، على أهميته بين الأدب العربي، لم يُلتفت إليه إلا في السنوات العشر الأخيرة، بفضل السوشيال ميديا وشبكات القراء والإنفلونسر، وما لها من تأثير على تحديد مقروئية القارئ "حتى صار لهم دور موازي لدور الناقد"، وكذلك حصول أدباء عُمانيون على جوائز أدبية عربية وعالمية غير أنه مع هذا يقول في حواره للمنصة، التي التقته على هامش جولته في مصر لترويج روايته الفائزة تغريبة القافر، إن حصوله على البوكر "لا يعني لي شيئًا".
خلال السنوات القليلة الماضية فاز الأديبان جوخة الحارثي بجائزة "مان بوكر" العالمية، وبشرى خلفان بـ"كتارا"، وفي حين يرى زهران أن "للجوائز أهمية في توجيه الإعلام والقراء"، فإنه يفسر عدم اكتراثه بفوزه بالبوكر، مشيرًا إلى أن ترشحه للجائزة جاء من قبل دار رشم السعودية، "فوفقًا لشروط الجائزة لا يُسمح للكاتب بترشيح عمله"، وكأنه بهذا لم يكن ينتظر ترشحه أو حصوله على الجائزة، لكنه في الوقت ذاته يُحدد مكتسباتها في كونها "أضافت لي انتشارًا كبيرًا في التسويق وزيادة معدل قراءة الرواية، كما ألقت الضوء على اسمي وما تبعه من بحث القراء عن نتاجي الأدبي السابق الذي أعتقد أنه جيد، بجانب إتاحة الفرصة لي بزيارة مصر بعد حصول دار صفصافة على حقوق طبع النسخة المصرية".
وكان صاحب "تغريبة القافر" انطلق في جولة لتسويق روايته بمصر لمدة أسبوع في الفترة من 19 أغسطس/آب الماضي، وحتى 25 من الشهر نفسه، نظمتها دار صفصافة؛ بدأت بحفل توقيع روايته المتوجة بالبوكر في مكتبة "ديوان" بحي الزمالك، وتلاها حفل آخر في مكتبة "تنمية" بالمعادي، ثم إلى المنصورة للقاء قرائه في نادي القصة بالمحافظة، ومنها إلى مكتبة الإسكندرية، حتى اختتم جولته في مكتبة "ميكروفون" بالدقي، وهو ما يثمنه القاسمي ويعده طريقة عالمية في ترويج العمل الأدبي،"فوجود المؤلف وسط القراء له تأثير كبير، ليس في حدوث النقاشات وتوثيق الصلة بين المؤلف وقرائه فحسب، بل أيضًا في تسويق العمل ورفع معدل قراءته ومبيعاته".
مصر ليست الوحيدة الحائزة على حقوق طباعة الرواية، فقد حصلت عليها أيضًا دار الرافدين بالعراق، ودار ضمة بالجزائر، بالتعاون مع دار مسكلياني، ويُعده القاسمي "انتشارًا أوسع للرواية بتكلفة أقل، ما يعني سعرًا في متناول القارئ". غير أن ذلك الاحتفاء الكبير، الذي أعقب فوزه بالبوكر، لم يقه الانتقادات التي وُجهت إليه وأرجعت فوزه إلى سياسات الجائزة في مراعاة التوزيع الجغرافي، كونه أول روائي عُماني يحصل عليها، لكنه يرد على أحقيته في الفوز باستحياء قائلًا "أنا مُطّلع على قوانين الجائزة، وأستبعد أن يكون هذا سببًا في فوز روايتي، لأنه ليس من المنطقي منح جائزة لرواية ما حسب التوزيع الجغرافي على حساب روايات أخرى جيدة، إنما هي وجهة نظر لجنة التحكيم وذوقها الخاص بها".
وواجهت جائزة البوكر منذ انطلاقها في عام 2009، انتقادات شتى تتعلق بنزاهة التحكيم، من ضمنها التحيز الجغرافي، خاصة عندما يفوز بها كاتب لأول مرة من جنسيته.
مشروع بيئي
تطرق "تغريبة القافر" موضوعًا لا تناقشه عادة الرواية العربية المعاصرة، وهو المشكلات البيئية المتعلقة بندرة المياه، اعتمادًا على فكرة أن الماء يمكنه أن يكون سببًا في الموت سواء بوفرته أو قلته، ويقول القاسمي "هي رسالة وفكرة مبطنة داخل العمل حاولت الاشتغال عليها، ولم أوضحها بشكل كامل لكنها متروكة لفهم القارئ".
ويؤكد القاسمي أن قضايا البيئة والمناخ جزء رئيسي في مشروعه الأدبي، غير أن السؤال هو كيف التقط طرف الخيط للبدء في كتابة رواية عن قضية مثل تلك، "هي فكرة قديمة كانت موجودة ضمن مشاريعي عن المناخ"، لكنه لم يكن يعرف كيف يصيغها، "حتى حدثت لحظة الشرارة أو الإلهام التي انطلقت منها وهي تخيل شخصية سالم التي يمكنها سماع صوت الماء في باطن الأرض"، مؤكدًا وجود مهنة القافر بالفعل وهي التعرف على أماكن وجود المياه، "غير أنه لا يمكن لأحد سماع صوت الماء في باطن الأرض كبطل روايتي".
واستغرقت رحلة كتابته الرواية منذ لحظة البدء حتى الانتهاء منها عامين من البحث والقراءة والكتابة "كنت أبحث وأكتب في نفس الوقت"، مستعينًا بالمراجع العلمية المختصة بالأفلاج وتقسيم المياه في القرى، والنظام المائي الذي كان متبعًا، والأدوات التي كانت تستخدم في الحفر "كله بما يفيدني في تصور الكتابة".
في الوقت نفسه استمع إلى حكايات العجائز الذين عملوا في حفر الأفلاج "بدت أجزاء من حكاياتهم مأساوية خاصة فيما يتعلق بالمآسي التي لاقوها أثناء الحفر كانفجار الماء فجأة وعدم قدرتهم على النجاة، أو انهيار الأسقف عليهم، وكلها استفدت منها ووظفتها داخل العمل".
توظيف الغربة والائتلاف
يعيش قارئ "تغريبة القافر" أجواء من الغرائبية بخاصة مع سيطرة الخرافات والجهل والاعتقاد في العوالم السفلية وسطوة الجن على شخصيات الرواية من دون محاولات للتمرد على هذا النمط الفكري، وهو ما يعزيه القاسمي إلى أنه "لكل زمان ثقافته الخاصة، ونحن هنا نتحدث عن زمن قديم كانت تتسيد فيه الخرافات باعتبارها حقائق مسلم بها، فالمجتمع حينذاك لم يكن لديه من الوعي الكافي لاستيعاب بعض الأمراض والاضطرابات العقلية، فكان من الأسهل ربطها بالعالم السفلي والسحر والخرافة".
يلفت القاسمي إلى أن إحدى أدوات الكاتب خلق شخصيات تتوائم مع زمانها "لم يكن ممكنًا تمتع الشخصيات بثقافة عالية في زمن غير الذي نعيشه"، غير أنه لا يعد جميع الشخصيات متشابهة في معتقداتهم أو متماهية مع الخرافات، "خلقت شخصيات أكثر وعيًا في حدود عصرها مثل الطبيب الشعبي الذي مر على القرية وحاول معالجة الصداع الذي يضرب رأس مريم (إحدى شخصيات الرواية) بلا رحمة بالطب الشعبي، وهو أمر ليس له علاقة بالخرافات وإنما بمعرفة ماهية المرض ومحاولة علاجه بالنباتات"، يقول مؤلف التغريبة.
خيال وميثولوجيا
يحيلنا حضور العوالم السفلية والغرائبية في الرواية إلى الاعتقاد بأن عددًا من حكايات شخصياتها هي قصص تراثية، ربما سمعها صاحب المجموعة القصصية سيرة الحجر، من المرويات الشفاهية أو من حكايات الجدات وأعاد صياغتها، غير أنه ينفي ذلك متباهيًا بأن كل الشخصيات من نسج خياله "كل الحكايات من الخيال، كل ما فعلته هو الاستفادة من جوهر الفكرة فقط، فعندما قالت شخصية أم الوعري أن ابنها استبدل بنفر من الجن، فإنني هنا استفدت فقط من الفكرة التي كانت منتشرة في الثقافة الشعبية في وقت ما عن استبدال الطفل، الذي يظهر عليه أعراض معينة مثل الاضطرابات العقلية أو السلوكية، بالجن، لكن حكاية الوعري وأمه من خيالي كليًا".
لم يوظف القاسمي، الحائز على جائزة الإبداع الثقافي من الجمعية العمانية للكتاب والأدباء عام 2015، التراث فحسب، بل استفاد أيضًا من الميثولوجيا الإغريقية يظهر ذلك في التشابه بين شخصية نصرا، التي اختارت انتظار عودة زوجها سالم، وهي تغزل الصوف مطلقة على كل خيط اسم واحد من الأفلاج التي دخلها زوجها، مع أسطورة بينلوبي التي انتظرت زوجها أوديسيوس رافضة الزواج.
لسان الشعر
وبخلاف ما واجهه القاسمي من انتقادات حول فوزه بالبوكر، فإنه واجه أيضًا انتقادات متعلقة باللغة، بخاصة فيما يتعلق باستخدامه اللهجة المحلية، التي رأى البعض أنها استعصت على الفهم، غير أن القاسمي لم يكن لديه أدنى تخوف من عدم فهم القارئ للهجة بلاده "لم يراودني أي نوع من القلق حيال عدم فهم القارئ العربي للحوار في الرواية، بل تعمدت الكتابة باللهجة المحلية كونها هي المعبرة عن البيئة، حتى يكون الحدث حقيقيًا من حيث جعل الأشخاص يتحدثون لهجتهم"، موضحًا أنه كان بإمكانه كتابة الحوار بالعربية الفصحى، "غير أن هذا سيضع علامة استفهام؛ هل الشخصيات في حياتها تتحدث الفصحى بالفعل؟"، لذلك قرر انطاق الشخصيات بلهجاتهم، "حرصت أن تكون اللهجة مخففة يفهمها القارئ العربي من كل الدول، بجانب كون الحوار بين الشخصيات مقتضبًا، وحتى إن استعصت بعض المفردات فيمكن للقارئ فهمها من سياق الكلام"، يدافع الروائي العماني.
ثمة ملاحظة ثانية حول اللغة تنبثق من كون زهران شاعرًا في الأساس صدر له عشرة دواوين شعرية، ما يعني امتلاكه حساسية إضافية تجاه اللغة، لكن مع ذلك يلمس القارئ في بعض الأحيان اعتماده على الأسلوب التقريري في كتابة الرواية، يبرر ذلك بقوله "للغة مستويات عدة، واستخدام كل مستوى يعتمد على الموقف، وهناك بالفعل مستويات لغوية في الرواية، فالحدث هو ما كان يحتم عليّ استخدام التقريرية في أحيان، واللغة الشاعرية في أحيانٍ أخرى".
في نهاية حواره مع المنصة لم يفصح صاحب "تغريبة القافر" عن مشروعه الروائي الخامس، والذي يأتي بعد "جبل الشوع"، و"القناص"، و"جوع العسل"، وأخيرًا "تغريبة القافر"، مكتفيًا بالإشارة إلى أنه سيكون عملًا متعلقًا بقضايا البيئة أيضًا، "لكني مازلت في مرحلة البحث، وأحتاج إلى تجميع مصادر بعضها قديم ومكتوب بلغات أخرى يستعصي عليّ فهمها، ولكني لست متعجلًا".