لا بشار ولا المعارضة، راية رمادية رفعتها الحكومة المصرية، وتبعها الإعلام الموالي، في وجه تطورات المشهد السياسي السوري، بعدما نجحت فصائل المعارضة المسلحة في إسقاط الأسد خلال 10 أيام فقط، عقب هجوم مباغت على حلب وإدلب بدأ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لينهي 13 عامًا من الحرب وجرائم الطاغية الابن بحق المعارضين.
لم تتخذ القاهرة موقفًا واضحًا، اكتفت بالتأكيد على وحدة مؤسسات الدولة وأهمية الاستقرار، وهو ما انعكس على تناول إعلامها الرسمي للأحداث، وأرجعه محللون تحدثوا لـ المنصة إلى "ضبابية المشهد"، إلا أن بعض رموز الإعلام استغلوا الأحداث للتحذير من "مخططات تفكيك مصر".
موقف "غير مؤثر"
منذ اندلاع الأحداث في سوريا، تحدث وزير الخارجية بدر عبد العاطي مع نظيره السوري بسام صباغ مرتين؛ الأولى في 30 نوفمبر الماضي والثانية قبل 4 أيام، لمتابعة تطورات الأحداث، وقال عبد العاطي وقتها أنه نقل قلق مصر من التداعيات الوخيمة على المنطقة بأسرها، مؤكدًا موقف القاهرة الداعم للدولة السورية وسيادتها ووحدة وسلامة أراضيها ومكافحة الإرهاب.
الموقف المصري في هذه القضية لا يُقدم ولا يُؤخر.. والقاهرة لم يكن في نيتها التدخل
ثم جاءت سلسة اتصالات أجراها عبد العاطي، الأربعاء الماضي، مع نظرائه في أمريكا أنتوني بلينكن، والتركي هاكان فيدان، والإيراني عباس عراقجي، ونائب وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، ليؤكد الأمر نفسه.
ليأتي بيان وزارة الخارجية اليوم، بعد رحيل الأسد لوجهة تبين لاحقًا أنها روسيا، دون جديد، مكتفيًا بوصف سقوط الديكتاتور السوري بـ"التغيير"، مؤكدًا وقوف مصر إلى جانب الدولة والشعب ودعمها لسيادة سوريا ووحدة وسلامة أراضيها، إلى آخره من الكلمات الدبلوماسية المنمقة التي شملت التأكيد على العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لإنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، ودعم العودة الآمنة للاجئين.
الموقف المصري فسره أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد لـ المنصة بأنه انتظار لما تسفر عنه الأحداث خاصة مع تسارعها، موضحًا "التطورات حدثت بسرعة ولم يكن لمصر أي فرصة للتأثير على ما يحدث هناك"، قبل أن يستدرك "الموقف المصري في هذه القضية لا يُقدم ولا يُؤخر" فالقاهرة لم يكن في نيتها التدخل، واكتفت بمراقبة الوضع دون دعم تيار بعينه.
انتقد السيد ما اعتبره انتظارًا، يقول "السياسة الخارجية في مصر تفتقد أدوات الفعل في مثل هذه المواقف وتكتفي بالانتظار لفهم ما يجري".
كالظل انعكست رمادية الموقف المصري على الإعلام الرسمي ولم يتبنَ موقفًا
التطورات المتسارعة بدأت بهجوم شنته هيئة تحرير الشام وفصائل متحالفة معها في 27 نوفمبر ضد الجيش السوري في حلب أسفر عن السيطرة على المدينة ثم لحقتها مدينة إدلب، معلنة إحياء العملية السياسية بسوريا.
وجبهة النصرة، أو هيئة تحرير الشام، أدرجها مجلس الأمن عام 2014 على قائمة عقوبات الكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة، كما صنفتها الولايات المتحدة "إرهابية" منذ عام 2012، وهي تنظيم مسلح تشكل إبان الثورة الشعبية ضد نظام الطاغية بشار الأسد على يد أبو محمد الجولاني.
ظل الحكومة
كالظل، انعكست رمادية الموقف المصري على الإعلام الرسمي، ولم يتبنَ موقفًا، فظلت قنواته تتابع التطورات بشكل خبري فقط، حسب مصدرين مسؤولين بفضائيتين تابعتين لمجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية تحدثا لـ المنصة.
المصدران، اللذان طلبا عدم نشر اسميهما، اتفقا على أن تعليمات بالتركيز على دعم طرف بعينه في الصراع السوري لم ترد، حتى عقب الإعلان عن سقوط بشار، وقالا إن القنوات ملتزمة بتوجه الدولة ولن تحيد عنه ولا يمكنها تبني موقف بخلاف ما تعلنه الخارجية المصرية.
"الإعلام المصري متمسك بما تردده الدولة بالحفاظ على وحدة سوريا وأراضيها ومؤسساتها دون انتهاك"، حسبما فسر العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة حسن عماد مكاوي لـ المنصة، مشيرًا إلى تنفيذ أمريكا مخططها في الشرق الأوسط باستخدام إسرائيل، من خلال تدمير دولة تلو الأخرى.
تجويد مصري
ولكن إضافة لترديدهم الموقف الرسمي، استغل بعض رموز الإعلام، الذين طالما تبنوا موقف النظام، التطورات السورية للتحذير من التبعات على مصر والمنطقة.
قال الإعلامي أحمد موسى عبر فضائية صدى البلد إن الرئيس عبد الفتاح السيسي حذر مرارًا وتكرارًا من محاولات هدم الدول وما لها من تأثير على الأوطان، مضيفًا "لازم اللي بيحصل في سوريا يكون أمام عنينا، هناك أكثر من علم في سوريا، روسي وأمريكي وإيراني وتركي وإسرائيلي، وأكثر من 50 ألف مواطن بدأوا عملية نزوح في مناطق مختلفة".
بكري: الهدف ليس تغيير نظام الأسد.. الهدف الانتقال من سوريا إلى كل دول المنطقة
وأما الإعلامي مصطفى بكري، فزعم أن مصر هي المستهدفة، وقد تكون التالية، قائلًا عبر إكس، إن "كل ما يجري في المنطقة من مؤامرات وتخطيط صهيوني، إقليمي، دولي، هدفه مصر، مصر العصية".
"اقرأوا مخطط برنارد لويس"، قالها بكري، محذرًا "تابعوا تصريحات المسؤولين والإعلام الإسرائيلي، وحملاتهم المسمومة على الجيش المصري، بالتزامن مع هجمات الصهاينة والخونة والإرهابيين ساعتها ستدركون أن ما يجري حولنا من حرب اقتصادية وحصار على كل الاتجاهات الاستراتيجية، هدفه مصر وجيشها. ما يجري في سوريا خطير. الهدف ليس بشار الأسد أو تغيير النظام. الهدف الدولة السورية، والحرب الأهلية، والانتقال من سوريا إلى دول المنطقة، كل دول المنطقة".
وحسب كتاب "الربيع العربي.. ثورات أم مؤامرات" للكاتب علي كريم حسين، تم وضع مشروع لتفكيك الدول العربية في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمى كارتر.
يُشير الكتاب إلى خريطة برنارد لويس التي تقسيم مصر إلى أربع دول؛ مسيحية في الصحراء الغربية وعاصمتها الإسكندرية، ونوبية في الجنوب، وإسلامية في الدلتا، وسيناء والصحراء الشرقية التي تنضم إلى إسرائيل الكبرى.
الموقف الرسمي الرمادي من التطورات في سوريا اعتبره السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، في تصريح إلى المنصة "متماشيًا تمامًا مع إرادة الشعب السوري" الذي استقبل قوات المعارضة في الميادين بعد سقوط النظام. لكن حسن عماد مكاوي يرى أن جميع الدول العربية تتخذ موقف المتفرج مما يحدث في سوريا، حتى يحين دورهم "الذي سيأتي حتمًا إذا استمرت الأوضاع بهذا الشكل".