حساب المتحدث بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي على إكس
اعتقال جيش الاحتلال الإسرائيلي 240 فلسطينيًا من مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، 28 ديسمبر 2024

خسِر المعركةَ من ربِحها.. تحليل "واقعي" لحرب غزة

منشور الاثنين 13 يناير 2025

"إسرائيل تحبس الفلسطينيين في غزة، داخل سجن كبير، وتعاملهم بقسوة، وما حدث في السابع من أكتوبر كان محاولة لهدم ذلك السجن"، يلخصُ أستاذ العلوم السياسية الأمريكي جون ميرشايمر، في مقابلة مع قناة TRT التركية، رؤيته وتصوراته لعملية طوفان الأقصى وما تبعها من تداعيات مدمرة على غزة، وحرب اتسعت ساحاتها في الشرق الأوسط.

ميرشايمر ليس وحيدًا في خندق إدانة إسرائيل التي قاربت حربها على غزة نحو 14 شهرًا، وإنما يقِفُ معه نخبة من منظري المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية السياسية، منهم ستيفن والت.

يرفض ميرشايمر ووالت الانتهاكات والممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، كما يدينان السياسة الخارجية الأمريكية التي تقدم دعمًا غير مشروط لإسرائيل، وينتقدان نشاط اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة للتأثير على سياستها تجاه إسرائيل.

ويرى مُنَظِّرَا الواقعية أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل لا يحقق مصالح الأولى، كما أن انتهاكات الثانية ضد الفلسطينيين ليست في مصلحة إسرائيل كذلك.

فلسفة المنظور الواقعي

تقدِّم "الواقعية" تفسيرًا لسلوك الدول بناءً على رغبتها في تعظيم قوتها، وتعتبر أن النظام الدولي نظام فوضوي لا توجد فيه سلطة مركزية، فتسعى كل دولة لتأمين نفسها بشكل ذاتي من خلال كسب مزيد من القوة وتعظيم قدراتها المادية، خاصةً القدرات العسكرية والاقتصادية.

إسرائيل تسعى لتشكيل شرق أوسط جديد أكثر ودية معها ومع الولايات المتحدة

تتبنى تلك المدرسة عددًا من النظريات، من ضمنها نظرية الواقعية الهيكلية الهجومية التي قدمها ميرشايمر، وتتلخص في أن الدول تسعى لتعظيم قوتها كلما استطاعت، وأنها إذا تمكنت من الهيمنة على غيرها ستفعل، ولن تتوقف عن تعظيم قوتها وتوسعها.

هناك أيضًا نظرية الواقعية الدفاعية التي ترى أن توسع الدولة الزائد أو استمرارها في التوسع غير المحدود يضعفانها ويؤديان لنهايتها، مثلما حدث مع ألمانيا النازية(*).  

الحرب على غزة

ثمة اعتقاد شائع عن الواقعية بأنها لا تعطي أهميةً للأخلاق في رؤيتها للعالم، ولا تركز إلا على المصالح المادية للدول، في عالم تحكمه القوة، لكن ميرشايمر يتبنى موقفًا أخلاقيًا تجاه غزة وضد إسرائيل وينتقد دعم الولايات المتحدة غير المشروط لها.

يقول في حوار مع صحيفة "اتحاد أكسفورد" في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، معبرًا عن رأيه في الصراع الدائر بالشرق الأوسط، والحرب الأوكرانية الروسية، إن إسرائيل في "ورطة كبيرة" بسبب ثلاثة صراعات مع "حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والصراع المباشر مع إيران".

ويوصّف سياسات إسرائيل في غزة والضفة الغربية باعتبارها "فصلًا عنصريًا"، وأن الهدف الذي يسعى الإسرائيليون إليه هو تطهير غزة عرقيًا، إضافة لرغبتها في تطهير الضفة الغربية أيضًا، وأن حربها ضد غزة إبادة جماعية.

وانتقد ميرشايمر التوغل البري الإسرائيلي في لبنان، ويرى أن إسرائيل تزيد من أزمتها وتنغمس في مزيد من الصراع، نظرًا لما يتمتع به حزب الله من قوة عسكرية، وقدرات صاروخية، وما يمثله من خطر وتهديد دائمين لإسرائيل، خصوصًا من المناطق الشمالية من إسرائيل المتاخمة للبنان.

ستنجو حماس من الحرب أو ستظهر حركات أخرى لمقاومة الاحتلال

ويعتقد أن إسرائيل تسعى لجرّ إيران والولايات المتحدة إلى حرب شاملة بهدف تدمير المنشآت النووية الإيرانية والتعجيل بـ"تغيير النظام" في إيران، وأن الهدف الأساسي لإسرائيل يتمثل في تشكيل شرق أوسط جديد أكثر وديةً لإسرائيل وللولايات المتحدة، وهو هدف يراه ميرشايمر "وهميًا".

الواقعية والأخلاق

ينضم والت، الذي ألف مع ميرشايمر كتابين، إلى زميله في دحض الفكرة الشائعة بأن الواقعية لا تعبأ بالأخلاق، ويقول إن من يعتقد ذلك لا يعرف الواقعية حقًا.

ورغم أن الواقعيين أول من قدموا تفسيرات بأن العالم لا تحكمه حكومة مركزية، وأن الدول لن تتردد في اللجوء لما يحقق مصالحها ويعظم قوتها، خاصةً القوة العسكرية والمادية، ما دام لا يوجد من يمنعها، فإن والت وميرشايمر يرفضان حرب إسرائيل على غزة والدعم غير المشروط من الولايات المتحدة وإدارة بايدن لها. 

ويعتبران غزو إسرائيل لغزة من أجل تحقيق الهدف المتمثل في القضاء على حماس محكومًا بالفشل. وذلك لإدراكها ما يواجهه الغزاة من صعوبة عادةً عند محاولتهم الهيمنة على دولة أخرى، أو تدميرها. وأنه من الواضح أن حماس ستتمكن من النجاة، وإذا لم يحدث ذلك فإنه ستظهر حركات مقاومة جديدة، طالما يخضع الفلسطينيون للاحتلال، ويحرمون من حقوقهم السياسية الأساسية.

رفض التواطؤ الأمريكي

يعارض الواقعيون تواطؤ الولايات المتحدة مع إسرائيل، لأنه يمكن أن يقوض مكانة الولايات المتحدة عالميًا؛ يقول والت "لقد أوضحت حرب غزة أن التزام الولايات المتحدة بالنظام القائم على القواعد هو أمر لا معنى له".

وأبرز مثال على ذلك الفيتو الذي طالما استخدمته الولايات المتحدة ضد قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الداعية لوقف إطلاق النار. وتشير استطلاعات رأي في تقرير صادر عن معهد سياسة الشرق الأدنى في واشنطن إلى أن شعبية الولايات المتحدة انخفضت بشكل كبير في الشرق الأوسط، كما تأثرت شعبيتها أيضًا في أوروبا، في مقابل زيادة نسب التأييد للصين وروسيا وإيران.   

يعترض الواقعيون أيضًا لأن الدعم الأمريكي لإسرائيل يكلفها مليارات الدولارات تستخدمها إسرائيل في تدمير غزة. وبالرغم من أن هذه المساعدات ليست كبيرةً مقارنة باقتصاد الولايات المتحدة، فإن من الأفضل إنفاقها لمساعدة الأمريكيين بدلًا من المساعدة على قتل الفلسطينيين.

كما تستهلك الحرب قدرًا كبيرًا من وقت المسؤولين الكبار، وبدلًا من تخصيص أوقاتهم لمعالجة الصراع كان من الممكن زيارة حلفاء آخرين، أو تطوير استراتيجيات فعالة للمنافسين في آسيا، أو لدعم أوكرانيا، أو معالجة قضايا عالمية مثل تغير المناخ.

تخسر الولايات المتحدة كذلك من دعمها لإسرائيل، بينما روسيا والصين تربحان، فالمذابح التي تحدث في غزة تعطي مصداقية لتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الصيني شي جين بينج، بأن قيادة الولايات المتحدة العالمية تنشر المعاناة والصراع، وأن العالم سيكون أفضل في نظام متعدد الأقطاب.

في المقابل، يرى الواقعيون أن إسرائيل لا تقدم فوائد استراتيجية للولايات المتحدة، وإن جادل البعض بأنها كانت مفيدة في فترة الحرب الباردة، وشكلت مركز ثقل للتوازن مضادًا للنفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط حينها.

لكن الحرب الباردة انتهت، والزعم أن إسرائيل قوة موازنة ضد إيران والإرهاب يتجاهل كون علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة من أسباب تدهور علاقات الأولى مع إيران، كما أنها أحد الأسباب التي دفعت تنظيم القاعدة لمهاجمة الولايات المتحدة. 

اللوبي الصهيوني

مواجهة اللوبي الصهيوني ونقده كانا جزءًا من توجهات والت وميرشايمر اللذين يريان أن اللوبي الإسرائيلي يبث دعايته للحصول على دعم الأمريكيين، ويروج لأن إسرائيل حليف للولايات المتحدة، وأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط التي تشارك الأمريكيين قيمهم، وأن دعمها يحقق مصالحهم.

وبالنسبة لميرشايمر، فإن هذه الدعاية غير صحيحة، والسبب الحقيقي لدعم الولايات المتحدة لإسرائيل هو اللوبي الإسرائيلي، وليس وجود مصالح استراتيجية أو أخلاقية مشتركة بينهما. 

إذا كانت الواقعية تؤيد اتخاذ الدول لسياسات من الممكن أن تكون غير أخلاقية في بعض الأحيان إن كانت تضمن تحقيق مصالحها، فإن ميرشايمر ووالت ينتهيان إلى أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في قتل المدنيين وتدمير غزة أمر غير أخلاقي، علاوة على أنه لا يحقق لها أي مصالح، بل يؤدي لتقويضها.


(*) أحمد محمد وهبان، "الواقعيون وتحليل العلاقات الدولية من مورجانثو إلى ميرشايمر: دراسة تحليلية للنظرية الواقعية عبر ستة عقود"، مجلة كلية الحقوق للبحوث القانونية والإقتصادية، 1، (2016)، 1236-1196، https://faculty.ksu.edu.sa/sites/default/files/lwqywn.pdf، (تاريخ الاتصال 22 نوفمبر 2024)، ص ص 1220-1222.