أحيانًا أكتب بوستات مجنونة على فيسبوك وتويتر، بغرض الهزار مع أصدقائي. بوستات عن كيف تنبأت بأحداث قبل أن تحدث. طبعًا هذه البوستات غير جادة بالمرة. لكن الصدف أحيانًا فعلًا تكون غريبة. كمقال كتبته سنة 2004 بعنوان "ماذا يحدث لو حكم الاخوان؟" تنبأت فيه بحدوث ثورة، لكنها ثورة إسلامية، ووصول الإخوان للحكم، وإن الرئيس سيكون "الملا زعبلة". وتنبأت فيه أيضًا بانقلاب عسكري على الإخوان يعيدنا لأيام أسوأ من أيام ناصر. والكثير من الاصدقاء يتذكرون جيدًا تويتات كتبتها عن حركة تمرد و30 يونيو، قبل أن يحدث أي شيء، محذرًا من أن ثمة انقلابًا عسكريًا يُعد له. لكن الحقيقة أن هذا لم يكن تنبؤًا بقدر ما هو استقراء لمعطيات الواقع، الذي غاب عن كثيرين من السياسيين والنشطاء، رغم خبرة بعضهم التي من المفترض أنها أكثر من خبرتي بعقود.
في عام 1838، أصدر الكاتب إدجار ألان بو رواية بعنوان "حكاية آرثر جوردون بيم من نانتاكت"، في الرواية مركب تغرق، ويتبقى من ركابها أربعة رجال وولد مساعد اسمه ريتشارد باركر (تذكروا هذا الاسم جيدًا). الرجال الأربعة، بسبب الجوع، قاموا بالتصويت عن طريق ما يسمى بطريقة القشة القصيرة، وكانت القشة القصيرة من نصيب الصبي، فقتلوه وأكلوه. بعد إصدار الرواية بـ 46 عامًا، وتحديدًا في 1884، غرقت مركب فعلًا كانت في طريقها من إنجلترا إلى أستراليا، وبقي منها أربعة رجال وصبي يبلغ من العمر 17 عامًا، الرجال الأربعة، فعلًا، قاموا بالتصويت، تمامًا كما حدث في الرواية، ولم تكن القشة القصيرة من نصيب أحد إلا الصبي الصغير! وأكلوا الولد، حتى لا يموتون من الجوع، والولد كان اسمه ريتشارد باركر!
إدجار ألان بو أيضًا قال إن الكون نشأ من انفجار عظيم، في قصيدة بعنوان "يوريكا"، قبل ظهور نظرية الانفجار العظيم ب 80 سنة، رغم إنه لا يعرف شيئًا عن الفيزياء والفلك. هذه القصيدة كتبها قبل موته بعام واحد، وقال النقاد عنها إنها كتابات رجل مجنون. لكن في عام 1984 قال عالم الفيزياء البريطاني إدوارد روبرت هاريسون، في كتابه "ظلام الليل"، أن قصيدة بو هي التي ألهمت اكتشافاته عن حركة الكون.
اقرأ أيضًا: قفزة ماو تسي تونج والإصلاح الجريء
سنة 1840 كتب بو أيضًا رواية "ذا بيزنيسمان"، الرواية تتكلم عن شخص أصيب في حادث عمل بصدمة في رأسه تسببت في تغير شخصيته. سنة 1848 العلماء أعلنوا أن الإصابة في الفص الأمامي للمخ تسبب تغير في التصرفات يميل الى العدوانية وحب التملك، ما يسمى بالـ "فرونتال لوب سيندروم". عالم الأعصاب، إيريك ألت شولر استغرب لما قرأ الرواية، وقال إن بو ذكر كل الأعراض كأنه طبيب.
الكاتب الأمريكي نورمان مايلر كتب رواية سنة 1948 بعنوان "شاطئ باربري"، أحد شخصياتها كان جاسوسًا روسيًا متخفيًا في أمريكا أثناء الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية، بعد نشر الكتاب بمدة قبض على جاسوس روسي متخفٍ بالفعل، والغريب أنه كان يسكن في نفس المبنى الذي كان يقيم فيه نورمان مايلر، صدفة وتصادف؟ ربما كان هذا الشخص بالفعل مريبًا للكاتب، وألهمه أن يستوحي منه شخصيته.
مارك توين ولد سنة 1835، وهي السنة التي مر فيها المذنب هالي بالأرض، وهو يمر بالأرض مرة كل 76 سنة، في سنة 1909 مارك توين قال نبوءة عن المذنب وعن نفسه، قال إنه عندما يعود هذا المذنب، سيرحل معه! في السنة التالية (1910) مر المذنب مرة أخرى بالأرض، ومات مارك توين في نفس اليوم فعلًا.
الكاتب الأمريكي مورجان روبرتسون، كتب رواية بعنوان "فيوتيليتي" أو "الفشل" في عام 1898. الرواية تحكي قصة سفينة ضخمة اسمها "ذا تيتان"! كان لقبها في الرواية "السفينة التي لا تغرق" أو "ذا إنسينكابول!" الاسم مش بيفكركم بحاجة؟ لسه لسه استنوا! "ذا تيتان" تغرق في شمال المحيط الأطلنطي بعدما تصطدم بجبل جليدي عائم! والركاب يغرقون بسبب عدم توفر مراكب إنقاذ كافية! السفينة الشهيرة "التيتانيك" غرقت بعد صدور هذه الرواية بـ 14 سنة كاملة، والصدفة أن تغرق أيضًا في شمال الأطلنطي، بعد الاصطدام أيضا بجبل جليدي، وغرق الركاب بسبب قلة مراكب الإنقاذ أيضًا.
في مقالي المنشور في يونيو/حزيران 2016، بعنوان "معسكر 30 سونيا يفوز ببريطانيا العظمى"، قلت إن بوريس جونسون سيصل لمنصب رئيس الوزراء في بريطانيا. وفعلًا أصبح بوريس جونسون وزيرًا للخارجية بعدها بشهر واحد فقط. ليس رئيسًا للوزراء كما تنبأت، لكن ما زالت أمامه الفرصة. في نفس المقال أيضًا تنبأت بوصول ترامب لرئاسة الولايات المتحدة وحدث. كما تنبأت بازاحة موجابي في زيمبابوي في مقال "كاريجامومبي"، وفي مقال "جمهورية فايمار" عام 2012، تنبأت بانهيار الجنيه المصري أمام الدولار وهو ما حدث بعد التعويم.
وفي تدوينة على مدونتي "الوعي المصري" عام 2008 بعنوان "البت ووترجتة الصايعة"، قلت إن المدونين سيزيحون حسني مبارك كما أزاح الصحفيون الأمريكان نيكسون، وفعلًا السوشيال ميديا هي التي أطاحت بمبارك شئنا أم أبينا. كما وجدت مقالًا لي نشرته في المجموعات البريدية عام 2003 عن كولن باول وجلسة مجلس الأمن الشهيرة عن أسلحة العراق المحظورة محذرًا من موت ملايين البشر قبل غزو العراق. وفي عام 2008 أيضًا كتبت تدوينة بعنوان "مشروع غزة الجديدة" تحدثت فيه عما يسمونه الآن "صفقة القرن"، من إعطاء جزء من سيناء لتوطين الفلسطينيين، وأتذكر وقتها أنه انهال على السباب بسبب خيالي الجامح.
على تويتر أيضًا تنبأت بأشياء بعضها صغير وبعضها كبير، مثل منع أحمد عز من الترشح للانتخابات، وأن مصر ستكون مع السعودية في مجموعة واحدة في كأس العالم، رغم أن هذه كانت مجرد نكتة غير مبنية على أي أساس أصلًا، لكنها حدثت! وأن أبو هشيمة سيطرد خالد تليمة من قناته. وأنه سيتم إنشاء مشاريع لتخليد المشير طنطاوي كمسجد وطريق وكوبري. وهو ما حدث فعلًا في التجمع الخامس. وأن ماكرون سيبيع سلاحًا لمصر. وقبلها، في 2011، تنبأت بوصول حازم الببلاوي ﻷن يكون رئيسًا لوزراء مصر، وهو ما تحقق بالفعل عام 2013. كما تنبأت بقيام الثورة في مصر قبل حدوثها بعشرة أيام فقط، حيث قلت إن الثورة ستبدأ بسبب توكتوك، لكن للأسف موضوع التوكتوك لم يحدث. (ربما في الثورة القادمة). وللأسف أيضًا فحسابي على تويتر موقوف الآن.
من تنبؤاتي التي أتمنى ألا تحدث، نبوءة في مقال بعنوان "مصر 2020"، كتبته عام 2004، وهي عن وصول فصيل إسلامي متشدد للحكم في مصر مشابه لطالبان، قبل ظهور داعش، وإن كان بعض ما ورد في المقال قد تحقق مثل الهجوم على الأضرحة والمساجد الصوفية، وهو ما حدث في سيناء مؤخرًا بالفعل. النبوءة الأخرى التي أتمنى ألا تتحقق هي من مقال "هل يجب أن تضيع فوكلاند؟" وهو منشور بتاريخ 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 وهي عن ضياع سيناء من مصر.
وكما قلت سابقًا فالأمر ليس سحرًا أو دجلًا أو شعوذة. الأمر يرجع إلى الاستقراء، ومقارنة الظروف في مصر بظروف في دول أخرى، مرت بنفس التجارب، وهو شيء سيلحظه القارئ الجيد لمقالاتي، وأزعم أن هذا منهج علمي يصلح أحيانًا للتنبؤ بما سيحدث. فالسياسة أحيانًا مثل الرياضيات أو الكيمياء، عبارة عن معادلات فيها مدخلات ومخرجات، فلو عرفت المدخلات والمؤثرات التي ستؤثر على العملية الكيميائية والظروف الفيزيائية والعوامل الحفازة يمكنك أن تستنتج المخرجات بنجاح.
وفي النهاية، هو نوستراداموس كان إيه غير واحد بيكتب شعر؟