دعت مؤسسة حُرّية الفكر والتعبير إلى تحفيز الجهود، التي تطالب السلطات المصرية، بإعلان تفاصيل قراراتها بشأن حجب المواقع الإلكترونية، والتوقف عن استخدام هذه الممارسة، وطالبت برفع الحجب عن مئات المواقع، واحترام حقوق المواطنين في الوصول للمعلومات وتداولها.
وأطلقت المؤسسة الحقوقية هذه المطالب كتوصية ختامية لتقرير، أصدرته اليوم الثلاثاء، تحت عنوان "بقرار أحيانًا.. عن حجب مواقع الوِب في مصر"، كشفت فيه ارتفاع عدد المواقع الإلكترونية التي حجبتها السلطات من 21 موقعًا إلى 465 موقعًا على الأقل، وذلك خلال الفترة بين مايو/ أيار و ديسمبر/ كانون الأول 2017، وذلك إما بصورة مؤقتة أو دائمة.
واستند التقرير إلى ما رصدته المؤسسة من حجب متواصل لمئات المواقع، فضلاً عما ورد في ثلاث دعاوى قضائية مُنفصلة، أقامتها كل مؤسسة حرية الفكر والتعبير، وموقع مدى الصحفي، وقناة الشرق الفضائية، وطالبت الدعوى اﻷخيرة برفع الحجب وإعادة بث القناة، وتوضيح السند القانوني والأسباب الإدارية والفنية التي أدت إلى حجبها.
فاعل مجهول
اعتبارًا من مايو/ أيار الماضي، بدأت موجة حجب المواقع الإلكترونية- أغلبها صحفية إخبارية- "دون وجود سند قانوني متوفّر حتى الآن"، وفقًا للتقرير، الذي أكد عدم توفّر أيّ معلومات رسمية أو إعلان لقرار الحجب أو إبلاغ لمالكي المواقع الإلكترونية وجمهورها عن سبب حجب مواقعهم.
وبالتوازي مع حالة الغموض التي تكتنف الحجب، فيما يتعلق بالقرار والإجراءات والجهة المسؤولة عنه، كانت حالة الإنكار مُستمرة أيضًا من الجهات التي اختصمتها الدعاوى القضائية، كما بدا في ساحات القضاء التي شهدت إلقاء كل جهة مسؤولية الأمر على الآخرين.
أمام مطالبة دعوتين قضائيتين كلاً من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات ووزارة الاتصالات بـ"وقف تنفيذ القرار السلبي بامتناع جهة الإدارة عن الإجابة بصورة رسمية عن قرار حجب عدد من المواقع، في حالة صدور قرار بالحجب، مع إلزام جهة الإدارة بتوضيح الأسباب الإدارية والفنية التي أدت إلى الحجب في حالة عدم صدور قرار"، ألقى محامي جهاز تنظيم الاتصالات مسؤولية الحجب على أجهزة الدولة، سواء فيما يتعلق باتخاذ أو تنفيذ القرار.
في المقابل، ردت هيئة قضايا الدولة، الممثل القانوني لوزارة الاتصالات، بأن قرار الحجب من اختصاص جهاز تنظيم الاتصالات، باعتباره "المسؤول عن تنظيم مرفق الاتصالات، وضمان وصول خدماته إلى جميع مناطق الجمهورية، بالإضافة إلى أن الجهاز له تمثيل قانوني فيثبت له شخصيته الاعتبارية المستقلة ويمثله رئيسه التنفيذي أمام القضاء وفي علاقاته بالغير، وﻷنه المختص بموضوع الدعوى".
لكن الجهاز التزم على طول مسار التقاضي بنفي مسؤوليته عن القرار، أو امتلاكه ﻷي من التقنيات اللازمة لتنفيذ الحجب، وقال ممثله القانوني إن " أجهزة الأمن القومي هي التي تمتلك التقنيات اللازمة للحجب"، بموجب ما يمنحه لها قانون تنظيم الاتصالات من صلاحيات، وألقى بالمسؤولية على المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بوصفه "المختص باتخاذ مثل هذه القرارات، وفقا لقانون التنظيم المؤسسي للإعلام".
وعلى الرغم من إنكار الجهاز التام لمسؤوليته أو معرفته بقرار الحجب، إلا أن ممثله القانوني تحدّث خلال نظر الدعوى الثالثة، المُقامة من قناة "الشرق"، عن قرار لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين، في أغسطس/ آب 2016، بحجب 33 موقعًا إلكترونيًا، ضمن إجراءات التحفظ على أموال الجماعة، "وهو ما جرى تنفيذه عبر مخاطبة الجهاز القومي للاتصالات لشركات الإنترنت لتنفيذ القرار".
أصدرت لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان، في ديسمبر/ كانون الأول 2016، القرار رقم 231 والقاضي بالتحفظ وتجميد أرصدة وحسابات وممتلكات رئيس شركة "بيزنس نيوز" وآخرين، وهي المالكة لصحيفتي "دايلي نيوز إيجيبت" و"البورصة"، والمحجوب موقعيهما منذ يونيو/ حزيران 2017.
وعلّق التقرير الحقوقي على قرار لجنة التحفظ بأنه أتى "قاصرا عن توضيح أن بعض المواقع (الـ33) المشار إليها خارج نطاق التشغيل والآخر لم يتم حجبه، وأنه لا يُفَسّر اتساع قائمة الحجب لتصل لـ465 موقعًا أغلبها لا يمت بصلة للإخوان"، ولفت إلى أن القرار "صدر في أغسطس/آب 2016، بينما بدأ الحجب أواخر مايو/آيار 2017، فيما كان حجب موقع العربي الجديد في ديسمبر/كانون أول 2015، قبل صدور أي قرارات".
الحجب في أرقام
على الرغم من استمرار إنكار الجهات المختصمة في الدعاوى القضائية الثلاث، لصلتها بقرار الحجب وتنفيذه، إلا أن هذه الممارسة استمرت بوتيرة متصاعدة، حسبما رصدت حرية الفكر والتعبير، لدرجة طالت حتى الآليات التي لجأت إليها بعض لمواقع لتخطي الحجب.
وفقًا للتقرير، توسعت السُلطات، منذ أغسطس/ آب 2017، في حجب المواقع التي تُمكّن المستخدمين من تخطي الحجب، سواء التي تُقَدّم خدمات VPN والبروكسي proxy وتور Tor وغيرها.
وطال الحجب 465 موقعًا إلكترونيًا، بعضها عاد للعمل والآخر يُرفع عنه الحجب ثم يعود مرة أخرى، بينما غالبيتها ما تزال محجوبة. ولم يقتصر الحجب على المواقع الإخبارية والصحفية، بل شمل مدونات ومواقع حقوقية وأخرى تابعة لحركات سياسية.
ووثّق التقرير ما وقع خلال الحجب من اختراق بعض المواقع الإخبارية، ونشر مقالات منسوبة لرؤساء تحريرها سواء السابقين أو الحاليين، كما كان مع موقعي البديل وبوابة يناير، قبل ساعات من حجبهما ومعهما موقع البداية.
وعلى صعيد الحجب على شبكات الهواتف المحمولة، رصد التقرير تَصَدُّرت "فودافون" الشركات التي لديها العدد الأكبر من المواقع المحجوبة، تلتها "أورانج" ثم "اتصالات" وأخيرًا "تي إي داتا".
وأخيرًا، رسم التقرير صورة نوعية للحجب عبر رصده لبعض الأمور مثل حجب موقع "صوت الأمة" الصحفي لأيام قليلة ثم رُفع عنه الحجب دون أن إبداء أسباب، وحجب مدونة "نون" النسائية عن طريق الخطأ ثم رفع عنه الحجب، وموقع "السين" الذي نشر قُبيل حجبه فيديو ساخر يقارن بين أنواع "كحك العيد"، ورد فيه ذكر الكحك الذي ينتجه الجيش.