أحد الموظفيين لـ المنصة
جانب من وقفة لموظفين مفصولين بسبب تحليل لجان المخدرات أمام مجلس النواب، 19 مايو 2024

الفصل بسبب المخدرات.. قطع أرزاق ووصم وبحث عن فرصة ثانية

منشور الخميس 27 يونيو 2024

في صيف 2023، أبلغت الشركة المصرية للخدمات البترولية، السيد الرفاعي، بموعد مثوله أمام لجنة تحليل المخدرات، لترقيته لمنصب مدير إدارة.

لم يكن لدى الرفاعي الذي عمل مهندسًا في الشركة 25 عامًا أي مخاوف من إجراء التحليل، فقد أعد التقارير الطبية التي تثبت حاجته لتناول الترامادول والليرولين، حيث يعاني من انزلاق الغضروف العنقي وتضخم البروستاتا.

وتشترط اللائحة التنفيذية لقانون 73 لسنة 2021 ثبوت عدم تعاطي المخدرات من خلال تحليل فجائي استدلالي، لشغل الوظائف، أو التعيين أو الترقية أو الندب أو النقل أو الإعارة، كما تعد سلبية نتائج هذه التحاليل شرطًا في الاستمرار في الوظائف.

فيما تصدر قرارات الفصل بعد ثبوت إيجابية العينة، وتتشكل لجان لفحص العينات من طبيب أو كيميائي أو أخصائي تحاليل أو فني معمل، وعضو هيئة تمريض، وممثل عن صندوق مكافحة الإدمان، وآخر يمثل مصلحة الطب الشرعي. 

وتصاعدت في الآونة الأخيرة مطالب بتعديل القانون الذي يقضي بإنهاء خدمة الموظف متعاطي المخدرات، بعد تحاليل تثبت إيجابية عينته. فيبدو أن مشكلات التنفيذ أدت إلى إنهاء خدمة عدد كبير من الموظفين. كان مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان عمرو عثمان أعلن في تصريحات تليفزيونية، في يناير/كانون الثاني 2023 فصل 1000 موظف بالحكومة بعد ثبوت تعاطيهم المخدرات، ولم تصدر منذ ذلك الحين أي بيانات لأعداد المفصولين.

أوراق رسمية لا يعتد بها

"سلمت اللجنة الروشتات والتقارير، فقال لي المسؤول الإداري لا يُعتد بها" يقول الرفاعي لـ المنصة، وكان قد أعد تقارير  من مستشفى دمياط العسكري المتعاقد مع الشركة قبل المثول أمام اللجنة، لكنها طلبت تقريرًا من القطاع الطبي بالهيئة العامة للبترول، "طلبت الذهاب لاستخراج التقرير، فقالوا إنهم هيعتبروني متهرب لو مشيت وسبت اللجنة"، يكمل الرفاعي.

انتابت الرفاعي حالة من الاضطراب الشديد، فمستقبل أسرة تضم 5 أشخاص مرتبط بقرار اللجنة "ما عرفتش أعمل إيه، حسيت إن تفكيري اتشل، دخلت أجيب عينة البول ما قدرتش".

حررت اللجنة محضرًا ضد الرفاعي بامتناعه عن إعطاء العينة، وممارسة الغش، وصدر القرار بإنهاء خدمته، فأقام دعوى قضائية أمام محكمة شمال القاهرة - كلي عمال، لكن المحكمة رفضتها.

رفضت اللجنة انصرافي ومشيت بعد مكالمة تخبرني بوفاة والدتي

ومثلما لم تشفع التقارير الطبية التي اطلعت عليها المنصة لرفاعي، لم تكن شهادة وفاة والدة محمد كمال، الموظف بشركة مياه الشرب بالقاهرة الكبرى، لمدة وصلت إلى 15 عامًا، كافية لإعادة النظر في قرار إنهاء خدمته.

"أثناء انعقاد لجنة تحليل المخدرات، وبعد تسليم عينة البول، جاني تليفون يبلغني بوفاة والدتي، طلبت استعجال فحص العينة أو إعطائي إذن فرفضت اللجنة، فمشيت علشان أخلص إجراءات الدفن"، يحكي كمال لـ المنصة التي تأكدت من تطابق تاريخ شهادة وفاة والدته مع موعد إجراء التحليل.

تقرير اللجنة الطبية وشهادة وفاة والدة محمد كمال في نفس يوم التحليل

حررت اللجنة له محضرًا بالانصراف بدون إذن، واعتمدت نتيجة العينة إيجابية "عملت تحليل بالمعامل المركزية بوزارة الصحة، جت نتيجته سلبية، قدمت النتيجة وشهادة وفاة والدتي المثبت بها تاريخ وساعة الوفاة وهو نفس وقت انعقاد اللجنة".

تشترط اللائحة التنفيذية امتثال العامل للتحليل في اليوم المحدد وعدم خروجه من مقر جهة العمل دون تقديم عذر تقبله اللجنة الفنية، غير أن اللجنة لم تعتد حينها بعذر وفاة والدته.

فوضى وسوء تنظيم يشككان في نزاهة التحاليل

أما عن ظهور  النتيجة إيجابية، يفسر  كمال "لا يمكن تكون دي العينة بتاعتي، بندخل 30 موظف ماسكين كوبايات التحليل، فوضى وسوء تنظيم، كاتبين الاسم على الكوبايات بقلم فلومستر، إزاي أعرف إنها ما اختلطتش مع عينة شخص تاني؟".

حاول كمال التظلم مشككًا في نتيجة العينة، لكن الشركة بادرت بإنهاء خدمته بعد ورود نتيجة التحليل التوكيدي من الطب الشرعي، الذي أُجري على نفس العينة. لجأ لمحكمة شمال القاهرة - كلي عمال، التي رفضت الدعوى، ثم طعن على الحكم، فرفضت محكمة الاستئناف الطعن.

حقنة البرد السبب

كان فتحي عبد الوهاب، مفتش التأمينات بشرق القاهرة، الذي أمضى في الخدمة أكثر من 15 عامًا، يعاني من "دور برد شديد" عندما أبلغته جهة العمل بموعد لجنة تحليل المخدرات، لترقيته من الدرجة الثالثة للثانية. "جبت من الصيدلية حقنة 3×1، عرفت بعدها إن فيها مضاد حيوي، وكورتيزون، ومُسكن"، يروي عبد الوهاب لـ المنصة.

من الضروري عدم الاكتفاء بتحليل البول الأولي وإجراء تحاليل أخرى أكثر تطورًا حتى تخرج النتيجة دقيقة

حضر إلى مقر اللجنة في الموعد المحدد، وبعد إجراء التحليل "قالوا لي إيجابي ترامادول. كنت هتجنن، قولتلهم على الحقن اللي أخدتها علشان البرد، بس تجاهلوا كلامي"، تم إنهاء خدمة عبد الوهاب، فأقام دعوى أمام مجلس الدولة، رفضتها المحكمة من الجلسة الأولى.

الدكتور خالد مصيلحي، أستاذ العقاقير والنباتات الطبية بكلية الصيدلة جامعة القاهرة، يوضح لـ المنصة أن بعض مركبات الأدوية تسبب إيجابية تحليل المخدرات، وقال إن هذه الأدوية كثيرة جدًا بحيث لا يمكن حصرها ومنها الإيبوبروفين بجميع أنواعه، وكل أدوية البرد التي تحتوي على مادة الإيفدرين ومشتقاتها، وأدوية النابروكسين المسكنة، إضافة لأدوية الحساسية. 

ويشدد المصيلحي على ضرورة عدم الاكتفاء بتحليل عينة البول الأولى، وإجراء تحاليل أخرى أكثر تطورًا حتى تخرج النتيجة بشكل دقيق.

دائرة الفقر والوصم الاجتماعي

تفقد أسر الموظفين المفصولين مصدر رزقها، خاصة أن العامل المفصول وفقًا لهذا القانون لا يحصل على أي حقوق أو تعويضات مالية من جهة عمله، يحتفظ فقط بحقه في المعاش طبقًا لقانون التأمينات والمعاشات عند بلوغه السن القانونية.

ولم يكن ضيق الحال النتيجة الوحيدة لقرار الفصل بموجب القانون 73، بل لاحق الوصم المجتمعي الموظفين المفصولين، وأصبح قرار إنهاء الخدمة بمثابة صحيفة جنائية وتهمة أبدية تلتصق بصاحبها.

في رحلة بحث فتحي عبد الوهاب عن عمل، تقدم لوظيفة بشركة قطاع خاص، فطلبت صورة من قرار إنهاء  الخدمة بشركته القديمة، وكان مذكورًا به السبب "لثبوت تعاطيه للمواد المخدرة بعد ورود نتيجة التحليل التوكيدي"، فرفضت الشركة تعيينه، وهو الأمر الذي تكرر مع محمد كمال.

في أغسطس 2023، أوقفت مديرية التربية والتعليم ببني سويف 16 مدرسة عن العمل، بعد إيجابية العينة الاستدلالية، كان مصير المدرسات جميعهن الفصل بعد ورود العينة التوكيدية، حسب دينا.ع ابنة إحدى المدرسات لـ المنصة.

تقول "والدتي كانت بتاخد مسكنات للصداع النصفي، والقرار كان صدمة كبيرة للأسرة كلها، والدتي كانت بتتمتع بسمعة طيبة في القرية، لكن ده مامنعش الناس تتكلم، وتقول إنها اتفصلت بسبب المخدرات، الكلمة دي بتدبحنا".

استخدمت الحكومة القانون لتنفيذ شروط صندوق النقد

يقول خالد الجمال، مدير وحدة قضايا مجلس الدولة بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ المنصة "القانون مجحف، ولا يتسق مع الهدف الذي أعلن عند إقراره، وهو تقويم موظفي المرفق العام، بل أدى إلى قطع الأرزاق والتشهير بالمفصولين"، وشدد "قبل كل ذلك اعتداء على حرية الجسد بإجبار العامل على إجراء التحليل".

ويعتقد الجمَّال أن الحكومة استخدمت القانون لتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي بتقليص عدد العاملين في الحكومة.

البحث عن فرصة ثانية

أمام حالة الغضب، تحرك عدد من أعضاء مجلس النواب في محاولة لتعديله في مايو/ أيار الماضي، أحال رئيس مجلس النواب مشروع قانون مُقدمًا من النائب عاطف المغاوري، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع وآخرين، بتعديل بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 2021، إلى لجنة مشتركة من لجنتي القوى العاملة، والشؤون الدستورية والتشريعية.

ويستهدف التعديل عدم الفصل من المرة الأولى بعد إجراء تحليل المخدرات، على أن يكون من المرة الثانية، عقب توجيه إنذار لمن ثبت تعاطيه.

فيما أعدت النائبة إحسان شوقي، عضوة مجلس النواب عن حزب مستقبل وطن، مشروع تعديل بعض أحكام قانون 73، تمهيدًا لجمع توقيعات النواب عليه. 

تقول إحسان لـ المنصة "يوجد تعنت واضح في الكثير من الحالات خلال سحب العينة، وعمل اللجان شابه أحيانًا الفوضى، عمليات سحب العينة بتتم لأعداد كبيرة دفعة واحدة، وممكن يحصل خلط بينهم، وبالتالي ظلم كبير وقع على كتير من الموظفين المفصولين".

اقتراحات بعودة المفصولين وفرصة ثانية بعد إيجابية العينة 

توضح سعيها لتعديل القانون ليتضمن الفرق بين التعاطي والإدمان، والنسبة التي تحدد إذا كان هذا الشخص متعاطيًا للمخدرات أم لا، وإلزام الجهات المختصة بورود النتيجة التوكيدية خلال 10 أيام على الأكثر حتى لا تفسد العينة.

تسعى إحسان لمنح فرصة ثانية وعودة الموظفين المفصولين لعملهم، وعدم إنهاء خدمة العامل بعد التحليل التوكيدي، بل إجراء تحاليل دورية على نفقة العامل خلال فترات محددة، وإذا جاءت نتيجة أحد هذه التحاليل إيجابية، يتم حينها إنهاء خدمته.

مع عدم وجود أرقام رسمية للموظفين المفصولين، تقدمت النائبة بطلب سؤال للحكومة بشأن عدد الموظفين المفصولين، مشيرةً إلى أن "الأقاويل كثرت حول عدد المفصولين وبعضها يقدره بـ60 ألف موظف".

ينتظر الرفاعي وكمال وعبد الوهاب وغيرهم انفراجة خلال الأشهر المقبلة، أملًا في استعادة عملهم وكرامتهم ومصدر رزقهم مرة أخرى، بينما لم تصدر الحكومة أي بيانات أو تعليقات على مطالبهم حتى الآن.