تصميم أحمد بلال، المنصة
في محاولة للحفاظ على قيمة مدخراتهم حولوها إلى الدولار، ليصبحوا مضاربين خاضعين لقوانين السوق في المكسب والخسارة

صغار مدخري الدولار.. خاسرون لا يتعاطف معهم أحد

منشور الخميس 29 فبراير 2024 - آخر تحديث الخميس 29 فبراير 2024

في الأسبوع الأخير من شهر يناير/كانون الثاني كانت مدخرات وائل محمد(*) تعادل نحو مليون و400 ألف جنيه، إلا أنها تقلصت في الأسبوع الأول من شهر فبراير/شباط إلى مليون و100 ألف جنيه، ثم انحدرت في الأسبوع الأخير من الشهر نفسه إلى نحو 980 ألف جنيه، ما يعني نظريًا خسارته قرابة 400 ألف جنيه في شهر واحد تقريبًا.

السوق الموازية مثلت مصدر وائل الرئيسي لدولرة مدخراته، حتى وصلت إلى 20 ألف دولار، لكن قيمتها باتت تنخفض يومًا بعد يوم، حسب أبليكيشن على الموبايل لسعر الدولار الموازي، وصل ذروته الأسبوعين الماضيين بعد تداول أنباء عن حملات أمنية تستهدف المضاربين بالعملات الأجنبية، والإعلان عن صفقة "رأس الحكمة" .

تحدثت المنصة مع ثلاثة، من بينهم وائل، ممن يعتبرون أنفسهم "صغار المدخرين"، إذ تتراوح مدخراتهم ما بين 5 و20 ألف دولار، وفي الوقت الذي يرى وائل أن مدخراته لم تتأثر إذا ما حسب متوسط الأسعار التي اشترى بها كل دولاراته، أكد حسن علي(*) وجمال كامل(*) انخفاض قيمة مدخراتهما بنسب تتراوح بين 20 و30%.

أما الخبير المصرفي طارق متولي، رئيس مجلس إدارة بنك بلوم السابق، فلا يعترف بمصطلح "صغار المدخرين"، يقول لـ المنصة "لا يوجد تعريف علمي لهذه الفئة، اقتصاديًا لا نعرف صغارًا أو كبارًا، في النهاية هم مضاربون في السوق اشتروا الدولار على أمل بيعه بسعر أكبر، وده اسمه مضاربة أو تجارة"، مستدركًا "والتجارة مكسب وخسارة زي المثل ما بيقول".

بعد الإعلان عن صفقة رأس الحكمة الجمعة هبط الدولار  إلى 48 جنيهًا

وهو ما اعترض عليه وائل، الذي يبلغ من العمر 44 عامًا، فهو لا يضارب ولم يسع إلى مكسب سريع، كما يدعي البعض، "أنا مش تاجر، أنا بحوّش فلوسي بالدولار ببساطة لأن قيمته أكثر واقعية، خصوصًا مع الارتفاع المتزايد في أسعار السلع".

رأس الحكمة تضرب السوق السوداء

كانت السوق السوداء للدولار شهدت هزةً كبيرةً خلال الشهر الماضي، فبعدما وصل سعره إلى 70 جنيهًا مع نهاية يناير تعرض لانهيار كبير ووصل إلى 50 جنيهًا في الأسبوع الأول من فبراير، وذلك على خلفية أنباء عن حملة أمنية موسعة للقبض على المضاربين في الدولار، وتسريب معلومات عن مشروع إماراتي كبير في مصر.

وما إن بدأ الدولار في الصعود من جديد ليصل إلى سعر الستين، أعلنت الحكومة توقيع "أكبر صفقة استثمار مباشر من خلال شراكة استثمارية"، بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، و"شركة أبوظبي التنموية القابضة" الإماراتية لتنفيذ مشروع تطوير وتنمية مدينة رأس الحكمة، باستثمارات بقيمة 35 مليار دولار، "سيتم تلقيها على دفعتين، الأولى بقيمة 15 مليار دولار خلال أسبوع، والثانية بقيمة 20 مليار دولار خلال شهرين قادمين"، حسب إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي الذي شهد توقيع الاتفاقية.

قبل الإعلان التفصيلي للمشروع أصدر مجلس الوزراء بيانًا أشار فيه إلى صفقة استثمارية كبرى، فبدأ سعر الدولار في السوق السوداء بالهبوط، ووصل إلى ذروة هبوطه الجمعة إذ وصل إلى 48 جنيهًا دون تنفيذ عمليات بيع أو شراء.

مدخرون لا تجار

يعمل وائل بائعًا في شركة مقاولات، وعندما حصل على ميراثه في 2018، ومع تزايد القلق على قيمة الجنيه، قرر تحويل كل مدخراته إلى دولار، بل وسعى لأن يشتري كل شهر ما يستطيع شراءه من العملة ذاتها، "كنت بشتري حسب المتوفر معايا من فلوس ممكن أشتري 500 وممكن أشتري 2000 في الشهر". ويضيف "عشان كده أنا مشترتش الدولارات كلها بسعر واحد. فيه مبالغ كانت بـ35 جنيهًا وللأسف اشتريت 1000 دولار على 71.5".

لم ينكر وائل قلقه من انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء الفترة الماضية، لكنه يؤكد "الخسارة بتكون للتجار أو الوسطاء لكن المدخرين اللي زيي خسارتهم مش في سعر الدولار خسارتهم بتكون لما تربطها بنسبة التضخم"، على خلاف حسن الذي يؤكد أنه خسر أكثر من 20% من قيمة مدخراته بالدولار.

أما حسن فحوّل مدخراته إلى دولار مرة واحدة، يقول لـ المنصة "اشتريت بـ61 والنهارده السعر نزل عن الـ50، أنا مش تاجر عملة أنا بس كنت عايز أحافظ على قيمة الفلوس".

لم يلجأ حسن إلى شراء الدولار إلا عندما انخفضت قيمة الجنيه في السوق، يوضح "الحاجة اللي كنت بشتريها بـ200 جنيه بقى سعرها 600 وأنا كل اللي معايا كان حوالي 300 ألف جنيه كل تحويشتي أنا ومراتي"، مستدركًا "فكرنا نشتري ذهب لكن قولنا الدولار أضمن وبيعه أسهل بعد كده".

المضارب هو شخص يشتري شيئًا ما بسعر رخيص على أمل أن يبيعه بسعر أعلى فيحقق مكسبًا أكبر

بدّل حسن جملة مدخراته بحوالي 4900 دولار بسعر السوق السوداء، "النهاردا بنتكلم في 50 جنيه سعر الدولار في السوق يعني الـ300 ألف اللي كانوا معايا الشهر اللي فات النهارده بقوا 245 ألف، يعني خسرت 55 ألف في أقل من شهر".

بينما كان جمال يحاول تحقيق مكسب طفيف يُمكنه من شراء شقة سعرها كان يزيد عن المبلغ المتوافر معه بحوالي 400 ألف جنيه. فباع سيارته وحوّل ثمنها إلى دولار قبل الإعلان عن رأس الحكمة بأسبوع، يقول جمال لـ المنصة "كان معايا مليون و100 ألف جنيه، والشقق اللي عجباني كان سعرها حوالي مليون و500 ألف، فبدل ما استلف الباقي فكرت أشتري دولار وبعدين أبيع بفرق، حتى لو صغير، يجبلي اللي أنا محتاجه مرتاح".

يضيف جمال "اشتريت على 63 عملوا حوالي 17460 دولار، النهاردا (الاثنين الماضي) عرفت إنه وصل 49 جنيه يعني أنا فلوسي بقت تساوي حوالي 855 ألف جنيه.. يعني خسارة بتاع حوالي 245 ألف جنيه، ويمكن يبقى أكبر الفترة الجاية".

في النهاية تجار عملة

لا يبدي الخبير المصرفي طارق متولي تعاطفًا مع الأشخاص الذين خسروا جزءًا من مدخراتهم بسبب هبوط الدولار في السوق السوداء، "في النهاية هم دخلوا اللعبة بكامل قواهم العقلية، كانوا طمعانين في مكسب كبير وكان المفروض يتوقعوا كمان خسارة كبيرة".

يرى متولي أن حالة جمال هو ما يقصده بالمضاربة، ويوضح "المضارب ببساطة شخص بيشتري شيء ما بسعر رخيص على أمل أن يبيعه بسعر أعلى فيحقق مكسبًا أكبر"، ويضيف "الشيء دا سميه بقى دولار أو ذهب أو لعب أطفال أو رز أو قمح النتيجة واحدة".

يرجع الخبير المصرفي الأزمة التي حدثت خلال الفترة الماضية لهؤلاء المضاربين "اللي حلموا بالثراء السريع دول هم السبب الرئيسي في اختفاء الدولار، سواء بوعي أو بدون"، معقبًا "المفروض محدش يتعاطف معاهم، سواء كانوا كبار أو صغار مدخرين، هم في النهاية تجار عملة".

ويوضح أن كثيرًا من الناس لا يعرفون أن ارتفاع أسعار السلع ناتج بدرجة أو بأخرى عن اختفاء العملة الصعبة، "كم مواطن لدينا فكر مثل هؤلاء الأشخاص وخزنوا الدولار على أمل ارتفاع سعره"، ويتابع "تجار السلع والأغذية لجأوا للسوق السوداء التي رفعت سعر الدولار عليهم، وبالتالي كل زيادة في سعر سلعة هي نتيجة مباشرة لشخص أو عشرة أو مية تاجروا في الدولار"، حسب متولي.

في مقابل كل خاسر واحد كسبان

يقر متولي بأن اللعبة مغرية، ولهذا شارك عدد كبير  من المواطنين فيها دون معرفة بأصولها، فوقعوا فريسة للتجار، يوضح "التاجر اللي اشترى منك بالرخيص هو نفسه اللي باعلك بالغالي، وفي التجارة طالما فيه شخص خسر كتير فقدامه واحد تاني كسب كتير"، لكننا دائمًا ما نتحدث عن الذي خسر وليس عمن ربح.

يحمِّل حسن الحكومة المسؤولية عن خسارته، ويقول "أنا لو ضامن استقرار أسعار السلع في السوق مكنتش هغير فلوسي، لكن شايفين سعر السلع بيتغير كل يوم وساعات في اليوم مرتين تلاتة، وسعر السيارات والعقارات، كل حاجة سعرها زاد ضعفين وتلاتة".

يتفق المواطنون الثلاثة على أن الحالة الوحيدة التي لن يخسروا فيها مدخراتهم هي انخفاض الأسعار الفترة المقبلة، ويوضح جمال "يعني النهاردا لو سعر العقارات انخفض مع استقرار السوق هقدر اشتري الشقة اللي بمليون ونص بـ 900 ألف وبالتالي مش هكون خسران كتير".

بعد الإعلان عن صفقة رأس الحكمة توقع بنك جي بي مورجان، أن يتغير سعر صرف الجنيه المصري رسميًا ليتراوح سعر الدولار بين 45 و50 جنيهًا، لافتًا إلى أن ذلك يمكن أن يسهم في إبطاء وتيرة التضخم خلال الفترة المقبلة.

يندم جمال وحسن على قرار تحويل مدخراتهما من الجنيه إلى الدولار، ويتمنيان لو كانا وضعا أموالهما في العقارات، لكن وائل يصر على الاستمرار في الادخار بالدولار، "أنا مش بدور على المكسب أنا بس بحاول مخسرش.. والدولار هيحافظلي على قيمة الفلوس".


(*) أسماء مستعارة بناءً على طلب المصادر