"هل يتأثر الهرم إذا ألقيت عليه ترابًا؟"؛ كانت هذه إجابة حسام حسن عن سؤالي له حول مدى رضاه عن تجاربه الاحترافية بنهاية مسيرته الكروية، في حوار أجريته معه حين كان لاعبًا في الترسانة، يبلغ من العمر 41 عامًا ويطالبه الجمهور بالاعتزال، ونُشر حينها في جريدة الأحرار.
كان حسام ترك الزمالك، وتنقل ما بين أندية المصري والاتحاد السكندري والترسانة، قبل أن يقرر الاعتزال نهائيًا.
تحضرني هذه الكلمات التي وصف بها "العميد" نفسه، وهو في بداية تجربة لطالما حلم بها، بأن يصبح مديرًا فنيًا لمنتخب مصر الأول، بعد تاريخه الطويل كمهاجم "أسطوري"، حسب توصيف محللي وخبراء الكرة.
ومع هذه المسيرة اللامعة لحسام كلاعب، فإن مسيرته التدريبية، التي بدأت منذ 2008، وإن حققتْ بعض النجاحات، فإنها تضمنت إخفافات متعددة، وخلت من الألقاب والعلامات البارزة.
تستدعي تجربة حسام تجربةً أخرى لأسطورة الأرجنتين دييجو أرماندو مارادونا، الذي لم تعكس مسيرته التدريبية التميز ذاته. فالمسيرة الأسطورية لدييجو، سواء مع الأندية مثل نابولي وبرشلونة، أو بالطبع مع المنتخب الأرجنتيني وأداؤه المتفرد في كأس العالم 1986، لم تحمل البريق نفسه عندما جلس على مقعد المدير الفني، في مسيرة حفلت بالمشاكل أكثر من الإنجازات.
بمثل هذا يبدأ نجم الأهلي والزمالك السابق رحلته مدربًا للمنتخب؛ بتحدي شبح إخفاق الأساطير، فهل تصيبه هذه اللعنة؟ أم ينجو ويكون من النماذج التي نجحت في الجمع بين التميز كلاعب ومدرب، وأبرزهم الراحل محمود الجوهري والكابتن حسن شحاتة محليًا، والقيصر الألماني فرانز بيكنباور وزين الدين زيدان أسطورة الكرة الفرنسية عالميًا.
حكاية أسطورة
بدأت مسيرة مارادونا التدريبية فور اعتزاله عام 1994 بقيادة فريق ديبورتيفو مانديو المحلي، الذي لم يفز معه سوى في مباراة واحدة، لتكون البداية غير مبشرة. وبلغت نسبة انتصاراته مع هذا الفريق المتواضع 8.3% وهو معدل كارثي، حتى ولو في ولاية تدريبية قصيرة.
لم تختلف الأمور كثيرًا في العام التالي، فلم يفز معه الفريق إلا في مواجهتين، وتعادل في 6، وخسر في 3، ليبتعد دييجو عن عالم التدريب، مدركًا أن مقعد المدير الفني لا يناسبه.
لكن سرعان ما عاد مارادونا إلى التدريب في 2011، بالأخص في المنطقة العربية مع نادي الوصل الإماراتي. لكن بمجرد بدء المهمة رسميًا، تلقى الفريق خسارة كبيرة 3-4 على يد الجزيرة، قبل أن تتسبب النتائج السيئة في إقالته بعد عام واحد فقط من توليه المهمة، بإجمالي 20 انتصارًا و6 تعادلات و18 خسارة.
بعد 5 سنوات عاد مارادونا للإمارات مجددًا، لكن هذه المرة في الدرجة الثانية مع الفجيرة، حيث بدأ مسيرته بهدف الصعود للدرجة الأولى، لكنه أقيل بعد عام تقريبًا مع فشله في تحقيق الهدف.
بالتوازي، لم يقدم حسام حسن في مسيرته التدريبية قبل المنتخب المصري نجاحات فارقة. أبعد ما بلغه كان الوصول بمنتخب الأردن إلى ملحق التأهل لكأس العالم 2014، وهزيمته الكبيرة من الأوروغواي بخماسية، وعلى المستوى المحلي التأهل لنهائي كأس مصر مع المصري البورسعيدي، وخسارته ثم خسارة السوبر المصري أمام نفس المنافس/النادي الأهلي. كما لم يحقق أي بطولات مع الزمالك على مدار ولايتين تدريبيتين.
تقاطعات
في 2008 أغرى رحيل ألفيو باسيلي عن قيادة منتخب "راقصي التانجو"، مارادونا، بالعودة للتدريب من جديد، فقدم نفسه إلى جانب دييجو سيميوني، وكارلوس بيانكي، وميجيل أنخيل روسو، وسرخيو باتيستا، ليقع الاختيار عليه ويحقق حلمه في قيادة منتخب الأرجنتين، الذي طالما صال وجال بقميصه ولامست يداه ذهب المونديال معه.
اعتمد مارادونا في قيادته للأرجنتين على اسمه وتاريخه كلاعب بالإضافة إلى تأثيره على اللاعبين
وهو ما يبدو شبيهًا بالطريقة التي تولى بها حسام تدريب المنتخب المصري، الذي جاء بعد إخفاق روي فيتوريا المدرب البرتغالي في تحقيق أي انتصار في بطولة كأس الأمم الإفريقية، ليرحل بقرارٍ من اتحاد الكرة، تاركًا المساحة لـ"العميد" ليتحقق حلمه القديم، وهو الحاصل على 3 ألقاب لأمم إفريقيا بقميص المنتخب ولعب معه في كأس العالم 1990.
لم تكن مسيرة مارادونا مع المنتخب موفقة، فرغم الفوز الذي حققه في أول 3 مباريات، تلقى الهزيمة الأثقل بسداسية مقابل هدف أمام بوليفيا ضمن تصفيات مونديال 2010، ليصبح المنتخب في المركز الخامس بجدول التصفيات، ويواجه خطر الغياب عن البطولة. لكنه سرعان ما تدارك الأمر وعدل المسار نحو نهائيات البطولة التي استضافتها جنوب إفريقيا.
المحك الرئيسي لدييجو كان في المونديال نفسه، حيث كانت الهزيمة برباعية من منتخب ألمانيا قاسية بما يكفي للإطاحة به، وخروج الأرجنتين من دور الثمانية لكأس العالم.
أثبتت تجربة دييجو أنه لم يكن المدرب الذي يستطيع مجاراة المدارس التدريبية الكبرى مثل الألمان، الذين كانوا أكثر تنظيمًا وقدرة على التفوق؛ ربما اعتمد في قيادته على اسمه وتاريخه كلاعب، بالإضافة إلى تأثيره على اللاعبين الذين كانوا يبذلون أقصى جهدهم من أجله. لكن ذلك لم يكن كافيًا لصنع مجد الأرجنتين وتحقيق انتصارات على أرض الملعب، فالحماس لا يكفي، والروح قد تنكسر أمام التفوق الفني للمنافس.
في مؤتمر تقديمه مدربًا للمنتخب، لم تشفِ كلمات حسام حسن شوق الجماهير. لم يطرح تصوره عمّا يمكن أن يضيفه للمنتخب على الصعيد الفني. ولم ينجح في محو التخوفات بشأن إخفاقاته مع الأندية.
اختار حسام بدلًا من ذلك طريق المجاملة والمبالغة في حب الوطن قائلًا "طلبنا في عقود تدريب منتخب مصر عدم كتابة أسمائنا كطرف ثانٍ. مينفعش نكون طرف تاني ضد مصر".
ثم تحدث عن بث الحماس والروح القتالية في لاعبيه، واللعب بـ"قلب" كمعيار لاختيار اللاعبين لتمثيل المنتخب، وهو ما يمكن أن تقرأه بسهولة في طريقة تحفيز دييجو للاعبيه أيضًا.
ميسي وصلاح
أن يكون بين صفوف الفريق نجم بارز تحدٍ كبير بالنسبة لأي مدرب، لا سيما لو لم يحز مسيرة تدريبية مقنعة؛ حسام أسطورة في الكرة المصرية كمهاجم، وكذلك الحال بالنسبة لدييجو بلا جدال. لكن عندما يتعلق الأمر بالمسيرة التدريبية والتعامل مع محترفين حققوا كل الأرقام الممكنة، من أمثال محمد صلاح في الحالة المصرية، وليونيل ميسي في الأرجنتين، يكون الأمر مختلفًا.
يجعل تعلق الجماهير عاطفيًا بالنجوم سقف الطموحات عاليًا دون أساس
حمل حسام الكثير من الوعود بأن يقدم نسخة هي الأفضل من صلاح، لكن الوعود ربما لا تكون كافية. مقارنة مع مسيرة ميسي تحت قيادة مارادونا، ومع الأخذ في الاعتبار أن العلاقة بينهما كانت جيدةً، إلا أن ليونيل لم يكن في أفضل حالاته مع دييجو، حاله حال المنتخب الأرجنتيني ككل.
تشابهت البدايات.. فماذا عن النهايات؟
إذا كان تدريب المنتخب المصري بمثابة فرصة تاريخية لحسام في مشواره التدريبي، باعتبار أن مشواره السابق لم يحمل الكثير من النجاحات، فإن "درس" مارادونا أسطورة الملاعب مع إخفاقه في مقعد المدرب، جرس إنذار لـ"العميد". لا سيما أن مقومات النجاح في المقعد الساخن لا تتوفر بشكل واضح، وأبرزها سوء تنظيم المسابقات المحلية، والأفضلية الممنوحة للأندية على حساب المنتخب.
هذا بالإضافة إلى أن ارتباط الجماهير عاشقة الكرة، لا سيما في الألفية السابقة، بلاعبين أسطوريين مثل مارادونا وحسام، يُغلّب العاطفة على المنطق في التعاطي مع توليهم المهام التدريبية الصعبة، ويجعل سقف الطموحات عاليًا دون أساس.
ومع تشابه المقدمات في مشوار حسام مع مشوار مارادونا التدريبي، من حيث استكمال التصفيات والطريق إلى المونديال، وأيضًا فرصة الوصول المتاحة إلى نهائيات مونديال 2026 بالولايات المتحدة الأمريكية، مع سهولة نظام التصفيات نسبيًا هذه المرة، ما يمكن أن يتحقق لاحقًا حال التأهل يبقى المحك الرئيسي الذي قد ينصف العميد أو يجعله نسخة طبق الأصل من "دييجو".