في هذا الإعلان الهزلي الساخر يبدو أن الأمر الفارق في الملابس الداخلية أن يكون مريحًا "واسع ومرحرح يا أبو دكة وأنا ماشي مروّح يا أبو دكة"، ولكن هل الأمر بالبساطة التي يبدو عليها أم أن الملابس الداخلية للرجال والنساء على حد سواء أصبحت أكثر من مجرد ملابس مريحة؟
الأمر لم يعد بهذه البساطة، فالملابس الداخلية أصبحت ساحة من ساحات المواجهة بين التحرر والظلامية، وأداة في صراعات الحلال والحرام، ومؤشرًا اقتصاديًا من مؤشرات تراكم الثروات وساحة استهلاكية تفرض قواعد وروابط اجتماعية ونفسية جديدة.
الظهور الأول لـ"الأندروير"
ظهرت فكرة الملابس الداخلية منذ آدم وحواء - القصة الدينية الشهيرة، عندما سترا عورتيهما بورق الأشجار لتكون النسخة الأقدم من الملابس الداخلية.
استمر الإنسان يستر عوراته باستخدام الأسمال البدائية، إلى أن ظهرت في مصر النسخة الأولى من الملابس الداخلية إذ يرجح المؤرخون أن المرأة في مصر القديمة هي أول من ارتدت الملابس الداخلية من حمالة الصدر إلى السروال القصير.
وهناك الكثير من الصورة المرسومة جدران المعابد والآثار اليونانية والرومانية القديمة تظهر النساء بالملابس الداخلية.
ولم تحدث تغيرات كبيرة في تصميم الملابس الداخلية على مر العصور، فبحسب المؤرخين عثر على أقدم حمالة صدر في النمسا، وتشبه هذه الحمالة التي تعود إلى القرن الخامس عشر ، إلى حد كبير، حمالات هذه الأيام.
أندرويرك كمتغير إجتماعي
تطورت الملابس الداخلية وأرتبطت بتغير الثقافات والعادات والتقاليد، حيث نجد أن الأوروبيات في القرن الثامن عشر ارتدين حمالات صدر ترفع أثدائهن وتظهرها بينما المرأة اليابانية ترتدي ملابس داخلية حريرية لا ترفع الثديين ولا تظهر المفاتن.
في ثقافات أخرى كانت النساء ترتدين حزام العفة الذي يغلق على أعضاء المرأة التناسلية بالمفتاح لكي يحافظ على عذريتها، يبقى هذا المفتاح في عهدة الأهل ثم يُسلّم إلى الزوج ليتحكم به ويضمن ألا تخونه زوجته في غيابه.
ومع مرور الوقت برزت الملابس الداخلية كإشكالية متعلقة بالدين والحرية مثل قرار حركة شباب المجاهدين الصومالية بمنع حمالات الصدر، أو الجدل الديني في السعودية حول بيع الرجال الملابس الداخلية النسائية وهل يجوز عرضها، وشكلت أيضًا شكلًا من أشكال التعبير عن التوق إلى الحرية خُلعت الصدريات في ستينات القرن الماضي، وفي العام 2014 قامت لبنانيات بعمل حملة تحت اسم "صدرك مش صدر كنافة.. فكيها" (في اللهجة اللبنانية الصدر يأتي مرادفًا للصينية الكبيرة) كشعار للتمرد على الواقع والمطالبة بمجتمع أكثر حرية.
تجاوزت الملابس الداخلية في أحيان كثيرة وظيفتها الأساسية كملابس مريحة وعملية، أو ملابس مثيرة للشركاء، إلى ساحة مواجهة بين المسموح والممنوع، وبدأت تشغل حيزًا من الخطاب الديني والسياسي والاجتماعي.
أندرويرك يتلاعب بأفكارك
بدأت الشركات العالمية للأزياء تستثمر في المساحة الخفية من حياة الإنسان وتربط احتياج آدم وحواء إلى ستر مناطق معينة في جسديهما، بمؤشرات السوق من ربح وخسارة، وتحولت هذه القطع الصغيرة من الملابس بالنسبة لمن يرتديها إلى وسيلة لطلب الراحة، والشعور بالرضا عن النفس والمظهر وأن هذه الملابس تبرز مفاتنه ذكرًا كان أو أنثى، وتحافظ على مظهرك الاجتماعي اللائق في بعض الأحيان.
تطلب الأمر قدرًا أكبر من الإيحاءات الجنسية، من أجل أن تشتري المنتج المناسب لك، مع التعاطي مع لون البوكسر بطريقة ذكورية، والتأكيد على أن يكون الرجل دقيقًا في اختيار لون البوكسر حسب المكان الذي سيرتديه فيه، مع الترهيب من أن البوكسر غير الملائم قد يعرضك للتحرش أو أن تكون مثار سخرية في أحسن الأحوال.
البوكسر في هذه اللحظة هو ما يحدد مدى فحولتك، لياقتك البدنية وأيضًا قدرتك على الاختيار والتمييز، أي بشكلٍ ما مدى نضجك.
يرى أيضًا مصممو الأزياء أن الملابس الداخلية ذات وظيفة ثنائية تتعلق بالراحة والجنس مما جعل الشركات التي تصنعها وتبيعها تصمد أمام الأزمة الاقتصادية العالمية وتركز على تنمية الاحتياج الجنسي عبر تصميم عروض ازياء للملابس الداخلية والدفع بأكبر عدد من المنتجات المختلفة لخلق رغبة دائمة لدى المستهلك للاقتناء المستمر للمنتج حسب تقرير نشرته فرانس 24.
وكمثال ناجح للتلاعب بعقلية الإنسان والتعامل مع جسده كسوق للأوراق المالية رصدت مجلة «نيويوركر» وجود 26 محلاً صينيًا لبيع الملابس الداخلية في مصر وتحديدًا فى عدد من محافظات الصعيد هي أكثر محافظات مصر فقرًا، رغم هذا الفقر فإن المحال الصينية تستند على فكرتي الجنس والصحة لدفع مبيعاتها، ونقلت المجلة عن بائع صيني غادر بلاده إلى صعيد مصر ، تأكيده أنه يحقق نسب مبيعات مرتفعة من الملابس الداخلية.
ولكن الاعتماد على الغريزة الجنسية وحدها لا يجدي نفعًا ولا يحقق الهدف بالسيطرة على كل شرائح المستهلكين، وهذا ما أوضحه الرئيس التنفيذي لشركة 2(x)IST توم سبيت بأنه "يجب التركيز على تقديم منتج مرتبط بنمط حياة نشطة"، حيث طاقة الرجل الاستهلاكية لا ترتبط بالرفاهية في غالب الوقت إنما بالإنجاز أو تحقيق الغرض.
وبحسب هذا التصور فإن أهم عناصر الملابس الداخلية هي أن تكون مريحة لذا يجب أن يتم ربط المنتج بنجم رياضي رشيق ووسيم ولتدع الباقي لحاسة العاطفة لهذا البطل تدفع المستهلك لشراء منتجك.
وبالفعل فقد استخدمت شركات الأزياء لاعبي كرة قدم وسلة ومشاهير العالم للترويج لمنتجاتها من الملابس الداخلية حيث أدى الدخول المنظم وتغلغل العلامات التجارية للمشاهير ومنافذ بيع الملابس الداخلية ذات الماركات في جميع أنحاء العالم إلى دفع مؤشر المبيعات.
على سبيل المثال استعانت H & M بكل من باللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو مهاجم ريال مدريد الذي ظهر على ملصق دعائي ضخم على مبنى بلدية العاصمة الإسبانية مدريد بارتفاع 15 مترًا للترويج للموديل الذي أطلق عليه اسمه من تصميم الشركة، والجناح الإنجليزي ديفيد بيكهام لاعب ريال مدريد ومانشستر يونايتد السابق لنفس الغرض.
يقول أندرياس لونستام رئيس تصميم الملابس الرجالية في الشركة "يمكننا أن نرى أن عملائنا في جميع الأسواق يقدرون حقا هؤلاء النجوم".
أندرويرك مؤشر إقتصادي
هناك دعابة بين الاقتصاديين تقول إذا أردت أن تقيم نظامًا اقتصاديًا لبلد ما عليك إلا أن تنظر إلى الملابس الداخلية التي يرتديها الناس في هذا البلد.
بلغت قيمة سوق الملابس والملابس الداخلية للرجال نحو 1.2 مليار دولار في عام 2014 ومتوقع أن ترتفع إلى 11.7 مليار دولار بحلول نهاية عام 2020، بينما شكلت مبيعات الملابس الداخلية للنساء ما يقدر بأكثر من 11 مليار دولار في العام 2013.
في العام 2014 أوضح تقرير اقتصادي يتناول مستقبل صناعة الملابس الداخلية وخصوصًا في الأسواق الناشئة مثل السعودية ومصر والصين والهند، حيث إنفاق مواطني تلك الدول بدأ يتزايد على نوعيات جديدة من الملابس التي تحقق معدلات من الرفاهية أكثر من كونها مجرد ملابس أساسية.
فعلى سبيل المثال تشهد الصين نموًا كبير في سوق الملابس الداخلية حيث بلغت توقعات حجم سوق الملابس الداخلية في الصين أن تصل هذا العام (2017) الى نحو 25 مليار دولار.
هذا النمو الكبير هو ما دفع بعمالقة الأزياء مثل TOPSHOP، H & M إلى إطلاق واحد وعشرين خط ملابس داخلية خاصة بهما، فيما افتتحت شركة M&S لإنتاج الملابس الداخلية 10 فروع دفعة واحدة بالسوق السعودية.
أندروير الموضوع
يظهر أثر الايدولوجيا التي بنتها شركات الملابس العالمية ودعايتها التي ضخمت من أهمية الملابس الداخلية - الخفية - أصلًا في حياة الناس لتفتح سوقًا استهلاكيًا آخر لجلب المال وتجريد الإنسان كالعادة من القيمة الاساسية لأي سلعة بفتح أغراض وهمية للسلعة مثل الاستعراض وإثارة الغرائز الجنسية، حيث سيطرت على جسد الانسان وجعلته ساحة عرض واستنزاف دون أن يدري، معتمدة على نزعة فطرية لدى الإنسان جاءت على لسان أحد الحكماء إذ قال "الزي أعظم الطغاة وأشد العتاة والكل يدينون له عن طيب نفس سواء أعلوا في الحضارة أو أغرقوا في البداوة".