مثل سانتا كلوز، استهلت الحكومة العام الجديد بهداياها للمواطنين، لكنها ليست بالعطايا السارة، من رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق والقطارات، إلى فواتير الكهرباء، فضلًا عن خدمات الاتصالات في الشركات كافة.
ضربة جديدة يتلقاها المصريون مع الأزمة الاقتصادية التي بدأت قبل سنوات وتفاقمت خلال العام الماضي وتخللتها ارتفاعات متكررة وغير مسبوقة في معدلات التضخم، وسط عجز حكومي وبرلماني عن ضبط السياسات الاقتصادية والمالية.
بدأنا مع العام الجديد الإجراءات نفسها التي تنتزع من جيوب المصريين فرق أسعار العملة وارتفاع تكلفة الإنتاج الناتجة عن استمرار السياسات ذاتها على مدى سنوات، دون مراجعة من أصحاب القرار أو إعادة التفكير في جدواها وتأثيراتها.
كانت الجلسة العامة أمس أولى جلسات مجلس النواب في العام الجديد على موعد مع مناقشة مشروع قانون حكومي يمنح إعفاءات وحوافز للاستثمار في مشروعات الهيدروجين الأخضر ومشتقاته؛ تبشرنا الحكومة بمزيد من فرص العمل والاستثمار في تلك المجالات، ويوافق النواب على مشروع القانون دون اعتراضات أملًا في تشجيع الاستثمارات ودعم البيئة.
لماذا تستخدم الشركات في رسائلها تعبير "عزيزي العميل"؟
أتابع الجلسة والمناقشات في دأب، بينما تقطع تركيزي رسائل وإشعارات متكررة، ويظهر على شاشة هاتفي تعبير "عزيزي العميل"، لتخبرني شركة الاتصالات بتغير أسعار باقات الإنترنت وباقات الموبايل بدءًا من الشهر الحالي.
أشرد قليلًا وأتساءل لماذا تستخدم الشركات "عزيزي العميل" في كل رسائلها التي تبلغنا فيها بزيادات جديدة في أسعار الخدمات؟
العزيز في اللغة العربية هو الشخص المُعزز، المُكرم، المحبوب. بينما تعزز شركات الاتصالات أوضاعها وتدعم أرباحها بفرض زيادات جديدة على خدماتها للمرة الأولى منذ عام 2017.
أين البرلمان؟
تنص المادة 101 من الدستور المصري على أن "يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على النحو المبين فى الدستور".
لكن الجلسة العامة التي تلت القرارات الحكومية برفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق وخدمات الاتصالات، لم تتوقف أمام هذه الزيادات، كما لم تناقش لجنة النقل والمواصلات في اجتماعها أمس نتائج الزيادة أو تداعياتها.
لم يتوقف مجلس النواب أمام التحرك البرلماني المبكر من جانب النائب عبد المنعم إمام أمين سر لجنة الخطة والموازنة الذي تقدم بطلب إلقاء بيان عاجل في الجلسة العامة صباح أمس، رفضًا للزيادات.
واعتبر أن المسألة ليست كون الزيادة كبيرة أو صغيرة، ولكن "هذه الحكومة لا تسيطر على الأسعار ولا تملك خطة للخروج من الأزمة، وقراراتها المتتابعة تشكل ضغطًا مستمرًا على المواطنين وخصوصًا أبناء الطبقة المتوسطة".
ووصف إمام الحكومة بأنها "تفتقد الحد الأدنى من الكياسة السياسية الذي يجعلها تؤجل مثل هذه القرارات، بفرض صحتها وضروريتها، إلى وقت أكثر ملاءمة".
غير أن الجلسة دارت وفق جدول الأعمال المحدد مسبقًا، ولم يتح رئيس المجلس، المستشار حنفي جبالي، المجال لإلقاء بيانات عاجلة قبل البدء في مناقشة مشروعات القوانين المدرجة على جدول أعمال الجلسة.
كان البيان العاجل لإمام التحرك الوحيد في مجلس النواب، حتى أصدرت النائبة حنان يشار عضو المجلس عن حزب مستقبل وطن بيانًا صحفيًا تشير فيه إلى طلب إحاطة تقدمت به بشأن ارتفاع أسعار خدمات الإنترنت.
ولفتت يشار إلى أن "المواطن المصري يدفع عشرة أضعاف أسعار خدمة الإنترنت مقارنة بباقي دول العالم".
انظروا إلى اليابان
بعد إقرار مشروعي قانونين مقدَّمين من الحكومة بمنح إعفاءات وحوافز للاستثمار في الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، وتعديل بعض نصوص قانون صندوق الطوارئ الطبية الذي نص على مساهمة الصندوق في علاج الأمراض الوراثية والنادرة، انتقلنا إلى اجتماعات اللجان النوعية.
يتمنى وزير المالية خفض سعر الفائدة لتتمكن الحكومة من ضخ مزيد من الأموال في التعليم والصحة
كانت لجنة الخطة والموازنة على موعد مع بدء مناقشة الحساب الختامي للعام المالي 2023/2022، بحضور وزير المالية، محمد معيط، الذي يقر بصعوبة التحديات، لكنه لا يقدم خارطة لمواجهتها سوى باستخدام فعل "نأمل".
يقول معيط "نأمل أن تنخفض معدلات التضخم وسعر الفائدة خلال العام الجاري". إذن يتمنى وزير المالية خفض سعر الفائدة لتتمكن الحكومة من ضخ مزيد من الأموال في التعليم والصحة.
يعود الوزير مرة أخرى لاستخدام مفردات الأمل "نحن مؤمنون بأن التحديات قوية ونأمل أن تتحسن التحديات وبالتالي يتحسن الوضع الاقتصادي، وبالتالي استقرار الأسعار الذي ينعكس على المواطن المصري".
قابل الوزير انتقاد النائبة سحر معتوق عضو مجلس النواب بهدوء، إذ تطرقت سحر إلى سياسات الاقتراض وتكرار فرض رسوم وضرائب، وتحدثت عن عدم إنتاج صناعي يدفع الاقتصاد، بل وانتقدت حزب الأغلبية. وهو ما دفع زملاءها من المحسوبين على حزب مستقبل وطن إلى مقاطعة حديثها.
انتهز معيط الفرصة للرد على النائبة، مشيرًا إلى النموذج الياباني، قائلًا إن اليابان تحتل موقعًا متقدمًا في قائمة الدول الأكثر استدانة، وكانت في المركز الأول في أبريل/نيسان الماضي، وبلغ حجم الدين إلى الناتج المحلي 264%، ووصل حجم الدين إلى 9.8 تريليون دولار، بينما سجلت ديون مصر الخارجية 165.3 مليار دولار بنهاية مارس/آذار الماضي، بزيادة قدرها 9.6 مليار دولار مقارنة بنهاية يونيو/حزيران 2022.
ويعتبر معيط أن خدمة الدين في مصر هي الأعلى التي تجعل الوضع في مصر أكثر تعقيدًا "دولة اليابان رغم كونها من أكثر الدولة المدينة فالعائد لديها بالسالب وهو ما يجعلها غير متضررة حتى الآن".
لم يقدم معيط خارطة أو سبيلًا للحل، مكتفيًا بالتمني. بينما انشغلت أنا بحساب المصروفات الشهرية في مطلع العام الجديد بعد زيادات الكهرباء والاتصالات، وزيادات أخرى على خدمات وسلع أخرى أتوقع أن تكون في الطريق إليك عزيزي القارئ.