برخصة المشاع الإبداعي: QuoteInspector.com، فليكر
دولارات أمريكية

ما تفعله بنا البنوك.. "سياسات الاستيراد" تفاقم أسعار السلع

منشور الأربعاء 6 ديسمبر 2023

مع عدم توفر العملات الأجنبية الكافية في البنوك، يلجأ المستوردون المصريون للحصول على الدولار من السوق الموازية بفارق يصل إلى عشرين جنيهًا عن سعره الرسمي، ما يؤدي بالضرورة لارتفاع أسعار كثير من السلع الاستهلاكية، لكنَّ سلوكًا طارئًا لبعض البنوك في البحث عن مصادر جديدة للورقة الخضراء يهدد بزيادة مضاعفة وأزمة وشيكة.

يقول مستوردون تحدثوا لـ المنصة إن العديد من البنوك ألزمتهم خلال الشهور الأخيرة ببيع ما يملكونه من نقد أجنبي بسعر الصرف الرسمي، بما يعادل نسبة من قيمة الشحنة المستوردة، في مقابل تيسير عمليات الاستيراد، وأن تلك السياسة تدفعهم لرفع الأسعار على المستهلك النهائي وتكبد المستوردين خسائر فادحة.

وتستخدم البنوك تلك الوسيلة المستحدثة في محاولة منها لتوفير مصادر للعملة الصعبة، حيث يعاني القطاع المصرفي من تفاقم عجز صافي الأصول الأجنبية، الذي بلغ نحو 840 مليار جنيه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي مقابل 654.4 مليار جنيه مع بداية العام، ما يجبرها على تأخير طلبات المستوردين بتوفير العملة الصعبة، الأمر الذي جعل السوق السوداء أحد المصادر الأخيرة المتاحة للتجار لتدبير ثمن وارداتهم.

وقال مستورد للحبوب، طلب عدم نشر اسمه، لـ المنصة إن البنوك تجبره على دفع نسبة تتراوح بين 15% و20% من العملة الصعبة زيادة عن المبلغ الذي سيستورد به، مقابل عدم سؤاله عن مصادر النقد الأجنبي المستخدمة في عملية الاستيراد وفتح الاعتماد المستندي لهذا الغرض، "هذا يكلفنا الكثير بسبب فارق العملة بين السوق السوداء والسوق الرسمية".

ويستقر السعر الرسمي للدولار عند مستوى 30-31 جنيهًا منذ فبراير/شباط الماضي، بينما يقترب سعره في السوق الموازية من 50 جنيهًا.

ويوضح المستورد أن "العديد من المستوردين يلجؤون إلى السوق السوداء لتدبير العملة الصعبة من أجل الاستيراد، خاصة فيما يخص السلع الاستراتيجية أو مستلزمات الإنتاج، ما جعل أسعارها ترتفع بشكل كبير هذه الأيام".

ولم ينفذ البنك المركزي تعويمًا كان متوقعًا في سبتمبر/أيلول الماضي، ما سمح باستمرار نشاط معاملات السوق الموازية. وتوقعت وكالة بلومبرج أن يتم التعويم بعد انتخابات الرئاسة.

ويقول مستورد آخر للأدوات الصحية، طلب عدم نشر اسمه، لـ المنصة إن توفير النقد الأجنبي للبنوك بالسعر الرسمي "أصبح مؤخرًا شرطًا أساسيًا للتمكن من الاستيراد".

أحد أسباب تفاقم التضخم

الحصول على تمويل لعمليات الاستيراد من السوق الموازية، مع بيع نسبة للبنوك بالسعر الرسمي، بات عاملًا ضاغطًا على أرباح التجار، ما دفعهم لرفع الأسعار على المستهلك النهائي، كما يقول عضو شعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية أحمد شيحة لـ المنصة.

ويضيف شيحة "لا يوجد مستورد ولا مُصنّع مستعد لأن يدفع من جيبه زيادة التكلفة الناتجة عن تحمل فارق سعر الصرف بين السوقين الموازية والرسمية، ما يعني أن المستهلك النهائي يتحمل هذا الفارق".

وارتفعت معدلات التضخم إلى مستويات قياسية خلال الشهور الأخيرة، مع تجاوزها 40% في سبتمبر الماضي.

ويقول شيحة إن سياسة الإلزام ببيع حصيلة نقد أجنبي للبنوك بالسعر الرسمي أصبحت سارية على عمليات استيراد مختلف السلع في الوقت الراهن، "كل مستورد يقدر لنفسه هامش ربح فوق تكلفة الاستيراد بسعر الصرف الموازي".

وهو ما يؤكده أيضًا رئيس لجنة التجارة الداخلية بشعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، متى بشاي، الذي قال لـ المنصة، إن "خسائر المستوردين أصبحت تتفاوت حسب سعر الصرف الذين استطاعوا أن يشتروا به الدولار من السوق الموازية".

ويوضح بشاي "كلما زاد سعر الدولار الذي يشتريه المستورد من السوق الموازية زادت خسائر المستورد، وزاد سعر المنتج النهائي".

ويؤكد خبير في منظمة أممية معنية بشئون الزراعة والغذاء، طلب عدم نشر اسمه، أن سياسات البنوك الحالية تساهم في رفع أسعار الغذاء.

ويقول الخبير لـ المنصة، وهو مطلع على ملف الواردات الغذائية في مصر، إن "البنوك تشترط حاليًا توفير 120% من قيمة المنتج المستورد، وتقوم برد نسبة الـ20% الزيادة بالعملة المحلية، ومستورد الأغذية يلجأ إلى السوق السوداء لتدبير العملة الصعبة وتلبية حاجته للاستيراد، بفارق يصل إلى 20 جنيهًا عن الأسعار الرسمية في البنوك، مما يضطره لرفع سعر السلع بنسبة أكبر من هامش الربح الطبيعي الذي كان يضعه في السابق".

ويضيف الخبير "هذه السياسة باتت تطبق على استيراد كافة السلع، سواء استراتيجية أو غير استراتيجية، ومنها القمح والسكر والذرة والصويا والدواجن وغيره".

وحسب بيانات البنك المركزي، ارتفع تضخم الخضراوات والفاكهة فوق مستوى 100% خلال سبتمبر الماضي، قبل أن يتراجع إلى 89.2% في أكتوبر/ تشرين الأول.

 

سياسة لتغذية السوق السوداء

ويرى الخبير الأممي أن سياسات البنوك الحالية تساهم في دفع المستوردين للبحث عن العملة الصعبة في السوق الموازية، ما يساعد على تنمية هذه السوق، "على الأرجح هذا هو السبب في ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية بالشكل الحالي إلى نحو 50 جنيهًا".

وساهم نقص المتاح من العملات الصعبة في انكماش عجز الميزان التجاري لمصر بأكثر من 12 مليار دولار خلال العام المالي 2022/2023، بدفع من مصاعب عمليات الاستيراد.

ويرى بشاي أن تيسير قدرة البنوك على توفير الدولار للمستوردين هو "الحل الناجع" لإنهاء اعتمادهم على السوق الموازية، "الوضع الحالي يكبدنا خسائر مالية، لأننا نضطر لرفع سعر المنتج النهائي وهو ما يدفع المستهلكين لتقليل معدلات الشراء".

وفضلًا عن ذلك العبء الإضافي الذي ألقت به البنوك على كاهل المستهلك العادي في النهاية، وفي ظل صعوبة توفير العملة الصعبة، وتذبذب أسعارها المستمر في السوق الموازية، مع ضبابية الموقف من التعويم والسيناريوهات التي ستتلوه عندما يحدث، فإنه يبدو أن المواطن العادي لن ينعم في القريب العاجل بسعر مستقر للسلع الأساسية التي يعتمد عليها يومه.