تصوير: محمد عادل- المنصة
صورة لأعمال بناء جارية في حي الهرم، نوفمبر 2023.

انتخابات الرئاسة.. موسم جديد للبناء المخالف

منشور الثلاثاء 14 نوفمبر 2023

تأتي الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد نحو ثلاث سنوات من تعديلات تشريعية ساهمت في تقييد منح تراخيص البناء الجديدة، بجانب الممارسات الحازمة لمحاصرة المباني المخالفة للمعايير القانونية أو أعمال البناء على الأراضي الزراعية.

لكن العديد من المقاولين، بناءً على تجاربهم في الانتخابات السابقة، اعتبروا فترة السباق الرئاسي بمثابة موسم للتوسع في أعمال البناء بالمخالفة للقانون، سواء كانت تلك المخالفة في عدم وجود ترخيص، أو عدم الالتزام بالمواصفات الهندسية، أو حتى البناء على الأراضي الزراعية.

تُشير شهادات عدد من العاملين في قطاع التشييد لـ المنصة إلى سعيهم لاستغلال فترة الانتخابات الراهنة في التوسع بأعمال البناء غير القانونية، بينما تقول الدولة إنها مستمرة في مكافحة هذه الأعمال من خلال حملات الإزالة على الأراضي الزراعية وغير الزراعية.

البناء المخالف في المدن

في حي الهرم بمحافظة الجيزة، انتشرت بشكل ملحوظ على مدى الأسابيع الأخيرة أعمال بناء وتعلية للأدوار بالمخالفة للمعايير القانونية، وهي ممارسات واجهتها الدولة بحزم خلال السنوات الأخيرة.

المنصة تحدثت إلى اثنين من مقاولي البناء المنفذين لبعض تلك الأعمال بمنطقة منشية البكاري غرب الجيزة، وطلبت منهما حساب تكاليف تعلية دور بدون ترخيص بأحد شوارع المنطقة، ولم يُبد أي منهما تراجعًا عن قبول العمل، وقال أحدهما  "كل حاجة بتخلص بالفلوس".

يأتي ذلك في الوقت الذي تنشر فيه الدولة بيانات عن حملات لإزالة مخالفات البناء، لكن المصادر التي تحدثت لها المنصة تقول إن بعض هذه الحملات تكون "شكلية" فقط.

يقول المقاول أحمد عبد الله(*) إن الغرض من الحملات هو تصويرها فقط "علشان البلاغ بينزل على السيستم، هما بيبقوا مظبطينها كلها مع بعضهم، والدنيا ماشية كدا".

وحسب المقاول الشاب، فإن رد فعل الدولة تجاه البناء المخالف يمكن تخفيف أثره باستخدام الرشاوى "يعني لو هتأسس بيت وهتبني دور أول، هتدفع  لموظفي الحي من 70 لـ80 ألف جنيه علشان ما ينزلوش حملة الإزالة، ولو الحملة نزلت وأنت دافع بتكسّر حاجة بسيطة في الطوب مش في الخرسانة بحيث يبان للي بيشوف البناء إنك اتعمل لك محضر كدا، ولكن مافيش محاضر بتتعمل".

وتتراوح تسعيرة رشاوى تعلية الأدوار حاليًا بين 15 إلى 25 ألف جنيه، كما قال لنا خالد سليمان(*)، مقاول في الهرم، معلقًا "وأنت شطارتك أو على حسب الناس اللي هيخدموك يعني لو متوصي عليك المبلغ هيقل 5 آلاف إنما لو مش متوصي عليك هتدفع 20، ولو الموظف عايز يستغلك هيدفعك 5 زيادة وكدا يعني".

هل مضى زمن الحزم؟

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي ألقى خطابًا شهيرًا عام 2020 مهد فيه لإجراءات حازمة تقيّد حركة البناء غير المرخص أو المخالف للقانون، قال فيه "النهارده أي تجاوز .. لأ من فضلك، ما تقوليش التجاوز أنا هزيله، أنا التجاوز زلته وقبضت على السبب فيه ويتحاكم، محتاج إن إحنا نعدل في تشريعاتنا نعدل.. حتى تستقيم الأمور مرة تانية وتبقى الدولة انتظمت واتحركت"، مضيفًا "ما كان، سواء سببه 2011 أو قبل كدا، لن يكون تاني".

مثّل هذا الخطاب نقطة تحول فارقة، إذ أنه لم يقتصر على توصية بمكافحة البناء بمعايير مخالفة للقانون، ولكن أيضًا تقييد حركة منح تراخيص البناء.

وإثر هذا الخطاب، أصدر  وزير التنمية المحلية السابق محمود شعراوي قرارًا كلّف فيه المحافظين بوقف إصدار التراخيص الخاصة بإقامة أعمال البناء أو توسعتها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها للمساكن الخاصة، وذلك في القاهرة الكبرى والإسكندرية وعواصم المحافظات والمدن الكبرى.

نص قرار وزير التنمية المحلية رقم 181 لسنة 2020.

كما أوقف القرار استكمال أعمال البناء للمباني الجاري تنفيذها لحين التأكد من توافر الاشتراطات البنائية.

ولا يزال هذا القرار ساريًا حتى الوقت الراهن، بجانب حملات الإزالة للمباني المخالفة، وحتى في الحالات التي يسمح فيها القرار بتراخيص البناء، تظل الشروط صعبة التطبيق.

ورغم عدم تغير الشروط القانونية المقيدة لحركة البناء، ثمة مؤشرات على أن حركة التشييد زادت خلال أكتوبر/تشرين الأول، ما يعكس اعتياد المقاولين على البناء المخالف في أوقات الانتخابات.

يذكر تقرير سابق لـ المنصة أن أسعار الأسمنت شهدت ارتفاعات ملحوظة خلال أكتوبر، بسبب توسع مفاجئ في حركة البناء، قبل أن تتدخل الدولة بحملات إزالة خفضت الأسعار مرة أخرى في نوفمبر/تشرين الثاني.

ويلاحظ تاجر للأدوات الصحية، في حي الهرم، تحدث لـ المنصة، أن مبيعات المواد الخاصة بتأسيس السباكة لديه "زادت بشكل مفاجئ خلال أكتوبر، بمقدار الضعف عن الفترة السابقة، بسبب إقبال المقاولين على البناء".

البناء على الأراضي الزراعية 

وتتكرر ظاهرة البناء المخالف قبل الانتخابات على مستوى القرى والمناطق الزراعية أيضًا، حيث يقول مصدر بجهاز حماية الأراضي بوزارة الزراعة، طلب عدم نشر اسمه، إن "حجم التعديات على الأراضي الزراعية زاد بشكل كبير خلال الشهر الماضي".

وأضاف المصدر لـ المنصة أن وتيرة التعديات زادت عن أي فترة مضت "شهر أكتوبر الماضي سجل أعلى معدل منذ سنوات، إذ رُصد أكثر من 10 آلاف حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية".

ويضيف المصدر "بنواجه صعوبات غير التعدي علينا بالضرب وقذف الحجارة ونتعرض للإصابات أثناء الإزالة".

ويبدو من حديث ثلاثة مقاولين مع المنصة أن القائمين بأعمال التشييد في المناطق الزراعية يشعرون بقدر من الاطمئنان إلى أن "مبانيهم المخالفة للقانون لن يطالها أذى في الفترة الحالية". 

يقول عبد الرحمن حمد، مقاول بناء بإحدى قرى محافظة كفر الشيخ، إنه مع بداية الحديث عن الانتخابات الرئاسية اتجه كثيرون للبناء على الأراضي الزراعية، مضيفًا "احنا كمقاولين وشغالين في المجال دا نعتبر الانتخابات، أي انتخابات، موسم للشغل.. والعمال كمان بيستنوا الانتخابات لأنها موسم كويس لهم".

ويتفق معه إبراهيم حسن، مقاول في إحدى قرى مركز بسيون بمحافظة الغربية، وقال لـ المنصة إنه خلال الثلاثة أشهر الماضية "كل واحد عنده قطعة أرض عايز يبنيها.. لأن دا فعلًا موسم"، وأضاف "النجار المسلح المعلم (الصنايعي) رفع أجرته إلى 800 و1000 جنيه في اليوم، بدلًا من 400 أو 500 جنيه، والعامل المساعد معاه أجرته وصلت 500 جنيه بدل 200 جنيه… طبعًا أنا بكلمك على الشغل في المخالف (البناء على الأراضي الزراعية)".

وكذلك أشار محمود عبد النبي، مقاول بناء في إحدى قرى مركز زفتى بالغربية، إلى أن "المعلم (الصنايعي) كان بيبني قبل الشهرين اللي فاتوا الألف طوبة بـ400 جنيه، بقى بيطلب ألف جنيه على كل ألف طوبة وفي معلمين ممكن يطلبوا أكتر، أو يعتمدوا على السرعة ويبنوا أكتر من ألف طوبة في اليوم".

لكن المقاولين لم ينفوا مع ذلك حضور الدولة، وإن بشكل جزئي، خلال الانتخابات، حيث يقول حسن إنه خلال العشرة أيام الماضية لاحظ حملات إزالة قوية ضد مبانٍ مخالفة، "هذه البيوت لا تكون مجرد دور أو سور، لكن ساعات بتكون بيوت كبيرة دورين (طابقين) أو ثلاثة كمان وكلها مسلح"، مشيرًا إلى خسائر كبيرة يتحملها هؤلاء المواطنون "دفعوا فلوس كتير في البنا، وبيتحملوا تكلفة الإزالة بالإضافة للغرامة اللي الحكومة بتفرضها عليهم".

إجمالًا، تُشير تعليقات المقاولين إلى أن موسم البناء في انتخابات الرئاسة هذا العام كان "غير اعتيادي بالمرة"، فهو من ناحية شهد إقبالًا على حركة التشييد من سوق متعطشة للتوسع العمراني منذ تقييد حركة الترخيص قبل ثلاث سنوات، ومن ناحية أخرى شهد موجات من مقاومة الدولة لهذا التوسع.

ويقول حسن عن ذلك "الحكومة (قوات الإزالة) رجعت تهد البيوت اللي اتبنت الفترة اللي فاتت.. الناس افتكرت إن الدنيا سابت لكن الحكومة جت طربقتها على الكل".


* اسم مستعار بناءً على طلب المصدر