klimkin- بيكساباي
سجائر

سيطرة الإمارات على السجائر المصرية.. نهاية صناعة وتاريخ!

منشور الأربعاء 6 سبتمبر 2023

يذكر التاريخ أن "اللي بنى مصر" الحديثة كان تاجر تبغ ودخان، وهو محمد علي باشا الذي امتهن هذه التجارة قبل أن يُعينه السلطان العثماني واليًا على مصر، ليصبح التبغ، حين استقل بها، الزراعة الأعلى ربحية في مصر، متنافسًا مع القطن الذي فضّله البريطانيون لاحقًا عند احتلالهم لها، ليكون محصولها الأهم، وذهبها الأبيض الوحيد بعد حظر زراعة التبغ. 

كما يذكر التاريخ أن صناعة التبغ والسجائر تأسست وانتعشت في مصر بأسماء صُنَّاعها من الأرمن واليونانيين والأوروبيين منذ منتصف القرن التاسع عشر. ودخل المصريون تلك الصناعة منذ أكثر من مائة عام، ومع ثورة 1919 ظهرت سجائر بيت الأمة، وعباس حليم، ويكن باشا، واستمرت صناعتها وتصديرها للمنطقة.

وفي ظل التنافس بين القصر والإنجليز، أسس السلطان أحمد فؤاد عام 1920، وقبل أن يُصبح ملكًا بدستور 1923، الشركة الشرقية (إيسترن كومباني) للسجائر والدخان، التي اندمجت فيها، بعد تأميمها في الستينيات، باقي الشركات الخاصة بما فيها شركة ماتوسيان، التي أنتجت أشهر سيجارة مصرية حتى الآن، وهي كليوباترا، التي يُقال إنها جاءت عرضًا بطلب من الرئيس عبد الناصر لصاحب ماتوسيان، لتُغني الزعيم المصري عن سيجارة كِنت البريطانية التي تعلق بها!

في 2021، انتهت مائة سنة من احتكار الشركة الشرقية للدخان المملوكة للدولة المصرية، لصناعة السجائر في مصر. بعدها بعام، سُمح لشركة "خاصة" بتصنيع منتجات التبغ بالمثل، وهي شركة المتحدة للتبغ- موريس، التي تحمل اسمًا مشابهًا لآخر نعرفه في مجال الإعلام المصري، وفي المقابل تحصل الشركة الشرقية على 24% من أسهم "المتحدة". 

بالتالي، أصبح لشركة المتحدة، التي امتنعت إدارة الشركة الشرقية عن ذكر اسم الشريك "المصري" الرئيسي فيها، حق مشاركة احتكار خطوط صناعة السجائر والدخان، باسمها من منتجات فيليب موريس، فبعد أن كان يُكتب على علب سجائر مارلبورو وميريت و L&M المنتجة محليا "صُنع في مصر بواسطة الشركة الشرقية إيسترن كومباني" أصبح بعد دخول الشريك المصري غير المعلنة هويته "صُنع في مصر بواسطة الشركة المتحدة للتبغ"!

وتبقى في السوق المصرية مع الشرقية وشريكتها "المتحدة-موريس"، ثلاث شركات أجنبية صغيرة الإنتاج محليًا وهي المتصور الدولية، وبريتش باكو ، وجي تي آي اليابانية، وكلها تستخدم مصانع الشرقية.

كما تحوز الشركة الشرقية على نسبة 70% من مبيعات السوق المصرية من منتجات التبغ والسجائر. حيث يستهلك المصريون نحو أربعة مليارات علبة سجائر في السنة، أي 80 مليار سيجارة سنويًا. أما عن إيرادات الشركة العريقة فوصلت مبيعاتها في العام المالي المنصرم حوالي 66 مليار جنيه، بأرباح بلغت 7.7 مليار جنيه.

إذا أضفنا إلى هذه الأرباح  عوائد الضرائب التي يدفعها المستهلك على كل علبة سجائر، بما لا يقل عن ثلاثة جنيهات، سنصل إلى نحو 12 مليار جنيه حصيلة ضرائب، عن السجائر فقط، دون حساب التوباكو أو المعسل بمبيعاتهما الضخمة، وكذلك الضريبة الإضافية المتصاعدة بربع جنيه سنويًا على كل علبة سجائر لتمويل مشروع التأمين الصحي الشامل، المزمع!

 ورغم أن الشرقية للدخان شركة مساهمة، فإن الأغلبية في التصويت كانت للحكومة المصرية من خلال الشركة القابضة الكيماوية، التي تمتلك 50.5% من الأسهم بجانب نسبة 5% من أسهم الشركة الشرقية لصندوق اتحاد عمالها، في حين يمتلك القطاع الخاص 43.5% من الأسهم.

لكن سيطرة مصر على شركتها انتهت، باحتفال مهيب حضره رئيس الوزراء المصري، أعلن فيه بيع مصر 30% من أسهم الشرقية إلى الإمارات ممثلة في شركة جلوبال، مقابل 625 مليون دولار، بجانب ضخ مبلغ 150 مليون دولار مقدمًا لشراء مستلزمات الإنتاج، الذي كاد أن يتوقف ما نتج عنه أزمة في السوق المصرية، لعدم توفر عملة صعبة لشراء التبغ والورق وكل مستلزمات الإنتاج التي تعتمد بنسبة 100% على الاستيراد.

بالتالي، سيطرت الإمارات على صوت الأغلبية في إدارة الشركة الشرقية العريقة، وكذلك على إنتاج التبغ والسجائر بمصر. حيث يشرح هذا الرسم البياني للمنصة من له نصيب الأغلبية الآن.

نسب المالكين للشرقية للدخان

 

الإمارات والإغراق في السجائر

رغم أهمية السوق المصرية لأي مستثمر، والتي لا يقل عدد المدخنين من مواطنيها عن خُمس عدد السكان، أو نحو عشرين مليون رجل وامرأة، فإن خطورة الصفقة ليست فيما تنتجه الشركة داخل مصر، بل في قدرة واستعداد قلعة التبغ، التي كانت مصرية، على التصدي لعمليات تزوير اسمها في الخارج، وخصوصًا ماركة كليوباترا، وإغراق الأسواق المصرية والعربية بسجائر مهربة من الخارج، مثل شركة مسجلة في الإمارات كان لها مصنع في جمهورية الجبل الأسود/مونتينيجرو لإنتاج علب سجائر كليوباترا المصرية!

هذا بجانب شكاوى الاتحاد الأوروبي من إغراق الإمارات الأسواق الأوروبية بسجائر تُنتج دون ترخيص، أو بماركات مزورة، في نحو عشرين مصنعًا في منطقة جبل علي، ويتم تهريبها للأسواق العالمية دون حتى دفع ضرائب!

ففي تقرير أذاعته في أكتوبر/تشرين الأول 2019 قناة DW الألمانية، قدّرت قيمة مبيعات السجائر التي يتم إنتاجها بالمنطقة الحرة الإماراتية، وتهريبها للأسواق العالمية بأكثر من ثلاثة مليارات دولار، مما يجعل السجائر ثالث أكبر صادرات الإمارات غير النفطية، بعد الذهب والألومنيوم! ويشير التقرير أيضًا إلى أن نصف إجمالي مبيعات السجائر المهرّبة أو المباعة عبر حدود دول المغرب العربي تأتي من مصانع في الإمارات بالمثل.

كليوباترا المصرية عبر ليبيا

أظهر تحقيق استقصائي نشره مصراوي عام 2018 للصحفي أحمد الشامي، وبمساعدة وإشراف فريق من "أريج"، أن شركة إماراتية مسجلة في رأس الخيمة باسم "ليبرتي F.Z.E" تنتج في الجبل الأسود أطنانًا من سجائر كليوباترا، ومكتوب عليها بشكل مزور "صُنع في مصر"، وعن طريق الشركة الشرقية للدخان!

التحقيق الذي بدأ من مارس/آذار 2015 بضبط السلطات الإيطالية سفينة بها حاويات تضم أطنانًا من السجائر المزورة في طريقها إلى طبرق بليبيا، تبين أن الإنتاج المزور لم يتوقف باسم هذه الشركة المسجلة بالإمارات منذ عام 2012، وتواصل بعد ذلك حتى بعد أن وصل الأمر لمجلس النواب المصري.

هل سيهم المستثمر الإماراتي الدفاع عن ماركة كليوباترا التي طلبها عبد الناصر؟

فقد عقدت لجنة الصناعة في مجلس النواب في فبراير/شباط 2019 جلسة لبحث ما اعتُبر تقاعسًا من مسؤولي الشركة الشرقية، في ملاحقة الشركات المزيفة للماركة المصرية، وبعد أن وزع أحد النواب على الحاضرين ومسؤولي الشركة سجائر كليوباترا المضروبة التي دخلت مصر.

لكن رد المسؤولين كان يوحي بأن الموضوع أكبر من نطاقهم، وأن مجرد تسجيل حقوق الملكية بتلك الدول لا يكفي لاستمرار دخول هذه البضائع عبر بنغازي وليبيا وإغراق المنطقة، ولا بد من وجود شبكات حماية أقوى!

تُرى إذا كانت الشركة الشرقية لا تملك منع شركة المتحدة الجديدة من الحصول على رخصة التصنيع مثلها في مصر، ولا على التصدي لشركات إماراتية تضرب ماركات السجائر في الخارج وتهربها داخل مصر، فكيف سيكون الحال بعد أن يحدد المالك الإماراتي من يدير الشركة من المصريين أو غيرهم، ويضع لهم الأهداف، ويحدد لهم جهات التصدير؟

وهل سيهم المستثمر الإماراتي الدفاع عن ماركة كليوباترا التي طلبها عبد الناصر، أو الشركة الشرقية التي أنشأها  فؤاد، أو غيرها من تراث ومعالم شخصية مصر، التي تهدم حكومتها أبنيتها وآثار عاصمتها لبناء ناطحات سحاب على غرار أبراج الإعمار الإماراتية؟!

إن إعطاء شركة إماراتية نصيب الأسد في شركة السجائر المصرية، التي تستحوذ الحكومة على أرباحها سنويًا دون أن تترك لها ما تشتري به مواد إنتاجها، ودون منع القرصنة والتهريب لضرب علاماتها التجارية من شركات متصلة بالإمارات، هو أشبه "بتسليم القط مفتاح الكرار"!

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.