قبل أقل من عام، اصطف المئات على السلم اﻷسود لنقابة الصحفيين واحتشدوا بمحيطها، محتجين على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، مرددين: "عيش حرية الجزر دي مصرية".
احتجاجات لم تكن اﻷولى التي يشهدها بلاط صاحبة الجلالة، فطالما عاصرت وتبنت وأيدت العديد من القضايا.
وبعد أبريل/نيسان عام 2016، بات من المتوقع حصار الصحفيين، ولم يقتصر الأمر على الملاحقات والتضييق الأمني والاحتجاز في الحملات العشوائية، بل حوصرت النقابة نفسها بحواجز حديدية ومدرعات وتشكيلات عسكرية، لتتشح الصحافة كلها بلون سلالم نقابتها، حدادًا على حرية فُقدت بسابقة تاريخية من وزارة الداخلية، بعدما اقتحمت الشرطة أروقة الحريات وقبضت على صحفيين بدعوى اتهامات وصلت إلى التخطيط لقلب نظام الحكم.
حُفِرَت هذه المشاهد على جدران النقابة التي تشهد هذه اﻷيام أول انتخابات تجديد نصفي، بعد أحداث سَطَع فيها نجم نقيبها يحيى قلاش، واثنين من أعضاء المجلس وهما خالد البلشي وجمال عبد الرحيم، الذين حُكِم عليهم بالحبس عامين مع الشغل، ودفعوا كفالة 10 آلاف جنيه لوقف التنفيذ لكل منهم، وذلك بعد اتهامهم بإيواء هاربين، وبعد الطعن تم مد الحكم النهائي لـ 25 مارس الجاري.
كل هذا يجعل حريات الصحفيين بمثابة اللوغاريتم الذين يواجهه المقترعون في الانتخابات، فهل الإبقاء على النقيب والمجلس الحالي بنفس مشكلاته مع السلطة، أم اختيار نقيب متفاهم مع السطة، وهل أي من الخيارين سيعبر بالنقابة إلى طريق السلام، أم أنه سيُدخلها في أنفاق الظلام.
انتخابات مغايرة
في 11 فبراير/شباط الماضي، فتحت النقابة أبواب الترشح على مقعد النقيب، و6 مقاعد في مجلس النقابة لمدة 5 أيام، على أن تُقام الانتخابات في 3 مارس/آذار الجاري، لتأتي القوائم النهائية بترشح 7 على مقعد النقيب و73 على عضوية المجلس.
أجمع الكثير على أن هذه الانتخابات تحمل طابعًا مغايرًا، خاصة بعد انحسار المنافسة - نسبيًا - على مقعد النقيب لتقتصر على "قلاش"، وعبد المحسن سلامة، أما المنافسة بين أعضاء المجلس فتحمل في طياتها الجديد والمثير.
يحيى قلاش، النقيب الحالي، قال إنه يخوض الانتخابات الحالية لمواجهة التحديات التي تمر بها مهنة الصحافة بشكل عام، مشيرًا إلى أنها وضعت كرامة الصحفي في مواجهة الخدمات التي يحصل عليها.
وأوضح أن الانتخابات الحالية تشهد خلطًا كبيرًا في الأوراق، على حد تعبيره، مشيرًا إلى أن ما سيترتب على نتيجة الانتخابات الحالية مختلف تمامًا عن أي انتخابات سابقة داخل النقابة.
وعن أزمة النقابة مع وزارة الداخلية، قال إنه لو عاد به الزمان وتكررت أزمة اقتحام النقابة فلن يغير موقفه، منتقدًا ما أدلى به عبد المحسن سلامة، من تصريحات حول هذه الأزمة وفشل قلاش في إدارتها.
وكان عبد المحسن سلامة قال في إحدى الفضائيات أن نقابة الصحفيين جزء من الدولة ولا يصح أن تكون ضدها، ملقيًا باللوم على "قلاش"، في أزمة اقتحام النقابة، قائلًا: "النقيب الحالي أساء إدارة الأزمة بين الدولة والنقابة"، ولم يكن ينبغي اعتبار رئيس الجمهورية خصمًا في الأزمة.
وصرًح في لقاء له بالنقابة أنه يسعى لإعادة النقابة إلى عصرها الذهبي ومواجهة كل الأزمات، ووصف كل ما يتردد من الحديث على أنه مرشح الدولة بأنه غير صحيح، موضحًا أن البعض يسعى إلى عمل فتنة لافتعال أزمات قبل انتخابات نقابة الصحفيين القادمة.
ولكن عبد المحسن سلامة عاد بتصريحات تليفزيونية وقال إنه سيتدخل لدى مؤسسة الرئاسة للعفو عن النقيب الحالي ووكيليه حال صدور حكم بحبسهم في القضية المتعلقة بالقبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا، وأشار إلى أنه سيقف حتى النهاية بجانب أي صحفي محبوس في قضية نشر ولن يقبل المساس بحرية الصحفيين.
مقعد النقيب لم يثر جدلًا عند هذا الحد فحسب، إذ حمل اعتذار ضياء رشوان النقيب الأسبق الكثير بعد أن أعلن نيته للترشح، ثم خرج من المنافسة وقال: "فضلت ألا أشارك في هذه المأساة – الملهاة، وأن أسحب ترشيحي".
اهتمامات المرشحين
المرشحون على مقاعد المجلس كانت لهم آراؤهم أيضًا، خالد البلشي وكيل نقابة الصحفيين ورئيس لجنتي الحريات والتسويات بالنقابة، والمرشح لغضوية المجلس المقبل، قال "إن الجماعة الصحفية والنقابة أمام أوضاع هي الأسوأ على الإطلاق، سواء من اتجاه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أو الحريات العامة، متمثلة في التأثير على الحد الأدنى للأجور، وخفض بدل التكنولوجيا تقريبًا للنصف". وأضاف إن المجلس الحالي تعامل مع شكاوى لأكثر من 400 صحفي، بينها 250 شكوى تتعلق بأوضاع العمل داخل المؤسسات الصحفية، مشيرًا إلى أن شباب الصحفيين أمام علاقة عمل تحتاج لإعادة النظر داخل المؤسسات.
وأضاف: "نحن أمام أكثر من 50 صحفي محبوس، ومهدد بالحبس، وأمام محاولة دائمة لغلق للمجال العام الحريات، ومحاولة تحويل الصحافة لمجرد نشرات، والحقيقة أن الصحفيين المصريين يقاومون ذلك بكافة السبل، في مواجهة محاولات خلق إعلام الصوت الواحد".
جمال عبد الرحيم، سكرتير عام نقابة الصحفيين، والمرشح على مقعد المجلس المقبل، قال أيضًا إن ترشحه ليس له علاقة بالقضية التي صدر فيها حكم ضده، مؤكدًا أن النقابة خرج منها ثلاث ثورات: يناير، و30 يونيو، وثورة 15 إبريل (جمعة الأرض).
وأوضح أن برنامجه الانتخابي يهدف إلى الحفاظ على هيبة وكرامة نقابة الصحفيين وأبناء المهنة، وأنه في حال فوزه أو عدمه سيسعى للحفاظ على هيبة الصحفيين، مؤكدًا أن النقابة لا تنتمي لأي تيار سياسي، ومن لديه أي انتماءات أو توجهات يخلع رداءه الحزبي قبل دخول النقابة، مشيرًا إلى أن المجلس أدى دوره كاملًا تجاه الصحفيين المحبوسين، والنقابة خاطبت كافة الجهات المعنية والنائب العام ومصلحة السجون.
أما عمرو بدر، الذي قُبض عليه بعد مداهمة النقابة، والذي أُخلي سبيله على خلفية اتهامه بمحاولة قلب نظام الحكم، والمرشّح لانتخابات التجديد لمجلس نقابة الصحفيين، فأوضح أن قضايا الأجور والحريات الصحفية والفصل التعسفي من أهم القضايا التي يجب أن يهتم بها حال فوزه بالانتخابات.
وأكد أنه سيسعى لإلغاء كافة المواد التي تحبس الصحفي، وإن معركة الأجور هي الأهم في أزمات الصحفيين، وأشار في تصريحات أخرى إلى أن الانتخابات تأتي في مرحلة لم تتحدد معالمها بعد، وإنها لم تحدد شكل مجلس النقابة، بل ستحدد شكل وحجم وفاعلية الجمعية العمومية التي سترسم معالم المرحلة المقبلة.
وأعلن علاء ثابت عضو مجلس نقابة الصحفيين عدم ترشحه في الانتخابات القادمة، وأوضح أن النقابة تمر بظروف تستدعي التغيير والتجديد، وذلك ترسيخًا لمجموعة من القيم التي يسعى لها وأهمها احترام قيمة التغيير، وإعطاء الفرصة لوجوه جديدة.
فائض بالميزانية
على جانب آخر اعتمد مجلس نقابة الصحفيين الحالي ميزانية النقابة لعام 2016، وكشفت الميزانية عن تحقيق فائض يقرب من الـ40 مليون جنيهًا بعد وفاء المجلس بكافة الاحتياجات الخاصة بالنقابة والأنشطة والزيادات التي تم اعتمادها للإنفاق على القروض والعلاج والمعاشات، وكذلك رد أكثر من 13 مليون جنيه من أقساط الأراضي والإسكان خلال عامين بسبب الموارد التي تحققت، بحسب بيان المجلس.
وأعلنت اللجنة المشرفة على الانتخابات اكتمال كل الإجراءات الإدارية والفنية لانعقاد الجمعية العمومية يوم الجمعة 3 مارس، لتسجيل واستقبال الأعضاء، إلا أن النصاب لم يكتمل بعد تسجيل 1173 صحفيًا فقط في كشوف حضور الجمعية العمومية، لتؤجل الانتخابات إلى الجمعة، 17 مارس الجاري ويشترط لاكتمالها حضور 25% من الأعضاء.