في ربيع عام 2004 كانت الألمانية إلكي بوجانوفسكي، التي درست سلوك الثدييات البحرية بمسقط رأسها "برلين"، على متن مركب صغير في رحلة بحرية قبالة سواحل مدينة مرسى علم جنوبي شرق مصر. بدا لها كل شيء معتادًا، كانت زارت البحر الأحمر مرات عدة من قبل، ولكن تلك كانت الرحلة التي قررت بعدها الاستقرار في مصر للعمل كمدربة غوص بمدينة الغرقة الساحلية.
في ذلك اليوم التقت بوجانفسكي لأول مرة بقرش الطرف الأبيض المحيطي ناحية السواحل المصرية، "إذا كنت مهتمًا بالقروش، ستدرك كم هي مميزة تلك اللحظة". توضح بوجانوفسكي للمنصة "تتمتع قروش الطرف الأبيض المحيطي بسمت خاص، فهم لا يخافون من الناس، إنهم فضوليون جدًا، سيقتربون منك وهم واثقون جدًا في أنفسهم. ولديهم أيضًا تلك العلامات المميزة على أجسادهم التي تستطيع من خلالها تمييز الأفراد. وإن كُنت عالم أحياء بحرية ستدرك فورًا أنها فرصة مناسبة لبدء مشروع بحثي".
تقول بوجانوفسكي "قررت البقاء والعمل في مركب الغوص لأنه نشاط مثير لكل الحواس، أحببت أيضًا فكرة أن أشرح وأتحدث عن الحياة البحرية للغواصين، كما كنت آمل أن تتيح لي تلك الوظيفة فرصة لبدء مشاريع بحثية".
تشير بوجانوفسكي إلى أنها حاولت بعد ذلك أن تبحث عن خبير ليدرس سلوك تلك القروش في البحر الأحمر، "لكني لم أعثر على أي أحد". منذ ذاك الوقت راحت تجمع الصور التي يمكن من خلالها تعريف أفراد القرش الأبيض المحيطي، مع المزيد من المعلومات التفصيلية لبناء قاعدة بيانات عن القروش ربما تمثل نواة لتعاون بحثي في المستقبل.
بعد مرور أكثر من عقد، حظيت قروش البحر الأحمر بالاهتمام؛ بعدما تسببت في عدة هجمات عامي 2017 و2018 على سياح وغواصين قبالة سواحل الغردقة، لكنه اهتمام سرعان ما خفت بعد عودة الحياة إلى طبيعتها، وتناسى الناس الهجمات والقروش المهددة بخطر الانقراض.
وفي الثامن من يونيو/حزيران الماضي عادت القروش لتتصدر المواقع الإعلامية والسوشيال ميديا بعد تسجيل حادثة بالفيديو لهجوم قرش من نوع النمر على سائح روسي، والتهامه أمام عدسات الكاميرات.
خطف الأضواء
يومها، كان محمد صلاح، ابن مدينة القصير الساحلية، في رحلة بحرية مع مجموعة من السياح عندما ورده خبر السائح الروسي، وكان وقعه عليه كالصاعقة. يعيش محمد على الأنشطة البحرية، فهي مصدر دخله الأساسي. ومثل تلك الحوادث التي ينشغل بها الناس يوم أو يومان، تُمثل منعطفات أساسية في حياته.
يقول صلاح للمنصة عن تداخل البحر في يومه وحياته "اعتدت منذ صغري أن أمشي للبحر لألعب مع رفاقي". مثل العديد من شباب تلك المحافظة، امتهن صلاح الغوص بعد انتهائه من دراسته الأساسية، وخلال 10 سنوات مضت بات الغوص في مناطق الشعاب المرجانية هو مصدر رزقه الرئيسي.
يعمل ما يزيد عن مائتي ألف في قطاع السياحة بالبحر الأحمر، الذي يزور سواحله أكثر من مليون سائح سنويًا. وتحتل سياحة الشعاب المرجانية، وأنشطة الغوص والسباحة المرتبطة بها الصدارة، حيث تُدر قرابة 7 مليارات دولار سنويًا على مصر، وهو ما يضعها في مقدمة الدول ذات العوائد الأضخم من سياحة الشعاب المرجانية عالميًا، بحسب تقرير صدر عام 2019 عن اللجنة السامية لاقتصاد محيطي مستاد.
فور وقوع حادث السائح الروسي، أعلنت السلطات المصرية تعليق السباحة والغوص والرياضات المائية مؤقتًا، وهو ما أوقف دخل صلاح الذي يتقاضى نسبة من كل رحلة يقوم بها.
ورغم مرور أكثر من شهرين على الحادث، لا يزال دخل صلاح متأثرًا "انخفض عدد السياح الراغبين في رحلات الغوص لذعرهم من المشاهد التي نقلتها الكاميرات لحظة هجوم القرش على السائح الروسي"، بحسبه.
منذ عام 2009 تكررت هجمات القروش على سواحل البحر الأحمر المصرية، فحسب قاعدة بيانات هجمات القروش، التابعة لمتحف ولاية فلوريدا للتاريخ الطبيعي، وصل عدد الهجمات المسجلة ناحية سواحل البحر الأحمر المصرية في تلك الفترة إلى قرابة 8 هجمات، أدت في معظمها إلى مصرع الضحية.
ولكن بسبب الفيديو الذي وثق هجوم القرش على السائح الروسي، حظي الحادث الأخير دون غيره بتغطية غير مسبوقة، فتناقلته وسائل الإعلام العربية والأجنبية مع عناوين لا تخلو من إثارة، مستخدمة مصطلحات مثل "القتل" و "الالتهام" و"الافتراس" بشكل متكرر.
تصدر "القرش" أيضًا السوشيال ميديا لأسابيع عدة، وسرعان ما طفت على السطح تفسيرات تربطه بنظريات المؤامرة لاستهداف السياحة المصرية.
قد تخسر مصر 90% من عائد الأنشطة المرتبطة بالشعاب بحلول عام 2100، نتيجة تضررها من صيد القروش وتغير المناخ
يتسبب الخطاب الإعلامي "الساخن" في تغطيات حوادث القروش في تحفيز مشاعر الجمهور لدرجة قد تزيد من احتمالات صيدها، أو تحد من جهود الحفاظ عليها، خاصة وأن القروش نفسها لا تتصدر الإعلام إلا في الحالات التي تهاجم فيها البشر، على نُدرتها.
مؤخرًا، تناقلت تقارير إعلامية أخبارًا عن تزايد حالات صيد القروش بعد الحادثة، واغتمنت بعض مطاعم ومحال بيع الأسماك الفرصة لتقديم عروضها على وجبات أسماك القرش، بالرغم من أن صيدها محظور وفقًا للقانون المصري.
لماذا يجب أن نهتم بالقروش دون أن تطلب منا؟
تقول جوليا سبايت عالمة البيئة البحرية بجامعة كامبريدج البريطانية، الحاصلة على الدكتوراه من جامعة الملك عبد الله بالسعودية والتي درست قروش البحر الأحمر لما يزيد عن عقد من الزمان، للمنصة "بقدر ما تجذب تلك الحوداث كاميرات الإعلام نحو خطورة هجمات القروش في البحر الأحمر، فإن الخطر الحقيقي يكمن في اختفاء تلك القروش أو نقصان أعدادها".
ولذلك تبعات، كما تقول "المتوقع حدوثه في حال اختفاء القروش من بيئة بحرية ما؛ هو تزايد أعداد فرائسها من الأسماك بشكل مهول. وبعضها، مثل سمكة الببغاء، تتغذى على الشعاب المرجانية، ومع تضرر الشعاب المرجانية قد تتأذى كل الأحياء المعتمدة عليها".
ويعد البحر الأحمر واحدًا من ثلاث مناطق على مستوى العالم أجمع تواجه فيها طائفة أسماك الأشلاق، التي تتضمن القروش، مخاطر انقراض كبرى، بحسب دراسة نشرت عام 2014.
أجرت سبايت دراسات استطلاعية لتعداد القروش ناحية السواحل السعودية والسودانية، وفي مناطق تتوسط البحر الأحمر، وأكدت المؤشرات التناقص المستمر في تعداد قروش البحر الأحمر، خاصة ناحية السواحل السعودية.
تغيب التقييمات الدقيقة عن حالة القروش ناحية السواحل المصرية، لكن بحسب دراسة نُشرت نتائجها العام الماضي في دورية Zoology in the Middle East، فإن تعداد سلاحف البحر الخضراء، أحد فرائس القروش، تزايد بمعدل مضطرد في خليج أبو دهب، قرب سواحل مرسى علم شمالي غرب مصر، وهو ما يُشير إلى هبوط أعداد القروش.
تقول سبايت "ما يثير دهشتي هو أن الشعاب المرجانية لا تزال تبدو في حالة جيدة، لكن أضرار تناقص القروش قد تبدأ في الظهور قريبًا إذا لم تؤخد الإجراءات الضرورية لحمايتها".
قروش البحر الأحمر مهددة بشدة نتيجة الصيد الجائر، وهناك حاجة ماسة لتعاون إقليمي لإنقاذها
وتُشير تقديرات اللجنة السامية لاقتصاد محيطي مستاد أن مصر قد تخسر قرابة 90% من عائد الأنشطة المائية المرتبطة بالشعاب، مثل الغوص، بحلول عام 2100، نتيجة تضرر الشعاب من آثار التغير المناخي. بينما يتوقع أستاذ البيئة البحرية بجامعة قناة السويس، محمود حنفي، أن سوء الإدارة والصيد الجائر قد يكونا أشد ضررًا على شعاب البحر الأحمر.
يقول حنفي للمنصة "التنوع البيولوجي في البحر الأحمر ركن أساسي من التنمية في قطاع السياحة المصري، وربما الأكثر ربحية".
يأخذ حنفي خطوات إضافية سعيًا منه لبيان المزايا الاقتصادية من الحفاظ على قروشنا، "القروش، وخاصة الأنواع الكبيرة منها، لها قيمة اقتصادية في حد ذاتها. يسافر آلاف المحترفين سنويًا إلى مصر للغوص مع القروش، وهو ما يعني أن القرش الواحد يسهم مباشرة في الاقتصاد المصري".
يستخدم حنفي وفريقه حسبة إحصائية لتقدير قيمة النشاطات السياحية المرتبطة بعامل جذب بيئي محدد، ومن خلالها قدَّروا أن العائد المادي من القرش الواحد في نشاطات الغوص يصل إلى 200 ألف دولار سنويًا.
"بينما يمكنك شراء قرش كامل بمحال بيع الأسماك بحوالي 200 دولار فقط" على حد قوله، "ناهيك عن الخسارة الأكبر فيما يخص تأثير نقصان أعدادها على البيئة ككل".
رحلة البحث عن قروشنا المهمَلة
رغم أهمتيها البيئية والاقتصادية البالغة، تعد معرفتنا بقروش البحر الأحمر محدودة جدًا مقارنة بمجموعات القروش التي تستوطن بحارًا أخرى في العالم.
فمن بين 500 نوع من القروش تم تعريفها عالميًا، رُصد قرابة 30 منها فقط في البحر الأحمر، ناهيك عن نُدرة المعلومات الوصفية للتوزيع الزماني والمكاني للأنواع التي رُصدت بالفعل.
تقول سبايت إن "خطط الحفاظ على مجموعات القروش في مواقع أخرى من العالم تمت من خلال توافر أبحاث عن البيئة البحرية ودورة التكاثر وسلوكيات التزاوج والتغذية لدى تلك القروش". ولكن "تلك الأبحاث تكاد تكون معدومة تقريبًا فيما يخص العديد من مجموعات القروش التي تستوطن البحر الأحمر".
وتستطرد "لكن لدينا ما يكفينا من المعلومات لكي نؤكد أن قروش البحر الأحمر مُهددة بشدة نتيجة الصيد الجائر، وهناك حاجة ماسة لتعاون إقليمي لإنقاذها".
حتى تفهم سلوك القروش عليك أن تكون قريبًا منها، ولكن لا يوجد باحث مصري واحد متخصص في سلوك القروش
بحثنا في قاعدة بيانات سكوباس/Scopus عن الدراسات التي أُجريت على قروش البحر الأحمر خلال العقد الماضي، بهدف تكوين صورة أعم عن طبيعة وحجم الأبحاث، مواقع إجرائها، ونسبة إسهام الدول المتاخمة للبحر الأحمر فيها.
حاولنا استخدام كلمات مفتاحية متعددة، شملت Shark، elasmobranch، Red Sea ،elasmobranchii، بتنويعاتها المختلفة، للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأبحاث. قمنا بعدها بحذف الأبحاث التي لم تكن قروش البحر الأحمر ضمن عينة دراستها، أو التي تنتمي لفروع بحثية أخرى مثل علوم الحفريات. أظهرت نتائجنا أن 31 بحثًا فقط طابقت تلك المواصفات خلال الفترة الممتدة من 2011 حتى العام الجاري.
أُجريت أغلب تلك الدراسات (19 دراسة) ناحية السواحل السعودية للبحر الأحمر، بينما أجريت 3 منها فقط ناحية السواحل المصرية، ودراستان ناحية السواحل السودانية، وواحدة بالقرب من جيبوتي. أما باقي الدراسات التي تم رصدها فلم تكن ميدانية، بل كانت فصولًا في كتب، أو أوراق مراجعة لأبحاث منشورة.
تقول سبايت "لا أعتقد أن غياب اهتمام الباحثين هو سبب محدودية الدراسات، لكن الطبيعة الجيوسياسة للدول المتاخمة للبحر الأحمر قد تكون السبب الرئيسي".
وتوضح "قد يكون من الصعب جدًا على الباحثين الأجانب الاستقرار لفترة والعمل في الدول التي تعاني من تحديات أمنية مثل اليمن والسودان وجيبوتي".
أما السعودية، فكانت لفترة طويلة مغلقة أمام السياح والباحثين الأجانب على حد سواء. "ولم يكن التزايد المضطرد في الأبحاث الخاصة بالبيئة البحرية ممكنًا حتى تغيرت تلك الظروف، وتأسست جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية عام 2009، في مدينة جدة الساحلية" بحسب سبايت.
بالحديث عن مصر، تُشير سبايت إلى أنه من الجيد أن نرى اهتمام السلطات المصرية بحماية الشعاب المرجانية، "إلا أن التقييد الأمني الزائد وصعوبة الحصول على تصاريح أمنية للعمل في البحر الأحمر، يُنفر الباحثين الدوليين، ولهذا السبب لا يحاول الكثير منهم القدوم والعمل في مصر".
ينفي حنفي أيضًا أن يكون نقص الاهتمام هو سبب محدودية الأبحاث التي يُجريها المصريون في البحر الأحمر، خاصة فيما يخص دراسة سلوك القروش، "بالنسبة للباحث المصري فالتمويل هو العائق الأكبر، حيث تتطلب تلك الدراسات توافر تمويل يكفي لاستجار قارب مجهز والمكوث في البحر لعدة أيام أو أسابيع، ناهيك عن الأدوات التي يحتاجونها لإجراء اختباراتهم".
"حتى تفهم سلوك القروش عليك أن تكون قريبًا منها، لذلك لا يوجد باحث مصري واحد متخصص في سلوك القروش" بحسب حنفي.
تشهد مصر العدد الأكبر من هجمات القروش من بين الدول المطلة على البحر الأحمر
يتفق حنفي وسبايت في أن الاعتماد على الدراسات التي أجريت في مواقع أخرى على نفس أنواع القروش لن يكون كافيًا لفهم سلوك مجموعات قروشنا في البحر الأحمر.
"الأمر أشبه بأن تحاول فهم الثقافة المصرية من خلال دراسة المجتمع الألماني" على حد قول سبايت. بينما يؤكد حنفي أن بيئة البحر الأحمر مختلفة، وأنواع الفرائس وأعدادها مختلفة، لذلك من الطبيعي أن تشهد سلوكيات مختلفة لنفس النوع من القروش في مواقع مختلفة.
هل تقينا دراسة القروش هجماتها؟
قبل قرابة 3 سنوات تواصل مسؤولون حكوميون مصريون مع سبايت للوقوف على أسباب هجمات القروش المتكررة على السياح في السواحل المصرية للبحر الأحمر. تقول سبايت "اتصلوا بي وسألوني ما الذي نحتاج معرفته عن تلك القروش وأسباب اقترابها من الشواطئ؟ وما الذي يمكننا فعله للحد من تلك الهجمات؟".
"كان الأمر مشجعًا أن تتاح الفرصة لدراسة القروش في تلك المنطقة بعد قرابة عقد من دراسة القروش على السواحل السعودية".
سارعت سبايت بإرسال مقترح عن أجهزة التتبع التي يمكن إلصاقها بمجموعة من القروش، لتوفير معلومات عن سلوكها وهجراتها، ومن ثم تحليل تلك المعلومات للوصول إلى أسباب ومواسم اقترابها من السواحل المصرية.
ولكن "تأخر المشروع لسنوات بسبب الخلاف على أنواع القروش التي سيتم التركيز عليها، وكانت هناك بعض المخاوف الأمنية من استخدام أجهزة التتبع، لكن بنهاية الأمر اختيرت 3 أنواع هي قرش الطرف الأبيض المحيطي والنمر والماكو، وهي الأنواع التي تسببت في الهجمات المسجلة على السواحل المصرية"، بحسب سبايت.
وعقب حادث الهجوم الأخير على السائح الروسي، أعلنت وزارة البيئة المصرية عن بدء المرحلة التحضيرية لدراسة سلوكيات القروش على السواحل المصرية للبحر الأحمر، تحت إشراف سبايت، واصفة الدراسة بأنها "الأولى من نوعها".
وتشهد مصر العدد الأكبر من هجمات القروش من بين الدول المطلة على البحر الأحمر، كما تحتل المركز الثالث إفريقيًا، في عدد الهجمات، بحسب قاعدة بيانات هجمات القروش التابعة لمتحف ولاية فلوريدا للتاريخ الطبيعي.
إلا أن تلك الأرقام يجب أن تُفهم في سياقها. يوضح مدير برنامج القروش البحثي بمتحف ولاية فلوريدا للتاريخ الطبيعي، جافين نايلور، أن منهجية جمع بيانات الهجمات في قاعدة البيانات التي يديرها تعتمد بشكل أولي على التقارير الإعلامية، والتي يتم توثيقها. وبعد ذلك على تقارير شهود العيان ومسؤولي خدمات الطوارئ في المستشفيات.
يقول للمنصة "نتوقع أن تكون لدينا فجوات فيما يخص حوادث هجمات القروش في إفريقيا وجنوب شرق آسيا، لأن بعض الدول لا تمتلك بنية تحتية للإعلام يمكنها الإبلاغ عن تلك الهجمات". ومن ناحية أخرى، تستقبل السواحل المصرية العدد الأكبر من السياح والنشاطات في البحر الأحمر، ولذلك من المتوقع أن يُسجل بها العدد الأكبر من الهجمات.
ومع ذلك فإن التكرار المستمر للهجمات يوحي بوجود أسباب أخرى، بحسب خبراء.
يشير نايلور إلى أن هجمات القرش الأبيض المحيطي محدودة حول العالم، إلا أن طبيعة تضاريس البحر الأحمر المتمثلة في جوانب منحدرة يتوسطها صدع عميق تسهل وصول مثل هذه الأنواع إلى السواحل.
أحد الحلول واسعة الاستخدام لصد هجمات القروش هو استخدام درونز تراقب الساحل على مدار الساعة
الصيد الجائر عامل رئيسي في تلك الحوادث، بحسب حنفي الذي يوضح أن البحر الأحمر يعد بشكل عام من البحار الفقيرة بالمواد العضوية، ومع الاستهلاك غير المنظم لأسراب الأسماك، يتم دفع أسماك القرش الجائعة إلى المغامرة في مناطق جديدة والبحث عن سبل مختلفة للتغذية.
يقول"وصلنا للحد الحرج من الصيد المفرط للأسماك في البحر الأحمر، حيث يتم اصطيادها في مواسم التزاوج عندما تتجمع الأسراب، وهو ما يحد من نموها ويدفع بعض الأنواع إلى حافة الانقراض".
إضافة إلى ذلك، يتفق كل الخبراء الذين تحدثت معهم المنصة في أن إلقاء بقايا الطعام من المراكب بهدف جذب الأسماك لإمتاع السياح، أو بهدف التخلص منها، يجذب القروش إلى مناطق قريبة من الشاطئ.
تقول سبايت "إذا زرت ساحل الغردقة، فسترى الكم الكبير من المراكب المصطفة جنبًا إلى جنب، ويمكنك تخيل كمية المخلفات التي يتم تفريغها منها يوميًا. ومن الواضح أن هذا يجذب أسماك القرش لأنه طعام سهل وغني بالروائح، تُريد تذوقه واستكشافه، لذلك تأتي إلى الساحل وتبقى فيه بحثًا عن الطعام. ومع الوقت، يساهم ذلك في تغيير سلوكها الطبيعي".
يُشير نايلور إلى أن أحد الحلول واسعة الاستخدام لصد هجمات القروش يكمن في استخدام طائرات مُسيرة تُراقب الساحل على مدار الساعة، وفي حال تم رصد قرش قريب من الساحل يتم إغلاق الشاطئ مؤقتَا حتى التأكد من رحيله.
ولكن يحظر القانون المصري شراء أو تداول أو استخدام الطائرات المسيرة/الدرونز إلا في حال الحصول على موافقة من وزارة الدفاع. ومن ناحية أخرى، يتطلب استخدام الطائرات المسيرة وجود فريق مدرب على السواحل لمتابعة الوضع طيلة الوقت، بحسب سبايت.
أهمية الدراسات
تؤكد سبايت أن الدراسات السلوكية والبيئية للقروش يمكنها أن تساهم في توقع مواسم اقتراب القروش من السواحل، والأسباب التي تدفعها إلى ذلك، وبذلك يصبح من الممكن إيجاد حلول لتلك الأسباب، والتأهب لمراقبة الشواطئ في المواسم المتوقعة.
تتفق معها بوجانوفسكي، وتضيف "لاحظنا في عدة مرات أن بعض أنواع القروش تتبع أسراب الأسماك التي تقترب من الساحل في مواسم التكاثر، لذلك فإن دراسة سلوك فرائس القروش قد يكون أيضًا مهمًا لفهم سلوكها".
أما حنفي فيؤكد على ضرورة دعم المشاريع البحثية في مصر "المشروع القائم حاليًا لتعقب القروش هو خطوة جيدة للأمام، لكني أتمنى أيضًا أن يكون لدينا مركزًا لدراسة سلوك القروش لإعداد خبراء محليين قادرين على تحليل وبحث أي حوادث مستقبلية أو الإسهام في تفاديها".
"عدا ذلك، من المهم ترجمة نتائج الأبحاث إلى إجراءات صارمة. علينا أن نسرع في وضع حد للصيد الجائر، خاصة في مواسم التكاثر، حتى نتيح الفرصة لبيئتنا البحرية الفريدة أن تتعافى".
يدرك حنفي أن تلك الإجراءات ستؤثر بلا شك في الحلقات الأضعف في المجتمع من الصيادين، ولذلك "على قطاع السياحة، الذي يعد أكبر المستفيدين من التنوع الحيوي، دعم الصيادين لنبني ستراتيجية مستدامة تحمي الحياة البحرية ومصادر رزق المعتمدين عليها".
لا تزال بوجانوفسكي تواصل رحلات الغوص في البحر الأحمر، وقبل أشهر قليلة حالفها الحظ في رؤية صغار قرش الطرف الأبيض المحيطي قبالة سواحل الغردقة، "إنه أمر مميز جدًا، بسبب طبيعة تضاريس البحر الأحمر، يمكنك أن تشاهد تلك الحيوانات الفريدة التي تسكن المياه العميقة عن قرب، ويمكنك أن ترى الصغار وشبه البالغين والبالغين من الجنسين، وهو أمر نادر جدًا في أي مكان في العالم".
تأمل بوجانوفسكي ألا يكون البحر الأحمر مقبرتهم الأخيرة "لقد كانت تلك القروش في إحدى الأيام أكثر المفترسات وفرة في المحيطات، وإذ بها الآن على أعتاب الانقراض، قد توفر لنا دراسة المجموعات المستقرة في البحر الأحمر فرصة أخيرة لكشف أسرارها، وربما إنقاذ ما تبقى منها حول العالم".