دون حلٍ حاسم، انتهى لقاء جمع بين وفد من معلمات وإداريات مدارس مدينة رفح الحدودية وعبد الفتاح حرحور محافظ شمال سيناء، حيث أبلغهن المحافظ بـ "ضرورة بقائهن في مدارس رفح، حتى انتهاء امتحانات نهاية العام الدراسي" مع بحث إمكانية ندبهن إلى مدارس أخرى بالمحافظة عبر لجنة قرر تشكيلها اليوم، وفقًا لمصادر حضرت الاجتماع.
وبدأت معلمات بمدارس رفح، اليوم الأحد، التوقف عن الذهاب للمدارس بعد التهديدات التي تلقاها بعضهن قبل أيام، وذكرت إحداهن لـ"المنصّة" أن المحافظ قرر، بعد الاجتماع منحهن إجازة تنتهي الثلاثاء المقبل، مشيرة إلى اتفاق ضمني بينها وبين زميلات لها، بـ"الإضراب" لحين حل مشكلتهن.
وتعود القصة إلى يومي 22 و26 فبراير/شباط الماضي، حين تم تهديدهن من عناصر جهادية ادعت انتماءها لما يُسمى "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وطالبتهن بـ "ارتداء النقاب، والخروج بصحبة مِحرِم" أو التعرض للعقاب بـ"الجلد، ورش ماء النار عليهن".
تقول نادية، إحدى المعلمات عن الواقعة الأولى التي كانت شاهدة عليها: "واحنا ماشيين في الطريق، عربية فيرنا رمادي وقفت الأتوبيس، ونزل منها 3 جهاديين، اثنين منهم طلعولنا، واحد بيصور والتاني بيقول وعظ عن الزي الإسلامي وأهمية الاقتداء ببنات الرسول، وعرّفوا نفسهم لنا بإنهم جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بولاية سيناء".
يوم الأحد التالي على الواقعة، وبينما توجهت المُعلمات إلى مبنى المحافظة، للاستغاثة بالمحافظ، تعرضت زميلتان لهن لتهديد جديد كان "إنذارًا أخيرًا" من الجهاديين، حسبما تحكي "منى"، مُعلمة أخرى كانت بين المحتجّات، اتخذ بعده المحافظ قرارًا بمنحهن إجازة حتى الأربعاء، يتوجهن بعدها للمدرسة من الطريق الدولي، بأتوبيسات المحافظة.
لكنّ لقاء آخر مع وكيل الوزارة، يوم الإثنين الماضي- وفقًا لحديث المُعلمات- انتهى إلى مد الإجازة حتى الخميس الماضي، ، مع بحث إمكانية نقلهن إلى إدارات تعليمية أخرى هي "الحسنة، وبئر العبد، ونخل".
احتجاج جديد
"حسبي الله ونعم الوكيل".. قالتها إحدى المعلمات لـ"المنصة"عقب الاجتماع بالمحافظ. وقالت إن ما يحدث "مجرد مسكنات" وإن تحركهن، اليوم الأحد، كان بسبب رفض الطريقة التي تعامل بها المسؤولون مع الازمة منذ بدايتها.
وكانت "تهاني"، التي تعمل بمدرسة "المطلّة"، تعلّق آمالها على تحركها وزميلاتها ، اللائي يطالبن بصدور قرار فوري بنقلهن من رفح إلى مدارس آمنة تكون تابعة لـ"إدارة العريش التعليمية، وليس بمناطق نخل أو الحسنة"، وكذلك بـ"فتح باب الندب للمحافظات الأخرى، وتسهيل الإجراءات مثلما تم مع الموظفين الأقباط النازحين"، وهو ما انتهى الاجتماع دون تحققه.
ولاقى قرار الامتناع عن العمل، منذ الأيام التالية لتهديد الجهاديين لهن، رفضًا من هيئات كان بينها صفحة تحمل اسم "المجلس الوطني للتعليم بشمال سيناء"، وتُعرّف نفسها كـ"هيئة حكومية"، إذ أكدت أن القرار ليس بيد المحافظ ولا وكيل الوزارة، وطالبتهن بـ"العودة إلى عملهن، دون خشية أي شئ".
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fahmed22726%2Fposts%2F1258569407564122&width=500حل مرفوض
ويلقى الحل الذي تطرحه المحافظة، بالتوجه إلى رفح عبر الطريق الدولي- المغلق حاليًا- رفضًا من المعلمات، ومنهن منى التي تقول "طيب وبعد ما نفتح الطريق الدولي؟ سهل جدًا الإرهابيين يحطّوا عبوة ناسفة في الأتوبيسات بتاعتنا، لأنها بتركن في جراج مفتوح، وساعتها الطريق الدولي ماحدش هيعدي عليه غير المدرسين وسيارات الجيش، وسهل بكده استخدام اتوبيساتنا لاستهداف الجيش".
وفي رفح، كعَرَض جانبي للصراع الدائر، تضم مدرسة أبوشنار الابتدائية الآن، طلاب ومدرسين 3 مدارس أخرى، تعرضت للقصف على مدار الأشهر الماضية، وهي "قوز غانم" و"أبوشنار الإعدادية"، و"المطّلة"، وفقًا لما ذكرته المُعلمات.
وهذا ما يجعل "نادية"، تبدي استياءها من عدم جدوى الإجراءات الاحترازية، إثر واقعة تعرضت لها وبعض المُعلمات، في أحد الكمائن "المشكلة في التعنت تجاهنا، علشان نروح من العريش لشغلنا، بنعدي على أكتر من كمين، وبنتعامل معاملة الكلاب على كمين الريسة، والعساكر بتوصل بيهم إنهم يطلبوا من الواحدة مننا تطبّل على بطنها، لو مااتطمنش بيطلب من اللي جنبك تخبّط على بطنك، غير التفتيش الذاتي للمدرسين يعني، والمشكلة إن رغم كده ظهر لنا التكفيريين".
أمّا تهاني، التي تعمل بمدرسة "المطلّة"، فكانت تعلّق آمالها على تحركها وزميلاتها اللائي يطالبن بصدور قرار فوري بنقلهن من رفح إلى مدارس آمنة تكون تابعة لـ"إدارة العريش التعليمية، وليس بمناطق نخل أو الحسنة أو بئر العبد"، وهي الأماكن التي تريد المحافظة توزيعهن عليها، وكذلك يطالبن بـ"فتح باب الندب للمحافظات الأخرى، وتسهيل الإجراءات مثلما تم مع الموظفين الأقباط النازحين"، وهو ما انتهى الاجتماع دون تحققه.
وحاولت "المنصّة" التواصل مع وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة شمال سيناء، إبراهيم التداوي، للتعرف على إجراءات المديرية حيال تلك الوقائع، وسُبل تأمين المعلمات، ومسار الدراسة بعد قعود عدد منهن عن العمل، لكنه لم يردّ حتى موعد النشر .
حق ضائع
في أعقاب تهديد المُعلمات، طالبت نقابة المعلمين المستقلة، واتحاد المعلمين المصريين، في بيان مشترك، الدولة بتوفير الحماية والأمان لهن، أثناء ذهابهن وعودتهن من أعمالهن، ونقلهن إلى مقار عمل تكون الأقرب لمنازلهن، مع توفير الحماية الكاملة للمؤسسات التعليمية، والحماية للطلاب والعاملين بها.
ويقول مدير مركز الحق في التعليم، عبد الحفيظ طايل، إن تهديد المُعلمات، ومطالبتهن بـ"النقاب والمحرم" ليست إلا محاولة من التنظيمات المتشددة لـ"فرض ثقافة على الطلبة في مدارسهم، وربما خطوة تُمهد لاقتحام المدارس فيما بعد"، وأضاف"عارفين أهمية التعليم- للاسف- أكتر ما الدولة عارفاه؛ وبالتالي بيحطوا التعليم في مرمى النيران".
وأوضح "طايل" أن الحق في التعليم، لا يعني فقط المجانية، بل كذلك "المدرسة والبيئة التي يتعلم فيها الأطفال، وهل هي آمنة أم لا، وهل الطفل بيتمتع بحقوقه كاملة في المدرسة، وهل محمي من الاستغلال في النزاعات المسلحة أم لا".
وحذّر مدير مركز الحق في التعليم، من أن ما تشهده سيناء "يؤدي لكوارث، كما لو كنا في بيئة حروب"، مستدركًا "مع إن حتى في بيئات الحروب يفترض أن المدارس محمية، لكننا الآن نواجه مشكلتين، الأولى تنظيمات متوحشة، والثانية دولة تريد الانفراد بالتصدي لهذه التنظيمات".
وفي سبيل حل ما، وجه "طايل" دعوة للدولة بالسماح بالمجتمع المدني- سواء في صورة نقابات المعلمين المستقلة أو المراكز الحقوقية- بالمشاركة في حل الأزمة الحالية، ولو بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، لبحث ما يمكن تقديمه من قبيل توفير معلمين متطوعين بديلين للمُعلمات، أو أي حلول أخرى، مُعقبًا "فرغم كل تحفاظاتنا على كل ممارسات الدولة في ملفيّ الإرهاب المجتمع المدني، إلا أننا في وقت كهذا تكون أولويتنا حقوق الأطفال في سيناء".
* أسماء المُعلمات الواردة في القصة "مُستعارة"، لحماية سلامتهن الشخصية.