Pixabay
دكة بدلاء اللاعبين في إحدى مباريات الكرة

انتخابات الرئاسة.. إذا استدعيتم فاستتروا!

منشور الاثنين 3 يوليو 2023 - آخر تحديث الاثنين 3 يوليو 2023

ما أن أُخليت الساحة تمامًا من أي مرشح جاد تخيل أنه بإمكانه ممارسة حقه الدستوري والقانوني في خوض معركة انتخابات الرئاسة الماضية، حتى وجد مهندسوا المشهد أنفسهم أمام مأزق كبير، فمعظم الشخصيات السياسية التي أعلنت عن عزمها خوض السباق الرئاسي تراجعت، إما خوفًا من أن تلقى ذات المصير الذي لقيه أحد المرشحين المرموقين، والذي جرى التعامل معه بطريقة خشنة ومهينة، أو لأن "المشهد السياسي المصري جرى تجفيفه بما لا يسمح بإجراء انتخابات نزيهة"، بحسب ما قالت الحركة المدنية الديمقراطية في بيان حينها.

وفي محاولة للخروج من هذا المأزق، وحتى يكتمل "العرس الانتخابي"، جرى في اللحظات الأخيرة استدعاء رئيس حزب الغد، المهندس موسى مصطفى موسى للقيام بذلك "الدور الوطني"، رغم أن الرجل كان أعلن مرارًا مبايعته للرئيس عبد الفتاح السيسي للترشح لولاية ثانية.

قبل استدعائه مباشرة؛ كان موسى وحزبه قد نظموا فعاليات تطالب الرئيس بالترشح لولاية جديدة، وظلت صفحته على فيسبوك تحمل صورة السيسي وتحتها عبارة "نؤيدك رئيسًا لمصر".

وقبل ساعات قليلة من تقدمه بأوارق ترشحه إلى الهيئة الوطنية للانتخابات حذف موسى صور وعبارات تأييد الرئيس، ونشر قرار خوضه السباق، وذلك بعدما غاب جميع المرشحين عن المشهد "عندما وجدنا أن الساحة لا يوجد بها أي منافسة، وأن لنا أدوارًا مهمة نستطيع القيام بها، قررت الهيئة العليا للحزب المشاركة".

كشف حساب

قبل الوصول إلى ذلك المشهد العبثي، الذي خاض فيه أحد أبرز مؤيدي الرئيس المعركة الانتخابية ضده، كان السيسي قد رهن قرار ترشحه لولاية رئاسية ثانية على رد فعل الشعب المصري تجاه كشف حساب عما تحقق خلال سنوات حكمه الأربع الأولى "بعدها سأقرر هل أترشح لفترة ثانية أم أترك الفرصة لآخرين".

وقال السيسى على هامش منتدى الشباب بشرم الشيخ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2017 "بعد تقديم كشف الحساب من حق المصريين أن يختاروا من يأتى للحكم مرة أخرى.. أتمنى لأي شخص التوفيق.. أي حد هيختاره المصريون هنقول له الله يوفقك".

وقبل بدء إجراءات الاستحقاق الرئاسي بأيام أعلن الرئيس المرشح عن كشف الحساب في ظل غياب أي منافس حقيقي، ما حال دون أن يحصل المصريون على فرصة للاختيار بين متنافسين كما وعدهم الرئيس.

"كان هناك أربعة مرشحين محتملين، أحدهم سُجن وهو رئيس الأركان السابق الفريق سامي عنان، بينما تم الضغط على الفريق أحمد شفيق ليتراجع عن الترشح، أما خالد علي فقد تم تشويه سمعته وتلفيق قضيه له، ومحمد أنور السادات، وهو معارض غير شرس للنظام، قرر الانسحاب بعد تأكده أن كل أجهزة الدولة وأدواتها تعمل من أجل ضمان أن يبدو الأمر وكأن الشعب يبايع الرئيس السيسي"، قال صديقنا الصحفي خالد داود رئيس حزب الدستور والمتحدث باسم الحركة المدنية حينها.

السيسي وصف في كشف الحساب الذي أعلنه منتصف يناير/كانون الثاني 2018 ما تحقق على صعيد الاقتصاد بالطفرة غير المسبوقة "أنجزنا خلال أقل من 4 سنوات، ونكاد ننتهي من إنشاء، ما يقرب من 11 ألف مشروع على أرض مصر بمعدل 3 مشروعات في اليوم الواحد، وهو رقم قياسي غير مسبوق لأي دولة ناهضة وتبلغ تكلفة هذه المشروعات نحو 2 تريليون جنيه".

ومن ضمن المؤشرات التي استعرضها السيسي في كشف حسابه، ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى نحو 37 مليار دولار مقابل 16 مليار دولار في 2014، وانخفاض ميزان العجز التجاري في العامين السابقين لقرار ترشحه بمقدار 20 مليار دولار، وتراجع معدلات البطالة من 13,4% إلى 11,9%، ومعدلات التضخم من 35% إلى 22%.

لا يزال مهندسو المشهد يصرون على إخراج 2023 بذات الآليات التي تم استخدامها لتصنيع استحقاق 2018

لم يجد المصريون الذي خاطبهم الرئيس في حديثه بشرم الشيخ في المعركة الانتخابية المنتظرة سوى السيسي وأحد مؤيديه، فاختار من قرر منهم التوجه إلى صناديق الاقتراع الرئيس الذي يعرفه، باعتباره أفضل من ذلك المجهول، الذي لم يمكن التعامل معه على أنه مرشح جاد يملك من البرامج والبدائل التي يمكن من خلالها تغيير أو إصلاح الأوضاع الراهنة حينها.

ولأن نتيجة الاستحقاق كانت محسومة سلفًا، قرر الناخبون الغياب عن لجان الانتخاب في اليوم الأول للاقتراع، ما دفع مؤسسات وأجهزة الدولة وأحزاب الموالاة إلى استخدام كل أدواتهم وآلياتهم لـ"حشد الناخبين للتصويت"، على حد ما جاء في مانشيت جريدة المصري اليوم آنذاك.

حسبما أعلن المستشار لاشين إبراهيم رئيس اللجنة العليا للانتخابات، حسم السيسي تلك الانتخابات بنسبة فاقت الـ 97% فيما حصل مؤيده الذي خاض المعركة ضده لاعتبارات "وطنية" على أقل من 3% ليحل ثالثًا بعد الأصوات الباطلة، بنسبة مشاركة تجاوزت قليلًا الـ40 % ممن لهم حق التصويت. 

قاربت الولاية الثانية للسيسي، التي كان من المفترض أن تكون 4 سنوات إلى أن جرى تمديدها إلى 6 بعد تمرير التعديلات الدستورية في 2019، على الانتهاء، والانتخابات الرئاسية التي يحق للرئيس وفقًا لذات التعديلات خوضها لفترة ثالثة لا يفصلنا عنها سوى شهور قليلة، والمشهد برمته لم يختلف كثيرًا عما كان عليه قبل استحقاق 2018، إن لم يكن أسوأ على الصعيد الاقتصادي.

الأرقام التي أعلنها الرئيس في كشف حسابه عن الفترة الأولى تراجعت بشكل مطرد، فمعدل التضخم ارتفع إلى الضعف، والدين الخارجي زاد من 96 مليار دولار في 2018 إلى مايقرب من 160 مليارًا، أما احتياطي النقد الأجنبي فهبط من 37 مليار دولار إلى 34.5 مليارًا، وهكذا بقية الأرقام والمعدلات، والتي تكشف أن البلاد تمر بأزمة اقتصادية من أسوأ الأزمات في تاريخها.

نفس المشهد

مع كل هذا التراجع، لا يزال مهندسو المشهد يصرون على إخراج مشهد 2023 بذات الأدوات والآليات التي تم استخدامها لتصنيع استحقاق 2018. ومعطيات المناخ السياسي العام لاتزال طاردة ومانعة لأي بديل يسعى لطرح نفسه كمنافس أمام الرئيس، الذي بدا من تحركاته خلال الأسابيع الأخيرة أنه بدأ بالفعل في تدشين حملة ترشحه لولاية ثالثة.

مرة أخرى يجد المصريون أنفسهم أمام الاختيار بين الرئيس وأحد مؤيديه، وهي إهانة بالغة لمصر وتاريخها

المعارضة المدنية التي جرى إغراقها في مناكفات وخلافات المشاركة في الحوار الوطني، لم تتفق حتى هذه اللحظة على مرشح لخوض المعركة الرئاسية، أحزاب الحركة الديمقراطية اكتفت بالترقب أو بإعلان بعض قادتها لنواياهم في التقدم لهذه المهمة الثقيلة.

في المقابل خرج علينا رئيس حزب الوفد عبد السند يمامة، وهو أحد أشد المؤيدين للرئيس، بتصريح أعلن فيه أن الهيئة العليا لحزبه قررت الدفع به للمشاركة في الاستحقاق الرئاسي، ولفت إلى أنه ملتزم بقرار حزبه رغم أنه شخصيًا مع الرئيس "كلنا مع الرئيس السيسي".

مرة أخرى يجد المصريون أنفسهم أمام الاختيار بين الرئيس وأحد مؤيديه الذين يتم استدعائهم للعب دور في الاستحقاق الانتخابي الأهم، وهي إهانة بالغة لمصر وتاريخها وثورة شعبها الذي خرج خلال السنوات الأخيرة مرتين للمطالبة بوضع أسس وقواعد الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، ثار أملًا في إحداث تغييرات جذرية في بنية الدولة بما يسمح له بممارسة حقه في اختيار الحاكم ومن يراقب أعماله ويحاسبه، ويعزله إذ لزم الأمر.

بدعوى مواجهة الإرهاب جرى العصف بحق الشعب في الاختيار والانتقاد والمراجعة، وتجميد كل أحلامه في تأسيس الدولة الحديثة. تؤكد السلطة الحالية أنها نحجت في تحقيق الاستقرار، لكنها لا تدرك أن الاستقرار الحقيقي لن يتحقق بإقصاء المخالفين وإشاعة مناخ الخوف وكتم صوت الشعب والالتفاف على إرادته بهندسة الاستحقاقات الانتخابية. الاستقرار المستدام له مسوغات أخرى، كما إن للمشروعية شروط أخرى، فبدون رضا الشعب تظل النار مشعلة تحت رماد الاستقرار الظاهر.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.