نظمت نصوص الدستور مواعيد إجراءات الانتخابات الرئاسية، إذ نصت المادة 140 على أن تبدأ تلك الإجراءات "قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يومًا على الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يومًا على الأقل"، أما المادة 241 مكرر، التي تم استحداثها كنص انتقالي في التعديلات التي أجريت على الدستور في 2019، فذهبت إلى أن مدة رئيس الجمهورية "الحالي" تنتهي بعد 6 سنوات من "تاريخ إعلان" انتخابه في 2018.
لو احتكمنا إلى الفقرة (ب) من المادة 140 من الدستور تنتهي مدة الرئاسة الحالية في 2 يونيو/حزيران المقبل، فالرئيس عبد الفتاح السيسي أدى اليمين الدستورية قبل مباشرة فترة رئاسته الثانية في 2 يونيو عام 2018، والتعديلات الدستورية مددت فترة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات، وعليه فإن الهيئة الوطنية للانتخابات من المفترض أن تعلن عن بدء الإجراءات قبل 2 فبراير/شباط المقبل، وأن تنهي أعمالها وتعلن النتيجة النهائية قبل 2 مايو/أيار المقبل.
من الجائز أن تبدأ الانتخابات قبل ديسمبر ولكن الموائمة السياسية تفرض ألا تطول الفترة بين إعلان النتيجة وأداء الرئيس المنتخب للقسم
استحداث المادة 241 مكرر كنص انتقالي في تعديلات 2019، عَدّل من مواعيد إجراء الانتخابات لمرة واحدة، فحساب المائة والعشرين يومًا يبدأ بشكل عسكي، من تاريخ 2 أبريل/نيسان 2024، حيث أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات فوز الرئيس السيسي في الانتخابات الرئاسية الماضية يوم 2 أبريل 2018، وعليه فإن إجراءات الانتخابات المقبلة يجب أن تبدأ قبل 3 ديسمبر/كانون أول 2023، ويجب إعلان النتيجة النهائية قبل أول مارس/آذار 2024.
لم يمنع المشرع الدستوري أن تكون بداية إجراءات الانتخابات الرئاسية قبل الشهور الأربع المنصوص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 140، واكتفى بتعبير "على الأقل"، باعتبارها مدة كافية تسمح بإتمام الإجراءات قبل شهر كامل من انتهاء ولاية الرئيس القائم.
واستنادًا إلى النص الانتقالي المشار إليه أعلاه، فمن الجائز أن تبدأ الانتخابات قبل بداية ديسمبر وفقًا لقاعدة "على الأقل"، لكن الموائمة السياسية تفرض ألا تطول الفترة بين إعلان النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية وأداء الرئيس المنتخب للقسم الدستوري واستلامه مهام منصبه، والذي من المفترض أن يكون في أبريل 2024.
هذا يعني أن الرئيس الحالي سيستمر في أداء مهامه حوالي 5 شهور بعد إعلان النتيجة، حتى لو حُسمت لصالح غيره
لو فرضنا جدلًا، أن الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي تعددت الروايات حول موعد بدء إجراءتها ما بين سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين المقبلين، ستُعلن نتيجتها بعد شهرين ونصف من بداية الإجراءات، استنادًا لسابقة الانتخابات الماضية، أي في نوفمبر/تشرين ثاني أو ديسمبر/كانون أول من العام الجاري، فهذا يعني أن الرئيس الحالي سيستمر في أداء مهامه وممارسة صلاحياته الدستورية ما يقرب من خمسةأشهر بعد إعلان النتيجة، حتى ولو حُسمت لصالح مرشح آخر غيره. كما أنه من الوارد عدم خوضه المعركة من الأساس. وهذا وضع مستهجن لا تعرفه دول العالم التي تحترم القواعد والأعراف الديمقراطية.
في تلك الدول؛ لا تطول الفترة بين إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية وتسلم الرئيس المنتخب لمهام منصبه لأكثر من ثلاثة أشهر كحد أقصى. خلال تلك المدة لا يجوز للرئيس القائم، والذي يعرّف في بعض الدول الغربية بـ"البطة العرجاء"، اتخاذ قرارات أو إصدار قوانين إلا في حدود تصريف الأعمال أو تحت بند الضرورة، وتستغل تلك الشهور عادة في تنسيق عمليات التسليم والتسلم بين فريقي الرئيسين؛ المنتخب والقائم.
ولأننا في مصر، فالنصوص القانونية والدستورية وترتيب المواعيد التنظيمية والإجرائية يتم تفصيلها على مقاس الرئيس القائم، ولا يمكن لأحد وهو يرتب أجندة أي استحقاق أن يفترض حدوث مفاجأة تنسف تلك الترتيبات؛ كأن يخسر الرئيس الذي يحكم الانتخابات مثلًا وتفرض إرادة الناس غيره عبر صناديق الاقتراع.
لذا، فالحديث عن طول المدة التي تفصل بين إعلان النتيجة وتسلم الرئيس الجديد لمهامه لا يعدو كونه حديث افتراضي، ليس له محل من المنطق الذي يحكم الأمور في مصر عبر قرون.
بعد تصاعد الجدل حول موعد بدء إجراءات انتخابات الرئاسة خلال الأيام الماضية، حاول ضياء رشوان المنسق العام للحوار الوطني، حسم الأمر، فاستهل كلمته خلال جلسة لمناقشة مشروع قانون تداول المعلومات، عقدت أمس الأحد، بالتأكيد على أن الإعلان عن فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة يجب أن يتم بحد أدنى 3 ديسمبر المقبل، مستدركًا "يجوز فتح باب الترشح قبل هذا الموعد". أما الحديث عن انتخابات رئاسية مبكرة فيرى أنه "ينم عن جهل من يتحدث بالدستور المصري".
ونوه رشوان إلى أن الدستور عالج الأمر فى مادتين، الأولى المادة 140 التي تنص على أن إجراء الانتخابات قبل 120 يومًا على الأقل من انتهاء ولاية الرئيس الحالى، وإعلان النتيجة قبل 30 يومًا من انتهاء مدته، والمادة 241 مكرر، التي تنص على أن مدة الرئيس الحالي تنتهي بانقضاء ست سنوات من "تاريخ إعلان انتخابه" رئيسًا للجمهورية في 2018، وتابع أن "الرئيس أُعلن عن انتخابه يوم 2 أبريل 2018، ما يعني أن الحد الأدنى لفتح باب الترشح هو يوم 3 ديسمبر 2023، ويجوز قبل ذلك".
تأكيدات رشوان خلال تلك الجلسة، التي تحدث فيها أيضًا المستشار محمود فوزي رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني وأعاد في كلمته ما ذهب إليه منسق الحوار، شرحت المواعيد المنظمة للانتخابات وفقًا للنص الانتقالي الذي تم حشره في الدستور خلال تعديلات 2019، لكنها لم تغلق الباب حول ما أثير عن موعد بدء إجراءات الانتخابات، فكلاهما أنهى حديثه بـ"يجوز قبل ذلك"، أي يجوز في سبتمبر أو أكتوبر، أو "كما يتراءى للدولة" بحسب ما كشف أحد نواب البرلمان المقربين من دوائر صنع القرار لكاتب تلك السطور.
الحجة التي يتم تسويقها لتبكير الانتخابات حجة واهية، فلا توجد قيود دستورية تمنع الاستعانة بالقضاة في أي انتخابات مقبلة
الترويج لإجراء الاستحقاق الرئاسي في موعد مبكر عن 3 ديسمبر، برره البعض بأن الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات سينتهي في يناير 2024، وعليه، وضمانًا للشفافية ومنعا لأي مطعن، "رأت الدولة أن يُجري الاستحقاق الرئاسي تحت إشراف قضائي كامل" يقول ذات النائب، وهو ما يقضي بأن تُجرى الانتخابات قبل مرور 10 سنوات على العمل بدستور 2014، الذي نصت المادة 210 منه على "يتم الاقتراع والفرز في الانتخابات التي تُجري في السنوات العشر التالية لتاريخ العمل بالدستور تحت إشراف كامل من أعضاء الجهات والهيئات القضائية وذلك على النحو المبين بالقانون".
الشعب السيد في الوطن السيد
لم يحظر النص الدستوري استمرار الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، الأمر يحتاج فقط إلى تعديل على قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، بما يسمح بإجراء عمليات الاقتراع والفرز تحت إشراف أعضاء الهيئات أو الجهات قضائية، بحسب ما ذهب فقهاء قانون ودستور.
إذن الحجة التي يتم تسويقها لتبكير الانتخابات الرئاسية حجة واهية، فلا توجد قيود دستورية تمنع الاستعانة بالقضاة في أي انتخابات مقبلة، والقانون القائم قابل للتعديل. أما السبب الحقيقي لـ"التبكير الجائز" وفق نصوص الدستور، فلَم ولَن يقترب منه أحد حتى تبدأ فترة الرئاسة الجديدة ويتم فرض واقع دستوري جديد.
من أدلوا بدلوههم في خبر "مواعيد انتخابات الرئاسة" لم يُجب أحد منهم عن الأسئلة التي تُكمل عناصر هذا الخبر؛ لم يُجب هؤلاء إلا عن سؤال واحد من أسئلة الخبر وهو "متى؟"، لكن مقتضيات الأمور وضرورات المواقع النيابية والمهنية التي يشغلونها تحتم عليهم تقديم إجابة عن أسئلة تبدأ بـ "لماذا؟ ومن اتخذ القرار؟ وما هي العواقب المترتبة على اتخاذه؟" حتى تكتمل أركان الخبر.
لا أظن أن هناك من سيحترم حق الشعب في المعرفة ويقدم إجابات كافية على تلك الأسئلة التي من المفترض أنها تشغل بال كل مواطن مصري، فالسلطة لم تضع هذا الحق في اعتبارها خلال السنوات الماضية ولن تضعه. والمواطن الذي يُفترض أنه صاحب السيادة وصانع القرار الأصيل هو آخر من يعلم دائمًا، وقد يعلم بالصدفة، وقد تُخلط عليه عن عمد الحقيقة بالشائعة، ما يضطره إلى البحث عن وسائل أخرى، عسى أن يجد فيها ضالته. ولكن كل هذا ليس مطروحًا على حسابات السلطة، فلديها دائمًا حسابات أخرى.