بعد توجيه اتهامات جنائية رسمية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من القضاء الأمريكي، للمرة الثانية، وبعد أن أعلن نيته الترشح لانتخابات الرئاسة في العام المقبل، أكد ترامب للصحافة من جديد أنه، حتى لو حُكم عليه وأدانته المحاكم، فلن ينسحب من الحملة الانتخابية.
يستند ترامب في ذلك إلى حقيقة أن الشروط التي وضعها الدستور الأمريكي للمرشح لرئاسة الجمهورية بسيطة ومحدودة، ولم تتغير منذ صياغتها عام 1787. وهي ثلاثة شروط فقط:
- أن يكون مواطنًا أمريكيًا منذ مولده
- لا يقل عمره عن 35 سنة
- ومقيم بالولايات المتحدة منذ ما لا يقل عن 14 سنة
هكذا انتخب الأمريكيون ستة وأربعين رئيسًا للجمهورية، من جورج واشنطن وحتى جو بايدن. لم يطلبوا من المرشح أي شهادة دراسية أو حتى الإلمام بالقراءة والكتابة. ولم يطلبوا كشفًا طبيًا على لياقته البدنية والذهنية. ولم تمنع الإعاقة بسبب شلل الأطراف الرئيس فرانكلين روزفلت من أن يُعاد انتخابه، ليس مرتين وإنما أربعة، وهو على مقعد متحرك خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وتنتصر بلاده وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة!
التعديل الدستوري.. لاحقًا وليس سابقًا
وبسبب ذلك، حدث تعديل دستوري واحد يتعلق بانتخاب الرئيس، لكن لا صلة له بقدراته وإنما بمدد فترات الرئاسة. فالدستور لم يكن يحدد سوى طول الفترة الرئاسية بأربع سنوات. ولأن أول رئيس، جورج واشنطن، اكتفى بفترة ثانية فقط وتقاعد بعد ثماني سنوات، أصبح ذلك تقليدًا.
لا يوجد ما يمنع ترامب من الترشح حتى لو صدرت عليه أحكام بالسجن واستأنف عليها
استمر ذلك حتى نشبت الحرب العالمية الثانية بينما روزفلت في فترته الثانية، فتمسك الأمريكيون بأن يدخل الانتخابات لفترة ثالثة عام 1941، ثم أُعيد انتخابه لرابعة، لكنه توفي بعد شهر واحد، في أبريل/نيسان 1946.
بعدها فقط، تم تعديل الدستور بألا تتجاوز فترة الرئاسة مرتين متتاليتين.
بالتالي، لا يوجد ما يمنع ترامب من الترشح، حتى لو صدرت عليه أحكام بالسجن لكنه استأنف لعدم تنفيذ القرار حتى موعد الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وإذا كان وقتها مرشح الحزب الجمهوري وفاز بالرئاسة، فمن حقه أن يعطي نفسه عفوًا رئاسيًا، وإن فاز مرشح جمهوري آخر، وليس الديمقراطي بايدن، فسيعفو عن ترامب بالمثل كما وعد أغلبهم لاستمالة ناخبي حزبهم.
وقتها، لو حدث ذلك، ربما ينظر الأمريكيون لاحقًا في تعديل الدستور لمنع المدانين قضائيًا بجرائم، وليس مجرد الموجهة ضدهم اتهامات جنائية، بعدم الترشح للرئاسة.
وفيما يتعلق بالمخاوف من كبر سن الرئيس الحالي بايدن وقدرته الذهنية، وهو الأكبر سنًا عند دخول البيت الأبيض (77 سنة) من كل من سبقوه، بمن فيهم ريجان، فلا يوجد ما يمنعه من الترشح لفترة ثانية، لوجود ضمان في الدستور يعطي للكونجرس حق إعفاء الرئيس من مهامه، إذا ثبت عدم قدرته على أداء عمله، خصوصًا وأن نائب الرئيس موجود، لأنه يُنتخب على نفس بطاقة الاقتراع لكل مرشح رئاسي.
أما جنسية زوجة الرئيس الأمريكي، فلا إشارة لذلك في الدستور، مثلما لا يوجد أي قيد على جنسية وأصل والديه.
بالتالي، لم ولن يواجه ترامب أي مشكلة في الوصول للرئاسة من قبل أو الترشح ثانية، رغم أن زوجته الحالية ميلانيا، وُلدت في يوغوسلافيا عام 1970 حين كان والدها من كوادر الحزب الشيوعي الحاكم آنذاك، وهاجرت "ميلانيا كفانك" إلى إيطاليا، ثم أمريكا كعارضة للأزياء، حيث تعرفت بترامب، وتجنست بالجنسية الأمريكية حديثًا، ولا تزال عائلتها في سلوفينيا. كما أن لغتها الإنجليزية لا تزال تحمل لكنة أجنبية مميزة، وهي السيدة الأمريكية الأولى!
فرنسا.. أكثر مرونة
الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي كانت زيجته الثالثة، مثل ترامب، من عارضة أزياء أجنبية، وهي الإيطالية كارلا بروني، التي تجنست لاحقًا بالجنسية الفرنسية. ليس ذلك فحسب، بل إن الرئيس الفرنسي ساركوزي ابن مهاجر من المجر وأم يونانية الأصل، بجانب أصول يهودية وكاثوليكية.
كل هذه الأمور لا تعني واضعو الدستور وقوانين شروط المرشحين للرئاسة في فرنسا. بل وحتى لا يعنيهم إذا كان المرشح مولودًا فرنسيًا أم حصل عليها بالتجنس، وكانت إيفا جولي مرشحة حزب الخضر للرئاسة عام 2012 نرويجية المولد والجنسية قبل هجرتها لفرنسا، وظلت بلكنتها الأجنبية المميزة. وكذلك ترشح للرئاسة من قبل آخرون، وإن لم يفوزوا، كانوا مهاجرون متجنسون، ومنهم مسلمون من المغرب والسنغال.
تنزل متطلبات شروط المرشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية في السن إلى 18 سنة، ومسجل كناخب، ويحمل الجنسية الفرنسية، حتى لو كان متجنسًا بها، دون إشارة إلى جنسية الأب أو الأم، بل وحتى الزوجة.
ويبقى بجانب ذلك، عند الترشح، ضرورة تقديم إقرار الذمة المالية الذي يشمل كل ممتلكات المرشح وزوجته، وتزكيات من خمسمئة من شخصيات بمناصب منتخبة تشريعيًا ومحليًا.
مصر.. تفصيل الشروط
بعد عامين من إطاحة رئيس الوزراء جمال عبد الناصر بأول رئيس جمهورية لمصر، وهو محمد نجيب، أُجري استفتاءان متزامنان في يناير/كانون الثاني 1956 على الدستور الجديد للبلاد وعلى رئيس الجمهورية عبد الناصر، وجاءت النتيجة بأكثر من 99% للاستفتاءين. ونظرًا لأن سن الرئيس عبد الناصر وقتها كان 38 سنة، راعت المادة 120 من دستور 1956 سن الزعيم، فنصت على الآتي:
"يشترط فيمن يُنتخب رئيسًا للجمهورية أن يكون مصريًا من أبوين وجدين مصريين، وأن يكون متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية، وأن لا يقل سنه عن خمس وثلاثين سنة ميلادية، وألا يكون منتميًا إلى الأسرة التي كانت تتولي المُلك في مصر".
بعد ثماني سنوات، ظل سن الـ35 حدًا أدنى في دستور 1964، لكن لم يعد شرطًا أن يكون مرشح الرئاسة "من جدين مصريين"، ولم يعد يُخشى من انتماء المرشح للرئاسة للأسرة الملكية، بافتراض اختفائهم أو انقراضهم!
في دستور 1971 كان الرئيس أنور السادات قد تجاوز سن 52 عامًا، وبالتالي، ازداد سن الحد الأدنى للترشح للرئاسة إلى أربعين، وتم حذف شرط "الجدين المصريين"، ربما لعدم إثارة أصول السادات السودانية بعد أن استقل السودان عام 1956. وهكذا، كانت المادة 75 بسيطة، تشترط فقط أن يكون المرشح مصريًا من أبوين مصريين، ويتمتع بحقوقه المدنية والسياسية، وألا تقل سنه عن أربعين سنة.
يبقى التساؤل عما إذا كنا أكثر حرصًا على تعليم ووطنية المرشح الرئاسي وعائلته في بلادنا مقارنة بدول وقوى عظمى
وحين أُطيح بالرئيس مبارك في 2011 لم تعد هناك زوجات ضباط مثل سوزان مبارك أو جيهان السادات ممن لهن أصول بريطانية، بينما وجد المجلس العسكري الحاكم أمامه طابور متحفز من المؤهلين للترشح للرئاسة، مثل حازم صلاح أبو إسماعيل، وغيره. فجاءت التعديلات الدستورية المفصلة في مارس/آذار 2011 لاستبعاد أكبر عدد ممكن، فأضافت للمادة 75 من دستور 1971 شرط "ألا يكون هو، أو أحد والديه، حاصلًا على جنسية أجنبية، وألا يكون متزوجًا بأجنبية".
ظلت هذه الشروط في دستور 2012، لكن بعد الإطاحة بالرئيس مرسي، زادت شروط الترشح بإضافة شروط أخرى بناء على دستور 2014. ثم صدر القانون 22 لسنة 2014 لينص على شروط أطول، كالتالي:
"أن يكون مصريًا من أبوين مصريين،
ألا يكون قد حمل، أو أي من والديه أو زوجته، جنسية دولة أخرى،
أن يكون حاصلًا على مؤهل عال،
أن يكون متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية،
ألا يكون قد حُكم عليه فى جناية أو جريمة مخلة بالشرف والأمانة، ولو كان قد رُدّ إليه اعتباره،
أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفي منها قانونًا،
ألا يقل سنه يوم فتح باب الترشح عن أربعين سنة ميلادية،
ألا يكون مصابًا بمرض بدني أو ذهني يؤثر على أدائه لمهام رئيس الجمهورية".
وبغض النظر عما إذا كان المرشحون الذين يفون بتلك الشروط، وغيرها من متطلبات مثل تزكية أعضاء البرلمان أو تأييد آلاف الناخبين من عدة محافظات، سيحصلون على فرص عادلة ومتساوية في التنافس من عدمه، يبقى التساؤل عما إذا كنا أكثر حرصًا على تعليم ووطنية المرشح الرئاسي وعائلته في بلادنا مقارنة بدول وقوى عظمى لديها أسرارها وأمنها القومي، الذي لا يقل عما لدينا من أمن ومصالح؟ أم أن كل دستور بتعديلاته وقوانينه تفصيل على مقاس الحكام المطلوبين، أو المنافسين المعروفين سلفًا؟