أخيرًا وافقت، الأسبوع الماضي، وزارة الزراعة الأمريكية لشركتين تتنافسان في تجارب إنتاج لحوم الدواجن بزراعة خلاياها في المعامل، على بدء بيع منتجاتها للمستهلكين، بعد أن تأكد الخبراء في أكثر من اختبار من سلامة هذه "اللحوم مزروعة الخلايا" كما تُسمّى. وتم تعيين مفتشين حكوميين صحيين بمعامل إنتاج الشركتين لإعطاء العبوات المنتجة أختام الصلاحية، مثلما يحدث مع المفتشين البيطريين الموجودين بالمذابح والمسالخ.
ورغم أن سنغافورة هي الدولة الوحيدة التي سبقت الولايات المتحدة في بدء إنتاج لحوم المعمل منذ العام الماضي، غير أن الضمانات التي تعطيها الحكومة الأمريكية لمواطنيها بالسلامة الصحية لأكل هذه اللحوم، كفيلة بتشجيع باقي دول العالم في دعم شركاتها التي شرعت في الاستثمار بإنتاج هذه اللحوم، ومنها إسبانيا التي تتنافس شركاتها لاستخدام تكنولوجيا زراعة خلايا الأبقار بالمثل، وليس فقط الدواجن، في صهاريج أو ما يُسمّى "مفاعلات حيوية" بالمصانع لنمو وتضخيم الخلايا حتى تصبح كتلًا ضخمة يتم تقطيعها وتحضيرها وتعليبها.
لكن التجارب على لحوم الأبقار ،وغيرها من المواشي، لم تكتمل بعد. أما لحم الدواجن المزروعة الخلايا، والتي أجازتها إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية فسيتم تقديمها بكميات محدودة في البداية ببعض المطاعم الفاخرة والمتاجر المتميزة في أمريكا، وبأسعار مرتفعة وأضعاف أسعار الدواجن العادية. ويبلغ عدد الشركات غير الأمريكية التي تجري تجارب مماثلة 150 شركة في أنحاء العالم، وتستعد لإنتاج لحوم مشابهة ولكن أيضًا من خلايا طيور أخرى وحيوانات مثل الخنازير والماعز والأغنام والأبقار.
أكثر المرحبين بذلك الفتح العلمي دعاة حماية المناخ والحفاظ على البيئة، ومعهم نشطاء الرفق بالحيوان. فالحصول، ولو بعد عشر سنوات، على كميات كبيرة من اللحوم دون تربية دواجن ومواشٍ سيلغي الحاجة إلى موارد المياه وملايين الأفدنة المخصصة لمزارع علف الحيوانات، وسيحد من التلوث البيئي لذبحها والتخلص من بقاياها.
لا تتوقع الشركتان الأمريكيتان أن تنتجا في البداية أكثر من 23 ألف كيلوجرام من اللحوم مزروعة الخلايا، بينما يبلغ إنتاج لحوم الدواجن بأمريكا حاليًا نحو 23 مليار كيلوجرام. لكن يمكن في غضون عام أن يزيد الإنتاج إلى نصف مليون كيلوجرام من اللحوم المزروعة!
رغم أن قوانين أمريكا تحظر ذبح المواشي قبل صعقها حتى لا تتألم، فإنها تستثني الذبح على الشريعتين الإسلامية واليهودية
أما بالنسبة لأعداد الحيوانات التي يذبحها سكان العالم سنويًا، فقد بلغت حسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو) ما يزيد عن 92 مليار روح. وتسعى جمعيات الرفق بالحيوان إلى تقنين عمليات ذبح الحيوانات لتصبح أقل قسوة وإيلامًا. فالدول الإسكندنافية على سبيل المثال تحظر تمامًا ذبح المواشي أو الدواجن قبل تخديرها أو صعقها بالكهرباء لتغيب عن الوعي قبل ذبحها مباشرة، ولا تسمح بأي استثناءات في طريقة الذبح على أسس دينية.
أما الولايات المتحدة، فرغم أن قوانينها تحظر منذ الستينيات ذبح المواشي أو الخراف وغيرها من دون صعقها كهربائيًا، أو بالصدمة قبل ذبحها، حتى لا تتألم، فإن القانون الأمريكي يستثني من ذلك، لأسباب دينية، الذبح على الشريعتين الإسلامية واليهودية، امتثالًا للمادة الأولى من الدستور التي تحظر أي قانون يمنع الناس من حرية ممارسة دينهم ومعتقداتهم.
وفي أكثر من مناسبة، تحاول بعض السلطات المحلية في الولايات الأمريكية وضع قوانين تجرم ذبح الأضحيات أو التمثيل بها في طقوس لبعض الطوائف الدينية، وتتدخل المحكمة العليا الدستورية بتأييد الطعن على تلك القوانين انتصارًا للحريات الدينية فوق اعتبارات الرفق بالحيوان!
ربما يستغرق الأمر أكثر من عشر سنوات، حتى يسمح تقدم تكنولوجيا وصناعة اللحوم مزروعة الخلية بإنتاج كميات لحوم ضخمة يمكنها أن تخفّض، ربما بالنصف، عدد الطيور والأغنام والماشية التي يذبحها العالم كل يوم.
لكن حتى لو توقف الذبح لإطعام البشر فلن يكون بديلًا عن طقوس الأضاحي والعبادات. غير أنه طقس لن يحدث كل يوم، بل ربما مرة في السنة، وليس لكل الناس بل لمن استطاع إليه سبيلًا. أما حاليًا، فلن يستطيع في أمريكا شراء لحوم الدواجن المزروعة الخلية، إلا الأغنياء ممن استطاعوا إليها سبيلًا.
وكل عام وأنتم بخير.