في الوقت الذي رأى فيه دبلوماسي مصري سابق، أن توقيت تبادل السفراء بين مصر وتركيا "متفق عليه مسبقًا"، أوضح محلل سياسي تركي أن القرار جاء بناءً على طلب تركي، إذ ثمة إلحاح من أنقر على عودة العلاقات مع القاهرة.
واتفق الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي، والتركي رجب طيب أردوغان، الاثنين، على "ترفيع العلاقات الدبلوماسية" وتبادل السفراء بين البلدين، وذلك خلال اتصال هاتفي هنأ خلاله السيسي إردوغان، بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا لتركيا لفترة جديدة.
من جهة، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق حسين هريدي، للمنصة، إن توقيت إعلان تبادل السفراء "متفق عليه" من قبل، عائدًا باﻷحداث إلى الوراء منذ سبتمبر/ أيلول 2020، حين أبدى إردوغان "استعداده لتسوية العلاقات، بالتالي تبادل السفراء هو ذروة التعاون، وخطوة متوقعة".
هنا يشرح المحلل السياسي التركي جودت كامل، للمنصة، أنه منذ إبداء الرئيس التركي نية التصالح، ومصر كانت تتشك، وتتخذ حذرها، ومن ثمّ "قدمت رجلًا وأخرت أخرى"، معتبرًا ذلك حق للقاهرة، خاصة وأن "إردوغان كثير المناورة"، على حد قوله.
تشهد تركيا توترًا كبيرًا في علاقتها مع الولايات المتحدة، بجانب ضغوط واشنطن على القاهرة بشأن ملف حقوق الإنسان
واستغرقت عودة العلاقات المصرية- التركية عدة سنوات، بتطور تدريجي، بداية من تخفيف حدة الهجوم الإعلامي الصادر من تركيا على الحكومة المصرية، بوقف بعض البرامج المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين فيها، مرورًا بتبادل التصريحات الإيجابية، حتى المفترق الأهم بلقاء الرئيسين المصري والتركي في قطر على هامش افتتاح كأس العالم في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتبادلهما سلام حار.
لكن مساعد وزير الخارجية اﻷسبق، بيّن أن هناك اتفاقًا على لقاء بين الرئيسين، بالتالي لا بد أن "يسبق هذا اللقاء ترتيب دبلوماسي يشمل تبادل السفراء، وهذا خطوة ضرورية"، بل يذهب إلى أن إعلان القرار في أعقاب نتيجة الانتخابات الرئاسية التركية، "متفق عليه بين الجانبين أيضًا"، فيما رأى كامل أن ترقية العلاقات "أمر محتوم" سواء كان إردوغان موجودًا، كما هو الحال اﻵن، أو لم يكن موجودًا، نظرًا لما وصفه بالسياق الدولي العام، وموقف البلدين إقليميًا وعالميًا.
الموقف العالمي، أو ما سماه الباحث في الشأن التركي بمركز اﻷهرام للدراسات الاستراتيجية كرم سعيد بـ"السياق الدولي العام"، كان منطلق الحديث، إذ "تشهد تركيا توترًا كبيرًا في علاقتها مع الولايات المتحدة، بجانب ضغوط واشنطن على القاهرة بشأن ملف حقوق الإنسان"، بالتالي يمكن أن يشكل التقارب بين القاهرة وأنقرة "توزانًا للطرفين في مواجهة الضغوط الغربية".
تحييد الملف الاقتصادي
ورغم الصراع المحتدم بين البلدين منذ الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي في 2013، فإن العلاقات الاقتصادية كانت شبة آمنة، إذ يشير سعيد إلى وجود اتفاق خلال السنوات العشر الماضية على تحييد الملف الاقتصادي، وهو ما دفع إلى "رفع حجم التبادل التجاري من 3 مليارات دولار إلى نحو 7 مليارات دولار حاليًا على الرغم من الخلافات الحادة بين البلدين"، فضلًا عن "ضخ ملياري دولار في فبراير/شباط الماضي، بعد اجتماع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي مع رجال أعمال ومستثمرين أتراك".
وفي منتصف فبراير، كشف المتحدث باسم مجلس الوزراء نادر سعد، تفاصيل لقاء رئيس الوزراء بعدد من رجال الأعمال الأتراك، وقال إن "اجتماع اليوم يمثل الاجتماع الأول بين رئيس الوزراء وممثلي شركات تركية عاملة في مصر"، فيما أوضح سعد أن حجم الميزان التجاري بين البلدين يبلغ 7 مليارات دولار، منها 2.5 مليار دولار صادرات مصرية لتركيا.
وفي 11 مايو/أيار الجاري، بحث اجتماع لمجلس الأعمال المصري- التركي برئاسة عادل اللمعي، رئيس الجانب المصري وعضو مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال المصريين، فرص التعاون الاقتصادي التجاري والاستثماري بين القطاع الخاص في البلدين، وفرص عودة العلاقات بين القاهرة وأنقرة واستئناف اجتماعات مجلس الأعمال بعد توقف 10 سنوات بحضور السفير المصري السابق في أنقرة عبد الرحمن صلاح، ونهاد أكينجي، رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك المصريين.
فيما يرى كامل أن تركيا تعيش أزمة اقتصادية طاحنة، ويمثل تجاوزها "تحديًا رئيسيًا ﻷردوغان، إن نجا منه سيستمر في مدته الرئاسية الجديدة، وإن أخفق من المؤكد لن يصبر عليه الشعب"، هذه اﻷزمة تدفعه من وجهة نظر السياسي التركي إلى إعادة ترتيب أوراقه الإقليمية، سواء بالتصالح مع مصر أو المملكة العربية السعودية، أو تحسين علاقاته بدول الخليج.
وتعاني تركيا أزمة اقتصادية، وزيادة في التضخم وانخفاض قيمة الليرة التركية، إلا أن الأزمة الاقتصادية لم تمنع الأتراك من منح صوتهم لإردوغان.
كما أوضح كامل أن عودة العلاقات مع مصر يمكن أن يصب في صالح البلدين، سواء لتركيا في بحث إردوغان عن فرصة في التنقيب عن الغاز شرق المتوسط، أو لمصر من خلال خط ائتمان قيمته مليار دولار، كقرض نقدي للمستثمرين المصريين الذين يشاركون في مشروعات تركية، جاهزة للتنفيذ، لكنها توقفت عام 2013، وهو القرض الذي من المنتظر أن يفعّل فور عودة السفير المصري الجديد إلى أنقرة.
وبحسب كامل "يمول القرض 85% من قيمة أي مشروع صناعي مشترك بين مصريين وأتراك بفائدة منخفضة عن 9%، خاصة بالمشروعات الإنتاجية"، وهو ما يعتبره دفعًا لحركة الاستثمار بين البلدين، تحتاج إلى تنسيقات دبلوماسية رفيعة. وهو ما ينتظر أن يحدث مع بدء تبادل السفراء بين البلدين.
لا خلاف دائم في عالم السياسة، فبعد نحو عقد من العداء المتبادل، باتت السلطات في أنقرة والقاهرة على وشك خطوة واحدة من تطبيع كامل للعلاقات، ليبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن يصمد هذا التحالف؟