(1)
شهدت الأراضى الفلسطينية المحتلة فى شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الحالي بعض حرائق الغابات التي استمرت لعدة أيام والتي جعلت الحكومة الإسرائيلية تطلب المساعدات من بعض الدول وأن تقوم بعض الدول الأخرى بالتطوع لإخماد هذه الحرائق. جاءت هذه الحرائق في الوقت الذي انتشرت فيه أخبار عن نية الحكومة الإسرائيلية منع الأذان في المكبرات الصوتية في بعض الأراضي المحتلة.
فيما كانت سلطات الإحتلال لا تتوانى فى بذل كل غال ونفيس من جهود و خبرات للسيطرة على هذه الحرائق والعمل على عدم وصولها للمناطق السكنية، كان بعض المواطنين العرب يتناقلون فيما بينهم وعلى وسائل التواصل الإجتماعى أن سبب الحرائق هو منع الأذان بطريقة "انظروا إلى ما حدث لهم" و"أن الله انتقم لمنع الأذان" و"أن غضب الله قد أتى".
(2)
فى القرن الثامن عشر أصبح إقليم سنجان (سين كيانج) ذو الأغلبية الإيغورية تحت الحكم الصينى وكان سبق ذلك بعض المحاولات لإقامة دولة مستقلة و هو ما تم في عام 1949 وسُميت الدولة تركستان الشرقية ولكن سريعًا ما فشلت هذه المحاولة. الإيغوريون – سكان الإقليم – يعتنق معظمهم الإسلام و ينتمون ثقافيًا لآسيا الوسطى.
تكمن المشكلة فى أن الإيغوريين و بعد الصعود و التطور الاقتصادي وجدوا أن الكثير من المواطنين غير الساكنين للإقليم يتوافدون عليه و يحصلون على الوظائف و المكانة الاجتماعية وبدأت طريقة معيشتهم التي كانت تعتمد فى الأصل على التجارة و الزراعة في الاندثار.
لهذا السبب ظهر احتقان بين الإيغوريين، وظهرت بعض أعمال الشغب، وكانت دائمًا ما تتوجه أصابع الاتهام إليهم، ومثال ذلك أحداث الشغب التى حدثت فى عام 2009 و قُتل فيها ما يقارب من 200 شخص وتزامن مع ذلك زيادة القبضة الأمنية للحكومة الصينية على الإقليم.
يقول الإيغوريون أن الحكومة الصينية تحاول أن تمنع أي مظاهر للعقيدة الإسلامية في محاولة لدفن ثقافتهم، بالإضافة إلى أنها تضع القوانين والقيود على شعائرهم، إذ تقلل من عدد المساجد وتضيّق على الجماعات الدينية.
ظلت محاولات الانفصال تحيط الإقليم و خاصة فى حقبة التسعينيات من القرن العشرين، بعد سقوط الاتحاد السوفييتى و ظهور دول إسلامية بشرق آسيا وهو ما كان يتم قمعه من جانب الحكومة الصينية.
يتهم الحزب الحاكم المتشددين فى الإقليم بأنهم يسعون للانفصال بينما يقول مسلمو الإقليم أنهم يعانون من التمييز بسبب اعتناقهم للإسلام و يعانون من القيود على ممارساتهم الدينية مثل منع الأطفال من الذهاب إلى المساجد.
تمنع الصين المسلمين – خصوصًا إقليم سنجان - من صيام شهر رمضان و خصوصًا الموظفين العموميين وطلبة المدارس، وكان موقع إحدى المدارس كتب أنه لا يمكن لأي مُدَرٍّس الاشتراك في نشاطات دينية أو إشراك الطلبة فى النشاطات والممارسات الدينية، وانتقد الأزهر هذه الممارسات ضد المسلمين وجاء فى بيان الأزهر "إن الأزهر يرفض جميع أشكال القمع المسلطة على المسلمين الإيغور في الصين".
(3)
لا بد أن تكون سمعت عن مسلمي ميانمار من قبل أو شاهدت صورًا لهم، سواء كانت صورًا مفبركة أو حقيقية.
فى نوفمبر 2016 كتبت صحيفة الجارديان مقالًا بعنوان "مسلمو الروهينجا الهاربون من ميانمار يتم صدهم من بنجلاديش".
لا تعترف حكومة ميانمار بما يزيد عن مليون من مسلمي شعب الروهينجا الذين يسكنون ميانمار كمواطنين مما يجعلهم بدون جنسية.
فى عام 2012 قامت بعض الاشتباكات الدامية بين البوذيين ومسلمي الروهينجا مما أدى إلى نزوح أكثر من 140,000 من مسلمي الروهينجا، واشترك الجيش فى هذه الأحداث بعد مقتل تسعة من رجال الشرطة فى هجمات على مواقع على طول الحدود مع بنجلاديش.
يقول أحد الشهود لصحيفة الجارديان: "خطف الجيش أخي وأختي، ورأيت كيف أحرق الجيش قريتنا واغتصب النساء والفتيات".
(4)
كان عبد الله بن الزبير معارضًا للدولة الأموية وظل كذلك حتى مقتله, فى عام 692 ميلاديًا وفي عهد عبد الملك بن مروان أرسل بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي لإخماد ثورة الزبيريين و الانتهاء منها، قام الحجاج بمحاصرة مكة وراسل عبد الملك بن مروان لمطالبته بمقاتلة بن الزبير ووافق عبد الملك على ذلك.
تم نصب المجانيق على جبال مكة وبدأ الحجاج بضربها بما فيها من الحرم المكي، وقُتِل الزبير و قُطِعَت رأسه وأُرسلَت إلى عبد الملك في دمشق.
(قام ابن تيمية بنفى حادثة "قصف الكعبة"، وفي بعض الروايات الأخرى قيل إن القصف طال الكعبة ولكن الحجاج لم يكن يقصد ذلك).
(5)
فى شهر أغسطس/آب من عام 1969 دخل رجل يدعى مايكل دينس المسجد الأقصى ووصل إلى المصلى القبلي و قام بإشعال النار عند وصوله إلى منبر نور الدين زنكي، وصلت النيران إلى زاوية المصلى الجنوبية ووصلت إلى مقام الأربعين و محراب زكريا واستمر الحريق حتى تمت السيطرة عليه و إخماده.
أدى هذا الحريق إلى إتلاف تراث يعود إلى ما يقارب ألف عام، وبعد الحريق مباشرة، وخوفًا من اندلاع اضطرابات وأعمال عنف في القدس قامت سلطات الاحتلال بإغلاق الطرق المؤدية إلى المسجد الأقصى، أول قبلة للمسلمين.
ظل الحريق لوقت طويل نسبيًا، وكانت هناك بعض الادعاءات التي ترى تورط رجال الدفاع المدني الإسرائيلي في تمادي الحريق، بسبب تراخيهم في مهام عملهم، بل وقال البعض إنهم كانوا يُزيدون النيران عن طريق سكب البنزين بدلًا من الماء. لم تتم السيطرة على الحريق إلا بعدما تم تدمير أجزاء من المسجد.
تم القبض بعد ذلك على منفذ العملية، وحكمت المحكمة أنه مُختل عقليًا، إذ قال في المحكمة إنه فعل ذلك لكي ينهض المسيح مرة أخرى، وحتى يُقام معبد يهودي مكان المسجد، ووُضع دينس في مصحة عقلية.
ما زالت قوات الاحتلال تقوم بالحفريات أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه، في محاولة لتهويد القدس. اقتربت هذه الحفريات من أساسات المسجد الأقصى وهو ما يهدد البناء، ومن الممكن أن يؤدي إلى تحطمه. يحاول الكثيرون سواء من المجتمع المدني أو بعض المنظمات أو المواطنين الضغط لوقف هذه الأعمال، وما زالت أعمال الحفر مستمرة و ما زال الأقصى مهددًا.
(6)
ما زالت الصين موجودة و تُصدّر منتجاتها لأغلب دول العالم وستمنع الصيام العام القادم و سيُنَدِّد بعض المسلمين. وما زالت أزمة مسلمي ميانمار قائمة، وما زالوا يُهَجّرون من بلادهم ويُمعنون من دخول البلاد الأخرى، لتظل البحار هي وطنهم الأخير، ولم تسقط الدولة الأموية سوى عام 750 ميلاديًا بعد سيطرة الدولة العباسية على الحكم. وبالإضافة إلى كل ذلك ما زال الكيان الصهيوني موجودًا.
(7)
هُجِّر المسيحيون من الموصل، وقُتلوا، ونشاهد اليوم المجازر التي يقوم بها النظام السوري في حلب، واستغاثات الأطفال والنساء. فلماذا لا تحدث لهم المعجزات، وحدثت لمنع الأذان؟ هل الأذان أهم من الصيام وروح الإنسان وقبلة المسلمين؟ أم أن الله ليس عادلًا؟
بالطبع كل هذه الأمور هامة كالأذان، وبالطبع الله عادل، ولكن المعجزة لم تحدث لمنع الأذان، إذ كانت مجرد حرائق غابات تتكرر في العديد من المناطق التي تضم غابات كثيفة، ومثال ذلك حرائق الغابات في أستراليا عام 2013، والتي استمرت لعدة أيام ووصلت إلى ضواحي سيدني.
ولكني أرى عدالة الله تتمثل في أنه خلقنا وأنزلنا الأرض، فليس من المطلوب أن يتدخل الله لكل مظلوم أو أي شخص اُنتهكت حريته، إذا لم ينتفض هذا الشخص لحقه.
إذا نظرنا إلى أي ثورة أو حركة تحررية أو مواطنين حصلوا على حريتهم لن نجد أنهم انتظروا الكوارث الطبيعية أو البراكين ليحصلوا على حريتهم، بل كانوا هم البركان الذي تفجّر تحت أقدام الظالمين.
لم تكن الثورة الكوبية ستنجح – بغض النظر عن رأيك فيها – ببعض الأعاصير. ظل كاسترو وجيشه يحارب ديكتاتورية باتيستا لأكثر من عامين حتى انتصروا عليه فى عام 1959 بدخول العاصمة هافانا. كانت كوبا ستظل تحت حكم باتيستا والهيمنة الأمريكية إذا جلس الثوار منتظرين الحرائق لتنتقم لهم.
لم تشتعل ثورات الربيع العربى بسبب رياح قادمة مصاحبة لبعض العوامل الطبيعية، بل اشتعلت لأن الشعوب قررت أنه لا بد أن تكون هي صاحبة القرار وأن تكون هي المسؤولة عن مستقبلها، وفشلت في بعض البلدان لأنهم يأسوا أو أخطأوا.
لن ينتفض لك شيء إذا لم تنتفض أنت لنفسك، لقد مضى زمن المعجزات القديمة وأصبح الإنسان و ووقوفه ضد الظلم الواقع عليه هو المعجزة التى ننتظرها.